Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المشهد اليمني قبل نهاية العقد الأول

يدرك المطلعون كمّ الرسائل المتضاربة التي خرجت من واشنطن خلال الأعوام الماضية في شأن الحوثيين

شربت واشنطن من الكأس ذاته الذي جرعته للشرعية اليمنية والتحالف في "اتفاق ستوكهولم" (أ ف ب)

ملخص

أخيراً برز صوت واضح داخل الأروقة الأمنية والعسكرية في واشنطن منادياً بضرورة التعاطي مع الظاهرة الحوثية باعتبارها ظاهرة إرهابية مثلها مثل "داعش" أو "القاعدة"، والعمل في ضوء الخبرات العملياتية المتراكمة للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط.

مع انتهاء هذا العام سيدخل اليمن العقد الثاني من أزمته الوجودية، فيما يتواصل تشرذم وتشظي الدولة وانهيار حتى أبسط قيم ومقومات الحياة.

حملت معي هذه الصورة خلال الأسابيع الماضية خلال زيارتي إلى السعودية عاصمة القرار العربي، ومركز الحل والعقد في الأزمة اليمنية وكل الأزمات الإقليمية، وحملت معي أيضاً قراءات من المشهد اليمني في أميركا ومقاربة إدارة الرئيس بايدن المضطربة للأزمة اليمنية التي تفجرت في وجهه أخيراً جراء اجتياح إسرائيل الوحشي لغزة، في وقت حرج على بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية.

ويدرك مطلعون على الشأن اليمني كمّ الرسائل المتضاربة التي خرجت من واشنطن خلال الأعوام الماضية، وآخرها مقاربة التعاطي مع المغامرات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن والتي تتسع كما يراد لها من سادة الحوثيين في طهران، لتمتد وعلى لسان قادة "الحرس الثوري" في تصريحاتهم الإعلامية لتشمل إغلاق مضيق جبل طارق واستهداف أجزاء واسعة من المحيط الهندي.

ولم تكن الإدارة الأميركية الحالية منذ يومها الأول لتضع الحوثي في قائمة أعدائها، فقد رأت فيه دائماً شوكة في خاصرة الأنظمة الإقليمية تدفعها نحو الارتهان لحماية واشنطن حتى تحولت الولايات المتحدة اضطراراً إلى الخصم المباشر للحوثيين في البحر الأحمر بعد أن باشروا أعمالهم الإرهابية المهددة للملاحة الدولية.

وقد شربت واشنطن من الكأس ذاته الذي جرعته للشرعية والتحالف في "اتفاق ستوكهولم"، بإجهاض مشروع استعادة كامل الساحل الغربي وتحرير الحديدة، واليوم تواجه القوة العسكرية الأقوى في العالم الفشل في تحقيق الأهداف المتواضعة التي رسمتها لمهمتها في البحر الأحمر وخليج عدن لردع الحوثيين الذين باتوا يواصلون تجارب تطوير قدرات الحرس الثوري، متمددين في الممرات المائية الدولية التي حولوها إلى حديقة خلفية لمغامراتهم الصبيانية، فيجمعون الفدية تارة ويلوحون بمزيد من التصعيد تارة أخرى، وربما يصل بهم الحال إلى الاعتداء على العواصم الأوروبية مستقبلاً، وهذا ما قلته مراراً في الماضي.

وخلال الأعوام الماضية من عمر الإدارة الحالية ظلت أروقة واشنطن تركز على عدم جدوى التصعيد ضد الحوثي ووضعه في خانة الخصم، وذلك بعد مقاربات مختلفة من الإدارات السابقة بدأت أيام الرئيس أوباما التي لطالما كررت بيقينية أمام مسامع العالم بعدم تبعية الحوثي لطهران، لتصل اليوم ربما إلى قناعة معاكسة بأن الحوثي ربما يكون العميل الإيراني الأكثر انصياعاً لأوامر "الحرس الثوري"، أكثر بكثير من "حزب الله" العميل الأول لمشروع التوسعية الإيرانية في المنطقة.

الحوثي وإرهاب "داعش" و"القاعدة"

وأخيراً برز صوت واضح داخل الأروقة الأمنية والعسكرية في واشنطن منادياً بضرورة التعاطي مع الظاهرة الحوثية باعتبارها ظاهرة إرهابية، مثلها مثل "داعش" أو "القاعدة" والعمل في ضوء الخبرات العملياتية المتراكمة للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، وقيادة العمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب لاستهداف قيادات الحوثيين على الأرض، وهي العمليات التي استمرت خلال أزيد من عقد وأدت إلى تضاؤل قدرات تنظيم القاعدة في اليمن وصولاً إلى تحويل من تبقى من عناصر التنظيم إلى وكلاء محليين في الصراعات الداخلية، فتارة يقاتلون مع الحوثيين وتارة أخرى يظهرون هنا وهناك ضمن صراعات الفصائل المختلفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما دعت هذه الرؤية إلى تقديم الدعم للشرعية اليمنية وتعزيز قدراتها العسكرية لصد أية محاولات حوثية لاستكمال السيطرة على اليمن، إلا أن الإدارة الأميركية تحت ضغط الانتخابات وإسرائيل وغزة لا تزال مترددة في اعتماد مقاربة تصفية الإرهاب الحوثي، مفضلة ترك الأمر برمته للإدارة المقبلة وهي تتطلع جاهدة لنهاية حرب عزة، وبالتالي فإن وقف الحوثي لعملياته في البحر الأحمر وخليج عدن وما بعدهما ينهي مصادر القلق التي تتهدد الملاحة الدولية لتعود الأساطيل لقواعدها وتترك الحوثي يعربد في المنطقة، وفي الواقع فإن الحوثي لن يتوقف عند هذه النقطة فهو مثل العفريت الذي خرج لتوه من غياهب القمقم حيث كان محبوساً.

