لو كان "مصرف الأب والأم" (BoMaD) مؤسسةً عموميّة محدودة عن حقّ وحقيق، لكان مديرها التّنفيذي ينتظر دوره للحصول على نوع المكافأة التي ينتقدها أمثالي بصورةٍ منتظمة.
فمصرف الأب والأم، من دون شك، واحدة من قصص النّجاح العظيمة في تاريخ سوق الإسكان البريطاني.
وبحسب دراسة صادرة عن شركة التأمين على الحياة "ليغال أند جنرال" و"مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال"، يُعتبر "مصرف الأب والأم" اليوم في مصافِّ أهم 10 جهات لإقراض الرّهن العقاري في بريطانيا، ويُمكن لنموّه بالتالي أن يُثير حماس أي مستثمرٍ محتمل.
وتؤكّد البحوث التي اشتملت عليها الدّراسة أنّ حجم التّمويل الذي يُوفّره المصرف المذكور سيزيد بأكثر من 6 آلاف جنيه إسترليني لتصل إلى 24 ألف جنيه إسترليني في أواخر العام الحالي، ما من شأنه أن يرفع المجموع الإجمالي إلى 6.3 مليارات جنيه إسترليني.
وهذا يُثير مشكلتين على أرض الواقع، الاولى تتعلق بالأثر الذي يُمكن أن تشعر به الجهة المقرضة أو تلك التي تُقدّم المال كهدية.
فالعديد من الأهل، والأجداد أحياناً، يشعرون بمسؤولية مدّ يد العون لصغارهم اليافعين، إدراكاً منهم بحجم الصّعوبات التي يُمكن أن يواجهها هؤلاء لو رغبوا في تسلّق سلّم الإسكان في ظلّ المناخ الاقتصادي الرّاهن.
وعلى الرغم من أنّ سوق الرّهون العقارية تنافسية للغاية، فدخولها لا يزال أمراً عسيراً ومعقّداً بالنسبة إلى المشترين الجدد الذين يفتقرون إلى الموارد الماليّة التي تؤهّلهم دفع عربونٍ كبير لضمان شراء مسكنهم الأول، وهنا يأتي دور المصرف. لكنّ لدوره المتعاظم هذا أثر عميق في المجتمع ككلّ عموماً، وفي المساهمين به خصوصاً.
وفي ما يتعلّق بالمساهمين، فقد أظهر استطلاع رأي أجرته شركة "يوغوف" وشمل ما يزيد على ألفي شخصٍ راشد، أنّ أكثر من نصف هؤلاء (53%) قدّموا المساعدة لأبنائهم على شكل سيولة نقدية. وفيما اتّجه 9% منهم إلى سحب المبلغ المطلوب دفعة واحدة من مدّخرات معاشهم التّقاعدي للإقدام على مثل هذه الخطوة، استعان 13% منهم بدخلهم الخاص سواء من المعاش التّقاعدي أو من المستحقّات السنوية لمساعدة ابنائهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد الاستطلاع كذلك أنّ أكثر من ربع الأهل (26%) الذين لم يبخلوا على أحبائهم بالمساعدة، كانوا غير واثقين من بقاء ما يكفي من المال لتقاعدهم، وأن 15% منهم اضطُرّوا للقبول بمستوى معيشة أدنى وأن 6% منهم فقط اختاروا الاستمرار في العمل وتأجيل تقاعدهم.
ورغم أنّ هذا النوع من الإقراض، أو الإهداء، سيء بما فيه الكفاية بحدّ ذاته، إلا أنه يزداد سوءاً بسبب إسهامه في ترسيخ التفاوت الذي ينخر في المجتمع البريطاني حالياً، ذلك أنّ خدمات "مصرف الأب والأم" غير متاحة للجميع بصورة متساوية، كما أن المصرف يقدم القروض فقط لفئة محدودة جداً ومحظوظة نسبياً من أفراد المجتمع.
وبالتّالي، لن يكون بمقدور العديد ممّن لا يحصلون على هذه الخدمات أن يدخلوا سوق الاسكان، ما يتركهم تحت رحمة سوق الإيجارات غير المستقرّ في بريطانيا ويُعرّضهم إلى ما لا نهاية لخطر الطّرد من مساكنهم.
لكنّ كان من الممكن تحجيم المشاكل التي يواجهها بعض الأهل أو الأجداد الذين يرغبون في تقديم القروض أو الهدايا لصغارهم، وذلك بتوفير إرشادٍ مالي ومنتجات مالية للأهل، على غرار الانتفاع المادي من الملكيّة، وإن كان هذا أمر يتطلب معاينة مستمرة عن كثب من جانب "هيئة السّلوك المالي".
ويشتمل الانتفاع المادي على استخدام رهنٍ عقاري من طرف الأشخاص المتقدمين بالسنّ بغرض مراكمة الأسهم في عقاراتهم، على ألا يُصار إلى سداد هذا الرّهن إلا بعد موتهم. وهذه الوسيلة هي جزء من السوق الذي أثار فضائح مشينة في الماضي.
ماذا عن المشكلة المجتمعية؟ إنّ أحد الأمور التي تُبقي أسعار المنازل مرتفعة بشكلٍ مفرط هو نقص المساكن.
وهذه المشكلة ليست جديدة؛ فهي من المسائل التي يستدعي حلّها تدخّلاً فاعلاً على مستوى الحكومة، مع العلم أنّ الحكومة الحالية التي تضمّ أصحاب ملايين قادرين على الالتحاق بـ "مصرف الأب والأم" لمساعدة صغارهم، أخفقت بشكلٍ استثنائي على هذا الصعيد. وهذا يجب ألا يفاجئ أحداً.
© The Independent