Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكشف "أولمبياد باريس" انحياز منظمات حقوقية ضد الخليج؟

تباين في تغطية أوضاع العمال في فرنسا مقارنة بدول أخرى

جانب من احتجاج عمال في أحد مشاريع أولمبياد باريس وسط صمت بعض المنظمات الحقوقية (أ ف ب)

ملخص

برزت حديثاً قضية عمال الأولمبياد في فرنسا، وهي إن كانت شهدت بعض التغطيات من وسائل إعلامية غربية وفرنسية، إلا أنها لم تكن بذلك الحجم الذي رأيناه في قضايا مثيلة، وكذلك لوحظ غياب رأي المنظمات الحقوقية التي تتابع هذه الشؤون.

بينما تستعد باريس لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2024، لا تبدو المنظمات الحقوقية الغربية مهتمة بشن حملة على الحكومة الفرنسية على خلفية الجوانب السلبية التي صاحبت استعدادات الأولمبياد المرتقب، وتقارير عن انتهاكات متعلقة بحقوق العمال طوال الأعوام الأربعة لبناء مواقع الألعاب الأولمبية.

وهي صورة مغايرة لما درجت المنظمات نفسها على القيام به وهي تتابع وضع أعمال الإنشاءات في الخليج دائماً التي تضعها تحت مجهرها نابشة أوضاع العمال ومثيرة حولها الشكوك. وثمة أسئلة تطرح في هذا الإطار حول سبب تضاؤل التغطية الغربية أو متابعة المنظمات لما يحدث في بلدان غربية، مقارنة بما يمكن أن يدور في دول عربية وخليجية، كما برز جلياً في صورة حملات مكثفة على قطر عند استضافتها لكأس العالم، فعلى رغم مرور أكثر من عام على إقامتها، إلا أن "منظمة العفو الدولية" ما زالت تركز على مشكلة العمال هناك، إذ أصدرت الخميس الماضي بياناً يطالب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بنشر المراجعة الخاصة بتعويضات العمال المتضررين خلال استعدادات المونديال.

يأتي هذا في وقت برزت حديثاً قضية عمال الأولمبياد في فرنسا، وهي إن كانت شهدت بعض التغطيات من وسائل إعلامية غربية وفرنسية، إلا أنها لم تكن بذلك الحجم الذي رأيناه في قضايا مثيلة، وكذلك لوحظ غياب رأي المنظمات التي تتابع هذه الشؤون.

ويظهر البحث في موقع "منظمة العفو الدولية" التي تتخذ من لندن مقراً لها عدم نشرها أي بيان حول انتهاك حقوق العمال المهاجرين في فرنسا، واكتفت المنظمة ببيان متعلق بالأولمبياد ينتقد استخدام فرنسا لتقنيات رقابية وأمنية بحجة أنها تنتهك الخصوصية. ولم تكتب "هيوومن رايتس ووتش" عن مشكلة العمال، وآخر بياناتها حول فرنسا نشرته في مارس (آذار) الماضي للمطالبة بإلغاء الحظر على ارتداء الحجاب للسماح للمسلمات بممارسة الرياضة.

"أولمبياد باريس"

في حين لم يتردد نواب فرنسيون في انتقاد أوضاع العمال في مونديال 2022، أدخلت فرنسا بهدوء تعديلات على قوانين العمل لتيسير أعمال بناء المرافق الأولمبية، مما انعكس سلباً على أمن العمال وسلامتهم. وتحت شعار "تبسيط البيروقراطية الخانقة في فرنسا"، قطعت باريس تمويلها لعمليات التفتيش، وألغت مجالس السلامة في الشركات، مما فاقم أخطار العمل، وفقاً لتصريحات قادة النقابات والمفتشين.

