Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير الحراك الطلابي على الانتخابات الأميركية... مبالغات وأفخاخ

يعتمد الأمر على مدى تطور الوضع في غزة لكن الأخطار لا تزال تحيط بالرئيس بايدن

لا يوجد إجماع واضح بين الشباب الأميركي حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع إسرائيل (أ ف ب)

ملخص

على رغم تحول قضية احتجاجات الجامعات الأميركية ضد حرب غزة خلال الأسابيع الأخيرة إلى قضية مشتعلة تشغل الرأي العام الأميركي، وتتصدر قضايا السباق الرئاسي ما دفع كل من الرئيس بايدن وخصمه الجمهوري ترمب إلى التدخل وتحديد مواقفهما من الأزمة، إلا أن الآراء تباينت حول ما الذي يمكن أن تتمخض عنه هذه الأزمة في نهاية المطاف، وكيف سيكون تأثيرها في الانتخابات الرئاسية.

مع تصاعد أزمة الجامعات الأميركية وتفاقم التهديد بغزو الجيش الإسرائيلي غزة، تفاوتت التقديرات ما بين شعور واضح بعدم الارتياح لدى بعض الديمقراطيين، خشية أن يمتد الغضب بشأن غزة بين شباب الجامعات إلى انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بما قد يضر الرئيس جو بايدن ويحول دون فوزه على الرئيس السابق دونالد ترمب، وبين تيار آخر يرى أن الحرب بين إسرائيل و"حماس" من غير المرجح أن تؤدي إلى تحول كبير في الانتخابات الرئاسية عام 2024. فما أسباب وطبيعة هذه الاختلافات وكيف يمكن أن تنعكس على موقف البيت الأبيض من الشرق الأوسط؟

قضية مشتعلة

على رغم تحول قضية احتجاجات الجامعات الأميركية ضد حرب غزة خلال الأسابيع الأخيرة إلى قضية مشتعلة تشغل الرأي العام الأميركي، وتتصدر قضايا السباق الرئاسي ما دفع كل من الرئيس بايدن وخصمه الجمهوري ترمب إلى التدخل وتحديد مواقفهما من الأزمة، إلا أن الآراء تباينت حول ما الذي يمكن أن تتمخض عنه هذه الأزمة في نهاية المطاف، وكيف سيكون تأثيرها في الانتخابات الرئاسية.

أحد أسباب تصاعد التوترات هو تحول القضية إلى واحدة من قضايا الصراع السياسي الساخن والذي تمثل في انقضاض الجمهوريين وهجومهم المنسق ضد احتجاجات طلاب الجامعات ووصفهم إياهم بأنهم مناصرون لـ "حماس" ومطالبة الرئيس ترمب باعتقالهم، واتهامه بايدن بالضعف وعدم القدرة على السيطرة على البلاد، وفي المقابل، اعتبر الديمقراطيون مواقف الجمهوريين محاولة لدق إسفين بين الليبراليين المنقسمين بالفعل حول كيفية التعاطي مع هذه الاحتجاجات بينما يستمر الرئيس بايدن في محاولة تحقيق توازن حذر بين حق الطلاب في حرية التعبير السلمي، وبين رفضه استخدام العنف أو معاداة السامية أو إنكار حقوق الآخرين في محاولة منه لعدم التدخل المباشر مع الجامعات أو الطلاب، مع تأكيده أنه ليست لديه خطط لتغيير سياسته في الشرق الأوسط بسبب الاحتجاجات.

 

وفي ظل هذا الصراع السياسي تباينت الآراء حول تأثير التظاهرات الطلابية على الانتخابات بين من يرى أن الأمر يتوقف على الوضع في غزة الآن ومستقبلاً على اعتبار أن هذا هو العامل الأساس الذي يحرك شباب الجامعات، وبين من يعتقد أن هناك مبالغة في تقدير حجم التظاهرات وردود الأفعال تجاهها، وبين من يرى أن التأثير سيقع لا محالة على بايدن في الانتخابات الرئاسية، وفي ما يلي الأسباب التي تقود كل طرف إلى استخلاص نتائجه.

