Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العابرون جنسيا" في تونس محاصرون قانونيا ومرفوضون مجتمعيا

هم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في هويتهم ويعيشون في غربة جسدية

امرأة متحولة جنسياً تمسك بيد صديقها في جاكرتا - إندونيسيا (رويترز)

ملخص

يشمل مصطلح العابرين جنسياً الأشخاص الذين يعانون اضطرابات في الهوية الجنسية، والأشخاص الذين لا يتطابق النوع الاجتماعي المنسوب إليهم أو إليهن عند الولادة، مع هويتهم أو هويتهن الجندرية.

وتواجه هذه الفئة في تونس تعقيدات قانونية، ووصماً مجتمعياً ورفضاً من السلطات التي تحاصرهم أينما ذهبوا.

فهل من حل متوقع لحالات هؤلاء في تونس؟

"شريفة" كما أراد أن يسمي نفسه، هو شاب يبلغ من العمر 35 سنة، بدا بقبعته الزرقاء ولباسه الرياضي شاباً عادياً، إلا أن رائحة العطر النسائي كشفت لنا جزءاً من الحقيقة، يقول لـ"اندبندنت عربية" "عشت غربة جسدية وروحية طيلة 15 سنة عندما كانت ميولي تنزع إلى الأنوثة، وبدوت غريباً في بيئة محافظة في الشمال الغربي التونسي إلى أن قرّرت الهروب بجسدي من الإهانة والضرب والتعذيب في عائلتي، أنا الآن مقطوع من شجرة، لا أتواصل مع إخوتي، وفي مناسبات قليلة جداً ألتقي أمي بشكل سري"، ولم يتمالك نفسه عن البكاء تأثراً بوضعه مضيفاً "لم أختر لنفسي هذه الوضعية، الطبيعة هي التي اختارت أن تجعلني في هذه الحال".

 

"شريفة" الشاب الذي يخدعك بملامحه المختلطة بين الأنوثة والرجولة، يضطر إلى العمل في تنظيف المنازل من أجل أن يضمن قوت يومه، ويتعرض هو ومن يشبهه إلى شتى أنواع الضرب والتنكيل من قبل مجتمع لا يرحم طبيعتهم، يقول "تونس بالنسبة إليه جحيم، يكتوى بنيرانها يومياً"، هو حاول أن يتحول رسمياً إلى أنثى إلا أن هذه العملية غير ممكنة في تونس، هو يفكر في السفر، إلا أن إمكانياته لا تسمح، وخلص إلى أن الأمل ما زال قائماً في أن يجري عملية "العبور الجنسي" والعيش خارج تونس.


لست أنا من اختار

يضيف "أتعرض للإهانات من قبل عناصر الشرطة، وأيضاً من قبل بعض التونسيين"، مطالباً الدولة أن تنصفه، ومشيراً إلى أنه يعلم أن المجتمع التونسي مسلم ومحافظ، إلا أنه يؤكد أنه لم يختر بنفسه هويته "خُلقت هكذا، لست أنا من اختار أن أكون هكذا، مشيئة الله هي التي أرادت لي أن أكون كما أنا الآن، أحس أنني أنثى، أردت أن أتحول إلى أنثى، لم أستطع السفر، لذلك حاولت الانتحار مرات عدة".

"شريفة" يضطر إلى أن يلبس لباساً نسائياً بعد استخدام مواد التجميل النسائية للخروج إلى الشارع كامرأة، إلا أن عناصر الشرطة يقتادونه إلى مركز الشرطة إذ يتعرّض لشتى أنواع التنكيل، على حد قوله.

مختلف هذه التغييرات في الشكل، وفي الجانب الفيزيولوجي التي يقوم بها "شريفة"، وغيره وصولاً إلى التغييرات القانونية التي يدخلها الشخص على نفسه، من أجل التموقع في المجتمع الذي يرفضه وفق ميوله الجنسية تسمى "العبور الجنسي".

"شريفة" يعتبر نفسه أنثى، في مجتمع يريده ذكراً، ولا يقبل بهويته الجندرية.

ويعيش كثيرون من العابرين جنسياً وفقاً لهويتهم الجندرية، فيرتدون ملابس خاصة، ويقدمون أنفسهم للعالم الخارجي بطريقة تتماشى مع هويتهم، بل يختارون لأنفسهم أسماء تتماشى وإدراكهم لهويتهم، لذلك اختار الشاب اسم "شريفة"، في انتظار أن يتطابق هذا الاسم فعلياً مع جسده بعد اللجوء إلى إدخال تغييرات جسمانية بحيث تتماشى أجسامهم مع هويتهم الجندرية.

