تسود حال من الترقب أوساط الجزائريين عقب تأكيد أحزاب الائتلاف الرئاسي الحاكم، اقتراب موعد إعلان ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة (82 سنة) لولاية خامسة، بحجة مواصلة الإصلاحات واستكمال برنامجه الرئاسي الممتد إلى غاية 2030.
ومرّر الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) إشارات قوية إلى احتمال ترشح زعيمه بوتفليقة، بمجرد تنصيب هيئة وطنية للتحضير للانتخابات الرئاسية، تتولَّى مهمة جمع اكتتابات الترشح، سواء كانت 60 ألف توقيع ناخب أو 600 توقيع منتخَب في 25 محافظة جزائرية.
وأعلنت القيادة الجديدة للحزب الحاكم، التي يرأسها رئيس مجلس النواب معاذ بوشارب، تنظيم مهرجان شعبي في 9 فبراير (شباط) في العاصمة الجزائرية، بغرض حشد جمهوره للدفاع عن استمرار بوتفليقة في السلطة خمس سنوات أخرى.
وتستعد الأحزاب الداعمة بوتفليقة، المسيطرة على الحكومة وغالبية مقاعد البرلمان بغرفتيه، لعقد اجتماع مصيري، السبت 2 فبراير، للاتفاق في شأن آليات دعم مرشحها وتدارس خطط تنشيط الحملة الانتخابية. علماً أنه خلال انتخابات 2014 تعذر على الرئيس بوتفليقة تنظيم المهرجانات الشعبية، لإصابته بجلطة دماغية عام 2013.
رسالة إلى الشعب
يُقدم "عرابو" الولاية الخامسة، الرئيس الجزائري على أنه "مرشح الاستمرارية" من أجل استكمال مسار التنمية والحفاظ على المكتسبات.
وتوقعت مصادر أن يوجه بوتفليقة رسالة إلى الشعب الجزائري لإعلان ترشحه الرسمي، أو توكيل شخص من محيطه الرئاسي ينوب عنه، ربما يكون رئيس الوزراء أحمد أويحيى، مثلما حصل في استحقاقات 2014، إذ تولى رئيس الوزراء الأسبق، عبدالمالك سلال، الإعلان عن الترشح من محافظة وهران غرب البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تداول السلطة
تُقسم الولاية الخامسة الطبقة السياسية بين تيار داعم للقرار، ومعارضة تحذّر من خطر الخطوة على البلاد، بسبب الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة. وهو ما يذهب إليه الناشط الحقوقي المعارض عبدالغني بادي.
ويهاجم بادي "المنتفعين من فترة حكم الرئيس بوتفليقة" قائلاً "الدعوة إلى ترشيحه تحت غطاء الحفاظ على الأمن والاستقرار ومواصلة الإصلاحات، هراء يختفي وراءه الأشخاص الذين يؤمنون بمصالحهم الضيقة".
ويجزم أن "دعوات الاستمرارية لا تخدم البلاد، لأن الدول التي تطورت ووصلت إلى رفعة الديموقراطية والنمو الاقتصادي والاجتماعي، هي البلدان التي كرست مبدأ تداول السلطة والديموقراطية وفصلت بين السلطات".
يضيف بادي، وهو أحد الفاعلين في حركة "مواطنة" المناهضة لمشروع الولاية الخامسة، أن "دعوات ترشيح بوتفليقة لا تخدم الجزائر، بل تكرس الرداءة والشمولية وقد ندفع ثمنها غالياً مستقبلاً".
وقد سبق لحركة "مواطنة" أن دعت الرئيس بوتفليقة، عبر رسالة مفتوحة، إلى عدم الترشح. وكان من بين الموقعين على الرسالة رؤساء أحزاب ومثقفون ورؤساء حكومات سابقون.
بوتفليقة يحتكر الفوز
يقول المحلل السياسي والخبير الدستوري عامر رخيلة، إن نية الرئيس بوتفليقة الترشح لم تعد ثابتة فحسب، إنما باتت مؤكدة. "فكل المؤشرات تؤكد ذلك، خصوصاً أن لا مانع دستورياً للأمر".
ويرى رخيلة في حال ترشح الرئيس بوتفليقة، "فسيكون الفائز من دون شك. ويُرجع ذلك إلى الآلة الانتخابية التي تكونت خلال فترة حكم بوتفليقة، والمتمثلة في حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحيى، والجمعيات والمنظمات والمستفيدين من الريع والفئات النفعية، التي صارت مصالحها مرتبطة في شكل أو آخر ببوتفليقة ومحيطه".
هل ينسحب المرشحون؟
في خضم تسارع الأحداث، يبقى الهاجس الأبرز الذي تتخوف منه السلطة الجزائرية في حال ترشح بوتفليقة، هو انسحاب المرشحين الآخرين، لاعتبارهم أن نتائج الانتخابات ستكون محسوبة لمصلحة مرشح النظام، وهو بوتفليقة.
وشهدت الجزائر سيناريو مماثلاً في رئاسيات 1999، بعدما انسحب المرشحون الستة في شكل منسق وجماعي قبل يوم واحد من إجراء الاقتراع، بحجة تأكدهم من عدم شفافية الانتخابات التي حاز فيها بوتفليقة 70 في المئة من أصوات الناخبين، وهم مولود حمروش، مقداد سيفي، أحمد طالب الإبراهيمي، الراحل حسين آيت أحمد، يوسف الخطيب وعبدالله جاب الله.
في هذا الخصوص يستبعد الدستوري رخيلة، تكرار الواقعة عقب تفطّن السلطة للمسألة وإعادة صوغ مادة في الدستور الجزائري المعدل عام 2016، تنص على أنه "عندما ينال ترشيح للانتخابات الرئاسية موافقة المجلس الدستوري، لا يمكن سحبه إلا في حال حصول مانع خطير يثبته المجلس الدستوري قانوناً، أو في حال وفاة المرشح المعني".
"وعند انسحاب أحد المرشحين من الدور الثاني، تستمر العملية الانتخابية من دون أخذ هذا الانسحاب في الحسبان. وفي حال وفاة أحد المرشحين للدور الثاني، أو تعرضه لمانع شرعي، يعلن المجلس الدستوري وجوب القيام بكل العمليات الانتخابية من جديد، ويمدد في هذه الحال آجال تنظيم انتخابات جديدة لمدة أقصاها 60 يوماً".
ويعتقد مراقبون، أن تقدم الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، يعني فوزه، في ظل غياب منافسين أقوياء، باستثناء الجنرال المتقاعد علي غديري المغضوب عليه من قيادة أركان الجيش، ورئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، المنهزم ضد بوتفليقة في مناسبتين انتخابيتين (2004 و2014)، ورئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية عبدالرزاق مقري.
ويسأل رخيلة "المتعارف عليه في قواعد اللعبة الانتخابية، أن يتنافس المرشحون على البرامج والأطروحات التي تخدم مصلحة البلد، أما الذين يعتقدون أن النتائج محسومة سلفاً لمصلحة بوتفليقة، فلماذا يتقدمون للرئاسيات ويودعون ملف ترشحهم؟".