ملخص
في ظل جمود مؤسسة الاتحاد المغاربي الذي يضم 5 دول وهي الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وليبيا، دعا الرئيس التونسي نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي في ليبيا إلى لقاء تشاوري ثلاثي، فما دوافع هذا اللقاء وهل هو إعلان "موت" اتحاد المغرب العربي؟
وسط حال الجمود التي يعيشها اتحاد المغرب العربي، احتضنت تونس، الإثنين الـ22 من أبريل (نيسان) 2024، قمة تشاورية ثلاثية جمعت الرئيس التونسي قيس سعيد، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد يونس المنفي.
توحيد المواقف
وتضمن البيان الختامي للاجتماع التشاوري الأول الذي تلاه وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، اتفاق قادة هذه الدول على "تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها تنسيق الجهود لحماية أمن الحدود المشتركة من أخطار وتبعات الهجرة غير النظامية، وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة، وفق مقاربة تشاركية".
وشدد البيان الختامي على "الرفض التام للتدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وإدانة الجرائم التي ترتكبها (القوات الإسرائيلية) ضد الشعب الفلسطيني والمساندة التامة لحصول دولة فلسطين على العضوية التامة في منظمة الأمم المتحدة".
كما تم الاتفاق على "تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات لإقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع".
واتفق رؤساء الدول الثلاث على التعجيل بـ"تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس، وليبيا، والجزائر، وتطوير التعاون وتذليل الصعوبات المعيقة لانسياب السلع وتسريع إجراءات تنقل الأفراد وإقامة مناطق تجارية حرة بينها".
وفي ختام الاجتماع تقرر "تكوين نقاط اتصال" لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من قبل قادة هذه الدول تمهيداً لعقد الاجتماع التشاوري القادم.
وتنعقد القمة الثلاثية وسط جمود آليات عمل اتحاد المغرب العربي منذ التسعينيات، وتوتر في العلاقات الجزائرية - المغربية، وفتور في علاقات تونس بالمغرب، وغياب موريتانيا.
وتزامن اللقاء الثلاثي مع استمرار إغلاق معبر رأس الجدير منذ شهر، وهو الشريان الحيوي للمبادلات التجارية بين تونس وليبيا، ومع تدفق آلاف المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، إلى تونس عبر الحدود الجزائرية.
فهل دقت القمة الثلاثية آخر مسمار في نعش اتحاد المغرب العربي؟ وهل أعلنت القمة ميلاد تحالف ثلاثي جديد في المنطقة؟
تكتل جديد
ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة التونسية، منتصر الشريف، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "اللقاء يأتي في ظل تحديات جيوسياسية تواجهها المنطقة ككل، إذ تعيش ليبيا على رمال متحركة بصراع نفوذ عسكري روسي - أميركي، بينما تواجه الجزائر عدة إشكاليات أمنية بخاصة مع جيرانها في الحدود الغربية (المغرب)، وفي الجنوب (مالي والنيجر)".
ويأمل الشريف أن تؤدي مخرجات هذه القمة إلى "تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول الثلاث لما تزخر به من إمكانات مهمة ستعود بالنفع على شعوب المنطقة"، واصفاً هذا اللقاء بأنه "محاولة لخلق تكتل جديد بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي تعطلت آليات عمله منذ عقود"، ومحذراً من أن "تفهم بقية الدول المكونة لاتحاد المغرب العربي (المغرب وموريتانيا) أن اللقاء هو استهداف لها"، داعياً الحكومة التونسية إلى "درء مخاطر سوء الفهم حول أهداف اللقاء الثلاثي، وبعث رسالة طمأنة لشركاء تونس بأن اللقاء لا يستهدف أحداً".
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أن "العلاقات التونسية - الجزائرية شهدت توتراً نسبياً على رغم ما يربط بين البلدين من روابط استراتيجية، بسبب استمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين بخاصة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يدخلون تونس عبر الحدود الجزائرية"، معتبراً أن الاتفاق وتوحيد الجهود إزاء هذا الملف "خطوة مهمة"، وداعياً الجزائر إلى "إحكام سيطرتها على حدودها مع تونس، من أجل التحكم في تدفق المهاجرين"، واصفاً استمرار تدفقهم بـ"تصدير الأزمة من الجزائر نحو تونس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النفوذ الأميركي والروسي في ليبيا
ومن جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، في تصريح خاص، أن هناك "أخطاراً أمنية تتهدد البلدان الثلاثة، بخاصة في ظل ما يحدث من صراع دولي أميركي - روسي على الأراضي الليبية، إضافة إلى الإشكالات الاقتصادية"، مشدداً على "أهمية تنسيق الجهود بين هذه الدول"، ولافتاً إلى وجود رغبة من تونس وليبيا والجزائر في "تحقيق قدر من التكامل وتوحيد المواقف إزاء عدد من القضايا الإقليمية المشتركة".
ويرى عقيل أن "الوضع في ليبيا يمثل قلقاً أمنياً بالنسبة إلى الدولتين الجارتين، تونس والجزائر، وهما يريدان معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع في ظل الصراع الدولي على المنطقة، وتزايد النفوذ الأميركي في الغرب، والروسي في الشرق الليبي، وهو ما يدعو إلى مزيد من التشاور والنقاش حول مستقبل ليبيا الأمني والاستراتيجي، إذ أصبحت تونس والجزائر جارتين للولايات المتحدة بدل ليبيا".
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي الليبي أن "أي تحرك لا يراعي المصالح الأميركية في المنطقة، انطلاقاً من ليبيا، ستعمل الولايات المتحدة على إفشاله وإفراغه من محتواه".
من جهة أخرى يعتبر عقيل أن "الدول الثلاث (تونس وليبيا والجزائر) تتعرض لأخطار أكثر من المغرب وموريتانيا، مما يدعو هذه الدول إلى مزيد من التشاور والتقارب في ما بينها لمواجهة هذه التهديدات، بخاصة في ظل التحركات الروسية والأميركية في ليبيا".
"اسم بلا مسمى"
وإزاء فشل اتحاد المغرب العربي، تسعى كل من الجزائر وتونس وليبيا إلى إيجاد آليات بديلة للتشاور وتنسيق المواقف إزاء جملة من التحديات الماثلة.
ويؤكد الكاتب الصحافي والمحلل السياسي الجزائري نصر الدين بن حديد في تصريح خاص، أن "غياب اللقاءات تحت مظلة الاتحاد المغاربي، دفع بالجزائر وتونس وليبيا إلى تنظيم لقاءات تشاورية ثلاثية، بالنظر إلى الملفات الأمنية المطروحة على هذه الدول وكل دولة يجب أن تكون سنداً للأخرى"، لافتاً إلى "وجود تكامل اقتصادي بخاصة بين تونس والجزائر"، ومعتبراً أن "ليبيا هي حالة استثنائية ضمن هذا الثلاثي، نظراً إلى هشاشة الوضع الأمني والسياسي المتوتر والمتقلب على أراضيها".
ويصف بن حديد اتحاد المغرب العربي بـ"اسم بلا مسمى"، وفي ظل تعطل آلياته، وفي غياب اللقاءات منذ عقود، "وجب على الجزائر وتونس وليبيا أن تتحرك في أفق القمة الثلاثية التي هي إرادة فردية وليست رغبة في تجاوز اتحاد المغرب العربي".
من جهة أخرى، يعتبر بن حديد أن "الهجرة السرية داء ينخر في كل بلدان المنطقة"، مشيراً إلى أن "الجزائر بدورها ضحية لتدفق آلاف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، وهي بدورها تعاني هذه الظاهرة"، داعياً إلى "التعاطي مع الهجرة، وفق مقاربة تنموية اقتصادية بالتعاون مع دول الاتحاد الأوربي، للقطع مع المقاربة الأمنية ويبقى المهاجرون في بلدانهم من خلال توفير أسباب التنمية".
لقاء مغاربي كل 3 أشهر
وكان القادة الثلاثة اتفقوا على هامش قمة الغاز بالجزائر بداية مارس (آذار) 2024، على "عقد لقاء مغاربي ثلاثي، كل ثلاثة أشهر، يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان".
وخلال اللقاء بحث الرؤساء "الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، وضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب" بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.
ودافع وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، حينها، عن هذه المبادرة، معتبراً أنها تأتي "لملء فراغ"، بينما "لا يقوم اتحاد المغرب العربي بأي نشاط".
ومن جهته، أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في لقاء صحافي بداية أبريل (نيسان) 2024، أن "هذا التكتل ليس موجهاً ضد أي جهة كانت، وأن الباب مفتوح لدول المنطقة ولجيراننا في الغرب أي المغرب".
"واقع جديد"
في المقابل، يعتبر بعض المتابعين أن التكتل الثلاثي المفترض بين تونس والجزائر وليبيا يعني ضمنياً إقصاء وعزل المغرب وموريتانيا من هذا التحالف، وهو ما يعني نسف مؤسسة اتحاد المغرب العربي، وإدخال المنطقة في واقع سياسي واقتصادي جديد، بينما كان بالإمكان حل الخلافات السياسية بين الدول المغاربية وبناء تكامل اقتصادي واستراتيجي في المنطقة.
ويرى الكاتب الصحافي المختص في الشأن السياسي محمد صالح العبيدي، أن "اتحاد المغرب العربي مؤسسة عريقة إلا أن الواقع السياسي الجديد في المنطقة والتوتر الحاد للعلاقات الجزائرية المغربية، وأيضاً فتور العلاقة بين تونس والمغرب، أجهز على هذه المؤسسة على رغم أهميتها كتكتل اقتصادي إقليمي يعود تاريخ إنشائه إلى 35 سنة خلت".
في الأثناء، وتزامناً مع الذكرى الـ35 لإنشاء اتحاد المغرب العربي، الذي أعلن عن تأسيسه من مراكش في المغرب في الـ17 من فبراير (شباط) عام 1989، أصدر رئيسا البرلمان في كل من المغرب وموريتانيا، بياناً أكدا فيها "تمسك الرباط ونواكشوط باتحاد المغرب العربي، وشددا على أن التكامل المغاربي كخيار لا رجعة فيه".
وللإشارة، فإن آخر قمة للاتحاد المغاربي عقدت في تونس عام 1994، ويبلغ عدد سكان دول الاتحاد المغاربي (تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا)، 120 مليون نسمة، على مساحة تقدر بـ6 ملايين كلم مربع، أي 40 في المئة من مساحة الوطن العربي.