ملخص
أغلب الصحافيات يرفضن الحديث عن تجاربهن في العنف الرقمي بسبب وصمة المجتمع والخوف من الأهل
تعاني الصحافيات الأردنيات من تحد جديد فرضته التكنولوجيا الحديثة على العمل الإعلامي، وهو العنف الرقمي، إذ تشير دراسات إلى أن نحو 55 في المئة من الصحافيات والإعلاميات تعرضن لهذا النوع من العنف، الذي يشمل التشهير والتهديد والتحرش والتضييق على حرية التعبير وفرض قيود على عملهن بما في ذلك أوامر حظر النشر، وسط مطالب بخلق بيئة آمنة وداعمة لهن لممارسة عملهن بحرية.
وعلى رغم التحديات التي يواجهنها، حققت الصحافيات الأردنيات العديد من الإنجازات المهمة وتقلدن مناصب رفيعة.
تمييز ورواتب أقل
تصف إحدى الصحافيات بأسف واقع زميلاتها في الأردن بالقول "يتم تكريمنا في يوم المرأة العالمي بشكل رمزي لكننا منسيون بقية أيام العام".
ويقول مراقبون إن الصحافيات الأردنيات لا زلن يواجهن تمييزاً على أساس النوع الاجتماعي في مكان العمل، إذ يحصلن على رواتب أقل ويمنحن فرصاً أقل للتقدم الوظيفي وإثبات الذات مع وجود دعم كاف من قبل المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة.
وفي الآونة الأخيرة، ارتفع عدد الصحافيات في الأردن بشكل ملحوظ، وتم تأسيس العديد من الشبكات والمنظمات التي تدعمهن، مثل شبكة مناهضة العنف الرقمي بهدف تعزيز الوعي بقضايا الصحافيات في الأردن.
ويؤكد مؤشر حرية الإعلام ومنظمة "مراسلون بلا حدود" أن نسبة الصحافيات في الأردن تقارب 30 في المئة، وعلى رغم التحديات التي يواجهنها، حققن العديد من الإنجازات المهمة.
حماية الصحافيات
تطالب منسقة شبكة مناهضة العنف الرقمي ضد الصحافيات رانيا الصرايرة بوضع خطة لحمايتهن من كل أشكال العنف الرقمي وتضمين ذلك في التدريب الصحافي والأنشطة المهنية.
وتكشف الصرايرة عن دراسة سابقة أجرتها الشبكة وجدت أن 55 في المئة من العاملات في مجال الإعلام تعرضن للعنف الرقمي.
ووفقاً للصرايرة، فإن 17 مؤسسة صحافية أردنية لم تذكر في أنظمتها الداخلية العنف الرقمي. ومن أصل 58 صحافية تحدثن عن تعرضهن للعنف الرقمي، لم توافق سوى 28 واحدة منهن على نشر قصصهن، بسبب محاذير اجتماعية وأسرية.
يتحدث الخبير في التشريعات الإعلامية يحيى شقير عن أبرز أسباب العنف الرقمي ضد الصحافيات ومن بينها وجود بيئة معادية لهن بسبب حالة التنميط لدور المرأة في الأردن عموماً، ما عزز ظواهر التنمر والعنف والإساءة، لا سيما مع تفادي العديد منهن تقديم شكاوى لاعتبارات عدة، في حين لا تفصح أخريات عن تعرضهن لذلك.
ويطرح متخصصون تساؤلاً حول إذا ما كانت المؤسسات الصحافية والإعلامية تقوم بحماية منتسباتها وموظفاتها حيث تفضل معظمهن ترك مهنتهن، ولذلك لا تتوافر أرقام دقيقة بسبب قلة الشكاوى.
شهادات حيّة
تقول الصحافية نجاة شناعة إنها تعرضت للعنف الرقمي بعد تغطيتها ندوة في إحدى المؤسسات الحقوقية، لكن هذه التغطية لم ترق للقائمين عليها، مما أدى لتلقيها مكالمات عدة وتعليقات على الخبر المنشور حمل إساءات شخصية.
وتضيف "نحن كمجتمع إعلامي وتحديداً الصحافيات نعلم جيداً ما نواجهه من تحديات للوصول للأخبار والمعلومات أو حتى التحديات المتعلقة بالتمييز في التعامل مقارنة بالصحافيين الذكور".
وتتحدث الصحافية نادين النمري عن تجربتها خلال فترة الحظر الشامل في كورونا، حين اقتصر منح تصاريح التنقل للصحافيين الذكور واكتفت الصحافيات بالعمل من المنزل.
