ملخص
ولدت في مصر، لكنها هاجرت مع والديها إلى الولايات المتحدة، ثم انتقلت إلى بريطانيا للدراسة، وتواجه استجواباً في الكونغرس في شأن أساتذة مؤيدين لـ"حماس"، فضلاً عن غضب الطلاب المناهضين لحرب غزة بسبب طلبها الشرطة لفض اعتصامهم.
عندما أعلن عن نعمت شفيق رئيسة لجامعة كولومبيا في نيويورك العام الماضي، أطلق عليها رئيس مجلس أمناء الجامعة لقب "المرشحة المثالية" التي تفهم بعمق "الأكاديمية والعالم الخارجي". لكن سرعان ما وجدت البارونة الإنجليزية - الأميركية المصرية الأصل، نفسها في وضع لا تحسد عليه، وباتت موضع اتهامات من أطراف متضادة في شأن حرب غزة.
بعد نحو تسعة أشهر من توليها منصبها، تواجه نعمت أو كما تعرف بـ"مينوش" دعوات إلى الاستقالة بسبب سوء التعامل مع الاحتجاجات الطلابية المناوئة للحرب في غزة. ففي حين لم تكن شفيق غريبة عن التعامل مع القضايا المعقدة، إذ عملت في كبرى المؤسسات المالية في العالم، فإنها تواجه تحدياً غير مسبوق وسط اتهامات من اليساريين بانتهاك الحرية الأكاديمية بعد سماحها للشرطة بالتعامل مع اعتصام الطلاب الداعين إلى قطع العلاقات الاقتصادية والأكاديمية مع إسرائيل، واتهامات أخرى من ذوي الميول اليمينية بالفشل في التعامل مع معاداة السامية داخل الحرم الجامعي.
في الكونغرس
خلال جلسة استماع أمام لجنة التعليم والقوى العاملة بالكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، واجهت شفيق أسئلة حول تعاملها مع معاداة السامية في الحرم الجامعي بعد هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى جانب عضوين من مجلس أمناء جامعة كولومبيا ورئيس فريق عمل معاداة السامية بالجامعة.
وفق وسائل إعلام أميركية، فإنها واجهت تدقيقاً خاصاً في شأن كيفية تعامل الجامعة مع أعضاء هيئة التدريس الذين أدلوا بتعليقات داعمة لـ"حماس"، والتي كان ينظر إليها على أنها معادية للسامية. فضلاً عن استجوب النائب الجمهوري تيم والبيرغ لها في شأن الأستاذ بقسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا في الجامعة جوزيف مسعد، الذي نشر تعليقات في أكتوبر وصف فيها هجوم "حماس" بأنه "انتصار مذهل".
وردت شفيق بالقول، "أدين تصريحه. لقد فزعني ما قاله. لقد تم التحدث إليه"، وأصبحت جلسة الاستماع ساخنة عندما ضغطت النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك على شفيق حول سبب استمرار إدراج مسعد على موقع "كولومبيا" الإلكتروني كرئيس للجنة المراجعة الأكاديمية. وطلبت النائبة الجمهورية من شفيق التزام إقالة مسعد من منصبه، كما وجهت لها سؤالاً آخر حول الأستاذ الزائر في معهد الشرق الأوسط بالجامعة محمد عبده، وأشارت إلى منشور بتاريخ الـ11 من أكتوبر على "فيسبوك" كتب فيه عبده، "نعم، أنا مع المقاومة، سواء كانت (حماس) أو (حزب الله) أو (الجهاد الإسلامي)، ولكن إلى حد ما". وقالت شفيق إنها ستستبعد عبده من الجامعة.
وتحدث بعض الطلاب اليهود عن تعرضهم للمضايقات اللفظية والجسدية في الحرم الجامعي، وكانت هناك حوادث لمعاداة للسامية خارج حرم جامعة كولومبيا. وقال بعض المانحين الرئيسين والمشرعين الجمهوريين وعدد من المشرعين الديمقراطيين إن هذه الحوادث تظهر غياب تعامل شفيق مع معاداة السامية. وقال أحد كبار المانحين للجامعة روبرت كرافت، "لم أعد واثقاً من قدرة (كولومبيا) على حماية طلابها وموظفيها، ولست مرتاحاً لدعم الجامعة حتى يتخذ إجراء تصحيحي". وأضاف، "آمل أن تواجه الجامعة وقيادتها هذه الكراهية من خلال إنهاء هذه الاحتجاجات على الفور".
عنف الشرطة
على الجانب الآخر، أثارت شفيق غضباً واسعاً بين الطلاب والأساتذة والسياسيين من اليسار عندما سمحت لشرطة نيويورك بالتعامل مع اعتصام الطلاب المناهضين لحرب غزة، إذ نصب الطلاب الخيام وأقاموا "مخيم التضامن مع غزة" في انتهاك صريح لسياسات التظاهر بالجامعة. وأسفر تدخل الشرطة عن اعتقال أكثر من100 شخص، مما دفع مزيداً من الطلاب إلى التظاهر، وانتقل الأمر سريعاً إلى احتجاجات واسعة في جامعات أميركية عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وغردت النائبة الديمقراطية ألكسندرا أوكاسيو كورتيز على حسابها بمنصة "إكس" الثلاثاء، قائلة "إن استدعاء الشرطة للتظاهرات السلمية للطلاب الشباب في الحرم الجامعي هو عمل تصعيدي ومتهور وخطر. إنه يمثل فشلاً ذريعاً للقيادة يعرض حياة الناس للخطر. إنني أدين ذلك بأشد العبارات الممكنة".
