Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سجال فلسفي بين أينشتاين وفرويد محوره سؤال شائك: لماذا الحرب؟

من منهما كان جوابه حاسماً ومقنعاً إذ قال إنها جزء من طبيعة البشر وقد تحقق السلام؟

سيغموند فرويد يساجل مكتشف البعد الرابع وألبرت أينشتاين يتأمل في إجابات سيد التحليل النفسي (اندبندنت عربية)

ملخص

خلال المرحلة الزمنية الفاصلة بين نهاية عشرينيات القرن الماضي وبداية ثلاثينياته، وفي وقت حمي فيه وطيس السجالات الفكرية والسياسية من حول الحرب العالمية الأولى التي انتهت حاصدة ملايين القتلى والضحايا الآخرين، وبدء البشرية الاستعداد لتلك العالمية الثانية دار حوار بين سيغموند فرويد وألبرت أينشتاين حول ضرورة الحرب والموقف الأخلاقي منها

يبدو اليوم وكأن الحرب وفلسفتها باتتا من "شغل" حكوجية الحوارات التلفزيونية، لكن الأمور لم تكن هكذا دائماً. فلقد انقضى زمن في القرن الـ20 ومن قبل ذلك، كانت الحروب ودلالتها جزءاً من حوارات فلسفية معمقة. ولئن كانت الحروب المتعددة في العالم اليوم، تضج بصورها وضحاياها ليلاً ونهاراً فإن أمرها يستدعي منا اليوم عودة إلى واحد من أشهر الحوارات التي عرفها الفكر الإنساني حول الحرب، وهو ذلك الذي دار بين كبيرين من كبار القرن الـ20 هما بالتحديد سيغموند فرويد وألبرت أينشتاين، فخلال المرحلة الزمنية الفاصلة بين نهاية عشرينيات القرن الماضي وبداية ثلاثينياته، وفي وقت حمي فيه وطيس السجالات الفكرية والسياسية من حول الحرب العالمية الأولى التي انتهت حاصدة ملايين القتلى والضحايا الآخرين، وبدء البشرية الاستعداد لتلك العالمية الثانية التي كانت تنذر بأنها ستبدأ عما قريب واعدة بما هو أشد هولاً وأقسى، خلال تلك المرحلة نظم "المعهد الدولي للتبادل الفكري" التابع لـ"عصبة الأمم" (سلف منظمة الأمم المتحدة) سلسلة حوارات وسجالات عن مسائل كانت تزحم الأفكار في ذلك الحين، ومنها مسألة الحرب وكيف يمكن تفاديها.

أينشتاين يأخذ المبادرة

يومها، من بين الذين رعى المعهد التراسل بينهم، عن الموضوع نفسه، كان هناك أينشتاين وفرويد. وكانت المبادرة هنا، لأينشتاين الذي بعث بالرسالة الأولى إلى فرويد محملاً إياها نوعاً من التحديد للمشكلات التي سينبغي مناقشتها. وعلى الفور، رد فرويد على رسالة زميله عبر خطاب نشر في باريس في عام 1933 بالألمانية والفرنسية والإنجليزية. أما النص الكامل لهذا الخطاب والذي حمل عنوان "لماذا الحرب؟"، فقد ورد لاحقاً في المجلد الخاص من "مجموعة أبحاث فرويد" الصادرة بالإنجليزية. وقد ترجم بعد سنوات إلى العربية، مع دراسات ومقالات أخرى عن الحرب والموت، من جانب الكاتب سمير كرم لينشر في كتاب بعنوان "أفكار لأزمنة الحرب والموت" نشرته "دار الطليعة" في بيروت، ضمن إطار مكتبتها الفرويدية خلال السبعينيات.

يوم فوجئ فرويد

منذ البداية، يحدد فرويد في هذا الخطاب/ الرد على أينشتاين، أنه قد فوجئ، إذ أدرك من خلال قراءته رسالة هذا الأخير، أن المسألة المطروحة للنقاش تتعلق بـ"ما يمكن عمله لحماية البشرية من لعنة الحرب"، لكن على رغم السلبية التي اتسم بها رد فعله الأولي على ما قرأ، ها هو يخوض هذه اللعبة الفكرية، منبهاً إلى أنه إذا كان أينشتاين يبدأ رسالته بالحديث عن العلاقة بين "الحق" و"القوة"، فإنه - أي فرويد - يفضل إبدال كلمة "القوة" بكلمة "العنف" على رغم أنها أكثر جسارة وفظاظة. وإذ يعطي فرويد لنفسه هذا الحق، يقول: "إن الحق والعنف يبدوان لنا اليوم نقيضين، ومع ذلك فإنه يمكن أن نتبين بسهولة أن الواحد منهما نشأ عن الآخر"، ذلك أنه يرى كمبدأ عام، "أن صراعات المصالح بين الناس باتت لا تسوى إلا باللجوء إلى العنف". وهذا صحيح، كما يلفت فرويد بكل جدية، عند الكلام عن المملكة الحيوانية بأسرها، "وهي المملكة التي لا يملك الجنس البشري أن يستبعد نفسه منها"، في هذا الإطار في الأقل. ففي البداية، يقول فرويد، "في مجتمع حيواني يضم قطيعاً بشرياً محدود العدد والانتشار، كانت القوة العضلية الأكثر تفوقاً هي التي تقرر من يملك الأشياء، كما كانت تقرر إرادة من هي التي ستسود، ثم سريعاً ما حدث أن أضيف إلى القوة العضلية عنصر مكمل آخر، إذ استعيض عن العضلات أو في الأقل عزز من قوتها عبر استخدام الأدوات: فالمنتصر، إذاً، تبعاً لذلك الوضع الجديد، كان الذي يملك الأسلحة الأفضل ويعرف - ويقدر على - استخدامها بطريقة أكثر مهارة".

