Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تطلعات إيران في القارة الأفريقية؟

تحركات طهران نحوها تعكس استراتيجية جديدة انتهجها النظام بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي

الجولة التي قام بها رئيسي على كينيا وأوغندا وزيمبابوي هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى القارة الأفريقية منذ أكثر من عقد من الزمن (أ ف ب)

ملخص

فشل انتفاضات "الربيع العربي" في إحداث تغيير في دول شمال أفريقيا، أتاح لطهران نبش نسختها المذهبية لتكون بديلة عن "الإسلام السياسي" الراعي لتلك الانتفاضات، وتتيح الحالة العامة من عدم الاستقرار في أفريقيا الفرصة لإيران لإنشاء وكلاء ضمن "محور المقاومة" الذي تطمح في توسيعه ليشمل أفريقيا إضافة إلى الشرق الأوسط.

في إطار توسيع وجودها في أفريقيا، من خلال التركيز الجيوسياسي على ما هو أبعد من محيطها الإقليمي المباشر، تأمل إيران في بناء شراكات كجزء من تحولها الاستراتيجي وعودتها إلى القارة السمراء بصورة أكثر قوة. وبينما تقدم لأفريقيا الشراكات التجارية والعسكرية والأسلحة والطائرات المسيرة، تحصل على تعزيز نفوذها هناك، وتضمن إطلالتها من البحر الأحمر على منطقة غرب آسيا، وقربها من باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. ولا تقل المناطق الأخرى أهمية لدى إيران من القرن الأفريقي شرقاً إلى منطقة الساحل غرباً حيث ترسخ وجودها خصوصاً الاقتصادي، ومن شمال أفريقيا بضمان إطلالة على البحر المتوسط شمالاً إلى جنوب أفريقيا أيضاً. وكما يساعدها الوضع الجديد على تجاوز العقوبات الدولية بالتأسيس لقاعدة جديدة لـ"محور المقاومة"، وهي أرضية بدأت فيها منذ عقدين، لكن تلاشت في خضم صراعها مع خصومها الإقليميين والدوليين، ونتيجة لمشكلات القارة السمراء.

وعبرت شخصيات في النظام الإيراني عن هذه الخطوة كل بطريقتها، لكنها تردد وتصب، كلها، في ما صرح به المرشد الإيراني علي خامنئي.

 

فقد ذكرت عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية زهرة إلهيان أن تطور العلاقات مع الدول الأفريقية يشير إلى فشل العقوبات في عزل إيران. وذهبت إلى أن حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني نجحت في التركيز على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بالتقرب من الغرب، بينما أهملت أفريقيا، ولكن حكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي خلقت توازناً في التفاعلات الدولية. وما جاءت به إلهيان ظل يردده الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في المناسبات الأفريقية السابقة وهو أن الغرب ينهب الثروات الأفريقية بينما علاقة إيران معها تقوم على المنفعة المتبادلة.

استراتيجية جديدة

وتحركات إيران نحو أفريقيا تعكس استراتيجية جديدة انتهجها النظام الإيراني بقيادة الرئيس رئيسي. وبعد أيام من توليه منصبه في السادس من أغسطس (آب) 2021، شارك رئيسي في محادثات تهدف إلى تعزيز التعاون البرلماني مع الجمعية الوطنية في جنوب أفريقيا، أكبر شريك تجاري لإيران في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك في غينيا بيساو. وبعد أشهر عدة، في يناير (كانون الثاني) 2022، استضاف رئيسي وزير خارجية توغو روبرت دوسي، في طهران، لمناقشة شراكات اقتصادية وتجارية.

 

وكانت الجولة التي قام بها رئيسي على رأس وفود دبلوماسية وتجارية رفيعة المستوى، وشملت ثلاث دول أفريقية في يوليو (تموز) الماضي، كينيا وأوغندا وزيمبابوي، هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى القارة منذ أكثر من عقد من الزمن. تبعتها مشاركة رئيسي في قمة "بريكس" بجنوب أفريقيا في أغسطس الماضي. سبق الزيارة انعقاد المؤتمر الأول للتعاون العلمي والاقتصادي لإيران ودول غرب أفريقيا في مارس (آذار) 2023 في طهران. وتم خلال هذا المؤتمر التوقيع على 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم متعددة الأطراف وثنائية بين إيران ودول غرب أفريقيا من أجل توسيع وتعميق التعاون الاقتصادي الشامل. أما المؤتمر الاقتصادي الثاني لإيران وأفريقيا، فعقد خلال أربعة أيام، من الجمعة إلى الأحد الماضي، في طهران بحضور ممثلين من أكثر من 30 دولة أفريقية. وأشاد رئيسي بالحدث ووصفه في كلمته التي ألقاها في المناسبة بأنه "رمز التصميم في إيران وأفريقيا على توسيع العلاقات".

