ملخص
"عشنا كحوامل أوضاعاً أصعب من تلك التي عاشتها النساء في أوكرانيا وغزة لكن عدم وجود الإعلام في مناطق القتال حال دون نقل الصورة للعالم"
بنبرة حزينة، تروي الصحافية السودانية سلافة أبوضفيرة تجربة ولادتها لطفلها وسط الرصاص والقذائف التي تتساقط بشكل عشوائي على المدنيين جراء المعارك الدائرة في الخرطوم منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع".
وتقول أبوضفيرة الناجية من الموت أثناء الولادة "كنت أسكن في محيط سلاح المهندسين حيث تدور المعارك بصورة مرعبة أمام منزلي، وبسبب النوم المستمر على الأرض أصبت بألم في الظهر والأطراف، فضلاً عن نقص في الدم واحتباس السوائل وعدم المقدرة على النوم مع انقطاع الماء والدواء. وعلى رغم مبادرة بعض المنظمات والنشطاء بتوفير المعينات للحوامل، فإن الأمر لم يستمر طويلاً لإغلاق مداخل ومخارج المنطقة بسبب اشتداد القتال".
وأضافت "أتحدث كناجية من الحرب والموت أثناء الولادة، فعندما اندلعت الحرب جلست فترة ثلاثة أشهر حتى أكملت أشهر الحمل، كانت فترة عصيبة لجميع السيدات الحوامل في تلك المرحلة، فقد ضُربت المستشفيات وخرجت معظمها عن الخدمة، بخاصة المستشفيات المتخصصة للولادة، إذ فقدنا الرعاية الصحية والقدرة على شراء الأدوية، وتم حصارنا وتجويعنا لدرجة عدم تمكننا من الحركة داخل البيوت نتيجة القصف العشوائي والرصاص الطائش. هذه الظروف أصابتنا بحالة هلع كبير تسببت في إجهاض عديد من الحوامل".
وتابعت أبو ضفيرة "في الحقيقة عشنا كحوامل أوضاعاً أصعب من تلك التي عاشتها النساء في أوكرانيا وغزة، لكن عدم وجود الإعلام في مناطق القتال حال دون نقل الصورة للعالم. ففي هذه الفترة سمعنا بعدد من الوفيات وسط الأمهات بسبب الخوف والضرب العشوائي وتوغل القوات في مناطق المدنيين مع تعثر في عمليات الولادة".
وتروي أبوضفيرة مأساتها مع الولادة في ظل الحرب، "لحظة ولادتي لطفلي لم نجد مستشفى يستقبلني حينها لجأنا للولادة التقليدية في البيوت، وكانت لحظة صعبة جداً، احتملت فيها الألم لست ساعات وكان الوضع في الطرقات والشوارع سيئاً للغاية إذ يتساقط القتلى في كل مكان. وضعت طفلي من دون مسكنات أو أدوية أو مخدر، أصبت حينها بنزف حاد وهبوط أدى لحالة إغماء ولم أجد مستشفى لإنقاذي. حتى بعد الولادة وجدت نفسي أحتمي أنا وابني الرضيع تحت السرير هرباً من الرصاص. كنت متمسكة بالحياة لأنني أريد رؤية طفلي بخير، وعزمت على إرضاعه الشجاعة وحب السودان على رغم الدمار الذي حدث".
زيادة الوفيات
لم تكن أوضاع النساء الحوامل قبل اندلاع الحرب أفضل حالاً، فقد سجل السودان أعلى معدل وفيات للأمهات أثناء الولادة في العالم، إذ أشارت إحصاءات وزارة الصحة الاتحادية إلى أن هناك 100 حالة وفاة بين كل 10 آلاف حالة ولادة في البلاد. وعلى رغم المبادرات لتقليص العدد فإن الوضع استمر في الزيادة، لكن عقب اندلاع الحرب ساءت الأوضاع بصورة كارثية نظراً لتعطل المستشفيات بنسبة 100 في المئة ولجوء الحوامل للولادة في المنازل بواسطة القابلات.
في هذا الصدد، يقول الطبيب النسائي هيثم خالد إن "انهيار النظام الصحي في السودان فاقم من سوء أوضاع الحوامل في البلاد، واللاتي لجأ عدد كبير منهن لدول مجاورة في ظروف قاسية لتجنب خطر الموت أثناء الولادة في مناطق النزاع، إذ ارتفعت نسبة الوفيات لأعلى مستوياتها. وشهدنا خلال فترة عملنا في مناطق النزاع بأم درمان عدداً من الوفيات أثناء الولادة وما قبلها وهي حالات لم نشهدها قبل ذلك، فقد تضاعفت هذه النسب في الأشهر الأولى للحرب مع وجود سيدات عانين من مضاعفات ما بعد الولادة كالنزف والإصابة بالعدوى لعدم وجود التعقيم الكافي".
وتابع خالد "مأساة الحوامل بدأت منذ لحظة اندلاع الحرب فقد انقطعت الأدوية تماماً في مناطق النزاع بالعاصمة الخرطوم والجزيرة ودارفور، ومع انقطاع الأدوية والأكل الجيد انتشرت حالات فقر الدم والملاريا والهبوط الحاد، مما زاد من نسب الإجهاض وسط الحوامل، فضلاً عن المضاعفات التي تطرأ قبل وأثناء الولادة، مع انتشار حالات الولادة المبكرة نتيجة الهلع والظروف النفسية السيئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انقطاع الغذاء
التدخل الخارجي بواسطة المبادرات والمنظمات الطوعية أسهم في إنقاذ أعداد كبيرة من خطر الموت أثناء وقبل الولادة، في هذا الصدد تقول المتطوعة في منظمة غرب دارفور، فتحية عبدالرحمن، إن "أوضاع السيدات الصحية في منطقة دارفور سيئة منذ أعوام طويلة، وزادت الحرب الأوضاع سوءاً وشهدنا حالات وفيات كثيرة بسبب انقطاع الغذاء التام في مناطق الحرب في دارفور. ففي منطقة الفاشر توفيت أكثر من 300 سيدة أثناء الولادة وقبلها بسبب سوء التغذية، واستطعنا تقديم الرعاية لأكثر من 250 سيدة وإنقاذهن من الموت أثناء الولادة بالاستعانة بطاقم طبي متواضع عمل تحت القصف المدفعي والجوي".
بينما تقول القابلة انتصار مأمون التي تعمل في ولاية الجزيرة، إن "سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة دفعنا كقابلات لتكثيف عملنا لعدم وجود مستشفيات تستقبل حالات الولادة الطارئة بالنظر للحصار التام الذي ضرب الولاية بسبب القتال، فقد قمنا بتوليد أكثر من 520 امرأة في فترة ثلاثة أشهر وسط تعثر الكثيرات وتعرضهن لمشكلات مختلفة ولكن بمساعدة أطباء المنطقة نجت عديدات منهن من خطر الموت أثناء الولادة".
وتضيف "إلى جانب تلك الأخطار، نجد أن مئات الحوامل لقين حتفهن أثناء الولادة، وللأسف لم تكن هناك إمكانية لحصر عدد الوفيات لمحدودية الحركة نتيجة انتشار الانتشار المسلح، إلا أن الأخبار التي تردنا تشير إلى فقدان أعداد كبيرة من الأمهات والأطفال لعدم وجود أي مساعدات طبية لتسهيل عمليات الولادة".