ملخص
أخبار غير سارة لعشاق الشوكولاتة... أحكمت قبضة المناخ على أشجار الكاكاو لينضم إلى قائمة المواد المهددة بالاحترار العالمي
لم تكن الشوكولاتة تحتاج إلى صعود أكبر بالأسعار ليرتفع رصيدها العاطفي في قائمة السلع المرتبطة بمتع الحياة السعيدة المرفهة، لكن ما حدث في الشهرين الماضيين وضعها في تصنيف، ربما مبالغ به قليلاً، إذا ما علمنا أن سعره ما زال يتجاوز أضعاف تكلفته الحقيقية، فما سبب هذه الارتفاعات المتكررة التي يرجح ألا تقف عند الارتفاع الأخير مطلع العام الحالي؟
الكاكاو
أحكمت قبضة المناخ على أشجار الكاكاو، لينضم رسمياً إلى قائمة المواد المنزلية المهددة بالاحترار العالمي. ففي حين شكلت أخبار القهوة والشاي مصدر قلق في وقت سابق، توسع القلق اليوم ليضم المتع والطعم الحلو، الشوكولاتة والسكر. وكانت صحيفة "الغارديان" نشرت مطلع العام الحالي مقالاً أشارت فيه إلى انضمام البسكويت والحلوى إلى ضحايا أزمة المناخ، مع صعود سعر السكر تزامناً مع ارتفاع كلفته إلى أعلى مستوى منذ عام 2011 بعد موجة الجفاف في الهند وتايلاند، أكبر مصدري السكر بعد البرازيل.
ووصل سعر الكاكاو إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في الأسواق العالمية مع ارتفاع الكلفة بنسبة 150 في المئة عن العام الماضي. وتتوقع المنظمة الدولية للكاكاو أن ينخفض الإنتاج العالمي بنسبة 10.9 في المئة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، في حين يسعى الباحثون للعثور على أصناف برية أكثر مقاومة للحرارة والجفاف، وأعلى قدرة على تحمل الظروف البيئية المحتملة في المستقبل، بخاصة إذا ما علمنا ما تحتاج إليه شجرة الكاكاو من ظروف مناخية محددة لنموها، إذ يجب أن يتراوح معدل هطول الأمطار السنوي بين 1300 و2000 ملم مع عدد محدود من أيام الجفاف، ومتوسط درجة حرارة يومية تراوح ما بين 24 و28 درجة مئوية، ورطوبة نسبية تراوح ما بين 80 و90 في المئة، وتربة غنية وعميقة وجيدة التهوية، بالتالي يمكن للعوامل المناخية على اختلافها، والبيئية والبيولوجية والفيزيائية أن يكون لها تأثير كبير على فينولوجية الشجرة (دورة حياتها وكيفية تأثرها بالتغيرات) ومحصولها.
ماذا عن الشوكولاتة؟
أثار النقص العالمي في الكاكاو مشكلات تتعلق بصناعة الشوكولاتة واحتمال ارتفاع أسعاره مع تقليص حجم الألواح، إذ بدأت أسعار الكاكاو بالارتفاع في النصف الثاني من عام 2022، وأخذت تتضاعف منذ ذلك الحين، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في يناير (كانون الثاني) 2024، بحسب ما نشرت مجلة "الإيكونومست". وكانت شركات رائدة في صناعة الشوكولاتة مثل "هيرشي" Hershey، رفعت أسعار الحلويات في فترة أعياد 2022، ليتبعها زيادة في كلفة الشوكولاتة منتصف 2023، قبل أن يتم في فبراير (شباط) تطبيق زيادات صغيرة على بعض المواد الأخرى، بحسب مديرها المالي.
وقال متحدث باسم شركة "نستله"، لصحيفة "الغارديان"، إنه رغم تضاعف أسعار الكاكاو ثلاث مرات خلال العام الماضي، فإننا لم ننقل سوى جزء صغير من الزيادة في الأسعار للمستهلكين عام 2023، إلا أننا قد نحتاج إلى إجراء تعديلات على الأسعار في المستقبل نظراً إلى الارتفاع المستمر في أسعار الكاكاو".
وبحسب التقرير، ارتفعت أسعار الكاكاو نهاية مارس (آذار) الماضي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في بورصات السلع الأساسية في لندن ونيويورك، حيث وصلت إلى أكثر من 10 آلاف دولار للطن للمرة الأولى، بعد الحصاد الضعيف الثالث على التوالي في غرب أفريقيا. وشهد المستهلكون الأميركيون ارتفاع أسعار السكر والحلوى بنسبة 8.9 في المئة عام 2023، ومن المتوقع زيادة بنسبة 5.6 في المئة هذا العام، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، وهو أعلى بكثير من المعدلات التاريخية، كما قامت صناديق التحوط بمراهنات كبيرة على سعر الكاكاو هذا العام، إذ راهن المضاربون بأكثر من ثمانية مليارات دولار على أن الأسعار ستستمر في الارتفاع، وفقاً لصحيفة "فاينانشيال تايمز".
لكن اللافت أن أياً من هذه الأموال لن يصل إلى صغار المنتجين في غرب أفريقيا، حيث باعت غانا وساحل العاج محصول هذا العام من خلال اتحاد احتكاري، الأمر الذي ترك عديداً من المزارعين في حالة من السخط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما السبب؟
وتتحمل ظواهر المناخ المسؤولية الأكبر في ارتفاع الكلفة، إذ أدت الأمطار الغزيرة في بلدان غرب أفريقيا إلى نقص في الإنتاج للعام الثالث على التوالي، عززتها ظاهرة النينيو، إذ تعرضت غانا وساحل العاج لظروف جوية قاسية. ووفقاً لشركة تحليل البيانات Gro Intelligence، كان إجمالي هطول الأمطار في المناطق الرائدة بإنتاج الكاكاو في ساحل العاج، الأعلى منذ 20 عاماً، وكان من الطبيعي أن ترخي هذه التغيرات بظلالها على السوق العالمية، إذا ما علمنا أن غانا وساحل العاج تنتجان معاً أكثر من نصف محصول الكاكاو العالمي، في حين تتشاركان مع نيجيريا والكاميرون نحو ثلاثة أرباع الإنتاج في العالم.
وبحسب "الغارديان"، تفاقم هذا الوضع بسبب انتشار الأمراض الفطرية والفيروسية وتقلص الاستثمار في المزارع القديمة المعمرة، ودفع الحصاد الضعيف منتجي الشوكولاتة ليسارعوا للتزود وتأمين إمداداتهم، تزامناً مع اشتداد وطأة المرض الأشد فتكاً بأشجار الكاكاو، مرض القرنة السوداء (black-pod disease) الذي يسبب آفة نخرية ذات لون بني أو أسود على قرنة الكاكاو، وفيروس براعم الكاكاو (CSSV) الذي يحدث تغيراً في لون الأوراق وتورماً في الساق والجذر، وبإمكانه خلال عام واحد من الإصابة خفض المنتج بنسبة 25 في المئة وقتل الأشجار خلال أقل من أربعة أعوام.
وتقدر شركة "تروبيكال" لخدمات الأبحاث أنه بحلول نهاية عام 2023، كان فيروس البراعم المنتفخة قد أصاب نحو 20 في المئة من أشجار الكاكاو في ساحل العاج، لوحظ أثرها في التقلص الكبير في إجمالي مساحة الأوراق وسقوط الزهور والفاكهة الصغيرة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حاد في المحصول وفشل في إعادة تأهيل بساتين الكاكاو وإعادة زراعتها.