Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شهية ماليزيا للنفط والغاز تصطدم بالصين

مع نضوب الاحتياطات القريبة من الشاطئ تغامر كوالالمبور بالدخول في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي

تقع بعض أكبر احتياطات النفط والغاز في آسيا تحت قاع البحر في هذه المياه المتنازع عليها وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية (أ ف ب)

ملخص

سفن خفر السواحل الصينية عطلت العمليات في حقل "كاساواري" الذي يحتوي على 3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز

في البحر المفتوح قبالة ساحل بورنيو الماليزية، تستخرج المنصات الصناعية كميات هائلة من النفط والغاز التي تغذي اقتصاد ماليزيا. وأبعد من ذلك بقليل، وفي المياه التي تعتبرها ماليزيا أيضاً ملكاً لها، تحافظ سفن خفر السواحل الصينية وقوارب الميليشيات البحرية على وجود شبه دائم، بحسب ما يقول المسؤولون الماليزيون، في حين أنه على مدار 10 أعوام، لم تفعل بلادهم الكثير لمنافستهم، لكن النفط والغاز في ماليزيا ينفدان قرب الشاطئ.

وعلى نحو متزايد، بات يتعين على ماليزيا أن تغامر بالخروج إلى البحر، مما يزيد من احتمال المواجهة المباشرة مع القوات الصينية في بحر الصين الجنوبي.

ومع تصاعد التوترات في جميع أنحاء بحر الصين الجنوبي، وهو أحد أكثر المسطحات المائية ازدحاماً وأكثرها إثارة للجدل في العالم، فإن الطلب على الطاقة يجر ماليزيا إلى عمق أكبر في المعركة ويختبر إحجام البلاد منذ فترة طويلة عن استعداء الصين، وفقاً لمقابلات أجرتها صحيفة "واشنطن بوست"، مع أكثر من 20 شخصاً من المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين والمديرين التنفيذيين للنفط والغاز والمحللين في ماليزيا.

وتقع بعض أكبر احتياطات النفط والغاز في آسيا تحت قاع البحر في هذه المياه المتنازع عليها، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. ومنذ عام 2021، منحت شركة الطاقة المملوكة للدولة في ماليزيا، "بتروناس"، عشرات التصاريح الجديدة لشركات مثل "شل" و"توتال إينيرجي" لاستكشاف رواسب جديدة، وعديد منها في ما يسمى مجموعات "المياه العميقة" على بعد أكثر من 100 ميل بحري من الشاطئ ولكن لا يزال داخل المياه العميقة، وهي حدود تعتبرها ماليزيا منطقتها الاقتصادية الخالصة (EEZ).

هذه التطورات تؤدي إلى إثارة مزيد من المواجهات مع الصين، وفق تحذيرات محللي الطاقة والأمن، وبالفعل، عزز المسؤولون الفيدراليون والإقليميون في ماليزيا انتشارهم العسكري حول مدينة بينتولو الساحلية الصناعية في ولاية ساراواك، حيث يتمركز جزء كبير من صناعة النفط والغاز في البلاد، وزادت ماليزيا تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، بخاصة في ما يتعلق بالأمن البحري. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إنه للمرة الأولى في وقت لاحق من هذا العام، ستجرى مناورة عسكرية ثنائية تجريها ماليزيا سنوياً مع الولايات المتحدة في بورنيو.

ماليزيا تتجنب المواجهة مع الصين

ومنذ عام 2020 على الأقل، تضايق الصين منصات الحفر وسفن المسح الماليزية، مما أدى إلى مواجهات استمرت لأشهر، وفقاً لصور الأقمار الصناعية وبيانات تتتبع تحركات السفن. ولسنوات، كان رد فعل ماليزيا خافتاً ، بحسب ما قال محللون أمنيون ومسؤولون دفاعيون ماليزيون.

وعلى النقيض من الفيليبين أو فيتنام، نادراً ما تعلن ماليزيا عن التدخلات الصينية في منطقتها الاقتصادية الخالصة، التي تمتد 200 ميل بحري قبالة الساحل، وتحجب عن الصحافيين والأكاديميين عدد المرات التي تحدث فيها هذه الحوادث.

وفي مقابلة حصرية، نفى المدير العام لمجلس الأمن القومي الماليزي المخاوف في شأن المضايقات الصينية حتى مع اعترافه بأن السفن الصينية كانت تسير دوريات في المياه الماليزية من دون توقف تقريباً.

وقال نوشيروان بن زين العابدين، الذي كان سفيراً لدى الصين في الفترة من 2019 إلى 2023، للصحيفة "من الواضح أننا نفضل ألا تكون الأصول الصينية في مياهنا... ليس هناك حاجة للنزاع حيث علاقة ماليزيا أوسع مع أكبر شريك تجاري لها".

وعلى رغم اعتراضات دول جنوب شرقي آسيا، طالبت الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، إذ أسست جزراً صناعية ونشرت السفن لفرض ما تسميه "خط النقاط الـ10"، الذي يحدد على الخرائط حدود ما تقول الصين إنه حدودها، والمياه التي تقع على مسافة 25 ميلاً بحرياً من الساحل الماليزي.

وعلى رغم إيلاء قدر كبير من الاهتمام في الأشهر الأخيرة للمواجهات المكثفة بين الصين في المياه المتنازع عليها مع الصيادين وخفر السواحل الفيليبينيين، فإن التوترات التي تتحرك إلى الجنوب، إذ تتمتع أكبر شركات النفط والغاز في العالم بمصالح أعمق، لم تحظَ باهتمام كبير. ورداً على سؤال حول مزاعم ماليزيا في شأن التوغلات الصينية، قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان، إن السفن الصينية تقوم "بأنشطة الملاحة والدوريات العادية" في المناطق الخاضعة لولايتها.

وقال مسؤول ماليزي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوِّل بمعالجة هذه القضية، إن ماليزيا سعت على مدى عقود إلى "فصل" النزاع في بحر الصين الجنوبي عن التجارة والاستثمار مع بكين.

وقال المسؤول، إن حاجة البلاد إلى النفط والغاز البحري بدأت تزعزع هذا التوازن الدقيق. وأشار إلى أن سفن خفر السواحل الصينية عطلت بشكل متكرر العمليات في حقل غاز "كاساواري"، الذي يحتوي على ما يقدر بنحو ثلاثة تريليونات قدم مكعبة من الغاز، مضيفاً "ليس لدي حل لما يحدث في كاساواري، في الوقت الحالي، لا أحد يفعل ذلك".

المغامرة في المياه العميقة

وفي السبعينيات، قبل أن تكتشف شركة "شل" رواسب كبيرة من النفط والغاز قبالة الساحل، كانت بينتولو قرية صيد صغيرة لها امتداد واحد من الطريق يربط مسجداً بالسوق وهي اليوم مركز نابض للصناعة، ترتكز على منشأة معالجة تنتج 30 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، وفي عام 2023، كانت ماليزيا خامس أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

واعتمدت ماليزيا على هذه الموارد لدفع النمو لعقود من الزمن، إذ حصلت على 20 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي من النفط والغاز، لكن قبل سنوات، حذر محللو الصناعة من أن عصر "الاستكشاف السهل" في البلاد انتهى.

وقال أحد كبار محللي النفط والغاز في شركة "بي أم آي" لأبحاث السوق، سان ناينغ، إن الشركات تعلم أن هناك مزيداً من الاحتياطات المتبقية، وكان عليهم فقط أن يذهبوا أبعد من ذلك.

وتقول هيئة تنظيم الطاقة في البلاد، إن ما يقرب من 60 في المئة من احتياطات الغاز في ماليزيا تقع قبالة ولاية ساراواك، وبدءاً من عام 2020، عززت "بتروناس" عمليات التنقيب، وبعد مرور عامين، وبعد الإعلان عن سلسلة من الاكتشافات الجديدة، منحت الشركة 12 عقد ترخيص جديداً لتكتلات الطاقة التي تتطلع إلى العمل في ماليزيا، وهو أكبر عدد منذ عام 2009.

ويقول المسؤولون التنفيذيون في "بتروناس"، إن هذا الحماس هو علامة على "ثقة المستثمرين"، لكن في السر، كان المستثمرون يشعرون بالقلق من أخطار العمل في بحر الصين الجنوبي، بحسب ما قال محلل مخضرم في مجال النفط والغاز يجري أبحاثاً في ماليزيا، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية المصالح التجارية، وتساءل "ماذا يحدث عندما تظهر القوارب الصينية؟ هذا دائماً ما يستحوذ على تفكير شركات التنقيب" .

وفي عام 2018، وبعد مضايقات السفن الصينية، ألغت فيتنام مشروعاً نفطياً كبيراً في منتصف مرحلة البناء، مما أدى إلى تكبد الشركات المشاركة خسائر تقدر بنحو 200 مليون دولار. وقال المحلل، إن هذه الحادثة كانت بمثابة "صدمة للصناعة" ودفع الشركات إلى إعادة النظر في استثماراتها في بحر الصين الجنوبي، واليوم تشجع الاكتشافات الجديدة في ماليزيا الشركات على العودة، ولكن الأخطار الآن أعلى من أي وقت مضى.