وبدوره هرب "هالة" من منزل العائلة، وهو شاب متوسط الطول، تبدو على وجهه ملامح الأنوثة، ولا يخجل من إبرازها من خلال طريقة تسريحة الشعر، يقول لـ"اندبندنت عربية" "تعرضت للتعنيف في عائلتي وفي المجتمع، وتم إيقافي مرات عدة من قبل قوات الأمن، حاولت السفر إلى الخارج لاستكمال رحلة العبور إلى أنثى، وسأصل إلى تحقيق أمنيتي، وتونس ليست بلد حرية"، ويضيف "أنا أرى نفسي أنثى، وأريد أن أتزوج رجلاً وأكمل معه بقية العمر".


عالم الرفض والوصم

"العبور الجنسي" عالم شاق، محفوف بالأوجاع والصراع الداخلي، رحلة يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، طريق "العبور الجنسي" معقد اجتماعياً وقانونياً وطبياً، وهو مزيج من الأذى والوصم الاجتماعي والرفض الذي يدفع في أحيان كثيرة بالبعض إلى الإقدام على الانتحار.

وتعرف منظمة العفو الدولية العابر جنسياً بأنه "الشخص الذي ينحرف تعبيره وهويته الجنسية عن التوقعات التقليدية القائمة على الجنس المحدد عند الولادة، وجميع العابرين جنسياً لا يتعرفون إلى أنفسهم في النظام الثنائي الذكور والإناث، وبعض الأشخاص لديهم جنس ثالث، والبعض الآخر لا يتماشى مع أي جنس أو العكس".

 

من "لينا" إلى "ريان"

في تونس، سجل فقه القضاء القرار القضائي الصادر عن المحكمة الابتدائية في التاسع من يوليو (تموز) سنة 2018، والقاضي بتغيير جنس فتاة ولدت باسم "لينا" إلى ذكر باسم "ريان" في سجلات الأحوال الشخصية، واستند الحكم القضائي على الاختبارات الطبية المأذون بها قضائياً، التي أكدت أنها تعاني من اضطرابات جنسية.

وفي حيثيات الحكم القضائي، ولدت "لينا" كأنثى، إلا أنها كانت رافضة جنسها وقد خضعت إلى علاج نفسي، وتحولت إلى ألمانيا وواصلت العلاج النفسي، مدة عامين، قبل الخضوع لتغيير الجنس، واستئصال الرحم وإزالة الثديين، وبدأت في تناول هرمونات ذكورية، ثمّ حصلت على حكم قضائي لتغيير الجنس بمقتضى حكم من محكمة ألمانية وغيرت اسمها من "لينا" إلى "ريان".

وبينما لم يتطرق المشرع التونسي إلى مثل هذه المواضيع، كما أنه لا يوجد نص قانوني ينظم هذه المسألة، فإن المحكمة استندت إلى المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على "حق كل إنسان في حماية حياته الخاصة"، واعتبرت المحكمة أن عدم قبول تصحيح الجنس في سجلات الأحوال الشخصية سيشكل مخالفة للمادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ونظراً لالتزامات تونس تجاه القانون الدولي ومصادقتها على اتفاقيات حقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فعلى القضاء تأويل القانون وتعزيز إنفاذ حقوق الإنسان والحريات القانونية في ظل غياب نصّ قانوني ينظم مسألة تغيير الجنس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فراغ تشريعي

غياب نص قانوني يصفه الباحث والقاضي فريد بن جحا، في تصريح خاص، بالفراغ التشريعي لأن "مجلة الأحوال الشخصية تستند في جانب كبير منها إلى الشريعة الإسلامية". وتُعتبر مقاصد الشريعة الإسلامية المرجع الأساسي الذي تعود له المحاكم التونسية عند تعاطيها مع قضايا "العبور الجنسي" وثنائيي الجنس بينما يعجز النص القانوني على استيعابها.

ويؤكد بن جحا أن "هذه المسألة طرحت، للمرة الأولى، في فقه القضاء في تونس، في 22 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1993، في قضية سامي الذي وقع له نوع من الاضطراب في الهرمونات، فغادر إلى إسبانيا، حيث قام بعملية لتغيير الجنس، ثم عاد إلى تونس ليطابق الحالة المدنية في الوثائق الرسمية للحالة الواقعية لجسده، إلا أن المحكمة رفضت مستندة في ذلك إلى الشريعة الإسلامية، واعتبرتها محرمة شرعاً، فوقع الشخص المعني في إشكالية، فهو واقعياً أنثى، أما في الوثائق الحالة المدنية فهو ذكر".

والمفارقة، أنه استناداً إلى الشريعة الإسلامية نفسها، وعلى عكس حالة "سامي"، تمكنت لينا من تغيير جنسها إلى "ريان"، استناداً إلى الاتفاقيات الدولية، وحق الشخص في حياته الخاصة، وعملاً بأن الضرورات تبيح المحظورات في الشريعة الإسلامية، لأن الطفلة لو لم تنصفها المحكمة فقد تتعرض إلى الضرر وتفقد رغبتها في التعايش مع ذاتها وجسدها، فتم، للمرة الأولى، إنصاف المعنية بالأمر وتغيرت الهوية من أنثى "لينا" إلى ذكر "ريان"، وتمت مطابقة الوضعية الواقعية مع الوضعية القانونية.

وأكد القاضي والباحث في القانون فريد بن جحا أن "القضاء التونسي مدعو مستقبلاً إلى مواكبة التحولات المجتمعية، وما يصدر في المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال الحقوق والحريات".

وفي مثل هذه الحالات، فإن الأشخاص الذين يولدون بجنس محدد، ثم تطرأ تغيرات يمكن للمحكمة أن تنصفهم، لأن هذه المتغيرات الطارئة، لا يتدخل فيها الشخص المعني، سائلاً: "هل سيواكب فقه القضاء التونسي هذه التغيرات أم سيتمسك بالشريعة الإسلامية؟".

وذكّر بن جحا بـ"الجدل المجتمعي بين الكونية والخصوصية والطابع الثقافي والعربي الإسلامي للمجتمع التونسي"، مضيفاً أن الفصل الخامس من الدستور الذي ينص على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية" يدفع المحكمة إلى التريث قبل الاستجابة لمطالب عدد من الراغبين في تغيير جنسهم.

يُذكر أن المجلة الجزائية في تونس تنص على العقوبة بالسجن لكل من يقوم بعمليات تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو العكس، لذلك يضطر المعنيون بالمسألة إلى مغادرة الوطن والقيام بعمليات من هذا النوع في الخارج.

المسكوت عنه في المجتمع

تقدر بعض الإحصائيات عدد المثليين والعابرين جنسياً في تونس بـ17 ألفاً، إلا أنه من الصعب التسليم بصحة هذا الرقم لصعوبة حصر عدد هذه الفئة من المجتمع، نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة إلى كثيرين منهم، بسبب ضغط المجتمع الذي لا يعترف بهم أصلاً.

رحلة عبور هؤلاء من الجنس الأصلي إلى الجنس المراد التعايش به صعبة ومعقدة، فهي لا تشبه الحياة اليومية للتونسيين.

وقد أنجزت "الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية" دراسة شاركَ فيها عدد من المختصين الاجتماعيين والنفسيين، وشملت 215 شخصاً من العابرين جنسياً من مختلف المحافظات التونسية، 169 ذكراً و45 أنثى. وبينت الدراسة أن أكثر من 50 في المئة من الذين شملهم الاستبيان يغيرون أماكن سكنهم مرة كل ثلاثة أشهر، لا سيما أنهم، بعد العبور، ينتقلون للسكن بمفردهم بعيداً عن العائلة وموطنهم الأصلي، كما أن كثيرين تعرضوا لاعتداءات، لحظة اكتشاف هويتهم الحقيقية، في محيطهم السكني.

فأكثر من 35 في المئة من العابرين أكدوا أنهم تعرضوا للعنف الجسدي بسبب هويتهم الجنسية إن كان من أفراد العائلة أو الشريك الجنسي أو الطواقم الطبية وشبه الطبية التي تتابع ملفاتهم، و57.1 في المئة منهم تعرضوا للعنف من قبل عناصر الشرطة. وأكدت الدراسة أيضاً أن خمسة في المئة منهم تقدموا بطلبات تغيير خانة الجنس في الحالة المدنية، مما يدل إلى الخوف من الملاحقة الاجتماعية والسعي إلى التخفي خارج محيطهم الاجتماعي الأصلي.

المقاربة الطبية

وتختلفُ المقاربات الطبية لتفسير أسباب العبور، فهناك من يؤيد تعريف منظمة العفو الدولية للعابر الجنسي، ويعتبره قراراً شخصياً نابعاً من إرادة الفرد الذي لا يتمكن من التأقلم مع هويته الجنسية الأصلية، التي ولد بها، بينما يؤكد آخرون أن هناك أسباباً طبية تجبر الشخص على العبور، وهي ليست بالأمر الشائع، وتتمثل بوجود تشوهات في الجهاز التناسلي، وتنقسم إلى قسمين، نمط ظاهري كولادة ذكر مع غدد تناسلية أنثوية وهو ما يمثل مفارقة جينية في الهرمونات، ونمط ثان يتمثل في الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة وراثياً وعضوياً، لكن نفسياً، أي على مستوى التكوين في شخصياتهم، لديهم تمثل نفسي مغاير تماماً لأجسادهم، فيكون الشخص غير متأقلم نفسياً مع جنسه الأصلي.

ويؤكد المتخصص في معالجة الاضطرابات الجنسية الدكتور أحمد النيفر أن "بعض العابرين جنسياً لديهم تشوه خلقي جنسي، وهي تشوهات تطرح إشكاليات على المستوى الطبي، والاجتماعي، والنفسي، وأيضاً على مستوى التصنيف، كأن تولد على مستوى شكلها الخارجي أنثى، بملامح أنثوية كاملة، إلا أنها تحمل عضواً ذكرياً، بينما من الداخل يوجد رحم وأعضاء أنثوية". ويضيف أن "العائلة عادة ما تصطدم بواقع الابنة أو الابن، ويُطرح المشكل مع الاسم، ويبدأ حينها الصراع بين الهوية الجندرية وواقع الجسد، ويتدخل العلم للحسم بالقرار المناسب الذي يراعي التركيبة الجسمانية بناء على المعطيات والتحاليل لتتم المصالحة بين الهوية الجندرية وواقع الجسد".

ويؤكد النيفر أنه واكب تدخلاً جراحياً في العاصمة الفرنسية باريس، حيث تم استئصال العضو الذكري وزرع عضو تناسلي أنثوي، لأنثى ولدت كذكر، وحملت لسنوات اسم ذكر، بينما جسدها وتركيبتها الجسمانية هي أنثى كاملة. ويلفت النيفر إلى أن "التدخل الطبي هو تدخل هرموني ثم جراحي، ويسبقهما تدخل نفسي لتأهيل الشخص المعني إلى التحول الكامل في حياته من ذكر إلى أنثى أو العكس".

ويواجه المتحولون جنسياً مشكلة هوية منذ الولادة، فهم يعيشون في جسد غريب عنهم، ما ينتج ضغطاً نفسياً يدفع بالبعض منهم إلى الإقدام على الانتحار. وبحسب المختص في معالجة الاضطرابات الجنسية، فإن "الخبراء في هذا المجال وضعوا بروتوكولاً يقوم على جملة من المراحل: أولها العلاج النفسي الذي يدوم ثلاث سنوات، ثم العلاج الهرموني إذ يتم تقديم الهرمونات الأنثوية التي تساعد الجسد على النزوع تدريجاً نحو جنس الأنثى كإبراز الصدر وتغيير ملامح الوجه والبشرة ونوع الصوت، ثم يتم التدخل الجراحي".

وأثارت هذه العمليات جدلاً في الأوساط الطبية والفلسفية والاجتماعية، كما احتدّ النقاش بين رجال القانون وعلماء النفس والاجتماع، وهو نقاش مستمر إلى اليوم بين من يرفض تدخل العلم في الطبيعة، وبين من يناصر التطور العلمي في إنصاف ضحايا الحوادث الطبيعية. وهو نقاش فلسفي وعلمي عميق ما زال متواصلاً ولن يهدأ طالما أن العابرين جنسياً موجودين في المجتمع حيث يواجهون مصيرهم وتحت مشرحة الطب أيضاً.

الاندماج الاقتصادي

ويصعب على هذه الفئة إيجاد فرص عمل في تونس، كما لا توجد برامج تنمية اجتماعية خاصة بهم، وأمام ضيق أفق الاندماج في المجتمع وعدم حصول العابرين جنسياً على فرص متكافئة مع غيرهم من المواطنين في سوق العمل، يضطر معظمهم إلى العمل في تجارة الجنس من دون حماية صحية.

وأمام صعوبة أخذ تصريحات أو صور مع عدد منهم أو منهن تحدثت "نورا" (اسم مستعار) من هاتف صديق لها، وقد اختارت أن تعمل في تجارة الجنس من أجل لقمة العيش.

وإجابة عن سؤال حول الاحتياطات الصحية التي تتخذها خوفاً من الأمراض المنقولة جنسياً تقول، إنها "تستند إلى بعض الجمعيات التي توفر عيادات طبية مجانية وحصص تأهيل نفسي بسبب ما تتعرض له من ضغوطات".

وتدعو منظمات المجتمع المدني في تونس إلى صون حقوق هذه الفئة من خلال سن تشريعات تحفظ كرامتهم، تماشياً مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس، من أجل وضع حد للتجاوزات في حقهم من وصم مجتمعي أو من تعقيدات قانونية قبل الاعتراف بنوعهم الاجتماعي.

وتؤكد سهيلة بن سعيد رئيسة "الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية" أن "الجمعية تعمل على مساعدة الفئات الأكثر عرضة لفيروس نقص المناعة البشري (الإيدز)، وبينهم العابرون جنسياً، من خلال الإحاطة بهم نفسياً واجتماعياً، من خلال الوقاية من نقل الأمراض، إضافة إلى المساعدة القانونية لهذه الفئة، كما تقدم الجمعية بعض المساعدات المادية والعينية لهذه الفئة".

وحدها جمعيات المجتمع المدني التي تتولى الإحاطة بهذه الفئة بينما تغيب مؤسسات الدولة تماماً، وضع يدفع هذه الفئة إلى أن تضرب على نفسها حصاراً يعمق عزلتها وانغلاقها على نفسها داخل مجتمعها الخاص الذي يصعب اختراقه، بسبب الوصم والرفض الاجتماعيين، ويحتمون بالعزلة خوفاً على حياتهم من تهديدات المواطنين الرافضين وجودهم بينهم.

بين الإباحة والتحريم

ولئن حسم الطب المعاصر في مسألة ملائمة الهوية الجندرية مع تركيبة الجسد من خلال التأهيل والعلاج الهرموني والتدخل الجراحي، فإن بعض الفقهاء حرموا التدخل في خلق الله وتغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو بالعكس، بينما أباح آخرون إمكانية إجراء عملية جراحية لإظهار الأعضاء التناسلية المختفية، وأباحوا إعطاء الشخص المعني أدوية أو هرمونات تعيد الشخص إلى أصله (ذكراً أو أنثى).

التحولات الكبيرة التي شهدتها المجتمعات والبشرية عموماً، لم يعد ممكناً استيعابها من الفقه الإسلامي لأنه لم يحسم فيها، ويتم عادة ترجيح رأي الطبيب المتخصّص، وهو ما يذهب إليه الباحث وأستاذ الشريعة الإسلامية رضا الشيخاوي الذي أكد أن "الإشكاليات المطروحة اليوم معقدة ويتداخل فيها الاجتماعي بالعلمي وبالفلسفي، بينما لا توجد أحكام فقهية دينية واضحة ودقيقة في شأنها، وقد يكون في قياس هذه المسائل على أمور مشابهة لها إجحافاً في حق المعني بعملية العبور الجنسي"، مرجحاً رأي الطبيب المتخصص، ومفضلاً "مصلحة المعنى بالأمر على الاجتهادات الدينية التي تمنع مثل تلك التدخلات الجراحية"، ويخلص الشيخاوي إلى أن "الشخص المعني بالتدخل الجراحي، ويثبت أنه في حاجة ماسّة إلى هذا التدخل ليكون متصالحاً مع ذاته ومتوازن الشخصية، لا حرج عليه".

تعود عمليات تغيير الجنس إلى ثلاثينيات القرن الماضي، بينما يراوح التشريع التونسي مكانه، ويمنع إجراء عمليات كهذه، على رغم مصادقة تونس على مختلف المواثيق الدولية الخاصة بحماية الحقوق الفردية، لذلك يلجأ المعنيون بالأمر إلى السفر للخارج لتغيير جنسهم والهروب من الأذى والوصم الاجتماعي والعنف المسلط عليهم مادياً ورمزياً.

المزيد من تحقيقات ومطولات