يعتمد على الوضع في غزة

ويرى أنصار هذا الرأي ومنهم أستاذ العلوم السياسية بجامعة "شيكاغو" البروفيسور مايكل تراوغوت أن الأمر يعتمد على المدة التي ستستمر فيها تظاهرات الطلاب في الجامعات الأميركية، والتي تتوقف، بدورها، على مدى نجاح المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن الإسرائيليين، وبالتالي إذا أمكن حل الوضع في غزة، فإن ذلك سيقلل من الأضرار التي قد تلحق بحملة بايدن الانتخابية، على رغم أن إعادة إعمار غزة سوف يستغرق عقوداً من الزمن.

واعتبر البروفيسور تراوغوت لـ "اندبندنت عربية" أن اعتقال أكثر من 2200 طالب في مختلف الجامعات الأميركية قد لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير موقف الناخبين الشباب من بايدن لأن الحكومة الفيدرالية لا علاقة لها بالإجراءات التي تقوم بها الإدارات الجامعية، والتي تستند إلى مبادئ توجيهية لديها حول أشكال التعبير المسموح بها وفقاً لقرارات سابقة للمحكمة العليا حددت قيوداً تتعلق بالزمان والمكان والأسلوب المناسب لحرية التعبير ومتى وأين يمكن أن تكون هناك احتجاجات، كما أشار الرئيس بايدن في تعليقاته، على أهمية احترام مديري الجامعات والكليات حقوق المتظاهرين في حرية التعبير، ولكن مع عدم السماح بالفوضى.

غير أن موقف الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب الداعم لاعتقال طلاب الجامعات لن يكون له تأثير يذكر وبخاصة في الولايات المتأرجحة التي تحسم نتيجة السباق الانتخابي، فبحسب تراوغوت المتخصص في الحملات الانتخابية وسلوك التصويت، لن تساعد تصريحات ترمب في زيادة مستوى دعمه على رغم أن هذه التصريحات تروق لقاعدته الانتخابية القوية، لكن هذه القاعدة ليست كافية بمفردها لكي يفوز في الانتخابات حتى في عدد محدود من الولايات المتأرجحة.

 لن تؤثر

ويعتقد مستشارو حملة بايدن أن هذه القضية من غير المرجح أن تضر الرئيس بشكل كبير في الانتخابات، فمن وجهة نظرهم لا يزال الوضع في غزة متقلباً للغاية، إذ يواصل المسؤولون الأميركيون العمل نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل، وقد لا تحمل القضية الصدى السياسي نفسه عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر، حيث سيغادر الطلاب الحرم الجامعي لقضاء العطلة الصيفية في الأسابيع المقبلة، وهو ما يعتقد كثيرون أنه سيساعد في نزع فتيل حدة الاحتجاجات.

ويشير مدير مركز السياسة الأميركية في جامعة "كاليفورنيا" توماس غفت إلى أن عدم الرضا بين الشباب حول الحرب بين إسرائيل و"حماس" من غير المرجح أن يؤدي إلى تحول كبير في الانتخابات الرئاسية عام 2024، بل على العكس، يمكن أن يتحول جمهور الناخبين الأوسع ضد بايدن إذا فشل في اتخاذ موقف صارم بما فيه الكفاية ضد المحرضين الأكثر تطرفاً في هذه الاحتجاجات على حد وصفه.

ويعود تقدير البروفيسور غفت إلى أن المشاركين في التظاهرات بالجامعات الأميركية لا يمثلون الشباب الأميركيين ككل لأن الاحتجاجات التي امتدت من جامعة لأخرى انطلقت في الجامعات المرموقة الأغلى كلفة، بما في ذلك "كولومبيا"، و"هارفرد"، و"ييل"، و"برينستون"، وهي جامعات نخبوية تميل إلى استقطاب الهيئات الطلابية التقدمية والناشطة سياسياً التي لا تشبه التركيبة السكانية للتعليم العالي الأميركي بشكل خاص، ناهيك عن الشباب الأميركي بشكل عام، كما أن نسبة ضئيلة فقط من الطلاب، حتى في مؤسسات النخبة، ينشطون في تظاهرات غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا إجماع بين الشباب

وإضافة إلى ذلك، لا يوجد إجماع واضح بين الشباب الأميركي حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع إسرائيل، أو أنها تشكل مصدر قلق كبير في الانتخابات المقبلة، ووفقاً لأحدث استطلاع أجراه معهد "هارفرد" للسياسة حول الشباب الأميركيين، فإن غالبية طفيفة (51 في المئة) من الناخبين الشباب تؤيد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، كما أن القضايا المحلية العادية مثل تكاليف المعيشة ستكون أكثر أهمية في تحديد قرارات الناخبين في صناديق الاقتراع من الصراع في الشرق الأوسط، حيث يشير استطلاع الرأي نفسه الذي أجراه معهد "هارفارد" للسياسة، إلى أن اثنين في المئة فقط من الشباب الأميركيين يشيرون إلى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني باعتباره القضية التي تهمهم أكثر من غيرها.

وبحسب غفت، إذا انضم بايدن بشكل وثيق إلى هذه الاحتجاجات، فسوف يواجه مقاومة من اليهود وغيرهم من الناخبين الذين يطالبون بدعمه الكامل لإسرائيل، وقد يفتح ذلك المجال أمام ترمب، الذي يحاول بالفعل تأطير الاحتجاجات في الحرم الجامعي كدليل على الفوضى في ظل الإدارة الحالية.

تأثير مؤكد

لكن على الجانب الآخر، أصبح الجدل حول الحرب في غزة والاحتجاجات الطلابية مثيراً للجدل داخل الحزب الديمقراطي، فقد حذر بعض الديمقراطيين من أن الاضطرابات في الحرم الجامعي يمكن أن تقلل من الحماسة للرئيس بايدن بين الناخبين الشباب، وأظهرت استطلاعات الرأي أن بايدن يكافح من أجل الاحتفاظ بمستوى الدعم نفسه الذي تلقاه من الناخبين الشباب عام 2020، وعلى سبيل المثال، وجهت "كلية الديمقراطيين في أميركا"، وهي الذراع الطلابية للحزب، تحذيراً لحملة بايدن على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة إنه لا ينبغي للحزب الديمقراطي أن يعتبر أصوات أعضاء الكلية أمراً مفروغاً منه، لأنهم يحتفظون بالحق في انتقاد الحزب عندما يفشل في الاستماع إليهم.

وعلى رغم الاختلافات الصارخة بين احتجاجات العدالة العرقية عام 2020 والتي شارك بها نحو 26 مليون شخص وتلك التي عصفت بالحرم الجامعي هذا الربيع والتي شارك بها عشرات الآلاف، تظل هذه الجامعات مصدراً أساسياً للأصوات بالنسبة للديمقراطيين، الذين عادة ما يكون أداؤهم أقوى بين الناخبين الشباب مقارنة بمنافسيهم الجمهوريين، وفي أحدث مثال على ذلك تعرض مديرو كلية "مورهاوس" وهي جامعة تاريخية للسود في أتلانتا بولاية جورجيا لضغوط من أعضاء هيئة التدريس والطلاب والخريجين لإلغاء دعوة بايدن لإلقاء خطاب في وقت لاحق من هذا الشهر.

وتؤكد أستاذة العلوم السياسية والمؤرخة إيما شورتيس أن المحتجين الذين يشعرون بالإحباط العميق بسبب عدم رغبة إدارة بايدن في تغيير نهجها الداعم بشكل مستمر لإسرائيل سوف يضرون بايدن انتخابياً إذا لم يستجب، وقالت شورتيس لـ "اندبندنت عربية" إن هذا التأثير تجلى في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في "ميشيغان"، وعلى نطاق أوسع، فإن معدلات التأييد المنخفضة للغاية لبايدن تعكس الشعور بالخيانة الذي شعر به كثيرون ممن صوتوا له عام 2020.

فخ اليمين

وفي حين يرى البعض تأثير غضب الشباب على نتيجة الانتخابات واضحاً ضد الرئيس بايدن، اعتبرت المؤرخة في جامعة "نيو أورليانز" لورين لاسابي شيبرد أن المسؤولين عن الجامعات وقعوا في فخ مجرّب وحقيقي نصبه لهم اليمين حيث استجوب قادة الكونغرس المحافظين قيادات الجامعات ودعوا قوات الأمن للتدخل، وهو ما فعلوه طوال الستينيات وحتى السبعينيات، حينما شنوا هجوماً مضاداً ضد المتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام والمؤيدين لحركة الحقوق المدنية في الحرم الجامعي من خلال مطالبة رؤساء الجامعات والشرطة باتخاذ إجراءات ضدهم.

ومثلما أطلقوا عدداً من الادعاءات المألوفة حول الطلاب المتظاهرين بأنهم نخب مدللون، ومحرضون، وشيوعيون عنيفون زرعوا بذور الفتنة لتدمير أميركا، واصل المحافظون اليوم اتهاماتهم بأن الاحتجاجات تدخلت في سير الأنشطة الجامعية ووجهوا مع بعض الديمقراطيين اتهامات بمعاداة السامية ضد أي شخص يحتج على الحرب الإسرائيلية في غزة، وكثيرون منهم من اليهود، والغرض هو تخويف المسؤولين ودفعهم إلى اختيار سياسي زائف بين حماية حق الطلاب في التظاهر أم سيُنظر إليهم على أنهم مذعنون لمعاداة السامية.

ويحذر أستاذ التاريخ في كلية "أمهيرست" بولاية ماساتشوستس ستيفان برادلي من أن نشر الشرطة لتفريق التظاهرات قد ينهي الاضطرابات على المدى القصير، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى تعاطف أوسع وسخط أكبر بين الشباب، وتطرف الطلاب المعتدلين الذين يرون أصدقاءهم يتعرضون للاعتقال أو الإصابة.

اختبار شيكاغو

وبصرف النظر عن طبيعة وحجم التأثير المتوقع والذي سيواجه الرئيس بايدن، فإن مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر في مدينة شيكاغو هذا الصيف، سيكون بمثابة الاختبار الحقيقي لمدى تأثير قوة الشباب وطلاب الجامعات في السباق الانتخابي الرئاسي، مثلما كان مؤثراً في المدينة نفسها عام 1968 في ظروف مشابهة بدرجة كبيرة حين حول الطلاب مؤتمر الحزب إلى ساحة جدال واعتراضات ضد حرب فيتنام أدت إلى اعتقالات واسعة في صفوف الشباب وهو ما أدى في النهاية إلى خسارة مرشح الحزب هيوبرت همفري، والذي وصم بأنه مؤيد للحرب بصفته نائباً للرئيس ليندون جونسون وفوز الجمهوري ريتشارد نيكسون بالانتخابات.

وأي فوضى في شيكاغو ستكون سيئة بالنسبة لبايدن، لكن يكاد يكون من المؤكد أن الأحداث لن تكون شديدة كما كانت في عام 1968، فعلى رغم أن الجماعات المؤيدة لفلسطين ترغب في إعادة كتابة موقف الحزب بشأن إسرائيل، إلا أن مثل هذه المعارك لم تعد تدور رحاها في قاعات المؤتمرات، إذ سيسيطر مساعدو بايدن على المنصة والمؤتمر، ويتبقى بعد ذلك توقع التأثير الحقيقي في صناديق الاقتراع.

المزيد من تحلیل