ملخص
تحقن الأدوية المناعية في جسم الإنسان لتقضي على أثر الخلايا السرطانية في جهاز المناعة حتى يبقى نشطاً وفاعلاً في مواجهة المرض، وفي حالات كثيرة يمكن أن يحارب الخلايا السرطانية ويقضى عليها بفاعلية عالية، لكن تبقى الآثار الجانبية مرتبطة بالدواء وليس بطريقة إعطائه أياً كان نوعه.
في التاريخ الطويل للسرطان حاول الإنسان أن يجد علاجاً للمرض الخبيث الذي يحصد آلاف الأرواح بأبشع الطرق وأصعبها، وخلال العقود الماضية تطورت علاجات السرطان بشكل ملحوظ، لا بل شهدت تحولاً جذرياً فيها في حقب معينة بشكل خفف من أعبائها على المريض وزاد فاعليتها بشكل ملاحظ.
وبدا أن المقاربة المعتمدة في مواجهة المرض اختلفت مما سمح بمحاربته بشكل أفضل، وأخيراً أُعلن عن ولادة لقاح لسرطان الجلد يسمح بالوقاية من أحد أصعب السرطانات، فيما وعدت إحدى الشركات بأن لقاحاً يستهدف أنواعاً مختلفة من المرض سيكون جاهزاً بحلول عام 2030.
فأي تطور عرفت علاجات السرطان من بداية ظهورها إلى اليوم لتسهل على المريض فترة التعافي؟
تاريخ حافل بالتطورات
يعود تاريخ علاجات السرطان إلى أقدم مما يمكن توقعه، ففي العصور القديمة المصصة وتحديداً عام 2600 قبل الميلاد استخدم فرعون مصري العلاج المناعي الجرثومي، كما استخدم الإغريق والرومان والمصريون الحرارة لعلاج الأورام، وفي العام الثاني الميلادي وصف الإغريق العلاج الجراحي للسرطان.
لكن في العصر الحديث اتخذت علاجات السرطان شكلاً مختلفاً حين استخدم الطبيب البريطاني جيمس أرنوت العلاج بالتبريد لتجميد الأورام في علاج سرطاني الثدي والرحم عام 1820، وفي عام 1865 استخدم الطبيب الفرنسي ديسبينس الأشعة السينية لمعالجته، فيما اعتبر الطبيب الأميركي ويليام كولي أب العلاج المناعي، ثم عرف علاج السرطان تطورات عدة بعدها، إلا أن الدواء في العلاج الكيماوي استخدم للمرة الأولى عام 1942.
وفي حديثه عن تطور العلاجات السرطانية يميز البروفيسور الاختصاصي بأمراض الدم والأورام مروان غصن بين العلاج الجراحي للسيطرة على موضع الورم عندما يكون محصوراً في عضو معين، والعلاجات الشعاعية التي تتوجه إلى موضع محدد في جسم الإنسان وتكمل العلاج الجراحي للسيطرة الموضعية على السرطان، مشيراً إلى أن العلاجات العامة عبارة عن أدوية تدخل إلى كامل جسم المريض للسيطرة على المرض في الموضع الذي يظهر فيه، إضافة إلى مواضع أخرى من غدد لمفاوية وأعضاء أخرى يمكن أن يكون قد انتشر إليها.
وأوضح غصن أنه حصل تطور في المجال الجراحي في الأجهزة والمعدات المستخدمة والتقنيات، وأيضاً في مجال التخدير، إذ أصبح من الممكن تخدير المريض في العملية بطريقة أكثر سهولة وأقل خطورة، خصوصاً في الجراحات الكبرى، فقد سجل تطور ملاحظ في طرق التخدير، إضافة إلى التطور المهم في الأجهزة والأدوات المستخدمة في الجراحة، ومنها الجراحة الروبوتية التي سمحت باستخدام الروبوت بأمر الطبيب بدقة بالغة.
ويشير الطبيب المتخصص في أمراض الدم والأورام إلى أنه نظراً إلى التطور الحاصل في المجال الجراحي، في حال تعرض المريض لمضاعفات، أصبح من الممكن مساعدته في تخطيها بمزيد من الفاعلية، سواء كانت عبارة عن التهابات أو نزف أو مشكلات في الكلى، وهناك اليوم مزيد من الحرص على الحفاظ على العضو بدلاً من أن يكون الاستئصال كاملاً وجذرياً، كما كان يحصل في السابق.
تطور العلاج الكيماوي
أما الأدوية المستخدمة في العلاج الكيماوي فقد شقت طريقها في معالجة السرطان أولاً كسموم، فكانت البداية عندما استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية من قبل الجيوش، خصوصاً الجيش الألماني ضمن الحرب البيولوجية، قبل أن يكتشف العلماء أن هذه الأدوية الكيماوية هي سموم للخلايا عامة والسرطانية بخاصة.
"الدواء يدخل إلى الحمض النووي للخلية، وبهذه الطريقة يقتل الخلايا الحميدة والسرطانية على حد سواء، لكن تتعافى الخلايا الحميدة خلال فترة معينة وتتجدد وهو ما لا ينطبق على الخلايا السرطانية، وهذا ما يسمح بالسيطرة على المرض، وفي الوقت نفسه يسبب ذلك آثاراً جانبية ناتجة من العلاج الكيماوي مع تأثر الخلايا الطبيعية في جسم الإنسان بالسم الذي يعطى"، وفق غصن.
ومن الأعراض الجانبية المرافقة للعلاج انخفاض المناعة في الجسم وتساقط الشعر والغثيان وكذلك التقيؤ والتعب، إضافة إلى تأثيره في القلب والرئتين، ولهذا السبب يوضح غصن أن العلاج يعطى في جلسات دورية وفترات متقطعة، أما الفترة الزمنية التي تفصل بين جلسة وأخرى فهي تلك التي تحتاجها الخلايا الحميدة لتتجدد وتتعافى، مع الإشارة إلى أنه يمكن الاعتماد على دواء أو أدوية عدة في العلاج الكيماوي، ولأن لكل منها آثار جانبية مختلفة فيمكن المزج بين أدوية عدة قد تختلف آثارها الجانبية، وبهذه الطريقة يتحمل المريض الآثار الجانبية بشكل أفضل مما يسمح بالقضاء على الخلايا السرطانية بمزيد من الفاعلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أدوية تعطى في المنزل
من بداية اعتماد العلاج الكيماوي، توافرت أدوية تعطى بالمصل وأخرى يمكن أن تعطى بشكل حقن في العضل في المنزل أو بشكل عقاقير. ومن الطبيعي أن تكون العلاجات التي تعطى في المنزل أكثر سهولة بالنسبة للمريض لاعتبارها تجنبه بالدرجة الأولى التوتر المرافق لوجوده في المستشفى، إضافة إلى أنها قد تترافق مع حد أدنى من الآثار الجانبية أحياناً، مقارنة مع تلك التي تعطى في المستشفى مما يسهل عليه فترة العلاج ويسمح له بمتابعة حياته بشكل طبيعي. مع الإشارة إلى أن أياً من الوسائل العلاجية والبروتوكولات المعتمدة يحددها الطبيب وحده بحسب نوع السرطان والمرحلة التي بلغها، وبالاستناد إلى حالة المريض والفحوص التي تجرى له وتسمح بتحديد نوع العلاج الأنسب لحالته. هذا، ولا تعتبر هذه العلاجات التي تعطى في المنزل والتي قد تكون عبارة عن أدوية تؤخذ يومياً أو بوتيرة مختلفة، مشابهة لأي أدوية أخرى يمكن تناولها، بل يجب اتخاذ إجراءات معينة حفاظاً على فاعليتها، وأيضاً تجنباً لمضاعفات يمكن التعرض لها بغير ذلك، ومشكلات لا يمكن الاستهانة بها.
وحالياً لا تزال هذه الأصناف كلها متوافرة ضمن العلاجات الكيماوية، وقد حصل تطور مهم في طريقة التعاطي مع الآثار الجانبية والمقاربة المعتمدة لمواجهتها، ولا تزال الآثار الجانبية للدواء موجودة، لكن بدلاً من الانتظار حتى تظهر يُعطى العلاج المضاد لها مسبقاً على سبيل الوقاية مما يساعد في تحمل العلاج بشكل أفضل ويخفف الأعراض الجانبية.
واليوم تتوافر أدوية مضادة للآثار الجانبية أكثر فاعلية في ضبطها، ففي السابق كانت الأدوية المتوافرة مثلاً للغثيان والتقيؤ محدودة الفاعلية، فتستمر معاناة المريض مع هذه الأعراض طوال فترة العلاج، وبشكل تدريجي ظهرت أدوية أكثر تطوراً، وفي 99 في المئة من الحالات لا يشعر المرضى بالغثيان أو التقيؤ ويمكنهم متابعة حياتهم بشكل طبيعي، مما يؤكد تطور العلاجات، وفق ما ذكر طبيب الأورام.
