Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السفير المصري: السياسيون في لبنان يعانون أزمة ثقة

حذر علاء موسى في حوار مع "اندبندنت عربية" من أن اقتحام إسرائيل لرفح سيؤدي إلى كارثة وتأثيراته ستمتد للإقليم

ملخص

فيما تنشط "اللجنة الخماسية" سعياً إلى إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، قال سفير مصر لدى بيروت علاء موسى في حوار مع "اندبندنت عربية"، إن اللجنة لا تزال تعمل على وضع خريطة طريق بغية الوصول إلى أرضية مشتركة بين مختلف الأطراف اللبنانية، مضيفاً أن الأولوية هي لوضع معايير مشتركة وتحديد المطلوب من الرئيس المقبل قبل البحث في التفاصيل.

في الـ 30 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 غادر ميشال عون بعبدا داعياً إلى انتشال لبنان من "الحفرة العميقة التي وضعوه فيها"، لكنه لم يسلم حينها مفاتيح القصر الرئاسي لخلف ينكب على تحقيق هذا المطلب، ومنذ ذلك اليوم مر عام ونصف العام وتعمقت خلاله حفرة لبنان وقرعت الحرب طبولها على حدوده الجنوبية مع إسرائيل، فيما لا يزال الفراغ سيد القصر الجمهوري، ولا شيء يشي بأن رئيساً عتيداً سيفتح أبوابه عما قريب.

الفراغ الرئاسي ليس سيناريو جديداً في لبنان، فعون نفسه دخل قصر بعبدا بعد نحو عامين ونصف العام من الشغور في سدة الرئاسة الأولى، وانتهى بوصول مرشح "حزب الله" إلى رأس السلطات اللبنانية بعد التوصل إلى تسوية مع المعارضة، لكن الفراغ الرئاسي الذي يشهده لبنان حالياً يعد أكثر خطورة من أي وقت مضى، فالشلل السياسي الناجم عنه حاصل في ظل أزمة اقتصادية خانقة وغير مسبوقة في تاريخ لبنان أسفرت عن تدهور معيشي كبير في البلاد، وذلك في لحظة إقليمية حرجة وضعت لبنان في عين العاصفة بعد اندلاع حرب غزة وفتح "حزب الله" جبهة الجنوب "إسناداً للمقاومة الفلسطينية"، بحسب قوله.

وفيما سرقت غزة الأضواء إقليمياً ودولياً في السابع من أكتوبر 2023، سارعت الدول العربية والغربية إلى حث إسرائيل و"حزب الله" على منع التصعيد والانزلاق إلى حرب مفتوحة ودعوة القوى السياسية اللبنانية للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وإعادة الانتظام إلى مؤسسات الدولة لحماية لبنان من تداعيات حرب غزة، وليكون جاهزاً للتعاطي مع أية تطورات قد تشهدها المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

وفي هذا الصدد أعادت "اللجنة الخماسية" التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر إطلاق "محركاتها الرئاسية" في لبنان، وانطلق سفراؤها في جولة جديدة على مختلف القوى السياسية بدأت قبل شهر رمضان واستُكملت بعد عيد الفطر، وللاطلاع أكثر على عمل "الخماسية" وإلى أين وصلت في مساعيها، ومدى تأثيرات حرب غزة في الملف الرئاسي وتداعياتها الإقليمية، أجرت "اندبندنت عربية" حواراً مع السفير المصري في لبنان علاء موسى جالت فيه على هذه المواضيع، فضلاً عن آفاق حرب غزة وجهود مصر والدول العربية لوضع حد لها.

"أزمة ثقة"

انطلقنا في حوارنا مع موسى بالسؤال عن الخلاصات التي وصلت إليها "اللجنة الخماسية" حتى الآن، وما بحثته في محطتها الأخيرة في عين التينة، حيث اجتمع سفراؤها برئيس مجلس النواب نبيه بري أول من أمس الثلاثاء، وقد بدأ السفير المصري بالتأكيد أن التجارب التاريخية في لبنان تثبت أن الفراغ الرئاسي ليس مفاجئاً، إذ غالباً ما تطلب إنجاز هذا الاستحقاق جهداً كبيراً، لكن حرب غزة التي جذبت انتباه العالم بأسره مع تأثيراتها على كل دول المنطقة شكلت دافعاً "يجب استغلاله للمسارعة بانتخاب رئيس في لبنان"، لأن "الاختبار الإقليمي صعب والتحديات القادمة كبيرة، ولا بد من أن يكون للبنان موضع في هذه الترتيبات، وبما أن عنوان أية دولة في العالم هو الرئيس، لذا أصبح انتخاب رئيس ملحاً أكثر من أي وقت مضى"، بحسب موسى.

