Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب التي لا نهاية لها

المشاغلة تراوح على جبهات اليمن ولبنان والعراق وفي غزة معركة مميتة من دون أفق

ما تريده الإدارة الأميركية في غزة هو نفسه ما تعلنه إسرائيل وهو القضاء على "حماس" (أ ف ب)

ملخص

أولوية "حماس" الحفاظ على وجودها وسلطتها، وأولويات إسرائيل رفض الدولة الفلسطينية، وتلاقيها إيران إلى منتصف الطريق في رفض هذه الدولة وكل مشاريع السلام بما في ذلك المبادرة العربية.

تقترح صحف إسرائيلية مهلة سنة لاستكمال حرب غزة، ويرى آخرون يستندون إلى مسببات هذه الحرب والقوى المنخرطة فيها، أنها يمكن أن تعيش أكثر من ذلك، لفترة تتآكل فيها التطلعات والإمكانات، فيصبح عندها متاحاً ترسيم حدود القوى ومجالاتها الحيوية.

العطب الأساسي في المعركة المفتوحة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي هو في ضياع أهدافها النهائية الواضحة والمحددة، وتبرع الأطراف المعنيين بها برسم غايات متناقضة لها، إذ صدرت عدة تفسيرات للهجوم الذي حمل اسم "طوفان الأقصى" ونفذه عناصر "حماس" و"الجهاد"، الحركتان اللتان تتبناهما إيران وتسهم في تمويلهما وتدريبهما وتضعهما ضمن "المحور" الذي تقوده ضد أميركا وإسرائيل.

قادة "حماس" اعتبروا الاقتحام بداية لانهيار الدولة العبرية ولتحرير فلسطين من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ووجهوا رسائلهم وخطاباتهم إلى "الجماهير" الفلسطينية والعربية والإسلامية لخوض انتفاضة عارمة والالتحاق بمسيرة التحرير العتيد.

الراعي الإيراني لم يجرؤ بسبب التحرك الأميركي والغربي السريع دعماً لإسرائيل، على إعلان تبنيه هجوم "حماس"، بل إنه أنكر علمه به نافياً رسمياً أي علاقة له بالعملية التي أثارت كالعادة مشاعر كثيرة لدى جماهير يأخذها اليأس والغيبيات مذاهب شتى.

لم يكن سهلاً على القيادة الإيرانية التبرؤ من الهجوم في غزة، لكنها خشيت ارتداداته عليها، فنأت بنفسها عنه رسمياً، لتدفع بالوكلاء إلى "التدخل والمساندة"، ومع ذلك لم يتردد قادة إيرانيون ومحللون في الصحافة الإيرانية في تحديد مهام ومعانٍ لهجوم "حماس".

رأى نفر من هؤلاء أنه رد ونسف لمشاريع "التطبيع العربي- الإسرائيلي"، وقال آخرون، إنه ضربة لمشروع "الممر الهندي" الذي أقر العام الماضي في قمة الـ20 المنعقدة في الهند، الذي اعتبرته إيران ضربة لطموحها في التحول إلى محطة وصل واتصال للتجارة العالمية.

وفي رواية ثالثة ذهب مسؤولون إيرانيون إلى اعتبار هجوم "حماس" انتقاماً لاغتيال قاسم سليماني في بغداد على يد القوات الأميركية قبل نحو أربعة أعوام.

وضعت إيران الحدث في السياق الذي يخدمها وليس في سياق النضال الفلسطيني من أجل استعادة الحق في الأرض وإقامة الدولة المستقلة، وفي المنحى نفسه سار الوكلاء في حروبهم "مساندة" لـ"حماس" و"الجهاد" الإسلامي، إذ لم يظهر هؤلاء في أي وقت بمظهر الطرف الوطني المسؤول المساند لقضية وطنية في حجم وضوح وشفافية القضية الفلسطينية.

ومن لبنان انطلق "حزب الله" في معركة مفتوحة باسم "غزة" متجاهلاً مصير وحاجات بلد يمر بأصعب الظروف ويحتاج إلى سلطة وإصلاحات بنيوية والتفاف حول الدولة كي يتمكن من الخروج من أزماته.