علاجات أخرى
ولا تعتمد محاربة السرطان بالأدوية حالياً على العلاجات الكيماوية الكلاسيكية وحسب، بل أيضاً على العلاجات الموجهة التي تشكل تطوراً مهماً في هذا المجال من نحو 20 عاماً، إضافة إلى العلاجات المناعية التي طُورت منذ نحو سبعة أعوام.
ولم تتغير طريقة إعطاء العلاجات الموجهة مقارنة مع العلاجات الكيماوية التقليدية، لكنها اختلفت من حيث المبدأ في كونها تختار الخلية التي تهاجمها بطريقة موجهة، فتتجه نحو الخلايا السرطانية من دون أن تمس الصحيحة.
وبحسب اختصاصي أمراض الدم فإن "الغشاء الخارجي للخلية به مستقبلات تسهم في جعل الخلية سرطانية، وفي حال توجه الدواء نحو هذه المستقبلات فلا يعود للخلية حافز لتتكاثر ولتصبح سرطانية عدوانية، مما يسبب موتها وزوالها مع مرور الوقت، ويتم حالياً تطوير علاجات موجهة لمزيد من أنواع السرطان".
وأقدم العلاجات الموجهة في مواجهة السرطان هي تلك العاكسة للهرمونات، فهي معتمدة من عقود ومبدؤها هو نفسه مبدأ العلاجات الموجهة الحديثة، ففي سرطان الثدي مثلاً تنجذب الخلية السرطانية إلى هرمون الأستروجين الذي يساعد في تكاثر الخلايا السرطانية لتصبح عدوانية، أما عندما يُعطى الدواء الذي يعكس الهرمونات فيقف حاجزاً بين الأستروجين في الجسم ومكان المستقبلات، وإذا أُعطيت الحقنة التي توقف عمل المبيض وإنتاج الهرمونات فلا تتكاثر الخلايا السرطانية بعدها لعدم توافر الهرمونات لذلك، هو علاج موجه قد تتناوله المرأة خلال أعوام عدة في المنزل بعد معالجة المرض، لأن ثمة آثاراً للسرطان قد تبقى موجودة في أماكن لا تظهر حتى في الفحوص.
ويعتبر الدواء من العلاجات الوقائية التي تمنع عودة المرض بمواجهة خلايا غير ظاهرة والقضاء عليها، ويعتمد هذا العلاج في مواجهة أنواع أخرى من السرطان مثل سرطان المبيض، أما الأدوية الموجهة الحديثة فتعمل على مستقبلات معينة للعمل على تكسر جيني إما لتصحيحه أو تعديله.
تكسر جيني
ويشير غصن إلى أنه يُجرى فحص يدل على التكسر الجيني ويظهر مدى شراسة المرض ويسمح باختيار أنواع الأدوية الأنسب له، وقد تُستخدم عندها أدوية لم يكن من المتوقع استخدامها، وفق ما يوضحه غصن، لكنها تُعتمد بوجود هذه التكسرات في المادة الوراثية، وقد تكون الأعراض الجانبية أقل عادة لكنها قد تزيد أحياناً، لكن في وجود الأدوية الفاعلة التي تسيطر عليها قبل ظهورها يمكن تخطي هذه المشكلة.
وتعمل الأدوية المناعية على تعزيز المناعة الذاتية، فالخلايا السرطانية تنتج مواد تجعل الجهاز المناعي للجسم في حال ركود وتضعفه في مواجهة المرض بحيث لا يهاجمه كما يُفترض أن يحصل.
وتحقن الأدوية المناعية في جسم الإنسان لتقضي على هذا الأثر للخلايا السرطانية على جهاز المناعة، فيبقى نشطاً وفاعلاً في مواجهة المرض، وفي حالات كثيرة يمكن أن يحارب الخلايا السرطانية ويقضى عليها بفاعلية عالية مع ضرورة التشديد على أن الآثار الجانبية ترتبط بالدواء وليس بطريقة إعطائه أياً كان نوعه.
وفي مطلق الأحوال ومع تحسن طريقة التعاطي معها وتوافر أدوية تسمح بضبطها، خفت الأعراض ولم تعد تعتبر مشكلة حقيقية للمريض، وفق ما يوضحه غصن في حديثه، إذ أكد أن الفاعلية القصوى لهذه العلاجات الحديثة يمكن بلوغها بالمزج بين أدوية مختلفة، وفي حالات معينة يمكن أن يحل العلاج المناعي محل العلاج الكيماوي أو العلاج الموجه، فيما يمكن المزج بين اثنين أو ثلاثة منهم في حالات أخرى.