تكشف الوثائق عن أن الحوادث المميتة للعمال الذين يعملون بصورة قانونية تُحذف أحياناً من الإحصاءات الحكومية وتتكرر هذه الممارسة مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يتعرضون لإصابات عمل ولا تُسجل وكذلك بالنسبة إلى الوفيات

وتظهر سجلات التفتيش والوثائق التي أفرجت عنها "نيويورك تايمز" أن مشاريع "أولمبياد باريس" كانت أكثر خطورة مما قد توحي به بيانات المنظمين بسبب الفشل في تلبية معايير السلامة الأساسية، كما تشكك الوثائق في تأكيد الحكومة الفرنسية بأن إصابات العمل 200 على الأقل، وعدم تسجيل أي وفيات.

حوادث مميتة

وتكشف الوثائق عن أن الحوادث المميتة للعمال الذين يعملون بصورة قانونية تُحذف أحياناً من الإحصاءات الحكومية، إذ شهد مشروع مترو الأنفاق وفاتين لم تتضمنهما الإحصاءات الحكومية لعدد الوفيات في مشاريع الأولمبياد، على رغم أن مشروع المترو وصفه وزير النقل السابق في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه "شريان الحياة للألعاب الأولمبية".

وتتكرر هذه الممارسة مع بقية المهاجرين غير الشرعيين الذين يتعرضون لإصابات عمل ولا تُسجل في تعداد الحكومة، وكذلك بالنسبة إلى الوفيات مثل وفاة رجل ساعد في بناء حوض لمياه الصرف الصحي شُيّد من أجل مسابقات السباحة في نهر السين.

من جانبه برر السكرتير التنفيذي لهيئة مراقبة سلامة البناء شبه الحكومية في فرنسا بول دوفيل عدم تضمين وفاته في إحصاءات الأولمبياد، قائلاً "من الناحية الإدارية، تم وضعها في فئة أخرى". وأحال مكتب ماكرون الأسئلة المتعلقة بظروف العمل وعدد الإصابات إلى وكالات أخرى.

وتظهر الوثائق، إلى جانب المقابلات مع المسؤولين الحكوميين والمفتشين وأكثر من 10 عمال، أن المهاجرين غير الشرعيين قاموا بدور أكبر وأكثر خطورة في تنظيم الألعاب الأولمبية مما تعترف به حكومة ماكرون، إذ يؤكد العمال غير المسجلين أنهم أجبروا على القيام بأعمال خطرة لساعات طويلة من دون نظارات السلامة أو الأدوات أو غيرها من المعدات.

ووقعت الانتهاكات على رغم تعهد الرئيس الفرنسي بأن تكون أعمال الإنشاءات الخاصة بالأولمبياد آمنة وخالية من أخطار البناء وتكشفت بعد أشهر من قوله في فبراير (شباط) الماضي، "إننا نفي بالالتزامات التي قطعناها على أنفسنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يعتبر تحقيق "نيويورك تايمز" في ملف استغلال المهاجرين غير الشرعيين في بناء المواقع الأولمبية مفاجئاً للحكومة الفرنسية، إذ سبق أن أشارت صحيفة "لو موند" الفرنسية في السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2022 إلى استغلال العمال غير المسجلين في بناء مواقع "أولمبياد باريس" 2024.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، اعتصم نحو 120 عاملاً في موقع بناء ملعب أولمبي في شمال للضغط من أجل مطالبهم بالحصول على عقود وتصاريح إقامة فرنسية وفق "رويترز"،‏ وقال نحو 20 من العمال المضربين إنهم يعملون في موقع ساحة "بورت دي لا شابيل" التي من المقرر أن تستضيف مسابقات تنس الريشة والجمباز في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2024.‏ وأكد آخرون أنهم عملوا في ظروف مماثلة في مواقع البناء في جميع أنحاء المدينة.

وكتبت "إذاعة فرنسا الدولية" في الـ30 من يناير (كانون الثاني) الماضي عن "جيش" من عمال البناء يشيدون مواقع الأولمبياد وقالت إن حالات استغلال العمال غير المسجلين تضاعفت وقارن عامل الوضع بما حدث في قطر. وعنونت "ذا ستريت تايمز"، "عدد كبير من الذين يعملون في المواقع الأولمبية في باريس 2024 هم عمال غير شرعيين".

ممارسات استغلالية

وقال أنطوان دو سويش، مدير الاستراتيجية في "سوليديو"، الهيئة الحكومية التي نشرت أرقام الإصابات، إنه لم يكُن على علم بأي حوادث تتعلق بالعمال غير المسجلين. وتعتمد الوكالة على تقارير الإصابات الواردة من شركات البناء التي يمكن أن تواجه تداعيات قانونية إذا تبين أنها توظف عمالاً غير مسجلين. وتشمل الأرقام الرسمية للإصابات في مكان العمل في فرنسا بموجب النظام العمال القانونيين فقط، وفق "نيويورك تايمز".

ويعتقد دو سويش بأن العمل غير الموثق في المواقع الأولمبية كان نادراً وأن المفتشين رصدوا نحو 150 حالة، وقال "نعتقد بأن مستوى المراقبة المطبق جعل من الممكن التعرف إلى جميع الحالات، بلا شك، ولكننا نفكر عملياً في جميع الحالات".

وقابلت الصحيفة الأميركية عمالاً غير مسجلين وصفوا تجربتهم وصرحوا بأن الشركات شجعتهم على عدم الإبلاغ عن إصاباتهم أو زيارة الطبيب، وفي بعض الحالات يُفصل العمال المصابون أو يُدفع لهم مقابل التزام الصمت.

وبمساعدة النقابات كشف عدد من هؤلاء العمال غير المسجلين طوعاً عن الممارسة الاستغلالية من الشركات، أملاً في تصحيح وضعهم القانوني. وكثفت الجهات المعنية تفتيشها المواقع الأولمبية، لكن فاعلية هذا الإجراء مشكوك فيها لأن فحص تصاريح العمل يقتصر على نحو 1000 عامل فقط من بين ما يقارب 30 ألفاً، ويفيد أولئك الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية بأن لديهم متسعاً من الوقت للاختباء أو الفرار قبل عمليات التفتيش.

بيئة عمل خطرة
وفي المقابلات، تحدث 12 عاملاً، جميعهم من أفريقيا، عن إرسالهم من قبل مقاولين ووكالات مؤقتة للعمل في المواقع الأولمبية وذكر بعضهم أن أصحاب العمل شجعوهم على الحصول على أوراق هوية مزورة، وجرى تعيينهم من دون عقود وبرواتب منخفضة تحت الحد القانوني، وغالباً ما يعملون ساعات إضافية.

وقال داودا تونكارا، وهو عامل غير شرعي من مالي يبلغ من العمر 33 سنة، "يطلب منا أصحاب العمل دائماً أن نهرب"، وروى باباكار كوبور من السنغال أنه بينما كان يعمل في القرية الأولمبية العام الماضي، سقطت صخور ثقيلة من رافعة وأصابت يده. ويوضح مفتشو العمل وممثلو النقابات أنه عادة يتم استدعاء الأطباء وإبلاغ الشركة بالإصابة، لكن كوبور أفاد بأن رئيس طاقمه أعطاه ضمادات وطلب منه مواصلة العمل، وأشار إلى أنه لم يكن لديه خيار سوى الاستمرار ليتجنب استبداله.

وتحدث عمال مهاجرون آخرون عن تشغيل آلات ثقب الصخور لساعات متواصلة، مما يتجاوز بكثير ما يعتبر عادة آمناً، ويظهر السجل الطبي لأحد العمال إصابته بانزلاق غضروفي أثناء استخدامه هذه الآلات، بعدما كان مطلوباً منه العمل عليها لمدة تصل إلى ثماني ساعات متواصلة ضمن إنشاءات القرية الأولمبية.

وتظهر تقارير غير منشورة صادرة عن النقابة العالمية لعمال البناء والمنظمة الدولية لعمال الأخشاب أن ممثليهم وجدوا في موقعين عمالاً بلا نظارات أمان أو خوذات أو أدوات حماية للسمع، ورصدت حالات لتعرض العمال للصعق بالكابلات الكهربائية غير المؤمنة وسقوط بعضهم من سقالات غير مؤمنة، وحذر مسؤولو النقابات من سير الشاحنات بتهور، حتى بعد دهس عامل وبتر ساقه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير