ملخص
تنتشر جرائم الطعن في أوروبا على نحو متزايد منذ سنوات، صحيح أن الجهود الرسمية والمجتمعية لمحاصرتها أثمرت إلى حد كبير، ولكن الأزمة لا تزال قائمة وتأخذ أبعاداً سياسية وعنصرية واقتصادية. كما أن المراهقين أكثر الفئات العمرية تضرراً منها، خصوصاً مع توافر محتوى إلكتروني كبير يمكن أن يدفعهم نحوها، مجرمين أو ضحايا.
خلال اليومين الماضين شهدت بريطانيا سلسلة من جرائم الطعن في مناطق مختلفة، فتعالت المطالبات الشعبية والحقوقية بإجراءات صارمة ضدها. النقمة المجتمعية على الجهات المعنية في هذا الشأن ليست محمولة على الأحداث الأخيرة فقط، وإنما بسبب تحول "عنف السكاكين" إلى ظاهرة تتسع بشكل مطرد خلال السنوات القليلة الماضية.
تقول أرقام مكتب الإحصاء الوطني إن جرائم الطعن ارتفعت في إنجلترا وويلز خلال العام الماضي بنسبة سبعة في المئة مقارنة بسابقه، إذ سجلت أكثر من 49 ألف جريمة في 2023 في مقابل 46 ألفاً في 2022. أما على صعيد العقد الماضي بأكمله، فازدادت هذه الجرائم بأكثر من 81 في المئة، وأصبح تواترها كبيراً ومقلقاً للجهات والسلطات المختصة.
وفق الأرقام الرسمية أيضاً، تجاوزت جرائم الطعن حالات الاعتداء على الأفراد أو خلافات الأشخاص في ما بينهم. فأصبحت السكاكين على مختلف أشكالها، أسلحة للسطو على المنازل والمحال أيضاً. وصعد هذا النوع من الحوادث بنسبة 20 في المئة العام الماضي مقارنة بسابقه، أما الحلول فتحدها صعوبات حقوقية وتربوية ولوجستية وقانونية.
أنواع وعقوبات
تشمل جرائم السكاكين وفق القانون كل من يحمل سكيناً، أو يحاول شراء واحد قبل أن يبلغ 18 سنة من عمره. إضافة إلى من يستعمله في تهديد آخرين، أو محاولة السطو على أملاكهم. كذلك كل من يجرح غيره أو يتسبب بإصابته عند استخدامه للسكين بنية الإيذاء، ناهيك عن أن بعض أنواع السكاكين محظورة أصلاً، وتصنف في خانة الأسلحة.
مجرد حمل سكين في مكان عام أو في مؤسسة تعليمية، جريمة يمكن أن تصل عقوبتها إلى السجن لمدة أربع سنوات. لكن معظم الذين دينوا بهذا النوع من الجرائم سجنوا ستة أشهر فقط، أما في الجرائم التي تستخدم فيها السكين ضد شخص آخر أو في ارتكاب جريمة (مثل السرقة في الشوارع)، تصبح العقوبات أكبر وأكثر تأثيراً في حياة مرتكبيها.
وفق القانون أيضاً، إن تسبب استخدام السكين بموت أحدهم، فإن الجاني يواجه حكماً بالسجن مدى الحياة. كذلك الحال إذا وقع ضرر على الضحية يصنف تحت مسمى (الأذى الجسدي الخطر). أما بعيداً من الحالتين السابقتين، فللقضاء تبعاً للمعطيات، تحديد عدد سنوات الحبس لمعاقبة المجرم، وكيفية تعويض من وقع عليه الضرر المادي والمعنوي.
اللافت أن بريطانيا، تخطط أيضاً لمحاسبة من شهد على جريمة الطعن. أي أنه إذا أصيب شخص ما أو قتل بسكين أثناء وجودك، فقد تقاضى، ومن المحتمل أن ترسل إلى السجن بتهمة القتل في "عملية مشتركة" مع الجاني.
عقوبة "المشاركة في الجريمة" يحاول نواب في البرلمان البريطاني إعادة إحيائها تشريعياً، فتقدموا بمشروع قانون لاستخدامها مرة أخرى لمواجهة جرائم مختلفة في البلاد، على رأسها الطعن. مر المشروع في القراءة الأولى لمجلس العموم خلال فبراير الماضي، وينتظر الثانية في يونيو المقبل. ولكن ذلك استحضر قلقاً قديماً من استخدامه تعسفياً، كما وقع قبل 30 عاماً عندما لجأت إليه السطات لمواجهة العصابات في الشوارع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانتشار أوروبياً
جرائم الطعن لا تتزايد في بريطانيا وحدها، وإنما في الدول الأوروبية ككل. فثمة تقرير أممي يقول إن جرائم الطعن ارتفعت في القارة العجوز بأكثر من 30 في المئة منذ عام 2017. كما أن 22 في المئة من الجرائم في القارة ارتكبت بالسكاكين والآلات الحادة، ولفت التقرير إلى أن الضحايا الذكور لهذه الجرائم أكثر بنسبة ملحوظة من الإناث.
في ألمانيا أظهرت بيانات حديثة لمكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية أن عام 2023 شهد زيادة مقلقة في جرائم الطعن بمحطات القطارات بلغت 32 في المئة على أساس سنوي، إذ سجلت 1160 جريمة في مقابل 882 في عام 2022. كما تلفت الأرقام إلى تضاعف أعداد هذا النوع من الجرائم خلال العام الماضي، مقارنة بعام 2019.
صحيفة "لوفيغارو" تقول إن وزارة الداخلية الفرنسية سجلت في 2023 أكثر من 44 ألف جريمة ارتكبت باستخدام أسلحة بيضاء عام 2023، بزيادة 10 في المئة عن العام السابق. وأرقام سابقة وردت في دراسة متخصصة، تفضح واقعاً أكثر فجاجة خلال السنوات الماضية، إذ تشير إلى 120 عملية طعن يومياً في فرنسا خلال 2020.
تقارير الشرطة تبين أن 75 في المئة من جرائم الطعن في فرنسا نفذها مراهقون لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً. كما أن أكبر دراسة استقصائية عرفتها بريطانيا العام الماضي حول هذه الجرائم، تقول إن نصف المراهقين في إنجلترا وويلز شهدوا أو كانوا ضحايا للعنف باستخدام أدوات حادة في 2022. وتوضح أن 358 ألف يافع أصيبوا جسدياً بحوادث من هذا النوع خلال 12 شهراً فقط، لترفع تحذيراً جدياً إزاء الخطر الكامن وراء هذه الأرقام.
هذه الفئة العمرية من "مجرمي السكاكين" أو ضحاياها حاضرة في كل الدول الأوروبية، تقل أو تزيد بين مكان وآخر، ولكن وجودها يخلق تساؤلات كبيرة حول أسباب تفشي هذه الجرائم، ويضع تحديات عديدة أمام مواجهتها أمنياً ومجتمعياً.
أبعاد سياسية وعنصرية
في تتبع الدوافع، ربطت دراسة حديثة صدرت عن جمعية "NACRO" للعدالة الاجتماعية بين الفقر وجرائم الطعن. وأوصت الدراسة بضرورة معالجة تردي الأوضاع الاقتصادية في بعض التجمعات التي ينشط فيها هذا النوع من الحوادث، إضافة إلى توفير الدراسة المجانية للشباب واليافعين هناك في جميع المراحل التعليمية.
ثمة من يربط بين جرائم الطعن وأصحاب البشرة السمراء، فيقول الصحافي والكاتب في موقع "المحافظون الأوروبيون" فرانك هافيلاند إن هذه الجرائم منتشرة في مجتمعات السود أكثر من البيض في بريطانيا، منوهاً إلى أن "الإحصاءات تشير إلى أن اللندنيين من أصول أفريقية يشكلون 13 في المئة من سكان العاصمة، وينتمي إليهم 61 في المئة من المتورطين في جرائم السكاكين. بينهم 53 في المئة ارتكبوا هذه الجرائم، و45 في المئة وقعوا ضحية لها".
في ألمانيا تقول الإحصاءات الرسمية إن 51 في المئة من مرتكبي جرائم الطعن عام 2023، هم من الأجانب واللاجئين الذين يشكلون 16 في المئة من السكان. يتصدرهم المهاجرون السوريون ثم البولنديون فالأتراك والأفغان والجزائريون والمغاربة والعراقيون والرومانيون والتونسيون والأوكرانيون على الترتيب، وانطلاقاً من هذه الأرقام يقول نائب المتحدث باسم وزارة الداخلية عضو حزب "البديل من أجل ألمانيا" مارتن هيس إنه بات من الضروري إعادة النظر في السياسة الرسمية إزاء الهجرة والمهاجرين.
هذا التوظيف السياسي لجرائم الطعن من جماعات اليمين في ألمانيا، نجد مثله في دول أوروبية أخرى. فيكتب مطلع العام الحالي الكاتب بمجلة " Compact Mag" كريستوفر كالدويل، إن هذه الجرائم أحدثت تغيراً في المشهد الداخلي الفرنسي عندما خرجت من أحياء المهاجرين المعروفة بعنفها، ووصلت إلى مناطق المواطنين الآمنة. فارتفعت المطالبات في شأن ضرورة أخذ الطابع العنصري لهذه الجرائم في الاعتبار.
على مستوى الحلول، تنفق الحكومات الغربية أموالاً كثيرة لمحاصرة جرائم الطعن أمنياً، كما أنها تستعين بمنظمات مختصة وفعاليات مدنية لمعالجة أسبابها. إضافة إلى أنها تتبع تأثير وسائل التواصل في انتشار هذه الجرائم، لتعرف كيف توظف هذه المنصات في وقف انتشارها ومنع تمددها. يقول رئيس جمعية "Ben Kinsella" لمواجهة جرائم الطعن باتريك جرين إن هذه الجرائم مشكلة المجتمع بأكمله، وتتطلب نهجاً مستداماً وطويل الأمد.