وتقوم مجموعة من السفن الصينية بدوريات في المياه في منطقة لوكونيا شولز، على بعد نحو 60 ميلاً بحرياً قبالة الساحل الماليزي، بالقرب من حقول الغاز الرئيسة مثل "كاساواري"، لكن أسطولاً أكبر بكثير يضم مئات من سفن خفر السواحل الصينية والميليشيات البحرية يتمركز في أقصى الشمال، بالقرب من جزر سبراتلي، حيث خصصت "بتروناس" مجموعات جديدة للتنقيب عن النفط والغاز. وقال نائب مدير مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره العاصمة، هاريسون بريتات، إنه كلما اقتربت مشاريع الطاقة الماليزية من جزر سبراتلي، زادت احتمالية مواجهة الصينيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الأشهر الأخيرة، قال المسؤولون الصينيون بوضوح إن استكشاف الموارد في بحر الصين الجنوبي "لا ينبغي أن يقوض سيادة الصين الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية".

ورفضت "بتروناس" طلبات إجراء مقابلات ولم ترد على الاستفسارات المتعلقة ببحر الصين الجنوبي التي قدمتها الصحيفة، ولكن في العام الماضي بعد أن أصدرت بكين خريطة جديدة للممر المائي، أدلى الرئيس التنفيذي للشركة، تنغكو محمد توفيق عزيز، ببيان اعتراض قوي على نحو غير عادي. وقال إن استخراج النفط والغاز البحري يقع ضمن الحقوق السيادية لماليزيا، مضيفاً "بتروناس ستدافع بقوة عن حقوق ماليزيا".

من جانبها، رفضت الحكومة الأميركية مطالبات الصين التوسعية في بحر الصين الجنوبي، لكنها في الوقت نفسه لم تؤيد رسمياً مطالبات ماليزيا.

"إعادة تفكير جذرية"

وقال مسؤولون ماليزيون، إنه قبل ثلاثة أعوام، دخل أسطول مكون من 16 طائرة عسكرية صينية، كان ينفذ تدريبات فوق بحر الصين الجنوبي، المجال الجوي الماليزي، وأثار التوغل توبيخاً نادراً من جانب القوات الجوية الماليزية، التي وصفته بأنه تهديد للأمن القومي، ودفع وزير الخارجية الماليزي إلى استدعاء السفير الصيني. وقال ثلاثة من الباحثين الماليزيين، في أحد مراكز الأبحاث، إن الحادثة "أثار إعادة تفكير جوهرية داخل المؤسسة الماليزية في شأن سياسة البلاد تجاه الصين".

لكن المسؤولين الصينيين نفوا أن طائراتهم دخلت المجال الجوي الأجنبي على الإطلاق. وقال المعهد الوطني لدراسات بحر الصين الجنوبي، وهو مركز أبحاث تديره الدولة الصينية، إن الطائرات العسكرية تتمتع بحرية التحليق فوق المجال الجوي لبحر الصين الجنوبي لأن حدوده "غير واضحة".

وبحلول نهاية عام 2021، أعلنت ماليزيا أنه سيجرى بناء قاعدة جوية جديدة بالقرب من بينتولو، وبعد فترة وجيزة، جرى نقل فوج من الجيش من مدينة مجاورة، وفي العام الماضي، قال مسؤولو الدفاع، إنهم وضعوا خطة لإنشاء قاعدة بحرية جديدة. وأوضح وزير الدفاع سيري محمد حسن، في حديثه أمام البرلمان، أن النفط والغاز الماليزيين سيجرى حمايتهما "بأي ثمن".

ومنذ عام 2021، تعمل ماليزيا أيضاً على زيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون، إن ماليزيا تلقت طائرات من دون طيار ومعدات اتصالات وبرامج مراقبة، بما في ذلك أنظمة رادار بعيدة المدى، جرى تركيبها في بورنيو، "لمراقبة سيادة المجال الجوي على السواحل". في وقت لاحق من هذا العام، من المقرر أن تحصل ماليزيا على سفينة خفر السواحل الأميركية التي خرجت من الخدمة وتجري مناورات عسكرية ثنائية سنوية مع الولايات المتحدة، تسمى "كيريس سترايك"، في بورنيو، وفقاً لمسؤول وزارة الخارجية، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمشاركة معلومات خاصة بالمفاوضات.

من جانبها لم تسلط ماليزيا الضوء على هذه القضية. وقال مسؤول رفيع المستوى، إن ماليزيا حريصة على تجنب "التورط" في المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين. وأضاف أنه يفترض أن الصين "ترى" كل ما يحدث في بحر الصين الجنوبي. وتابع "السؤال هو هل سيرون ما نفعله ويسمحون به".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز