ملخص
اصطحاب ماكرون شي جينبينغ إلى المنطقة التي كانت جدته تعيش فيها وكان ماكرون يقضي فيها إجازاته، هدفه خلق جو من الود والحميمية خلال الزيارة
تتصدر زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى فرنسا عناوين الأخبار العالمية، إذ تأتي في ظل الأحداث الدولية المتسارعة والتحولات الجيوسياسية المهمة التي تشهدها الساحة العالمية. وتتزامن الزيارة وجهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مجال التسوية الدبلوماسية لتعزيز السلام والاستقرار، وهو الأمر الذي يكتسب أهمية بالغة في ظل الأزمة الأوكرانية التي لا تزال تشكل حجر الزاوية في الساحة الدولية، فهل ستؤدي محادثات ماكرون مع نظيره الصيني خلال هذه الزيارة إلى تحقيق نتائج إيجابية تسهم في إنهاء الصراع في أوكرانيا؟
نافذة الحوار
في هذا السياق الدولي تظهر أهمية فتح نافذة الحوار بين الاتحاد الأوروبي والصين بوضوح، إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة الحوار بين الطرفين، ومع ذلك تتوجه بعض الآراء داخل الاتحاد الأوروبي لإبراز الاختلافات بين فرنسا وألمانيا، إذ يعبر بعض المراقبين مثل المرشح الاشتراكي للانتخابات الأوروبية رافائيل جلوكسمان عن استيائه من طريقة تقديم "التبجيل المبالغ فيه بطريقة مهينة للسلطوية"، على حد وصفه.
وخلال كلمته الافتتاحية في قصر الإليزيه، وإلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أشار ماكرون إلى ضرورة إجراء حوار أوروبي - صيني بصورة أكبر من أي وقت مضى، لافتاً إلى أن "الوضع الدولي يوضح الحاجة الملحة إلى ذلك". وأكمل ماكرون تأكيده أن "أوروبا تمر بنقطة تحول في تاريخها مما يستدعي التصدي للتحديات الهيكلية والتغلب عليها"، مع التشديد على "ضرورة وضع قواعد عادلة تخدم الجميع بشكل فعال".
وفي الأثناء يسعى رئيس الدولة الفرنسية إلى ضمان ألا تنحاز الصين، الحليف الرئيس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضوح إلى جانب جهوده الحربية ضد أوكرانيا، وبناء على ما صرحت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يعتمد الاتحاد الأوروبي وفرنسا على الصين لاستخدام كل تأثير لديها على روسيا من أجل وقف النزاع في أوكرانيا، وهما يدعوان شي جينبينغ أيضاً إلى بذل مزيد من الجهود للحد من تسليم العتاد لروسيا، مما يسهم في تصاعد الصراع في أوكرانيا.
وفي المقابل دعا الجانب الصيني إلى عدم تشويه سمعة بلاده في قضية أوكرانيا، مؤكداً دور بكين الإيجابي في السعي نحو حل سلمي للصراع.
وفي السياق نفسه أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أن الصين والاتحاد الأوروبي لديهما مصلحة مشتركة في تعزيز السلام والاستقرار العالميين، وركزت على التصميم على وقف الحرب الروسية في أوكرانيا وتحقيق السلام الدائم في المنطقة.
جهود ماكرون
وتتركز الأضواء على جهود ماكرون لإنهاء الصراع في أوكرانيا، والتي ينظر إليها على نطاق واسع كخطوة مهمة نحو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، كما يعتقد كثير من المحللين أن زيارة جينبينغ إلى فرنسا قد تكون حاسمة في دعم هذه الجهود عبر تعزيز التعاون وتقديم الدعم الدولي للجهود الدبلوماسية.
وفي مقابلته مع "اندبندنت عربية" يؤكد الباحث السياسي نبيل شوفان ذلك، مشيراً إلى سعي إيمانويل ماكرون لاستغلال زيارة شي جينبينغ لدعم جهوده الدبلوماسية، إذ يمكن للدور الصيني أن يلعب دوراً بارزاً في التسوية السلمية للصراع.
ولمح الباحث السياسي إلى اصطحاب إيمانويل ماكرون شي جينبينغ في زيارة إلى المنطقة التي كانت جدته تعيش فيها، والتي كان يقضي فيها ماكرون إجازاته، إذ أشار الباحث إلى أن الهدف من ذلك هو خلق جو من الود والحميمية خلال الزيارة.
ويرى الباحث أن ماكرون يعبر عن أمله في تسليط الضوء على الشرف الذي يحظى به الزعيم شي جينبينغ من خلال استقباله في مكان يتميز بطابع شخصي ويعكس التقاليد العائلية.
ويركز الباحث السياسي على العلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا، مشيراً إلى ضرورة إقناع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بتغيير مواقفه، كما يلاحظ أن الصين تعتبر حليفة لإيران وقد تلعب دوراً أكثر إيجابية في لبنان، مضيفاً أن الصين تُعد شريكاً رئيساً لفرنسا التي تسعى إلى تعزيز التعاون المشترك مع بكين.
من جانبه يسعى الاتحاد الأوروبي، كأكبر شريك تجاري للصين، إلى تعزيز علاقات التجارة، ومن المتوقع أن يبذل الرئيس ماكرون جهوداً مكثفة لتحقيق هذا الهدف بخاصة.