أنجزت نادين تقريراً مثيراً للجدل عن وفيات كورونا وعدم وجود أسرّة كافية في المستشفيات، لكنها فوجئت لاحقاً بزميل لها يوجه لها تعليقات مسيئة تنتقص من دور المرأة وترى أن مكانها المطبخ فقط وأنها لا تصلح لتكون صحافية.
أما الصحافية ريما شواورة فتتحدث عن تجربتها حينما أنجزت تقريراً عن النساء المعنّفات وتحديداً فتاتين تتعرضان للضرب من والدهما، فتعرضت بدورها للتهديد ونشر صور مفبركة مرفقة بألفاظ بذيئة، مما دفعها إلى تقديم شكوى لوحدة الجرائم الإلكترونية ليتبين أن مصدر التهديد والد الفتاتين. تضيف ريما "لاحقاً اضطررت للتنازل عن الشكوى حتى لا يستمر والد الفتاتين بتعنيفهما".
عنف رقمي من الزملاء
كذلك تقول الصحافية فرح راضي إنها تعرضت خلال عملها لعنف رقمي من قبل أحد زملائها الذي حاول التقرب منها من خلال رسائل نصية واتصالات هاتفية مزعجة لاعتقاده أنها "سهلة المنال ومنفتحة" ويمكنها القيام بعلاقات متعددة بحكم مهنتها.
وتتحدث الصحافية رانيا النمر عن النظرة الذكورية التي تسيطر على عقلية من يقومون بممارسة العنف الرقمي ضد الصحافيات، مشيرة إلى محاولة البعض ممارسة الوصاية على عملها وتوجيه إساءات لفظية تطالبها بالجلوس في المنزل وارتداء الحجاب أو العمل من المنزل.
وتوضح رانيا أن من يمارسون العنف الرقمي لا يتقبلون طرح المواضيع الصحافية الجدلية أو تلك التي تناقش "التابوهات" المسكوت عنها بخاصة من قبل الصحافيات.
بينما تعرضت الصحافية ليلى خالد خلال عملها التلفزيوني لتعليقات لا تخلو من التنمر، ولا تتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه بل تتعلق بشكلها وهيئتها.
تضيف ليلى "كنت أرد في البداية على التعليقات لأصاب بحالة من الإحباط أدت إلى عدم ظهوري تلفزيونياً، لكن لاحقاً تجاوزت هذا الأمر ولم أعد أهتم بالتعليقات".
ويقول مراقبون إن أغلب الصحافيات يرفضن الحديث عن تجاربهن في العنف الرقمي بسبب الخوف من الأهل ووصمة المجتمع التي تعتبر أن العمل الصحافي للرجل فقط وليس للمرأة.
انسحاب من المهنة
من بين أبرز آثار هذا العنف التسبب بعزوف كثيرات عن ممارسة المهنة والانسحاب منها، وفي أحسن تقدير عدم التطرق لموضوعات حساسة والاكتفاء بمعالجة مواضيع تقليدية.
وتشير نتائج دراسة أعدتها شبكة مناهضة للعنف الرقمي ضد الصحافيات وأجريت على نحو 200 صحافية أردنية، إلى أن 54 في المئة من الإعلاميات تعرضن للعنف الرقمي والاعتداءات الإلكترونية.
ومن أشكال العنف الرقمي التي ترصدها الشبكة، الإيذاء اللفظي والاعتداء الجنسي الرمزي وسرقة الحسابات والتشهير والتعرض لصور ورموز مزيفة.
تؤكد رانيا الصرايرة وجود عوامل جندرية في المجتمع تؤدي إلى تعرضهن لتهديدات بالعنف الجسدي والجنسي والتحرش عبر الإنترنت، بشكل يستهدف تقويض سمعتهن وتعزيز الخوف والترهيب لديهن وصولاً إلى إسكاتهن ومنعهن من ممارسة دورهن الصحافي.
وتدعو الصرايرة الى مأسسة الحماية والسلامة الرقمية، كجزء أساسي من البرنامج التدريبي للصحافيات خلال العمل وممارسة والأنشطة المهنية، فضلاً عن تعزيز الوعي لديهن بأفضل الممارسات للحماية الرقمية والخصوصية على الإنترنت، كاستخدام كلمات مرور قوية وتحديث برامج الحماية وتشفير الاتصالات وتفادي تبادل المعلومات الشخصية الحساسة.
أما بخصوص نتائج هذه الظاهرة، فتشير الدراسات إلى إصابة 20 في المئة من الصحافيات بالأرق واضطرابات النوم بسبب تعرضهن للعنف، بينما أقرت 11.9 في المئة منهن بشعورهن بالخوف، وأصيب 9 في المئة منهن بالاكتئاب.