ملخص
روزاريو في الأرجنتين التي اشتهرت بكونها مدينة ليونيل ميسي تعيش تحت رعب عصابات المخدرات الإجرامية التي تصفي الأبرياء من أجل بث الرعب وإبعاد أجهزة السلطة
جاء الأمر بالقتل من داخل سجن فيدرالي بالقرب من العاصمة الأرجنتينية، قامت السلطات من دون أن تدري بتوصيل مكالمة من مهربي مخدرات مرتبطين بإحدى أشهر العصابات في البلاد إلى متعاونين في الخارج. استأجروا قاتلاً مأجوراً يبلغ من العمر 15 سنة لينهوا حياة أب شاب لم يكونوا يعرفونه حتى.
في إحدى محطات الخدمة في التاسع من مارس (آذار) في روزاريو، مسقط رأس نجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي ذات المناظر الخلابة، كان الموظف برونو بوسانيتش البالغ من العمر 25 سنة يدندن لنفسه وهو يتفقد أرباح اليوم قبل أن تطلق عليه ثلاث رصاصات من على بعد أقل من قدم (30 سم)، كما تظهر كاميرات المراقبة. ولاذ المعتدي بالفرار من دون أن يأخذ أي أموال.
كان هذا رابع حادث إطلاق نار مميت مرتبط بالعصابات في روزاريو في غضون أيام تقريباً. ووصفت السلطات ما حدث بأنه هياج غير مسبوق في الأرجنتين، التي لم تشهد قط عنف عصابات المخدرات المتطرف الذي تعانيه بعض دول أميركا اللاتينية الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعثر على رسالة مكتوبة بخط اليد بالقرب من جثة بوسانيتش، موجهة إلى المسؤولين الذين يريدون كبح جماح السلطة التي يمارسها زعماء عصابات المخدرات من وراء القضبان. "لا نريد التفاوض على أي شيء. نريد حقوقنا. سنقتل مزيد من الأبرياء."
وصف السكان المصدومون الذين قابلتهم وكالة "أسوشيتد برس" في جميع أنحاء روزاريو شعور الرهبة الذي يستولي عليهم.
وقالت سيليستي نونيز البالغة من العمر 21 سنة، التي تعمل أيضاً في محطة وقود: "في كل مرة أذهب فيها إلى العمل، أودع والدي كما لو كانت المرة الأخيرة".
وتطرح سلسلة عمليات القتل هذه اختباراً مبكراً للأجندة الأمنية للرئيس الشعبوي خافيير ميلي، الذي ربط نجاحه السياسي بإنقاذ الاقتصاد الأرجنتيني المتدهور والقضاء على عنف تجارة المخدرات.
منذ توليه منصبه في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول)، وعد الزعيم اليميني بمحاكمة أفراد العصابات كإرهابيين وتغيير القانون للسماح للجيش بالتدخل في الشوارع التي تعج بالجريمة للمرة الأولى منذ انتهاء الديكتاتورية العسكرية الوحشية في الأرجنتين عام 1983.
ومكنت دعوته إلى فرض القانون الصارم، الحاكم المتشدد لمقاطعة سانتا في، التي تضم روزاريو، من تضييق الخناق على العصابات الإجرامية المسجونة التي تقول السلطات إنها دبرت 80 في المئة من عمليات إطلاق النار العام الماضي. وبأوامر من الحاكم ماكسيميليانو بولارو، كثفت الشرطة من مداهمات السجون، وصادرت آلاف الهواتف المحمولة المهربة وقيدت الزيارات.
وقال ميلي بعد مقتل بوسانيتش "نحن نواجه مجموعة من إرهابيي المخدرات الذين يستميتون للحفاظ على السلطة والإفلات من العقاب"، معلناً نشر القوات الفيدرالية في روزاريو ومضيفاً "سنحبسهم ونعزلهم ونستعيد الشوارع."
فاز ميلي بنسبة 56 في المئة من الأصوات في روزاريو، إذ أشاد السكان بتركيزه على مشكلة أهملها أسلافه إلى حد كبير. لكن بعضاً منهم يشعرون بالقلق من أن نهج الحكومة القتالي يوقعهم في فخ النار.
وبدأت العصابات عملياتها الانتقامية المميتة بعد ساعات فقط من نشر وزير الأمن في بولارو صوراً تظهِر سجناء أرجنتينيين محشورين معاً على الأرض، ورؤوسهم مضغوطة على ظهور بعضهم بعضاً - وهو مشهد يذكرنا بحملة القمع القاسية التي شنها رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة ضد العصابات.
"إنها حرب بين الدولة ومهربي المخدرات"، قال حزقيال، وهو موظف يبلغ من العمر 30 سنة في محطة الوقود التي قتل فيها بوسانيتش. وأضاف حزقيال الذي لم يذكر سوى اسمه الأول فقط خوفاً من الانتقام، إن والدته توسلت إليه منذ ذلك الحين أن يستقيل، "نحن من يدفع الثمن".
حتى مؤيدي ميلي لديهم مشاعر متباينة حول حملة القمع، بما في ذلك خيرمان بوسانيتش، والد عامل محطة الوقود المقتول.
وقال بوسانيتش للصحفيين: "إنهم يقدمون استعراضاً ونحن نواجه العواقب".
وتقع مدينة روزاريو، المليئة بالأشجار، على بعد 300 كيلومتر (180 ميلاً) شمال غربي بوينس آيرس، وهي المدينة التي ولد فيها الثوري إرنستو "تشي" غيفارا، وركل ميسي كرة القدم لأول مرة ورفع فيها العلم الأرجنتيني للمرة الأولى عام 1812. لكنها اكتسبت سمعة سيئة في الآونة الأخيرة لأن عدد جرائم القتل فيها يبلغ خمسة أضعاف المعدل الوطني.
وتحول ميناء روزاريو، الذي يقع في منعطف في نهر بارانا، إلى مركز لتهريب المخدرات في الأرجنتين، إذ دفعت الحملات الإقليمية تجارة المخدرات جنوباً وبدأ المجرمون في تهريب الكوكايين في حاويات الشحن التي تنقل عبر النهر إلى الأسواق في الخارج. وعلى رغم أن روزاريو لم تعان أبداً من السيارات المفخخة واغتيالات الشرطة التي تجتاح المكسيك وكولومبيا وأخيراً الإكوادور، إلا أن انشقاق عصابات الشوارع أدى إلى إراقة الدماء.
وقال مارسيلو بيرغمان، عالم الاجتماع في جامعة تريس دي فيبريرو الوطنية في الأرجنتين: "لا نزال بعيدين من مستويات العنف في المكسيك لأننا لا نزال نمتلك قدرة الردع التي تتمتع بها الحكومة في الأرجنتين. ولكننا بحاجة إلى مراقبة روزاريو عن كثب لأن التهديدات الرئيسة لا تأتي من الكارتلات الكبيرة، ولكن من تكاثر هذه الجماعات وتنوعها."
ويحكم مهربو المخدرات قبضتهم على أحياء روزاريو الفقيرة المليئة بالشباب المعرضين للتجنيد [للعصابات]. أحد هؤلاء كان فيكتور إيمانويل، وهو شاب يبلغ من العمر 17 سنة قتل قبل عامين على يد أفراد عصابات منافسة في منطقة تشيد فيها جداريات الشوارع بزعماء المجرمين المقتولين. لم يلق القبض على أحد.
وقالت والدته، خيرونيما بينيتز لوكالة "أسوشييتد برس" وعيناها مدمعان: "يعرف جيراننا من المسؤول عن ذلك. بحثت عن المساعدة في كل مكان، وطرقت أبواب القضاء والحكومة. لم يجبني أحد".
كان الخوف هو كل ما عرفه بينيتيز في حياته. ولكن الآن، وللمرة الأولى في الأرجنتين، يتحد تجار المخدرات المتحاربون معاً ويروعون أجزاء من المدينة التي كانت تعد آمنة في السابق.
لطالما أدار زعماء العصابات المسجونون في أميركا اللاتينية عملياتهم الإجرامية من بعد بمساعدة الحراس الفاسدين. ولكن وفقاً للائحة اتهام كشِف عنها الأسبوع الماضي، فإن زعماء العصابات المسجونين في الأرجنتين كانوا يمررون تعليمات حول كيفية قتل المدنيين بشكل عشوائي عبر الزيارات العائلية ومكالمات الفيديو.
وتقول وثائق المحكمة إن الزعماء دفعوا لقتلة مأجورين دون السن القانونية ما يصل إلى 450 دولاراً لاستهداف أربعة من الضحايا الجدد في ثالث أكبر مدينة في الأرجنتين. ويقول المدعون الفيدراليون إن قتل بوسانيتش وسائقي تاكسي وسائق حافلة في أقل من أسبوع في مارس "حطم سلام مجتمع بأكمله".
فخلت الشوارع، أغلقت المدارس، واعتصم سائقو الحافلات. كان الناس مرعوبين جداً من مغادرة منازلهم.
قال رودريغو دومينغيز، البالغ من العمر 20 سنة، من تقاطع طرق حيث علقت لافتة تطالب بالعدالة لسائق حافلة آخر قتل هناك قبل أسابيع: "هذا عنف من مستوى آخر. لا يمكنك الخروج [إلى الشارع]".
وكان الذعر لا يزال ملموساً في روزاريو الأسبوع الماضي، إذ احتشدت الشرطة في الشوارع وأغلقت الحانات التي عادة ما تكون مزدحمة في وقت مبكر لعدم وجود زبائن. وأفاد أحد المطاعم التي تديرها عائلة ميسي، الذي كان نقطة جذب للمشجعين، عن ليال هادئة وأرباح أقل. وقالت نساء في أحد الأحياء إنهن يحملن مسدسات من عيار 22 ملم. وقالت أناليا مانسو، 37 سنة، إنها خائفة جداً من إرسال أطفالها إلى المدرسة.
وذكر البابا فرانسيس الشهر الماضي أنه يصلي من أجل مواطنيه في روزاريو.
وتستمر الاعتداءات والتهديدات العلنية. هذا الشهر، ظهرت لافتة على جسر على الطريق السريع تحذر وزيرة الأمن الأرجنتينية باتريسيا بولريتش من أن العصابات ستوسع هجومها إلى بوينس آيرس إذا لم تتراجع الحكومة.
وسعت السلطات إلى طمأنة الشعب بإرسال مئات من العملاء الفيدراليين إلى روزاريو. وأمضت وكالة "أسوشيتد برس" ليلة مع الشرطة الأسبوع الماضي إذ قام الضباط بدوريات في الأحياء لتسجيل الأنشطة المشبوهة وإقامة نقاط تفتيش.
وقالت جورجينا ويلكي، وهي ضابطة في فرقة المتفجرات في روزاريو تبلغ من العمر 45 سنة، إنها ترحب بالتدخل الفيدرالي، بما في ذلك الجيش، للسيطرة على الجريمة. وقالت ويلكي: "لقد تضررنا بشدة".
ووعد عمر بيريرا، وزير الأمن العام في المقاطعة، بأن هذه الجهود تمثل تحولاً عن التكتيكات الفاشلة في الماضي.
وقال بيريرا: "كانت هناك دائماً اتفاقات، ضمنية أو صريحة، بين الدولة والمجرمين"، واصفاً كيف كانت السلطات تغض الطرف عن ذلك لفترة طويلة. وأضاف "ما خطة هذه الحكومة؟ لا يوجد ميثاق".
لكن الخبراء يشككون في أن اتباع نهج صارم ضد الجريمة سيمنع مهربي المخدرات من شراء السيطرة على الشرطة والسجون في الأرجنتين.
وقال كريستوفر نيوتن، المحقق في منظمة "إنسايت كرايم" InSight Crime البحثية ومقرها كولومبيا، "ما لم تصلح الحكومة مشاكلها مع الفساد، فمن غير المرجح أن يكون للحملة على السجون أي تأثير في المدى الطويل".
على مدى سنوات، ظل سكان روزاريو البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة يراقبون بحذر الرؤساء ووعودهم وهم يأتون ويذهبون بينما يستمر العنف.
وقالت بينيتيز من منزلها الذي تحمي قضبان حديدية نوافذه: "إنه مثل السرطان الذي ينمو ويكبر"، مضيفة "نحن في الخارج نعيش في السجن. أما من هم في الداخل [داخل السجون] فلديهم كل شيء."