Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يبحث في سوق العطارة عن علاج لأوجاعه

خلطات الأعشاب تزدهر على وقع دولرة الخدمات الطبية والباحثون عن وصفات للنحافة والصدفية وتساقط الشعر في تزايد

ملخص

يتسلح العطارون بالمقولة الشعبية "إذا ما بتنفع، ما بتضر". لكن متخصصي التغذية يتحدثون عن آثار جانبية خطرة قد تصل إلى تليف الكبد والتسمم والفشل الكلوي وبعض أنواع السرطان.

تخاطب زيارة "سوق العطارين" في طرابلس اللبنانية جوانب مختلفة من مخيّلة الإنسان، ففي هذه السوق التي يعود بناؤها لسبعة قرون مضت، تستفز أكوام البهارات والألوان والعطور حواس المارة، إذ تزدان بها المتاجر على حافتي السوق التاريخية، كما أنها تحفز لديهم الرغبة في العثور على "أكسير الحياة" وخلطات "الشباب الدائم" والجمال والصحة.

وعلى خلاف بعض القطاعات الاقتصادية، أسهمت الأزمة وما صاحبها من عجز كثيرين عن الطبابة في ازدهار السوق، حيث ترتفع باطّراد أعداد المتاجر التي تبيع مختلف أنواع الأعشاب العطرية والمنتجات الطبيعية، ومعها الزوار. 

يتسلح أصحاب المتاجر في سوق العطارين ببعض المفاهيم الشعبية التي تنظر إلى الأعشاب بوصفها "آمنة" انطلاقاً من أنها "إذا لم تكن نافعة، فليس منها ضرر"، كما يحاول هؤلاء جذب الزائرين من خلال تقنيات العرض المميزة المماثلة لتلك المعتمدة في "البازارات الشهيرة" خارج لبنان.

آثار سحرية

داخل السوق، جالت كاميرا "اندبندنت عربية" حيث التقت بأطياف اجتماعية مختلفة، فبعضهم يبحث عن "نكهة مميزة للطبخ" من خلال شراء البهارات الطازجة والمكسرات والفواكه المجففة، وآخرون يجولون لشراء العطور والبخور، فيما يتسع هامش الطلبات والحاجات ويزداد عدد الباحثين عن الليونة والرشاقة وخفض الوزن، فيتناقل الزبائن الأحاديث عن آثار سحرية لكبسولات خفض الوزن التي يحضرها العطارون، وتعتقد إحدى الشابات بأنها "كبسولات صحية"، وهي تفضلها على حقن السكري التي تستخدم لخفض الوزن. ولا يقتصر الأمر على الكبسولات بل يتجاوزها إلى خلطات الزهورات المتوارثة من جيل إلى جيل ومراهم التجميل وتنظيف البشرة وزيوت إنبات الشعر وزيادة كثافته ونعومته.

 

يأتي بعض الزبائن من خارج لبنان، وتشير إحدى السيدات إلى شراء "جرعتين" من إحدى الخلطات العطرية لإزالة آثار النفخة والغازات، وهي لا تجد مثيلاً لها في متاجر أوروبا بسبب التشديد على الواردات، وتقول "اشتريت عبوتين، وإذا شعرت بأنها مفيدة فسأستمر باستهلاكها لفترة أطول، وإلا فلا ضرر من ورائها".

بين هذا وذاك، انعكست دولرة الخدمات الطبية على أذواق الزبائن الذين يبحثون عن "أدوية رخيصة يصفها العطار"، فتلتمس إحدى السيدات دواء للصدفية وبقع الجلد، وكذلك محسنات المزاج والمساعدة في النوم.

يستقبلنا السيد نبيل في المتجر حيث يعمل منذ عشرات السنين في سوق العطارين، لذا فهو يرصد اختلافاً في نظرة المواطنين لمهنة "العطارة"، مشيراً إلى تزايد الثقة بهذه الخدمات لأنه "لا يصح إلا الصحيح" ومؤكداً أن عودة الناس لـ"طب الأعشاب سببها غلاء الدواء"، علماً أن "العطارين الكبار رحلوا، ورحل معهم جزء كبير من المعرفة الطبية. ويأتي الباحثون عن أدوية خفض الوزن وسد القابلية في مقدمة قائمة الزبائن، ناهيك عن مختلف أنواع البهارات والزعتر والمكسرات والزيوت".

مهنة متوارثة

تختزن سوق العطارين جزءاً من تاريخ وتراث المدينة خلال سبعة قرون، إذ شهدت السوق انتقال الحرفة بين الأجيال، ويقول العطار عبدالسلام قاطوع إنه "ينتمي إلى عائلة يعمل كل أبنائها في العطارة، وورث المهنة عن والده وجده، ويستعد ليورثها إلى أولاده"، ويعود  للماضي عندما كانت المتاجر تنتشر في السوق على الصفين، وكانت العطور تنتشر في أرجاء الأحياء القديمة وتصل إلى قلب المسجد المنصوري الكبير. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد قاطوع أن المهنة عادت لتزدهر بفعل الأزمة وتسعير الطبابة بالدولار "الفريش"، و"لا يمانع بعض الأطباء في استخدام المرضى لبعض الأعشاب التي تعالج بعض العوارض الصحية والالتهابات"، مشيراً إلى تكيف المهنة مع الأزمات المتتالية "فخلال جائحة كورونا، أثبتت بعض النباتات فائدتها مثل زهرة اليانسون ومسحوق العقبر". ويتحدث كذلك عن "قدوم بعض المرضى اليائسين من العلاجات الطبية للبحث عن أدوية وخلطات لعلاج الحصى والرمل في الكلى والمسالك البولية على غرار الشعير وذنب الخيل وصرم الديك، وكذلك خلطات النفخة والغازات"، مضيفاً أنه "عندما لا تكون لدينا خلطة مفيدة، ننصح المريض بالذهاب مباشرة إلى الطبيب، فعلى سبيل المثال يأتي بعض مرضى السرطان طالبين العلاجات، لكننا نرفض الخوض في الأمراض المستعصية لأنه لا علاج لها في العطارة".

ويذهب عبدالسلام قاطوع في حديثه إلى أبعد من العلاجات الطبيعية، كاشفاً عن "وجود فئة من الناس تبحث عن بعض النباتات من أجل استخدامها في السحر، وهذا أمر مرفوض رفضاً قاطعاً".

الاحتياط واجب

ينظر اختصاصيو التغذية بريبة إلى منتجات العطارة بسبب الآثار الجانبية الناجمة عن الاستخدام غير المدروس لها، وتحذر متخصصة التغذية فدوى جبارة من "الخلطات لأنها تتصف بالعشوائية، فضلاً عن جهل العطارين بالمواد الفاعلة وغير الفاعلة، وأخطار خلط عناصر مختلفة مع بعضها بعضاً وتفاعلها كيماوياً".

تتحدث جبارة عن آثار جانبية خطرة من الممكن أن تصل إلى حد تليف الكبد والتسمم والفشل الكلوي وبعض أنواع السرطان، وتنتقد "عدم التزام العطارين بفترات الصلاحية والفاعلية التي تتأثر بعوامل الحرارة والرطوبة ونوعية الوعاء الحاوي لها، مستغربة وصف بعض الخلطات مع جهل العطار بالحال الصحية للمستهلك ووجود حساسية من بعض العناصر.

 

 

في المقابل، لا تجد مانعاً في بعض المشروبات المصنوعة من مواد وأعشاب بسيطة من دون إدخالها في تركيبات وخلطات، على غرار البابونج والشاي الأخضر لأنه "عند ظهور أية آثار جانبية يمكن اكتشاف السبب والامتناع عنه"، محذرة من أن "أخطر الأعشاب هي الملينة للمعدة على غرار السلامكي والعشرق، فهي تسبب جفاف الجسم وخسارة الفيتامينات والمعادن، ناهيك عن خسارة الأمعاء لحساسيتها وشعيراتها الدقيقة، ومن ثم ضعف قدرتها على امتصاص الطعام".    

وتشدد فدوى جبارة على حظر تركيب العطارين للخلطات، أو حتى مزجها مع العسل والزيوت وعناصر أخرى، معربة عن اعتقادها بأن "المتضرر هو المستهلك لأنه في لبنان لا حسيب ولا رقيب".

المزيد من تقارير