بين العقل والعضل

وفي هذا الصدد، يشير فرويد إلى أنه "من اللحظة التي دخلت فيها الأسلحة ميدان الصراعات، بدأ التفوق العقلي فعلاً، يحل محل القوة العضلية الغاشمة، ولكن الغرض النهائي من القتال بقي كما هو: إجبار طرف أو آخر على التخلي عن طلبه أو عن اعتراضه - بالتالي عن حقه - بفعل الدمار الذي يلحق به وبفعل شل قوته". وبعد ذلك، يؤكد فرويد أن "الحل العنيف للصراعات بين المصالح، لا يمكن تحاشيه حتى داخل جماعة واحدة". أما النظرة التي يمكن أن نلقيها على تاريخ الجنس البشري، في رأيه كما يرد في هذا النص، فإنها "تكشف عن سلسلة لا نهاية لها من الصراعات بين جماعة وأخرى، بين وحدات أكبر وأصغر - بين مدن وأقاليم وأجناب وأمم وإمبراطوريات - كانت تسوى دائماً بقوة السلاح، في تلك الحروب المتكررة من هذا النوع التي تنتهي إما بالإضرار بأحد الأطراف أو بإسقاطه تماماً وغزو أراضيه". ويستدرك فرويد هنا أن ليس في الإمكان إصدار "أي حكم شامل أو نهائي على حروب الغزو، فبعضها - مثل الحروب التي شنها المغول والأتراك - لم يجلب إلا الشر، ولكن بعضها - على النقيض من ذلك - أسهم في تحويل العنف إلى وضع قانوني من طريق إقامة وحدات أكبر، وجعل استخدام العنف داخلها مستحيلاً، إذ أن نظاماً جديداً من القوانين أدى في داخلها إلى حل الصراعات".

عودة إلى الرومان

وفي هذا السياق يرى فرويد أن "هذه الطريقة جعلت، مثلاً، غزو الرومان للبلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، يسفر عن السلام الروماني PAX ROMANA الذي كان جم الفائدة". وهذا التأكيد هو ما يجعل فرويد يقول هنا: "ولا بد أن تعترف، مع ما يبدو عليه الأمر من مفارقة أن الحرب قد لا تكون طريقة غير ملائمة لإقامة حكم السلام الدائم الذي نصبو إليه بشغف، إذ إنها قد تنتج وضعاً يسمح بخلق وحدات أكبر، فيها حكومة مركزية قوية تكون قادرة على منع وقوع حروب أخرى فيها". وعلى ضوء هذا، يستنتج فرويد لزمننا الحاضر، أن الحروب لن تمنع بالتأكيد إلا "إذا اتحدت الإنسانية في إقامة سلطة مركزية يسلم إليها حق إصدار الحكم على كل الصراعات بين المصالح". ويرى فرويد أن هذا ينطوي على مطلبين منفصلين في صورة واضحة: أولهما، خلق سلطة مركزية عليا، والثاني تزويد هذه السلطة بالقوة الضرورية، و"أي من هذين، من دون الآخر، سيكون عديم القيمة".

وإذ يربط فرويد أمر هذه السلطة بعلاقة الإنسان بالحرب، يقول إن الغرائز الإنسانية من نوعين اثنين فحسب: غرائز تسعى إلى الحفاظ على الذات والنوع من طريق الاندماج (الغرائز الجنسية)، وغرائز تسعى إلى التدمير والقتل، وهذه الأخيرة "هي التي نصنفها معاً على أنها الغريزة العدوانية أو التدميرية"، وعلى هذا يختم فرويد كلامه هنا موجهاً حديثه إلى أينشتاين قائلاً: "وكما ترى، فإن هذا لا يتجاوز كونه إيضاحاً نظرياً للتعارض المألوف للجميع بين الحب والكراهية (...) على أنه يتعين علينا ألا نتسرع في إدخال الأحكام الأخلاقية، أحكام الخير والشر، هنا، فليست أي من هذه الغرائز أقل أهمية من الأخرى بأي حال، فإن ظواهر الحياة تنشأ عن عمل النوعين معاً، سواء كان عملاً في تنسيق أو في تعارض"، ذلك أن "المخلوق الحي يحافظ على حياته الخاصة من طريق تدمير حياة خارجية"، ما يجعل فرويد يؤكد أن "لا فائدة من محاولة التخلص من ميول الناس العدوانية"، ومع هذا فإن "أي شيء يشجع نمو الروابط العاطفية بين البشر، كفيل بأن يفعل فعله ضد الحرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

موضوعية نهايات العمر

عندما كتب سيغموند فرويد (1856 - 1939) نصه هذا، كان العالم، كما قلنا، يعيش مخاض الحرب العالمية الثانية من دون أن يتخلص بعد من آثار الحرب العالمية الأولى، وكان هو - أي فرويد - يقترب من سنوات عمره الأخيرة، ومن هنا تلك الموضوعية الباردة التي تطبع نصاً كان يراد منه أصلاً - بحسب دعوة أينشتاين - أن يدعو إلى السلام، لكن فرويد وبحسب أسلوبه التحليلي المعتاد، آثر من نصه أن يكون تفسيراً للصراعات والحروب على مستوى الأمم والأفراد في الوقت نفسه، ومن هنا نراه يختم كلامه قائلاً لأينشتاين، "... وإني لواثق من أنك ستغفر لي إذا ما خيب ما قلته أملك".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة