Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحل صندوق النقد أزمة الديون العالمية أم يعقدها؟

مؤيدوه يعدونه ضرورة للاستقرار المالي العالمي ومنتقدوه يرون شروطه سبباً في زيادة الفقر

شروط الصندوق في إطارها العام تدفع باتجاه رفع الدعم الحكومي وتحرير سعر صرف العملة وبيع الأصول الحكومية (أ ف ب)

ملخص

انتقد الاقتصادي الحاصل على "نوبل" جوزيف ستيغليتس الصندوق واعتبره السبب الأول في فشل سياسات التنمية في أفقر دول العالم

ربما لن تجد مؤسسة مالية دولية تشهد جدلاً حول دورها في النظام المالي العالمي أكثر من صندوق النقد الدولي، فبينما يراه البعض ضرورة للحفاظ على الاستقرار المالي العالمي ودعم وتشجيع النمو الاقتصادي، يرفض آخرون تدخله أكثر من اللازم في شؤون الدول متخوفين من أن تؤدي سياساته وشروطه إلى إعاقة التنمية وزيادة الفقر.

وعلى رغم الجدل الذي يمتد من الاقتصاديين إلى السياسيين، وحتى الصحافيين والمعلقين، يظل صندوق النقد الدولي الجهة التي تلجأ إليها الدول المتعثرة بحثاً عن الإنقاذ المالي حين تسد كل الطرق الأخرى أمامها، وعلى رغم ما يعتبره اقتصاديون "الدواء المر"، تلتزم كثير من الدول النامية والصاعدة بالسياسات الاقتصادية الإصلاحية التي يشترطها الصندوق للحصول على قروض.

يقوم الصندوق بمهمته من خلال توجه ثلاثي يضمن: نظام مراقبة النظام الاقتصادي والمالي العالمي وأوضاع الدول الأعضاء، وتقديم النصح والمشورة والدعم الفني بخاصة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل بتوفير التدريب لإدارة الاقتصاد، والإقراض للدول المتعثرة مع ربط القروض بشروط على الدولة المقترضة التزامها لإصلاح أوضاعها المالية، وفق ما يرى خبراء الصندوق، فما صندوق النقد الدولي، وكيف تغير دوره على مدى نحو ثلاثة أرباع القرن من عمره، وهل ما زال ضرورياً للنظام المالي والاقتصادي العالمي، ولماذا يتحمس له البعض وينتقده آخرون، وكيف يطالب البعض بما يصفونه "إعادة هيكلة" الصندوق الذي يربط قروضه للدول بشرط "إعادة هيكلة" اقتصادها؟

من الاتحاد النقدي إلى الائتمان والإقراض

في يوليو (تموز) عام 1944، اجتمعت 44 دولة من حلفاء الحرب العالمية الثانية في "بريتون وودز" بالولايات المتحدة لوضع أسس للاستقرار المالي العالمي، بما يضمن عدم تكرار "حرب العملات" التي أدت إلى الكساد الكبير مطلع القرن الماضي، وأسفرت الاجتماعات الشهيرة عن تأسيس البنك وصندوق النقد الدوليين.

ومن اسميهما يتضح الهدف الأولي لكل منهما، فالبنك لتقديم القروض للتنمية وصندوق النقد لمراقبة السياسة النقدية للعملات المرتبطة بالدولار، أي إن الصندوق في بدايته لم يكن سوى "مراقب عام للسياسة النقدية" للدول التي اتفقت على "قاعدة الذهب"، أي ربط العملات بسعر صرف الدولار الأميركي المقيم بالذهب، وظل الأمر كذلك إلى أن أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مطلع سبعينيات القرن الماضي إلغاء تحويل الدولارات إلى ذهب، وانهارت "قاعدة الذهب"، وخرجت غالب الدول من اتفاق ربط عملاتها بالدولار مع الارتفاع المبالغ فيه لقيمته وقتها.

واتسعت عضوية الصندوق وتطور دوره منذ مطلع السبعينيات، ليصبح كأنه "خط ائتمان دولي" أو كما يسمى "جهة إقراض الملاذ الأخير" للدول التي لا تستطيع الوصول إلى مصادر تمويل من السوق الأولية أو الثانوية أو من مقرضين خواص. وأصبح الصندوق مقرضاً للحكومات ومراقباً لأوضاع السوق المالية حول العالم، وإلى جانب الإقراض في الأزمات، بخاصة للدول النامية والصاعدة، يقدم الصندوق المساعدة الفنية للدول التي تمر بمراحل تحول اقتصادي، وقروضه مشروطة ببرامج "إعادة هيكلة" لاقتصادات الدول المتعثرة، ويصدر أيضاً دراسات وأبحاثاً تستهدف التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.

يضم الصندوق حالياً 190 دولة في عضويته، وتتوفر أمواله من إسهامات الدول الأعضاء بنظام الحصص، إذ تحدد مساهمة كل دولة بحسب حجم اقتصادها وقت انضمامها لعضوية الصندوق، وفي عام 2012 زاد الصندوق من قاعدة تمويله من الدول الأعضاء بنحو الضعف تقريباً بإعلان التزامات من الأعضاء بقيمة 430 مليار دولار تمول "خط ائتمان مرن" و"خط سيولة وتحوط" بهدف تقديم القروض للدول المتعثرة التي ربما لا تلبي شروط الحصول على مساعدة الصندوق.

سياسات وانتقادات

تزامن ذلك مع تدخل الصندوق للمرة الأولى لإنقاذ دولة أوروبية، حين شارك مع المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي في أكبر حزمة إنقاذ على الإطلاق لإخراج اليونان من عثرة الديون حين واجهت الإفلاس عام 2011، في ما عرف بـ"أزمة الديون الأوروبية"، وتطلب ذلك قرض إنقاذ بقيمة 375 مليار دولار على مدى ثمانية أعوام، مرتبط بسياسات تقشفية قاسية على الحكومة اليونانية التزامها.

وفي العام الماضي، وصلت قدرة الصندوق على الإقراض إلى تريليون دولار، وقدم قروضاً في 2023 بقيمة 150 مليار دولار منها 23 مليار دولار بنسبة فائدة صفر في المئة، ويتدخل صندوق النقد الدولي غالباً في الدول النامية والصاعدة التي تلجأ إليه كملاذ أخير للاقتراض حين تصبح غير قادرة على تمويل عجز ميزان المدفوعات الناجم عن عدم قدرتها على تمويل وارداتها، وسداد فوائد وأقساط ديونها. وغالباً ما يتدخل الصندوق، إلى جانب الإقراض المشروط لتلك الدول، في عملية إعادة جدولة الديون الخارجية للدولة المتعثرة لمساعدتها على العودة إلى النمو الاقتصادي والوفاء بالتزاماتها بما فيها سداد قروض الصندوق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غالباً ما تكون الشروط المرتبطة بقروض الصندوق متعلقة بتغيير هيكلي في السياسات الاقتصادية للبلد المتعثر، ويتابع الصندوق تنفيذ تلك الشروط من خلال عمليات مراجعة دورية يتحدد على أساسها الاستمرار في خط الإنقاذ للدولة المعنية. ومع أن الصندوق متهم بهيمنة دول "السوق الحرة" على إدارته، وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، إلا أن بعض منتقديه يرون أنه لا يدفع نحو حرية السوق في الدول التي يتدخل لإنقاذها، على رغم أن شروط الصندوق في إطارها العام تدفع باتجاه رفع الدعم الحكومي وتحرير سعر صرف العملة لمنع الاختلالات في ميزان المدفوعات، وبيع الأصول الحكومية لتنشيط القطاع الخاص، لكن بعض الاقتصاديين يرى أن ذلك لا يحول دون لجوء الدول إلى سياسات مالية خاطئة، وعدم تحمل تبعات أخطائها استناداً إلى تقديرها أن صندوق الدولي سيتدخل في النهاية للإنقاذ.

نتائج وتبعات

في كتابه الصادر عام 2002 بعنوان "العولمة وسوءاتها" انتقد الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتس، الصندوق واعتبره "السبب الأول في فشل سياسات التنمية في بعض أفقر دول العالم". ويرى ستيغليتس أن الإصلاحات الاقتصادية التي يضعها الصندوق كشروط لقروضه تؤدي إلى نتائج عكسية وتضر بالشدة بسكان تلك الدول، ويشير تحديداً إلى دفع الصندوق بسياسات التقشف المالي ورفع أسعار الفائدة والخصخصة وتحرير التجارة وفتح أسواق رأس المال.

هناك من يطالبون بإصلاح إدارة صندوق النقد الدولي لأهداف متباينة، فالبعض يرى أن الصندوق لم يعد "راعياً أساسياً" للسوق الحرة والمفتوحة، ويتعين بالتالي إعادة هيكلة بيروقراطيته المتضخمة وتغيير أسس عمله، بينما يرى البعض الآخر أن هيمنة دول غنية قليلة على إدارة الصندوق وسياساته لا تخدم هدف التنمية المستدامة للدول الأقل دخلاً.

ويركز كثر على الشروط المصاحبة لقروض الإنقاذ التي يقدمها الصندوق للدول المتعثرة، والتي تصفها بعض منظمات الإغاثة والمعونة بأنها مثل "التفاوض تحت تهديد السلاح". ولم تشهد نظم شروط الإقراض أي مراجعة منذ عام 2018، حين كانت التوصية بأن يعمل الصندوق على تحسين الشفافية وتقييم برامجه بطريقة أفضل.

وعلى رغم قسوة شروط صندوق النقد الدولي أحياناً، تقبل الدول بقروض الصندوق لأنها الملاذ الأخير قبل الإفلاس، وفي أزمة الديون الأوروبية رفض الشعب اليوناني في استفتاء عام قروض الإنقاذ من الصندوق لشروطها القاسية، لكن الحكومة اليونانية في النهاية قبلت بالشروط وأبرمت اتفاق القروض.

والآن، هناك بعض من أكثر المستفيدين من قروض الصندوق يتحولون إلى مقرضين آخرين، بخاصة الصين التي أصبحت أكبر مقرض في العالم منذ عام 2017، فعلى سبيل المثال، تذهب ثلث القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي حالياً للأرجنتين، التي طالما اعتمدت على الإنقاذ من الصندوق أكثر من مرة، لكن في العام الماضي اقترضت الأرجنتين من الصين 6.5 مليار دولار لتسدد كلفة وارداتها وتدعم عملتها المحلية، البيزو، وتمول مدفوعات خدمة قروض صندوق النقد الدولي البالغة 44 مليار دولار.

اقرأ المزيد