ملخص
يرى مسؤول حكومي أن باستطاعة بريطانيا اتخاذ سلسلة من المبادرات لتحسين أمنها. ويشمل ذلك إدخال تحسينات على ضوابط التصدير المطبقة على التكنولوجيات الناشئة، وتشكيل فريق مراجعة يهدف إلى التوصل إلى فهم أفضل للأخطار المحتملة للاستثمار المباشر المتجه إلى الخارج، وتحديث إرشادات الهيئة الوطنية للأمن الوقائي
في علامة أخرى على فتور العلاقات الصينية - البريطانية أشار نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر دودن إلى أن الحكومة ستنظر في اتخاذ إجراءات جديدة لحماية التكنولوجيا الحساسة التي تطور في الجامعات البريطانية من إمكانية نقلها إلى منافسين خارجيين مع الإشارة بصورة خاصة إلى الصين.
وستنظر الحكومة أيضاً في اتخاذ تدابير لمنع المؤسسات البريطانية من الاعتماد بصورة مبالغ فيها على الاستثمار الأجنبي، في ضوء مراجعتها للتهديدات الأمنية الماثلة أمام الأوساط الأكاديمية البريطانية. وفي تحذير صيغ بطريقة ربما لم تكن مثالية [كتبت كلمة armoury بدل armor]، أعرب دودن عن قلقه من أن "التقدم في التقنيات الحساسة" المحرز داخل الجامعات البريطانية يمكن أن "يتحول إلى ثغرة في ترسانتنا (كما وردت في النص)" [وكان المقصود درعنا]. والخوف هو أن الغرب "يخوض منافسة إلكترونية واقتصادية مع مجموعة متزايدة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية".
كذلك حذر وزير الخزانة جيريمي هانت من أن الشركات والمستهلكين البريطانيين أصبحوا يعتمدون بصورة مفرطة على الواردات الصينية. يبدو الأمر كما لو أنه قد مر وقت طويل منذ أن أعلن رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون عن "العصر الذهبي" في العلاقات البريطانية - الصينية.
ما المشكلة؟
تتلخص المشكلة الجديدة في شكوك حول عمليات تجريها الاستخبارات الصينية. فقد برزت ادعاءات، وإن كانت تفتقر إلى أدلة قوية، بأن الصينيين ربما كانوا وراء محاولة الابتزاز الأخيرة المعروفة باسم "فخ العسل"، والتي نفذت بحق النائب المحافظ ويليام راغ (وفي حق بعض البرلمانيين الآخرين وبعض الصحافيين الذين يغطون أعمال البرلمان، وبعضهم لم تعلن أسماؤهم حتى الآن).
إضافة إلى ذلك، وفق ما أوضحه دودن، ثمة خطر أوسع يتمثل في إمكانية استخدام التكنولوجيات والأنظمة الصينية لجمع بيانات حول الشركات البريطانية، والمؤسسات العامة، والأسر، والأفراد.
قبل بضع سنوات، خلال إدارتي [تيريزا] ماي و[بوريس] جونسون، أثيرت مخاوف في شأن مشاركة الصين في برنامج الطاقة النووية المدنية الخاص بالمملكة المتحدة، وحول دور "هواوي" في طرح شبكة الاتصالات من الجيل الخامس. وقد تركزت المخاوف الأحدث، الشبيهة بتلك الموجودة في الولايات المتحدة، على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة "تيك توك"، وحتى إمكانية الحصول على البيانات من طريق استخدام السيارات الصينية الصنع (على رغم عدم وجود دليل على ذلك).
هل من شيء آخر؟
طبعاً. على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، أصبح البريطانيون أكثر قلقاً في شأن الاضطهاد الذي تمارسه الصين في الداخل وتوسعها في الخارج. على وجه التحديد، ألغت بكين "الإعلان المشترك" في شأن مسألة هونغ كونغ – أي المعاهدة المسجلة لدى الأمم المتحدة، والتي كان من المفترض أن تكون أساس الحكم الصيني في هونغ كونغ لمدة 50 سنة بعد مغادرة البريطانيين للمستعمرة عام 1997.
لقد جرى التخلي عن مبدأ "الدولة الواحدة والنظامين"، وتآكلت تدريجاً الضمانات التي وضعت لضمان استقلال القضاء، وحرية الصحافة، وتعدد الأحزاب السياسية، والحق في التجمع، وحرية التعبير، على رغم الاحتجاجات على الصعيدين المحلي والدولي.
كذلك تسبب القمع الصيني في إقليم التيبت وضد أقلية الإيغور المسلمة إلى إثارة التوترات. وكان تأكيد الصين لسيطرتها على أجزاء كبيرة من بحر الصين الجنوبي سبباً في إثارة المخاوف بين الدول المجاورة مثل فيتنام والفيليبين، في حين تتعرض تايوان إلى ترهيب مستمر.
ويؤدي انتقاد الصين من قبل نواب بريطانيين، مثل إيان دنكان سميث، إلى جعلهم هدفاً للمضايقة وانتحال شخصياتهم عبر الإنترنت ومحاولة شن هجمات قرصنة من قبل جهات صينية، فضلاً عن فرض عقوبات رسمية عليهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما تشكيل "أوكوس" AUKUS، وهو مشروع دفاعي مشترك يجمع أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (واليابان كطرف رابع محتمل)، فقوبل بقدر كبير من الشك من قبل قيادة الحزب الشيوعي. إضافة إلى ذلك، أدى صراع روسيا مع أوكرانيا والعزلة اللاحقة إلى دفع هذين الخصمين التقليديين إلى التقارب معاً. ويبدو وكأن كتل القوى الكبرى تصطف على نحو يذكرنا بمواجهات القرن الـ20.
ماذا ستفعل المملكة المتحدة حيال ذلك؟
إلى جانب إقامة بريطانيا علاقات دفاعية وأمنية أوثق مع حلفائها وأصدقائها التقليديين في المنطقة، يقترح دودن أنها تستطيع أن تتخذ سلسلة من المبادرات المستهدفة على نطاق أصغر لتحسين أمنها. ويشمل ذلك إدخال تحسينات على ضوابط التصدير المطبقة على التكنولوجيات الناشئة، وتشكيل فريق مراجعة يهدف إلى التوصل إلى "فهم أفضل للأخطار المحتملة للاستثمار المباشر المتجه إلى الخارج، وتحديث إرشادات الهيئة الوطنية للأمن الوقائي لتسليط الضوء على الأخطار، وإصدار إرشادات حول كيفية استخدام السلطات الحالية التي تملكها الحكومة للتخفيف من هذه الأخطار وتقييم ما إذا كانت الحاجة تدعو إلى إعطاء الحكومة مزيداً من الصلاحيات".
من المؤكد أن سلبيات ستترتب على قطع العلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أليس كذلك؟
نعم، هذا صحيح. في مرحلة ما، كانت هناك تكهنات حول إمكانية إبرام اتفاقية شاملة للتجارة الحرة والتعاون الاقتصادي مع الصين باعتبارها إحدى الفوائد المحتملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وكان هذا من شأنه أن يحول بصورة حاسمة تركيز المملكة المتحدة نحو سوق واسعة وسريعة التوسع، فضلاً عن مصدر مهم للاستثمار. لكن فرصة التوصل إلى اتفاقية كهذه تبددت قبل فترة طويلة إلى حد ما، وتبدد معها احتمال تعزيز النمو الاقتصادي الهزيل في بريطانيا.
من منظور المستهلكين، تعد الصين مسؤولة عن خفض كلفة بضائع مثل الملابس والهواتف الذكية، وأخيراً السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات. كذلك لا تزال الصين مصدراً مهماً للمكونات والمعدات الضرورية للشركات الصناعية وغيرها في بريطانيا، في حين أن إعادة سلاسل التوريد هذه وتقليل التكامل العالمي عبر العالم الغربي قد يؤدي إلى تعزيز الأمن الاقتصادي وتحفيز خلق فرص العمل المحلية، فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى فوائد ملموسة للمستهلكين الغربيين.
هل من فوارق حزبية في ذلك؟
ليست كثيرة. يتفق الحزبان الرئيسان على التحدي الذي تمثله الصين، ويواجه كل منهما المفاضلات نفسها في وضع السياسات.
النتيجة الأساسية لفتور العلاقات هي أنها تجعل من (بريكست) يبدو أقل نجاحاً من النجاح القليل الذي أصابه بالفعل، من خلال إجهاض المنفعة الرئيسة لعلاقة اقتصادية أوثق مع قوة عظمى. والواقع أن انضمام الصين الوشيك إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي الكتلة الاقتصادية الشرق آسيوية التي تعد المملكة المتحدة عضواً فيها، يطرح إمكانية اضطرار المملكة المتحدة إلى التخلي عن اتفاق تجاري تالٍ لـ"بريكست" كثر الترويج له.
© The Independent