ملخص
الإعلان عن الكلفة العالية لمقر الاتحاد في ظرف اقتصادي واجتماعي صعب لم تستحسنه فئة كبيرة من التونسيين الذين يكابدون شظف العيش.
أعلن المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن كلفة ترميم المقر القديم للمنظمة النقابية بلغت 29 مليون دينار (حوالى 10 ملايين دولار) بعد أشغال استمرت لنحو ثلاثة أعوام، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط النقابية والسياسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعاد الجدل إلى الواجهة مكانة المنظمة النقابية الأكبر في تونس ورمزيتها النضالية منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي، خصوصاً بعدما أفاد الطاهري، في الافتتاح خلال تصريحات صحافية على هامش التجمع العمالي، بأن "تدشين مقر المركزية النقابية في ثوبه الجديد يليق بعراقة الاتحاد ودوره التاريخي في البلاد، وأن متطلبات العمل الجديدة وتوسع العمل النقابي خلال الأعوام الأخيرة حتّما اللجوء إلى مقر وظيفي جديد من خلال الشروع في الأشغال بداية من أبريل (نيسان) 2021".
وتباينت المواقف من تصريحات الطاهري بين من يرى أن المنظمة انحرفت عن دورها العمالي وباتت هيكلاً ضعيفاً تنخره الصراعات الداخلية بين قياداته على حساب الكادحين في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تمر بها البلاد، ومن رأى أن المنظمة وطنية عريقة لها مداخيلها الخاصة ولا يحق لأي كان أن يتدخل في طريقة تصرفها بأموالها ومواردها الذاتية.
ضمور دور الاتحاد
الإعلان عن الكلفة العالية لمقر الاتحاد في ظرف اقتصادي واجتماعي صعب لم تستحسنه فئة كبيرة من التونسيين الذين يكابدون شظف العيش.
ويؤكد الكاتب والإعلامي خالد كرونة أن كلمة الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، لمناسبة يوم العمال العالمي التي جاء فيها أن المقر الجديد حلم أجيال سببت إحراجاً للقيادة النقابية ووفرت مادة جديدة لانتقادها، لا سيما أن التونسيين عموماً، والنقابيين خصوصاً، يتابعون تراجع دور المنظمة وافتقادها إلى دور المبادرة الذي دأبت عليه منذ أعوام.
ولا يستبعد كرونة غياب الحوكمة في إدارة شؤون الاتحاد من قبل القيادة النقابية الحالية التي تشهد تجاذبات حادة بين شق موالٍ وآخر معارض، مشيراً إلى أن الاتحاد سبق أن دشن قبل 2011 مقراً جديداً بعيداً نسبياً من وسط العاصمة، تم تسويغه"، ومتسائلاً عن جدوى الفخامة التي بدا عليها المقر التاريخي في ثوبه الجديد.
ويربط كرونة الجدل حول كلفة ترميم البناية القديمة بتراجع دور المنظمة في المشهد السياسي والاقتصادي بالبلاد، داعياً إلى مبادرة جدية لمصالحة نقابية تعيد اللحمة إلى الهياكل في ضوء تثبيت أسس الممارسة الديمقراطية الداخلية عبر مؤتمر استثنائي حقيقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا مكاسب للشغالين
في السياق، يرى النائب السابق والكاتب هشام الحاجي أن الاتحاد يجب أن يكون قدوة في التصرف في موارده وأن يقدم المثال إلى قواعده العمالية في حسن توظيف أمواله، حتى إن كان الترميم من موارده الذاتية، خصوصاً أن البلاد تعيش ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة، بينما تعاني الطبقة العاملة صعوبات اقتصادية واجتماعية وسط ارتفاع نسب التضخم والتهاب أسعار المواد الأساسية وفقدان بعضها وفي ظل تدهور القدرة الشرائية لعموم التونسيين.
ويرى الحاجي أن الإشكال الحقيقي ليس في المبلغ الكبير الذي صرفه الاتحاد في ترميم مقره القديم، بل في الصعوبات التي تعترض الاتحاد اليوم في ترتيب بيته الداخلي، خصوصاً أنه يواجه معارضة نقابية ما انفكت قواعدها تتسع.
ويشير إلى أن الاتحاد يعاني محنة مزدوجة في علاقته بالسلطة ووسط انسداد أبواب الحوار الاجتماعي وعدم تمكنه من تحصيل أي مكاسب جديدة للعمال.
ولئن نزّه النائب السابق القيادة النقابية من سوء التصرف في موارد المنظمة الشغيلة، فإنه اعتبر أن كلفة الترميم عالية في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب تمر به تونس، واصفاً الجدل حول الاتحاد ومكانته ورمزيته التاريخية، بالأمر الطبيعي.
ويرى الحاجي أن الجدل حول كلفة ترميم المقر القديم لاتحاد الشغل هو الشجرة التي تخفي غابة من الأسئلة حول الهشاشة التشغيلية التي ما انفكت تستفحل، وكذلك غياب نمط تنموي بديل يقوم فيه العمل بدور محوري بينما تزداد العلاقة توتراً بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة السياسية الحالية، ويتجلى ذلك من خلال الخطاب المتشنج من الطبوبي، المشحون بعبارات الرفض والمواجهة والتحذير من الصدام.
ترميم المقر القديم حق القيادة النقابية
في المقابل، يؤكد النقابي السابق الحبيب التليلي أن ترميم المقر القديم للمنظمة النقابية حق لها، داعياً إلى ضرورة ترتيب البيت الداخلي للاتحاد، وعدّ أنه كان من الأفضل عدم الإفصاح عن قيمة الكلفة التي اعتبرها بذخاً مفرطاً لا يمكن أن يمثل جميع العمال.
ويرى التليلي أنه كان من الأجدر تنفيذ الاتفاقات العالقة، مقترحاً بعث صندوق خاص بتعويض من يتم طردهم في القطاعين العام والخاص لأسباب نقابية، وهو مقترح قديم لم تتبنَّه النقابة، لذلك أصبح العمال اليوم على مسافة من العمل النقابي لأن المركزية النقابية لم تعُد تحميهم.