ملخص
عند الحديث عن المستقبل يجب أن نسمع من الجيل الجديد الذي سيعيشه، والمؤشرات ترجح كفة الصين على الهند
انتشرت منذ العام الماضي تقارير تقول إن الهند ستقود الطلب العالمي على النفط بدلاً من الصين، أهمها ذلك التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية. ذكرتني هذه التقارير بخلاف قديم في التسعينيات وأوائل الألفية عمن سيقود العالم في الإنتاجية والاختراعات والنمو الاقتصادي. وقتها نشرت مئات المقالات والبحوث الأكاديمية والكتب، بعضها يقول إن المستقبل للهند، بينما آخرون يرون أنه للصين، وهناك فئة ثالثة أكدت أن السيطرة الأميركية ستستمر، ومن ثم فإن المستقبل للولايات المتحدة.
وقتها كنت أدرس في الجامعة، وكان موضوع "العولمة" هو المسيطر، وتبين لي ولطلابي أن الانقسام بين الأكاديميين والخبراء والسياسيين حول مستقبل الهند والصين سياسي بحت. فالجمهوريون يؤيدون الهند ويقولون إن ديمقراطية الهند ستحقق لها نجاحاً باهراً في المستقبل بينما ستنهار الصين، والديمقراطيون يرون أن التدخل الحكومي ضروري، ومن ثم فإن ما تفعله الصين هو الصحيح.
وهناك فئة يمكن وصفها بـ"وطنية يمينية" ترى أنه يجب تعزيز علاقة الولايات المتحدة مع الهند، وأن الهند ستصبح قوة عظمى، ولكن المستقبل للولايات المتحدة.
وكانت هناك دارسات أكاديمية مستقلة ركزت على العوامل الاقتصادية، وهذه الدراسات رجحت كفة الصين.
المشكلة أن كل ما كتب من كل الأطراف يمكن نقده بسهولة، ومن ثم فليس هناك إجابة واضحة، ولكن كان هناك إشكال أن كثيرين كانوا يشككون في بيانات النمو الاقتصادي في الصين، وأن نمو 11 في المئة وقتها كان فبركة من الحكومة. هذه الفكرة أعطت دفعة لمن يقول إن الهند ستتفوق على الصين لأن بيانات الصين "المبهرة" مفبركة.
ولكن من خلال البحث وصلت إلى نتيجة مفادها بأن بيانات الصين صحيحة، الذين يقولون إنها مفبركة يتجاهلون الحجم الهائل للسوق السوداء في بكين، تقريباً في كل شيء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقادني فضولي لمزيد من البحث فاكتشفت أن كل من يتكلم عن المستقبل، خصوصاً في المؤتمرات، وكل من تقابله وسائل الإعلام، قد بلغ من العمر عتياً. هنا لا أقلل من دور الخبرة وأهميتها، ولكن عند الحديث عن المستقبل، يجب أن نسمع من الجيل الجديد الذي سيعيش هذا المستقبل، وهنا نجد الفرق بين الهند والصين.
بشكل عام الشاب الهندي يبحث عن وظيفة ويحلم بالعمل في دبي، ونظيره الصيني يريد تأسيس مصنع، وعندما يتزوج يريد أن يكون شهر العسل في برج العرب في دبي.
الصين والهند والطلب على النفط
على رغم المشكلات التي يعانيها الاقتصاد الصيني فإن الصين مصنع العالم، ومن ثم فإن الطلب على النفط سيستمر بالنمو. وبما أن الطلب عال أصلاً فإن أي نسبة نمو في الطلب تعني كميات كبيرة. هذا على عكس الهند فصادراتها مقارنة بالصين محدودة، وقطاعها الصناعي محدود، واستهلاكها من النفط أقل بكثير من الصين.
وكانت وسائل الإعلام بالغت بشكل كبير في النمو الاقتصادي ونمو الطلب على النفط، ربما بسبب الانتخابات الهندية التي ما زالت تجري على قدم وساق. ونشرت بعض وكالات الإعلام المشهورة تقارير غير دقيقة، وبعضها لا أساس له من الصحة.
ارتفع استهلاك النفط في الهند من 3.2 مليون برميل يومياً في عام 2010 إلى 5.5 مليون برميل يوميا حالياً. في الفترة نفسها ارتفع استهلاك الصين من نحو 9 ملايين برميل يومياً إلى حوالى 15 مليون برميل يومياً.
لو نظرنا إلى نمو الاستهلاك النفط في البلدين كنسبة، نجد أن نسبة نمو الطلب في الهند على النفط أعلى من نسبة نمو الصين: الهند 72 في المئة، والصين 67 في المئة. ولكن استهلاك الصين في عام 2010 كان ثلاثة أضعاف استهلاك الهند. لهذا منذ عام 2010 كانت الزيادة في استهلاك الهند 2.3 مليون برميل يومياً، بينما كانت الزيادة في الصين نحو 6 ملايين برميل يومياً.
الإشكال هنا أن الطلب على النفط في الهند خلال السنوات الثلاث الأخيرة كان ضعيفاً، ويستمر الوضع كذلك، خصوصاً مع انهيار الروبية الهندية إلى أقل مستوى لها في التاريخ في مقابل الدولار.
ولو نظرنا إلى واردات النفط في الشهر الماضي مثلاً، لوجدنا أنها أقل مما كانت عليه في عام 2022. أما الصين فزادت وارداتها من النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً. وحتى تتضح الصورة أكثر، فإن إنتاج النفط في الهند ينخفض، بينما يرتفع في الصين. أي أن كلام وكالة الطاقة الدولية عن أن الهند ستكون الأولى في العالم في نمو الطلب على النفط خلال السنوات المقبلة مشكوك فيه.
وتشير البيانات إلى أن طلب الصين على النفط في قطاع البتروكيماويات سيرتفع بكميات كبيرة مستقبلاً، بخاصة مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية التي تحتاج إلى منتجات كثيرة من قطاع البتروكيماويات. هذا النمو ليس له مثيل في الهند. وهذا يفسر اهتمام شركات النفط الخليجية بالاستثمار بقطاع البتروكيماويات الصيني.
هناك أمور تعاقدية وقانونية أخرى ترجح كفة الصين على الهند. مشكلة الهند الأساسية أنها دائماً تبحث عن الأرخص مع تجاهل تقلبات السوق وأمن الطاقة، كما أنه تم سابقاً عدم الالتزام بالعقود، وهو أمر يؤرق الموردين دائماً سواء كانوا في روسيا أم دول الخليج، كما أن السياسات الهندية على رغم التظاهر بالاستقلالية تتأثر كثيراً بالسياسات الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بواردات النفط من إيران وفنزويلا وروسيا، والوضع في الصين عكس ذلك.