وفي هذا السياق قال السفير المصري إن القوى السياسية في لبنان تعاني أزمة ثقة في ما بينها، لذا تسعى "الخماسية" إلى تسهيل الحوار بين هؤلاء الأطراف وللبحث عن عناصر تكون بمثابة ضمانات ترأب الصدع بينهم، من هنا كان اللقاء مع بري "لنطرح عليه تساؤلات واستفسارات ونستمع منه إلى إيضاحات في شأن بعض النقاط، بحثاً عن مساحة من الثقة يمكن استغلالها والبناء عليها، وعن أرضية مشتركة يمكن العمل عليها بشكل حثيث لأجل تعزيزها بالحد الأدنى لإحداث خرق محتمل في هذا الملف أو لدفع الأطراف السياسية في الأقل للدخول في مناقشات وصولاً إلى انتخاب رئيس".

وفيما الوضع المتأزم في لبنان لا يحتمل الوتيرة البطيئة لإنتاج الحلول و"يستوجب انتخاب رئيس اليوم قبل الغد" إلا أن "الخماسية" لا تزال بحاجة إلى مزيد من العمل والجهد قبل أن تختمر مساعيها وتحدث خرقاً ما في الملف الرئاسي، إذ أكد السفير المصري أن اللجنة لا تزال "في مرحلة تشكيل خريطة الطريق" بناء على ما يصلها من اقترحات وما يطرح من مبادرات من مختلف الأطراف، سعياً إلى تحديد "مواضع الاختلاف والاتفاق، فنتمسك بمواضع الاتفاق للبناء عليها".

وبما أن "الشياطين تكمن في التفاصيل"، فقد قال موسى إن "الدخول في التفاصيل حالياً قد يعرقل المسار، لذا علينا أن نتحدث أولاً عن نقاط نتفق عليها ثم ننظر في التفاصيل لاحقاً علنا نتغلب عليها"، مؤكداً أنه "إذا توافقنا على الهدف والمضمون والمنتج، أتصور أن الشكل يمكن تجاوزه".

 

تحديد المعايير

البحث إذاً عن اسم الرئيس العتيد لم يحن وقته بعد بحسب السفير المصري الذي أكد أن الأولوية هي لوضع المعايير التي يتوافق في شأنها الأطراف اللبنانيون وتحديد المطلوب من الرئيس المقبل، ومن ثم "إن التزمنا بما اتُفق عليه فسنجد كثيراً من اللبنانيين المرشحين بقوة لهذا المنصب".

وفي هذا السياق كشف موسى أن معايير المرشح الرئاسي التي سلمتها مختلف الأطراف للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان سابقاً فيها كثير من المشتركات، بما في ذلك أن يحظى الرئيس المقبل بدعم عربي ودولي يهيئ له الطريق لإصلاح وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وبالتالي يمكن لهذه المعايير أن تكون أساساً يبنى عليه للدخول في "حوار يفضي إلى توافق بين الأطراف من دون أن يجبر أي طرف على شيء".

وسألنا السفير المصري عن الدعم الذي سيتلقاه الرئيس المقبل من الخارج في ظل الأحاديث الصحافية عن تباينات في مواقف دول "الخماسية" نفسها في شأن مقاربة الملف الرئاسي في لبنان، إلا أن موسى أكد ألا اصطفافات داخل اللجنة ولا تنافس بين أعضائها، وجل ما يحدث في اجتماعات سفرائها الدورية هو تقييم للجهود المبذولة وتبادل للآراء والأفكار. أما في ما يتعلق باحتمال توسيع المجموعة لتضم دولاً جديدة، مثل إيران الراعي الأساس لـ"حزب الله"، فأكد السفير المصري أن "أي جهد لحلحلة الوضع في لبنان وتحديداً الملف الرئاسي  ليس حكراً على الخماسية"، وبالتالي يمكن لأي دولة أن تقوم بجهودها الخاصة بمعزل عن عضويتها في اللجنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأقوال بحاجة إلى ترجمة

وبعد حرب غزة اعتبر كثيرون أن الرئاسة في لبنان باتت رهن التسوية الإقليمية التي ستضع حداً للمعارك، ولا سيما أن "حزب الله" يؤكد أن جبهة الجنوب ستظل مفتوحة طالما لم يحصل وقف لإطلاق النار في غزة، وبالتالي يرى بعضهم أن الحزب استغل الوضع وجعل الرئاسة ورقة في سلة مقايضته في شأن أي اتفاق قد يتوصل إليه للتهدئة عند حدود إسرائيل الشمالية، علماً أن تصريحات مسؤولي "الحزب" تنفي ربطه الملفين ببعضهما.

وفي هذا الشأن قال موسى إنه "إذا كان الأطراف اللبنانيون يبحثون عن مصلحة لبنان فيجب ألا يرهنوا مواقفهم بما يحدث في الإقليم"، مضيفاً أن "ما نستمع إليه منهم هو أن البعد الإقليمي أو تأثيراته ليست موجودة في الملف الرئاسي، وهذا حديثهم، لكن لنتأكد من ذلك نحتاج إلى ترجمة بالأفعال على أرض الواقع، وحتى الآن هذه الترجمة غير موجودة". أما في ما يتعلق بربط الدول الخارجية الملف الرئاسي اللبناني بتسوية إقليمية، فأكد السفير المصري أنه "لا يمكن للخماسية أن تأتي برئيس وتجبر اللبنانيين أن يقبلوا به، وهذا لن يحدث".

لكن في الوقت ذاته يوضح أن "اللجنة ليست عبارة عن خمس سفراء في لبنان وحسب، بل هناك دول كبرى خلف هؤلاء السفراء تقوم بأدوار كبيرة على مستوى العالم وعلى صعيد التنسيق الإقليمي والدولي، ويمكن لهذه الدول عبر أدوارها أن تسهل أمر الرئاسة في لبنان".

وقف إطلاق النار في غزة

الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان وإن كانت حتى اللحظة مضبوطة إلى حد ما تثير الخشية من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله"، إن وقعت، فلن تنحصر تداعياتها على البلدين، بل ستمتد لتشمل المنطقة بأثرها مع احتمال انجرار دول وأطراف أخرى إليها مثل إيران خلف "حزب الله" والولايات المتحدة خلف تل أبيب.

ووسط هذه المخاوف سارعت القوى الإقليمية والدولية منذ اللحظة الأولى لاندلاع حرب غزة إلى البحث عن سبل للتهدئة جنوب لبنان، أبرز ما جاء فيها الدعوات إلى تطبيق القرار الدولي (1701) الذي ينص على إخلاء جنوب الليطاني من أي مسلحين، وانتشار الجيش اللبناني وقوات "يونيفيل" عند الحدود بين البلدين.

وفي ضوء هذه المخاوف أكد موسى أن مصر تدعو إلى تطبيق القرار (1701) كاملاً بالتساوي بين الأطراف المعنية، أي ألا ينحصر تطبيقه في لبنان بل يشمل إسرائيل أيضاً.

وقال السفير المصري إن المبادرات التي قامت بها أطراف عدة للتهدئة بين تل أبيب و"حزب الله"، سواء الأميركية أو الفرنسية أو غيرها، والردود التي لاقتها، توحي بأن طرفي النزاع مستعدان للدخول في مفاوضات بغية التهدئة مما يبعد شبح الحرب الشاملة بينهما.

غير أن موسى حذر من أن "استمرار الحرب في غزة وتوسعتها قد تؤدي إلى تأثيرات على جبهات أخرى" بما فيها لبنان، وبالتالي يبقى "العنوان الرئيس لخفض التصعيد هو وقف إطلاق النار في غزة".

واعتبر السفير المصري أن ما حصل في القطاع "أثبت حاجة المنطقة أولاً إلى أنظمة مستقرة كي تستطيع مواجهة التهديدات"، بما فيها "لبنان الذي يحتاج إلى أن يكون أكثر استقراراً، خصوصاً أنه يملك جبهة أساس مع إسرائيل وهي الآن مشتعلة".

اجتياح رفح سيكون كارثياً

ومن الملف اللبناني انتقلنا مع السفير المصري إلى الحديث أكثر عن حرب غزة التي لا تلوح حتى الساعة بوادر حلحلة في شأنها، بينما عداد الضحايا مستمر في الارتفاع والوضع الإنساني في القطاع يزداد سوءاً، وكيف ستكون نهاية حرب غزة؟

سألنا موسى فأجاب، "ما حدث في غزة لم يأت من فراغ بل هو نتيجة السياسات الإسرائيلية السابقة، وكي نحل موضوع غزة لا ينبغي أن ننظر إليها على أنها قضية غزة فقط، بل هي قضية أكبر، لذا علينا أن نتطرق للأمور المرحلية، أولاً يجب وقف إطلاق النار في القطاع، ثم البحث عن أفق سياسي لهذا الصراع، لأننا إذا لم نجد هذا الأفق السياسي فسيناريوهات السابع من أكتوبر 2023 مرشحة للتكرار مجدداً".

وأكد موسى أن "الكل باستثناء الحكومة الإسرائيلية الحالية يتحدث عن ضرورة التطرق للأفق السياسي، وأن الدول العربية مصرة على أن هذا الأمر فتح ويجب أن يستمر حتى النهاية وصولاً إلى تطبيق حل الدولتين".

وحذر موسى من أن "اجتياح إسرائيل لرفح إذا حدث فسيؤدي إلى نتائج كارثية ليس فقط على الفلسطينيين في قطاع غزة، إنما سيتمد تأثيره إقليمياً ليطاول مصر ودول أخرى"، مضيفاً "علينا جميعنا أن نتبنى موقفاً يقف عائقاً أمام هذا التهور الإسرائيلي".

ووسط هذه المخاوف سألنا ما هي وسائل الضغط المتوافرة بأيدي الدول العربية لتجنب تهجير جديد للفلسطينيين وللدفع باتجاه حل القضية الفلسطينية؟

وأجاب موسى إنها وسائل سياسية حالياً، موضحاً أن المساعي الإقليمية والدولية التي تقوم بها الدول العربية عبر جولاتها على دول العالم وأحاديثها معها، أسهمت في تغيير الموقف الدولي من حرب غزة وتدرجه من دعم الغرب المطلق لإسرائيل وصولاً إلى إصدار قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

ورأى السفير المصري أن وحدة العرب وإمكاناتهم إذا ما استثمرت بالشكل الأمثل فمن الممكن أن تحقق تقدماً على صعيد القضية الفلسطينية.

المزيد من حوارات