الحكمة والصبر ديدن الزعامة

حينما وصلت الرياض بدت لي كأنها عروس متجددة في تسابق مع التغيير، فقد كانت في اليوم الذي سبق وصولي تجمع قادة العالم في أول اجتماع للمنتدى الاقتصادي العالمي خارج سويسرا، ومن خلال مطالعة الإعلام اتضح لي حجم تلك التظاهرة العالمية خارج "دافوس" والتي جمعت أكثر من 1000 من قادة العالم حول محاور عدة، مثل التعاون الدولي والتنمية والطاقة والأمن.

تصورت أنني لن ألقى من يحدثني عن تطورات الأزمة اليمنية لأجد أن الاهتمام السعودي بالتطورات اليمنية لم يبهت مطلقاً، وتحديداً بعد التغييرات التي أدت إلى بروز مجلس القيادة الرئاسي قبل عامين، والتوصل إلى توافق الأطراف اليمنية نهاية العام الماضي إلى توافق حول خريطة الطريق للخروج من الأزمة، بحسب بيان المبعوث الدولي هانس غروندبرغ.

وبموازاة انشغالاتها التنموية الكثيرة ومشاريعها الجبارة التي تعلن عنها تباعاً وآخرها خلال الأيام القليلة الماضية إطلاق مشروع جاومور على ساحل خليج العقبة ضمن مشاريع "نيوم" العملاقة، والذي تابعت تفاصيله المبهرة في رحلة العودة على الخطوط السعودية، ظلت القيادة السعودية منكبة لحلحلة الإشكالات الإقليمية الكثيرة وتوسيع الشراكات والتعاون متعدد المنافع، ممسكة بأفضل خيارات العرب وقضيتهم المركزية قضية الشعب الفلسطيني وحقة في قيام دولته المستقلة.

وفي الملف اليمني تواصل الرياض بمزيد من الصبر الحكيم وبعيداً من الأضواء الكاشفة، وضع قطع أحجية المشهد وتجميع أشلائها المتعددة وربط بعضها بعضاً لإعادة ألق شقيقتها الجنوبية والإسهام في تعافيها.

وبالمقاربة الحكيمة ذاتها تطور الرياض مقاربتها للانتقال إلى لعب دور الوسيط الإيجابي الفاعل في الأزمة اليمنية، وهي أيضاً تنتظر نهاية كابوس غزة الذي يؤرق العرب والعالم لتعود الأطراف اليمنية لبحث الخطوات التنفيذية لخريطة الطريق لوضع البلاد على عتبة الخروج من عقد كارثي كانت صراعاته العدمية التي شكلت نكبة كبرى على اليمن وأهله، وهي تبدي استعدادها لتقديم الغالي والنفيس لليمنيين إذا ما توافقوا للسير معاً في طريق السلام، وليست على استعداد لتقديم الدعم لأجهزة فاسدة، وهي تكتفي حالياً بالعمل من خلال مؤسساتها للعون الإنساني وإعادة الإعمار.

ومن خلال ما سمعته يبدو أن الحوثي لا يزال يتطلع إلى الدخول في المبادرة التي تقودها السعودية في مقابل الحصول على الموارد الضرورية لتمويل الأعداد الكبيرة من العناصر المسلحة التي لم تعد منشغلة بالقتال في الجبهات المختلفة، وبات شغلها الشاغل الضغط على قيادة صنعاء جنباً إلى جنب مع مئات آلاف العاملين في الخدمة المدنية والعسكرية الذين انقطعت أرزاقهم منذ عام 2015.

وهناك أمر آخر سيبحث في متابعاتي اللاحقة للملف اليمني في ضوء زيارتي القصيرة للرياض، وهو شأن داخلي يرتبط باحتمالات نشوب حرب داخلية حتى بعد التوصل إلى اتفاق سلام، مما يطرح الأسئلة الكبيرة حول مدى جهوزية القوى الوطنية المنضوية تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي لمواجهة تطلع الحوثي لمعاودة محاولات دخول مأرب، والسعي إلى لسيطرة على حقولها ومصافيها النفطية، مما سيوافر لهم امتيازات مالية للتحرك نحو الجنوب.

والمهم أن المعادلة السعودية دقيقة في مكوناتها صعبة من زاوية المتفرج، وهو يرى الحكيم يعمل بصبر أيوب لجمع مكونات عقد من الأزمات اليمنية المركبة، ليوفق بين عاشقها ومعشوقها في فن النجارة الشرقي الفريد، فيما يدير بنفس طويل العلاقة المتغيرة مع الحلفاء والخصوم وأهوائهم المختلفة والمتغيرة دائماً، ولكنها السعودية وخبرة أزيد على 100 عام من التفاعل مع الجوار اليمني، والأيام المقبلة ستأتي بالخبر اليقين، وللحديث بقية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء