ملخص
قد تثير هذه الخطوة بعض القلق بين الشركات الأخرى، خصوصاً الأميركية منها التي ستجد نفسها ربما في وضع تنافسي أصعب نتيجة لهذه الهيمنة الصينية.
هيمنت الشركات الصينية على عقود التراخيص الخامسة التكميلية والسادسة التي أطلقتها وزارة النفط العراقية في وقت سابق، إذ أصبح نفوذ الشركات الصينية سائداً على مشاريع تطوير الصناعة النفطية والغازية في البلاد مقابل تراجع دور الشركات الغربية.
ويرى متخصصون في الشأن الاقتصادي العراقي أن هناك أسباباً منطقية تدفع إلى ازدياد النفوذ الصيني في العراق والمنطقة الإقليمية، فبكين تحاول ضمان إمدادات الطاقة باعتبارها ضرورة ملحة لاستمرار معدلات النمو الاقتصادي لثاني أكبر اقتصاد عالمي ومصنع العالم، مشيرين إلى أن دخول الشركات الصينية إلى هذا القطاع يمثل تحدياً للشركات الأخرى، بخاصة الغربية التي بدأت تفتقر إلى القدرة على المنافسة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الغرب الآن.
إحالة 13 مشروعاً
أكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط حيان عبدالغني السواد إحالة 13 من أصل 29 مشروعاً إلى الشركات النفطية الاستثمارية المحلية والعالمية.
وقال عبدالغني في كلمة على هامش اختتام فعاليات جولتي التراخيص الخامسة التكميلية والسادسة إن الحقول والرقع الاستكشافية المشار إليها موزعة على 12 محافظة تم الترويج لها قبل ستة أشهر، مبيناً أنه في اليوم الأول تمت إحالة سبعة حقول ورقع استكشافية من أصل ثمانية إلى الشركات التي قدمت عروضاً إزاءها، إذ فازت شركة "ZEPC" الصينية بعقدي تطوير حقل شرق بغداد وحقول الفرات الأوسط، فيما فازت شركة "KAR" العراقية بعقدي تطوير حقل الديمة في ميسان وحقلي علان وساسان في محافظة نينوى. وحازت شركة "UEG" الصينية عقد تطوير حقل "الفاو" في البصرة. وفازت شركة "زنهوا" (Zhenhue) الصينية بعقد تطوير رقعة القرنين في محافظتي النجف الأشرف والأنبار. أما مشروع تطوير رقعة زرباطية في محافظة واسط، فكان من نصيب شركة "جيو-جيد"(Geo-Jade) .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب وزير النفط العراقي، ففي اليوم الثاني تمت إحالة خمسة حقول ورقع استكشافية إلى الشركات المتنافسة ففازت شركة "Sinopec" الصينية بتطوير الرقعة الاستكشافية "سومر" في محافظة المثنى، والرقعة الاستكشافية 7 التي تمتد عبر محافظات الديوانية والنجف الأشرف وبابل وواسط والمثنى، ففازت بتطويرها شركة "CNOOC" الصينية. كما فازت شركة "Anton oil" الصينية بتطوير حقل الظفرية في محافظة واسط، وشركة "زينهوا" (Zhenhua) الصينية بتطوير حقل "أبو خيمة" في محافظة المثنى قرب الحدود العراقية – السعودية. وحازت شركة "Geo-Jade" مشروع تطوير الرقعة الاستكشافية "جبل سنام" في محافظة البصرة على الحدود العراقية - الكويتية.
وتابع أنه "في اليوم الثالث فازت شركة ’كار‘ العراقية باستثمار رقعة الخليصية التي تمتد ضمن محافظتي نينوى والأنبار على الحدود العراقية – السورية"، موضحاً أن 22 شركة نفطية محلية وعالمية اشترت حقائب معلومات الحقول والرقع الاستكشافية الداخلة ضمن جولتي التراخيص الخامسة التكميلية والسادسة .
وأكد أن عملية الترويج للحقول والرقع جرت بأعلى درجات الشفافية وبصورة علنية وعلى مدى ثلاثة أيام متوالية برعاية وحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، شارحاً أن اللجنة المعنية بمراجعة وتدقيق العطاءات عملت بأعلى درجات الحرص والدقة في مراجعة العطاءات وفق الضوابط التي حددتها الوزارة.
وأشار إلى أن الشركات النفطية التي فازت بعقود تطوير واستثمار حقول ورقع الجولتين سيتم توقيع عقودها الرسمية خلال شهرين كحد أقصى، موضحاً أن الحقول والرقع الاستكشافية الـ16 سيتم طرحها بعد إعادة تقييمها وفقاً للمعايير والمؤشرات المعتمدة من قبل الوزارة التي تسعى إلى طرح مزيد من الحقول والرقع الاستكشافية والنفطية خلال الفترة المقبلة .
أقل جذباً للشروط التجارية
في المقابل، حدد المتخصص الاقتصادي نبيل المرسومي جملة ملاحظات على جولتي التراخيص الخامسة والسادسة، مبيناً أن الشركات كانت أقل جذباً للشروط التجارية والتعاقدية المرتبطة بالصفقات التي تركز على الغاز.
وقال المرسومي إن "هناك ملاحظات عدة على جولتي التراخيص الخامسة والسادسة، من بينها ذهاب 10 من أصل 12 مشروعاً تم منحها حتى الآن في أحدث عملية تعاقد للنفط والغاز في العراق إلى شركات صينية، مضيفاً أن "من بين المشاريع الـ 13 التي تم عرضها أول من أمس الأحد، لم تتلقَّ سبعة مشاريع أخرى أية عروض، وتلقى مشروع واحد عرضاً ولكن لم يتم منحه".
وزاد أن "الملاحظة الثانية تتمثل في الشركات الصينية التي فازت بمشاريع والموجودة بمعظمها في العراق، حيث تدير شركة ZhenHua Oil حقل شرق بغداد تحت ذراعها المحلي ’EBS‘، بينما تدير شركة CNOOC مجموعة من حقول النفط في ميسان".
وبيّن أن شركة "أنطون أويل" (التي استحوذت على حقل الظفرية النفطي في محافظة واسط) تعمل حالياً كمقاول رئيس للخدمات النفطية في حقل "مجنون" الذي تديره شركة "نفط البصرة" منذ خروج شركة "شل" عام 2018"، لافتاً إلى أن شركة Geo-Jade تعدّ جزءاً من كونسورتيوم اقترح أخيراً مشروعاً لتطوير حقل "طوبا" النفطي في البصرة، والذي تديره شركة "نفط البصرة" حالياً.
أما الملاحظة الثالثة، بحسب المرسومي، فتركز على "تحديد العطاءات الفائزة على أساس نسبة الأجر، إذ تقترح الشركة أقل هوامش ربح للفوز بكل مشروع من المشاريع التي تم منحها".
وأوضح أن "الملاحظة الرابعة تتعلق بجميع المناطق والحقول التي تمت ترسيتها في اليوم الثاني من المناقصات، وهي عبارة عن مشاريع تركز على النفط، مما يشير إلى أن الشركات كانت أقل جذباً للشروط التجارية والتعاقدية المرتبطة بالصفقات التي تركز على الغاز".
ولفت إلى أن أكبر شركات النفط في العالم لم تعرب إلا عن اهتمام فاتر بشروط الوزارة الأخيرة، ومن بين الشركات غير الصينية التي تأهلت مسبقاً لجولتي التراخيص الخامسة والسادسة، بما في ذلك "بريتيش بتروليوم" و"توتال إنيرجي" و"شل" و"إيني" و"أدنوك" و"قطر للطاقة" و"بتروناس"، لم تقدم حتى الآن سوى شركتين فقط عطاءات، بينما قدمت "شل" و"أدنوك" عرضاً مشتركاً لشراء حقل "الدمية" في ميسان، لكنهما خسرتا أمام مجموعة "KAR".
أسباب منطقية
الباحث الاقتصادي بسام رعد يوضح أنه خلال اليومين الأولين من جولة التراخيص الخامسة التكميلية وجولة التراخيص السادسة فازت الشركات الصينية بتسعة عقود لحقول ورقع نفطية وغازية، وبذلك فإن نفوذ الشركات الصينية أصبح هو المهيمن على مشاريع تطوير الصناعة النفطية والغازية في العراق مقابل تراجع دور الشركات الغربية.
ورأى أن هناك أسباباً منطقية تدفع إلى ازدياد النفوذ الصيني في العراق والمنطقة الإقليمية، فبكين تحاول ضمان إمدادات الطاقة باعتبارها ضرورة ملحة لاستمرار معدلات النمو الاقتصادية لثاني أكبر اقتصاد عالمي ومصنع العالم.
وتابع أن التعاون الصيني - العراقي في مجال الطاقة يشكل جزءاً مهماً من رؤية بكين لتنفيذ "مبادرة الحزام والطريق" ودورها العالمي في رسم عالم متعدد الأقطاب، كما تعتبر الصين الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى العراق وفقاً لقيمة الصادرات، إذ صدّرت بغداد لها نفطاً بقيمة تجاوزت 39 مليار دولار عام 2022.
وأكد أن الصين تعمل على تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية مع العراق، لما يمثله من ثقل في مجال الطاقة الأحفورية، ويعد الاتفاق الإطاري العراقي - الصيني عاملاً مهماً ورئيساً في رسم السياسة الاقتصادية بين البلدين.
وزاد أن الشركات الصينية أسهمت بصورة كبيرة في تطوير صناعة النفط في العراق بعد عام 2003، ويعدّ حقل "حلفاية" نموذجاً تكنولوجياً وفنياً لهذه المساهمة.
الاستثمار النفطي
في السياق، يعتقد أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي بأن الصين الآن عرفت كيف تستغل فرص الاستثمار النفطي في العراق بصورة كبيرة، مما يعكس التحول الاقتصادي الذي تشهده بكين في الفترة الأخيرة والرغبة في تأمين مصادر الطاقة اللازمة لتلبية حاجاتها المتزايدة.
وأقر بأن دخول الشركات الصينية إلى هذا القطاع يمثل تحدياً للشركات الأخرى، بخاصة الشركات الغربية التي بدأت تفتقر إلى القدرة على المنافسة، وهي نتيجة حتمية بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الغرب الآن، مبيناً أنه يمكن رؤية هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين والعراق.
لكن بحسب السعدي، قد تثير هذه الخطوة بعض القلق بين الشركات الأخرى، خصوصاً الأميركية منها التي ستجد نفسها ربما في وضع تنافسي أصعب نتيجة لهذه الهيمنة الصينية، واستدرك أنه "على رغم ذلك، فإن وجود الصين في القطاع النفطي العراقي قد يسهم في زيادة الاستثمارات وتحفيز النمو الاقتصادي في العراق، مما يمكن أن يعزز من فرص التعاون الدولي والتبادل التجاري بين البلدين".
لكن الأهم من هذا كله أنه ينبغي على العراق أن يكون حذراً في التعاقد مع الشركات الصينية وضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية الملموسة للشعب العراقي من هذه الصفقات، بحسب أستاذ الاقتصاد الدولي الذي طالب بتنظيم العلاقات بصورة تضمن الشفافية والعدالة في توزيع الثروات وتطوير البنية التحتية وتعزيز القدرات المحلية.
ودعا السعدي السلطات العراقية إلى استغلال هذه الفرصة لتعزيز التعاون الثنائي مع الصين في مجالات أخرى مثل التكنولوجيا والتعليم والصحة، مما يعزز العلاقات الثنائية بصورة عامة ويسهم في التنمية المستدامة للبلدين.