مطالب الاستقالة
ودعا رئيس مجلس النواب النائب الجمهوري مايك جونسون شفيق إلى الاستقالة خلال مؤتمر صحافي الأربعاء في "كولومبيا"، وقال "أنا هنا اليوم أنضم إلى زملائي وأدعو الرئيسة شفيق إلى الاستقالة إذا لم تتمكن من إحلال النظام على الفور في هذه الفوضى".
ويقف مجلس أمناء جامعة كولومبيا إلى جانب شفيق، قائلاً إنه "يدعمها بقوة وهي تقود الجامعة خلال هذا الوقت العصيب للغاية". ووفق شبكة "سي أن أن"، قال المجلس في بيان إنه "أثناء عملية البحث عن هذا الدور، أخبرتنا الرئيسة شفيق أنها ستتبع دائماً نهجاً مدروساً لحل النزاعات وتحقيق التوازن بين الأصوات المتباينة التي تشكل حرماً جامعياً نابضاً بالحياة مثل جامعة كولومبيا، مع اتخاذ موقف حازم ضد الكراهية والمضايقة والتمييز. وهذا بالضبط ما تفعله الآن".
وفي بيان مكتوب أمام الكونغرس قبل شهادتها، وصفت شفيق طفولتها في مصر ثم في جنوب شرقي الولايات المتحدة عندما كانت المدارس تلغي الفصل العنصري، قائلة إن تلك التجارب منحتها المهارات اللازمة "للتعامل والتعلم من الأشخاص الذين لديهم مجموعة واسعة من الخلفيات والخبرات في التغلب على التمييز بصورة مباشرة".
وشفيق ليست الوحيدة في هذا الموقف بين رؤساء الجامعات، إذ اضطر رئيسا "بنسلفانيا" ليز ماغيل، و"هارفرد" كلودين جاي، لترك منصبيهما في أعقاب الضغوط في شأن تعاملهما مع معاداة السامية داخل الحرم الجامعي بعد السابع من أكتوبر 2023. ويقول مراقبون إن المشهد في جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات في الولايات المتحدة يعكس مدى التعقيد الذي أصبحت عليه إدارة الجامعات في هذا العصر وتأثير ما يحدث بداخلها. وفي الوقت نفسه يعكس تجربة عدد متزايد من قادة الجامعات الذين، مثل شفيق، يأتون من خلفيات غير أكاديمية.
لا يقتصر الأمر على أنها يجب أن تحاول الموازنة بين مبادئ حرية التعبير والحرية الأكاديمية مع خلق بيئة آمنة في الحرم الجامعي. فوفق مجلة "تايم" الأميركية، قالت الأستاذة المساعدة للتعليم العالي في جامعة لويولا بشيكاغو كاثرين تشو، إنها مثل رؤساء الكليات الآخرين هذه الأيام مكلفة أيضاً بموازنة ركائز الإدارة المشتركة بين هيئة التدريس ومجلس الأمناء والإدارة. وأضافت، "في كثير من الأحيان يكون لدى المجموعات الثلاث أفكار مختلفة حول ماهية الكلية ومدى جودة أداء الرئيس لعمله. وقد يكون لدى الرئيس تعريف مختلف لكيفية اعتقادهم بأنهم ناجحون".
مينوش البراغماتية
عندما وصلت إلى كولومبيا العام الماضي، كانت شفيق أول امرأة تتولى منصب الرئيس وواحدة من نساء عدة تم تعيينهن حديثاً لتولي القيادة في مؤسسات رابطة آيفي ليج. ولدت شفيق في مصر لكنها هاجرت مع والديها إلى الولايات المتحدة في الرابعة من عمرها، إذ قضت سنوات الطفولة، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لمواصلة الدراسات العليا، وقضت مسيرة مهنية طويلة.
بعد حصولها على درجة الماجستير من كلية لندن للاقتصاد، حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد. وقد ارتقت في مناصب عدة لتصبح أصغر نائب رئيس للبنك الدولي على الإطلاق في عمر الـ36 سنة. كما عملت شفيق في وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، ثم في صندوق النقد وبنك إنجلترا، قبل أن تتولى قيادة كلية لندن للاقتصاد.
طوال فترة وجودها في بريطانيا كانت معروفة بقدراتها ولم تكن لديها ميول سياسية واضحة. وقد تولت إدارة وزارة التنمية الدولية البريطانية بصفتها سكرتيرة دائمة لها في ظل حكومتي المحافظين والعمال، وأصبحت عضواً دائماً في مجلس اللوردات البريطاني. وفي مقابلة عام 2021 مع صحيفة "فايننشال تايمز"، تم وصف شفيق بأنها براغماتية وغير منحازة سياسياً. وفي حديثها عن هويتها كفتاة مصرية شابة نشأت في الولايات المتحدة، سئلت في المدرسة إذا كانت سوداء أم بيضاء فأجابت، "أنا سمراء".
خلال توليها منصبها في كلية لندن للاقتصاد، أثارت شفيق الجدل حول راتبها الذي بلغ 539 ألف جنيه استرليني عام 2022، بينما فشلت الجامعة في رفع رواتب المعلمين، على رغم أن آخرين أشاروا إلى أن ذلك لا يزال أقل بكثير من راتب الأدوار القيادية في جامعات مماثلة في الولايات المتحدة.