وبالنسبة إلى العلاقات الفرنسية - الصينية المميزة التي تمتد إلى فترة الستينيات من القرن الماضي، أوضح نبيل شوفان أن هذه العلاقات تتميز بروابط خاصة، إذ اعتادت وسائل الإعلام الصينية تقديم التحية للفرنسيين الذين أسهموا في تنمية البلاد، وأكد الجنرال ديغول بدوره أن باريس كانت أول عاصمة غربية تجلب علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية إلى مستوى طبيعي، إذ كانت الشركات الفرنسية من بين أوائل الشركات التي استجابت لعمليات نقل التكنولوجيا إلى جمهورية الصين الشعبية.
التأثير الصيني
وفي ما يتعلق بدور الصين في تسوية النزاعات الدولية، مثل الصراع في أوكرانيا، يرى شوفان أن الرئيس الفرنسي يعتمد على زيارته السابقة عندما نجح في إقناع شي جينبينغ بالتواصل مع فولوديمير زيلينسكي للاستماع إلى رؤيته في شأن الهجوم الروسي على بلاده، وعرض خطة كييف للسلام.
وفي مقابلته الأخيرة مع مجلة "إيكونوميست" أكد ماكرون "أليس من مصلحة الصين أن تكون روسيا هي التي تزعزع استقرار النظام الدولي"، مشيراً إلى أهمية التعاون مع الصين من أجل بناء السلام، علماً أن الرئيس الفرنسي لم يتردد في تحذير بكين من تورط الشركات الصينية بشكل مباشر في المجهود الحربي الروسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مقابلة مع الخبير في القضايا الأوروبية من بروكسل محمد بركات، أشار إلى أن التحديات ستكون كبيرة بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي في مسعاه إلى إقناع نظيره الصيني بوقف أو تقليص التعاون الصيني - الروسي، وبخاصة في المجال العسكري.
وتتزايد التحديات تعقيداً في ظل التهم التي وُجهت للصين بخصوص دعمها لروسيا، مما يجعل من الصعب على الرئيس الفرنسي تحقيق تقدم ملموس في هذا الصدد.
ويعبر بركات عن اعتقاده بأن الصين لا تضع العلاقات السياسية أو التأثير العسكري على الدول الأخرى كأولوية، بل تركز بشكل رئيس على مصالحها الاقتصادية، وبناء على هذا الاعتقاد يرى أنه من الصعب على الرئيس الفرنسي ممارسة الضغط على الصين، بخاصة في ما يتعلق بالحرب على أوكرانيا أو سياق التغييرات في التحالفات الإقليمية.
صراعات جيوسياسي
وألقى الخبير في القضايا الأوروبية محمد بركات الضوء على الوعي الكامل الذي يتمتع به الرئيس الصيني في شأن المنافسة الاقتصادية الشديدة بين بلاده والاتحاد الأوروبي ودول الحلف، مؤكداً وجود صراعات جيوسياسية متزايدة في قضايا دولية عدة، وبخاصة الأزمة في أوكرانيا والخلافات المحيطة بتايوان والشرق الأوسط، مشيراً إلى أن اعتماد دول الاتحاد الأوروبي اقتصادياً على الصين في مختلف المجالات، ولا سيما التكنولوجيا، يجبرها على التنازلات السياسية، مضيفاً أن المنافسة الشديدة في صناعة السيارات الكهربائية وغيرها تعزز التوترات بين الطرفين.
ماكرون وشي جينبينغ في "لا مونجي"
وفي خطوة تميزت بالخصوصية والدبلوماسية، انطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الصيني شي جينبينغ إلى قرية لا مونجي الموجودة في جبال البيرينيه، لتأتي هذه الزيارة كجزء من جهود ماكرون لتعزيز العلاقات الثنائية بين بلاده والصين، وفتح فصول جديدة من التعاون والفهم المتبادل.
وما قد لا يعرفه كثيرون أن قرية لا مونجي ليست مجرد وجهة سياحية عادية، بل هي المكان الذي يستعيد منه ماكرون ذكريات طفولته الجميلة، إذ يعود كل عام لهذه القرية الجميلة لقضاء العطلات رفقة جده وجدته، وهو ما يضفي على الزيارة طابعاً شخصياً مميزاً، ومن المؤكد أن الحضور في هذا المكان المليء بالذكريات سيعزز الارتباط العاطفي بين الزعيم وأصوله وتاريخه الشخصي.
وبشكل عام فإن توجه ماكرون وشي جينبينغ إلى جبال البيرينيه في لا مونجي يمثل مزيجاً مثالياً بين الخصوصية والدبلوماسية، ويعد خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بين فرنسا والصين على المستويين الشخصي والسياسي، إضافة إلى أن لقاء القادة العالميين في هذا السياق يعكس بالفعل التطلعات المشتركة نحو عالم يسوده التفاهم والتضامن، ويبرز أهمية التفاهم والحوار المستمر بين الدول في تعزيز السلام والاستقرار العالميين.
وفي العام الماضي استقبل شي جينبينغ نظيره الفرنسي في قوانغتشو لحضور حفل شاي في مقر إقامة حاكم مقاطعة قوانغ دونغ، وكان والده، شي تشونغ شون، يعيش هناك عندما شغل هذا المنصب من عام 1978 إلى عام 1981، وفي نهاية الأمر لا يغيب الاهتمام بتأثيرات هذه الزيارة الشخصية والسياسية لإيمانويل ماكرون وشي جينبينغ إلى لا مونجي على العلاقات بين فرنسا والصين.