في هذا الوقت، كانت الشراكة بين إيران وأفريقيا تحتفي بحصاد عمل نحو 10 آلاف شركة إيرانية في القطاعات التكنولوجية والعلمية، رفعت إجمالي تجارة إيران مع الدول الأفريقية إلى مستوى ملياري دولار سنوياً. وتتطلع إيران إلى أن يصل حجم التجارة مع أفريقيا إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.

 

قارة الفرص

وخلال الحرب الباردة كانت إيران حليفة للدول الاستعمارية، وعندما قررت هذه الدول إنهاء الاستعمار في جميع أنحاء أفريقيا، أيدتها. وفي سبعينيات القرن الماضي تأسست الشراكة بين إيران وأفريقيا على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. وكانت الفرصة قد أتيحت لإيران بعد إعلان الدول الاستعمارية وفي مقدمها بريطانيا وفرنسا عزمها على الانسحاب التام من أفريقيا، واكتمل ذلك في نهاية الستينيات. وكان على هذه الدول ترتيب أمورها بطريقة تحفظ مصالحها في القارة بعد الانسحاب الذي اضطرت إليه بسبب تصاعد موجات النضال التي غذتها الأفكار الشيوعية، وكذلك الحاجة إلى تخفيض النفقات العسكرية، ثم تغيير الاستراتيجية التي كانت تسير عليها، والانتقال من مرحلة تقليدية إلى مرحلة جديدة تستبدل فيها الاستعمار باتفاقيات الصداقة، وتعزيز التعاون بينها وبين الدول الأفريقية حديثة الاستقلال.

وكان تسليم إدارة الشؤون للحكام الوطنيين، بشروط هي عدم تضرر مصالح الدول الأوروبية في القارة، والاعتماد على الولايات المتحدة في مواجهة المد السوفياتي، والتعاون العسكري بصيغة جديدة، مما أطاح أسطورة التفوق العسكري السوفياتي، والتركيز على ملء الفراغ حتى لا يتخذه الاتحاد السوفياتي أو الصين ذريعة للتوغل في أفريقيا.

وتحفظ جنوب أفريقيا خصوصاً لإيران، بعد تحولها لـ"جمهورية إسلامية"، ما فعله قادتها الإسلاميون بعد إطاحة الشاه الذي كان يدعم نظام الفصل العنصري بنحو 90 في المئة من واردات النفط الإيراني، إذ قطع النظام الجديد العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع نظام الفصل العنصري، وأعلن دعمه المؤتمر الوطني الأفريقي المحظور آنذاك.

وتطورت علاقة إيران بأفريقيا خلال فترة ولاية الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد منذ عام 2005 إلى عام 2013، ونشطت إيران في بناء تيارات شيعية وبناء الحسينيات ورفدها بالكتب وأشرطة الكاسيت، ففتحت مراكز ثقافية وتعليمية شيعية في ساحل العاج وليبيريا والكاميرون ونيجيريا والسودان، وكانت وسيلتها في استخدام القوة الناعمة بالاستثمار في البنية التحتية، وبناء المستشفيات وإنشاء الشركات وتقديم القروض، ومنحت هذه الدول إيران غطاء دبلوماسياً إذ حصلت مباشرة على التصويت لصالحها في الأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان في إيران في عام 2009، ولكنها لم يطرف لها جفن في ما يتعلق بغرضها الأساسي بأن يخرجها التعاون الاقتصادي مع دول القارة من العقوبات الدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أولوية العلاقات

وعلى عكس حكم الرئيس السابق حسن روحاني لفترتين متتاليتين حيث تراجعت علاقات إيران مع أفريقيا، فإن الرئيس إبراهيم رئيسي أشار إلى أن أفريقيا ستكون في أولوية علاقاته الخارجية والاقتصادية. ومنذ توليه الحكم عام 2021، ركز على تعزيز العلاقات مع الشرق بخاصة مع روسيا والصين، والاتجاه لتأسيس علاقات مع دول الجنوب العالمي خصوصاً مع أفريقيا ودول أميركا اللاتينية.

وربما يجد نهج السياسة الخارجية الإيرانية لتشكيل تحالفات جديدة مع الاقتصادات النامية في الجنوب العالمي، ترحيباً من قبل الدول الأفريقية، لم يحصل من قبل، وذلك لعوامل عدة هي: أولاً، انسحاب الغرب وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لأسباب لوجيستية، وتزامنها مع المشاعر الأفريقية المعادية للغرب، خصوصاً مع صعود تيارات عسكرية بانقلابات على الديمقراطيات الوليدة في القارة، أو بانقلابات مزدوجة. وتتميز هذه التيارات بنزعة تحررية من المبادئ الغربية، والترويج للتحرر من قبضة ما سمته "الاستعمار الحديث"، و"نهب الموارد والثروات الأفريقية"، ويلاقي هذا التوجه هوى في نفس إيران يساعدها على فك عزلتها.

ثانياً، فشل انتفاضات "الربيع العربي" في إحداث تغيير في دول شمال أفريقيا، بل جر هذه الدول إلى انهيار سياسي واقتصادي وعسكري، أتاح لطهران نبش نسختها المذهبية، لتكون بديلة عن "الإسلام السياسي" الراعي تلك الانتفاضات. ومع ذلك، فإن محاولات إيران التوسع مذهبياً ليست سوى وسيلة واحدة ضمن وسائلها عديدة، التي تتقن أوجه استخدامها ولا تضعها في سلة واحدة.

ثالثاً، تتيح الحالة العامة من عدم الاستقرار في أفريقيا، الفرصة لإيران لإنشاء وكلاء ضمن "محور المقاومة" الذي تطمح في توسيعه ليشمل أفريقيا إضافة إلى الشرق الأوسط.

رابعاً، إضافة إلى شبكة تهريب الأسلحة غير القانونية التي تمكنت إيران من بنائها في القرن الأفريقي، والتي تسمح لطهران بتهريب الأسلحة وتزويد الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية بها. ومع تصدير الأسلحة إلى بلدان القارة، مثل تزويد الجيش الإثيوبي بطائرات مسيرة من طراز "مهاجر-6"، وتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيرة من الطراز نفسه، يبدو أنها تخطط لزيادة مبيعاتها من هذه الطائرات إلى القارة الأفريقية.

تردد القرار

ولا تخلو حيثيات التوسع الإيراني في أفريقيا من آراء أخرى مخالفة لما ذهب إليه ترجيح العودة الإيرانية إلى أفريقيا، فهي تنطلق من النظر إلى النسخة المتطرفة من الإسلام السياسي التي تصدرها إيران، وقد كانت قبل أحداث "الربيع العربي" تندرج في إطار تنشيط تيار مذهبي مختلف ليس إلا. أما الآن فينظر كثير من النظم الأفريقية إلى ما آلت إليه دول شمال القارة، ما يخلق تردداً في قرار التوجه بكلياته نحو القبول بإيران، وذلك لا ينفي النظر إلى المزايا التي توفرها إيران للدول الأفريقية كبديل للغرب إلى جوار الصين وروسيا، كما يخلق إصراراً من جانب إيران لاستئناف علاقاتها مع الدول الأفريقية التي تتميز كل على حده بمزايا عديدة. وستتخذ العلاقات في هذه الفترة وضعاً رمادياً، مع أن عدداً من هذه الدول بدأ الانخراط، حالياً، بتوقيع عدد من الاتفاقات في ما بدأته إيران في عهد نجاد مثل السنغال وغامبيا وغانا ومالي ونيجيريا، ابتداءً من مصانع الجرارات والسيارات في السنغال، وتصدير المركبات إلى غامبيا وغانا ومالي ونيجيريا، واستيراد الذهب من دول توغو والسنغال وبوركينا فاسو، ومن توغو أيضاً اليورانيوم لبرنامج إيران النووي، والتعاون العسكري مع إثيوبيا والسودان خلال نزاعاتهما.

ويتفق الرأي الأخير مع توجه الولايات المتحدة التي بدأت النظر في العودة لحماية حلفائها ومصالحها في أفريقيا، وتمثل لها تحدياً كبيراً، إذ إنها قد تتسارع بالموازاة مع الحراك الثلاثي (الإيراني والصيني والروسي).

فأي من هذه الدول مؤهلة لأن تكون أفريقيا موطئ قدم لها للتحرك في أفريقيا والإشراف منها على مصالحها في المحيط الإقليمي؟ وفي الاتجاه الآخر قد لا تحسم هذه العودة قبل انتهاء الانتخابات الأميركية.

على كل، ستظل أفريقيا هدفاً جذاباً للقوى الدولية والإقليمية، وإيران في عهد رئيسي تبدو عازمة على الاستفادة من الإخفاق الأميركي وعدم مقدرة الولايات المتحدة من الوقوف بوجه الصين وروسيا، مما شجع طهران على الوقوف في وجهها أيضاً، بالتالي، فإن مكافحة نفوذ هذه الدول معاً ربما تصبح أولوية الإدارة الأميركية المقبلة.

المزيد من تحلیل