لبى "حزب الله" دعوة الراعي الإيراني لمشاغلة إسرائيل و"الغرب" من دون أي أفق لهذه المشاغلة غير إيقاع الدمار والقتلى والتهجير في صفوف اللبنانيين وممتلكاتهم، ولم ينفع تدخله في تغيير مسار حرب غزة قيد نملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى شاكلة "حزب الله" في لبنان تحرك الحوثي في اليمن، مستبدلاً أولوية استكمال مشروع السلام الداخلي وإعادة بناء اليمن، بمغامرة اللعب بالسفن المارة في مياه البحر الأحمر، ولم تتأثر إسرائيل بالنشاط الحوثي، ومصر دفعت ثمناً غالياً وكذلك التجارة الدولية، أما الحوثي فحصد لقب وريث القراصنة الصوماليين .

في السياق نفسه، لبت فصائل العراق المنهوب نداء المشاغلة الإيراني، وضمت إليها "فصيل الأشتر" البحراني الذي أتاح له الحرس الثوري الإيراني إقامة في ريف العاصمة السورية، وشن هؤلاء عمليات ضد إسرائيل، ولم يعرف عن نتائجها أكثر مما أعلنته بياناتها عن استهدافات تنتظر توضيحات وتأكيدات عن نجاحها في استهدافاتها.

في المقابل اكتفت إيران بردها الصاروخي على الهجوم الذي دمر قنصليتها في دمشق واعتبرت الأمر منتهياً عند هذا الحد، ولم يكن التدخل الإيراني جزءاً من حرب "المشاغلة" المتعلقة بمعركة غزة، بل مجرد انتقام محدد لمصرع قادة في الحرس الثوري كانوا يتولون مهام قيادية في توجيه الوكلاء المحليين.

في مقابل هذا المشهد حرصت الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الأول لإسرائيل، على تحييد إيران إلى الحد الأقصى، ولا تمتلك أميركا وكلاء يمارسون مهام مشابهة لمهام وكلاء إيران، في البحر الأحمر أو في اليمن أو في العراق ولبنان وساحات أخرى، لذلك اضطرت لاعتماد قواها الخاصة في الردود المحدودة على هجمات استهدفتها، وحرصت على حصر النزاع الذي تحول إلى مجزرة في غزة، ضمن حدود ضبط أشكاله من دون التخلي عن أهدافه الإسرائيلية.

ما تريده الإدارة الأميركية في غزة هو نفسه ما تعلنه إسرائيل وهو القضاء على "حماس" وحكمها واستعادة الرهائن الأسرى، لكنها، تتحفظ عن بعض أشكال الرد الإسرائيلي، وتذهب للمرة الأولى منذ سنوات إلى طرح أفق لتسوية سياسية عنوانها الأخير "قيام دولة فلسطينية"، وهذه التوجهات تصطدم على الفور بجميع القوى المتقاتلة في حرب القطاع وحروب المشاغلة.

أولوية "حماس" الحفاظ على وجودها وسلطتها، وأولويات إسرائيل رفض الدولة الفلسطينية، وتلاقيها إيران إلى منتصف الطريق في رفض هذه الدولة وكل مشاريع السلام بما في ذلك المبادرة العربية.

تطرح إيران تحريراً من النهر إلى البحر واستفتاء حول دولة فلسطين المستقبلية، وتتمسك إسرائيل بدولة يهودية قوامها الاستيطان ونفي وجود الشعب الفلسطيني، وبين النقيضين يمكن للحروب أن تستمر من دون أفق، في منطقة لم تعد فيها فلسطين القضية المركزية الأولى، ولا حربها حرباً وحيدة.

لقد كانت فلسطين مشكلة العرب الأولى، وإلى جانبها كانت تبرز مشكلة أخرى في بلد عربي ما، وكان لبنان مثالاً طوال عقود، والآن تعاني فلسطين وإلى جانبها مأسي لا تقل خطورة، من سوريا إلى السودان وليبيا واليمن، شعوب تدفع ثمن نزاعات داخلية وإقليمية، لا تساعد مشكلاتها في إعادة إحياء مركزية القضية الفلسطينية، ولا في تسريع حل مشكلات هذه البلدان.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء