تسابق دمشق الزمن بمساعدة حليفها الروسي، لتهيئة البنية التحتية بإعلان إعادة إعمار البلاد بشكل فعلي ورسمي. هذا وإن حصل يفرض إعداداً ضخماً لمقومات ومستلزمات الإعمار المفقودة خلال سنواتٍ بفعل الحرب.
رفع وتيرة العمل
في المقابل، ذكرت مصادر لـ "اندبندنت عربية"، أن "الحكومة السورية عقدت العزم بتوفير مستلزمات ومواد البناء وأبرزها المواد الإسمنتية، ولهذه الغاية اتخذت قراراً برفع وتيرة العمل والطاقة الإنتاجية ليتجاوز خمسة ملايين طن من إنتاج معامل القطاع العام والخاص سنوياً".
وذكر المصدر أن "قراراً مماثلاً في هذا السياق يفرض إعادة تفعيل معامل الإسمنت، بدا أكثر جديةً ودخل حيز التطبيق على الرغم من التأخر كثيراً بهذا الشأن، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار الإسمنت الذي يمنع المواطنين من إعادة بناء منازلهم المهدمة بفعل النزاعات المسلحة داخل المدن".
بعيداً عن الفيول
ومن المرجح بحسب مصادر موثوقة، أن تتحول مواد مشغلة لمعامل الإسمنت من العمل على الفيول إلى الفحم الحجري أو الغاز، أمر يؤكد فقدان مادة الفيول وقلته بعد العقوبات الأميركية الأخيرة، والتي منعت إمداد سوريا بالمشتقات النفطية وغيرها من المواد المشغّلة.
وفي غضون ذلك أيضاً، اتخذ قرار حكومي عالي المستوى يقضي بعدم الإنفاق على المنشآت ومعامل الإسمنت المدمرة، والعمل على تأهيل المنشآت الداخلة في الخدمة فقط. ويعتقد المصدر أن "إعادة تأهيل المنشآت والمعامل خارج الخدمة تكلف الكثير وتحتاج إلى قطع أجنبية ومساعدة روسية".
وكان البرلماني السوري فارس الشهابي رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، كشف عن حاجة سوريا لأكثر من 15 مليون طن سنوياً من الإسمنت، في مرحلة الإعمار المقبلة، جاء ذلك في حديث له على هامش منتدى الأعمال السوري - الروسي في يوليو (تموز) 2019.
موازنة الإعمار
وفي سياق متصل، لم يتوقف الحديث في العاصمة السورية عن الإعمار منذ عام 2017 وبشكل واسع النطاق. ويرى مراقبون "ألا فائدة في الوقت الحالي من الإعمار في ظل بقاء الاشتباكات المسلحة واستمرارها، الأمر الذي تؤكده انخفاض أرقام الموازنات المالية الحكومية بما يخص إعادة الإعمار".
ويقول المهندس أسامة شحادة خبير في شركة للبناء والمقاولات لـ "اندبندنت عربية"، إن "موازنة الإعمار بمليارات الليرات السورية، والتي تصل كحصص للمدن السورية المهدمة بمئات الملايين من الليرات، ولا تكفي لتهيئة البنى التحتية من إعادة الشوارع ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها، وهذه المدن بحاجة إلى الكثير من الدعم المالي، وشركات كبرى في مجال التعهدات والبناء تحقق الغرض".
وأضاف "الإسمنت أكثر المواد التي تحتاجها شركات التعهدات والبناء أو حتى الأكثر طلباً من قبل الناس العاديين والذي ارتفع سعره، ويواصل الارتفاع مع زيادة تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى نقص حاد في اليد العاملة والتي رفعت معها أجور العاملين في هذا القطاع، فسوريا تحتاج إلى ملايين العاملين إذا بدأت مرحلة الإعمار فعلياً".
مشاكل اقتصادية
من جهتها، لم تجد بعد الحكومة الغارقة بالكثير من المشاكل الاقتصادية والمالية مع انهيار الليرة السورية ومشكلات الفساد، الحلول الناجحة لإعادة إعمار حقيقي.
وظلت تدفع في اتجاه إقامة معارض تسويقية لهذا الغرض، معلنة عن إقامة معرض لإعادة الإعمار على أرض معرض دمشق الدولي في سبتمبر (أيلول) 2019.
معرض إعادة الإعمار في دورته الخامسة، وعلى الرغم من أنه يضم كل مستلزمات الإعمار، إلا أنه وطوال الفترة الماضية لم يحقق أياً من نتائج أبهرت الشارع السوري.
البناء المهدّم
ويعقدُ المواطن النازح واللاجئ في وطنه العزم للعودة إلى بيته، ولكن ما يلبث أن يصدمه كابوس إعادة بناء واسع ومكلف لمسكنه المهدم، وغلاء فاحش أصاب مواد البناء والإكساء كافة، إذ يقدّر صاحب ورشة تعهدات أن تكلفة إعادة إكساء وبناء داخلي لشقة تقدر مساحتها بـ 100 متر بين خمسة إلى ستة ملايين ليرة سورية أي ما يعادل العشرة آلاف دولار أميركي.
بدورها، حددت لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية في الحكومة إجراءات عدة لتغطية حاجات السوق المحلية خلال فترة إعادة الإعمار وإنتاج القطاعين العام والخاص.
وظل الرقم 5.6 ميلون طن سنوياً فارضاً نفسه خلال سنوات على إنتاج مادة الإسمنت في سوريا، بحسب مصادر من المؤسسة العامة للإسمنت. في وقت يعد هذا الرقم أكثر بكثير من إنتاج القطاعين العام والخاص.
إعلان موسكو
مقابل ذلك، تقف موسكو أولاً إلى جانب الشركاء الدوليين الرئيسيين بالإضافة إلى إيران لإعادة البناء، مراهنة على الواقع الميداني في الشمال السوري خلال السنوات السابقة. وظلت على الدوام تدفع لإنهاء الملف السوري بغية إعلان مرحلة الإعمار مجدداً.
فإعلان انتهاء الحرب مؤشر بضمان تدفق رأس المال الأوروبي. ويرى مراقبون أن رؤوس أموال دول الاتحاد الأوروبي لا بد من إدخالها بشركات الإعمار، كون روسيا الاتحادية لا تملك القدرات المالية الكبيرة وتكلفة 400 مليار دولار أميركي، بحسب إحصائيات أممية.
المساهمة الروسية
رأس المال الأوروبي يعزف بعيداً عن الدخول بمغامرة كهذه، طالباً من الجانب الروسي في حال دخوله بهذه الشراكات وبشكل واسع، ضمان أمن البلاد واستقرارها، وثانياً تغيير في النظام السياسي.
ولا تتوقف المساهمة الروسية عن تقديم الدعم لإنعاش المعامل المتوقفة وبث الروح فيها للعمل، وأبرزها معمل حماة للإسمنت الذي يعد أكبر المعامل السورية وقد أنتج هذا الموسم 510 آلاف طن، فقد قدمت موسكو عبر مذكرة تفاهم عقودَ صيانةِ وتأمينِ قطع الغيار لزيادة الإنتاج.