Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعادة المهاجرين تهدد توسع الاقتصاد التونسي في أفريقيا

بلغت الصادرات إلى بلدان القارة السمراء جنوب الصحراء 590 مليون دولار في الربع الأول 2024

تسعى السلع التونسية إلى التمركز ومنافسة نظيراتها من المغرب ومصر والجزائر (أ ف ب)

ملخص

مخاوف من الاتجاه نحو مراجعة الاتفاقات المبرمة على خلفية الاحتقان السائد

أصبحت السوق الأفريقية خياراً استراتيجياً لتونس، فاتخذت إجراءات عدة لتنمية الشراكة الاقتصادية والتكامل مع دول القارة السمراء، تجسدت بانضمام تونس إلى أهم تكتلين اقتصاديين في القارة، وهما المنطقة القارية الأفريقية للتبادل الحر "زلكاف" والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا "كوميسا" التي زادت صادرات تونس إلى دولها من 2.1 مليار دينار (677 مليون دولار) في 2021 إلى 3 مليارات دينار (967 مليون دولار) عام 2023، محققة فائضاً 1.5 مليار دينار (483 مليون دولار)

في الأثناء، تحافظ تونس على أسواقها التقليدية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، إذ تسير نحو توسيع رقعة أسواقها نحو الجنوب.

وحققت عائدات الصادرات التونسية إلى أسواق أفريقيا جنوب الصحراء تصاعداً سريعاً وقياسياً، لكن تكاد التطورات الأخيرة الخاصة بملف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعرقل التوجه التونسي وتحول عزمها نحو التمركز في هذه السوق الواعدة التي تساوي 1.3 مليار مستهلك ومنافسة الصادرات المصرية والمغربية.

جاء ذلك بعد أن اتخذت الحكومة التونسية خطوات لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى البلاد، ومنها الإبحار خلسة إلى القارة الأوروبية، وهو ما تسبب في توتر اجتماعي تطور ليدفع إلى موقف سياسي متصاعد ليتخذ أخيراً قراراً بالترحيل القسري لآلاف المهاجرين.

وعلى رغم أن الخطوات التونسية لم تقابل بموقف رسمي من البلدان الأصلية للمهاجرين، فإن ردود الفعل من بعض المنظمات الدولية اتسمت بغضب وانتقاد واضح لرد الفعل التونسي، وهذا ما غذى تخوفات من تداعيات الملف على طموحات تونس الاقتصادية الاستثمارية وفي تمركز سلعها في القارة السمراء.

فرص واعدة

 من جهتها، قالت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب، خلال افتتاحها الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي "التونسي الكوري الأفريقي"، إنه "على رغم التطور الملحوظ لتجارة السلع والخدمات بين تونس والدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، فإن مستوى المبادلات لا يزال أقل بكثير من الفرص المتوفرة".

يأتي ذلك في وقت زار وفد يضم 42 مستثمراً تونسياً النيجر الأسبوع الماضي، واستقبله وزير الاقتصاد والمالية النيجري علي الأمين زين، وأعلن الوفد التزامه تكثيف الاستثمارات في النيجر، خصوصاً في قطاعات الصحة والزراعة والهيدروليكا والبناء المعدني والطاقة.

ويسعى الجانب التونسي إلى إنشاء منطقة صناعية تونسية في النيجر، مما يسهل من تنفيذ المشاريع التونسية هناك.

وبلغت الصادرات التونسية إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء 1.83 مليار دينار (590 مليون دولار) في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، وفقاً لبيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) وهو يساوي سقف القدرات التصديرية التونسية المحدد من قبل مركز النهوض بالصادرات (حكومي) عاماً كاملاً مما يجسد نجاحاً قياسياً (وهو 642 مليون دولار)، بينما بلغت قيمة الواردات 2.6 مليار دينار (838 مليون دولار).

وهيمنت صادرات الصناعات التونسية بنحو 44 في المئة من مجمل السلع، تليها الصناعات الميكانيكية والإلكترونية بنحو 33 في المئة، ثم الصادرات الزراعية والغذائية وتمثل 22 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستوردت السنغال 17.5 في المئة من هذه الصادرات والكوت ديفوار 13.2 في المئة منها والكاميرون 7.8 في المئة وغينيا 6.1 في المئة والغابون 5.5 في المئة وبوركينافاسو 4.6 في المئة وجنوب أفريقيا 4.2 في المئة وكينيا 3.5 في المئة والبينين 3.5 في المئة والكونغو 3.4 في المئة، حسب بيانات مركز النهوض بالصادرات (حكومي).

في غضون ذلك، تستعد تونس لإقامة "لقاءات الأعمال التونسية الأفريقية" في نسختها الثالثة في الثاني والثالث من يوليو (تموز) المقبل، بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي في إطار تنفيذ برنامج دعم الصادرات نحو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء من طريق ربط الشراكات المهنية، وتعزيز توجه المؤسسات التونسية المصدرة نحو الأسواق الأفريقية.

ستشهد أعمال المنتدى حضور ما يقارب 2000 لقاء أعمال، بمشاركة 300 شركة تونسية مصدرة، و150 مؤسسة أفريقية من ضمن أبرز الموردين والفاعلين الاقتصاديين، ممثلة عن 25 دولة أفريقية وهي مؤسسات تنشط في قطاعات الصناعات الغذائية والبناء والصناعات الميكانيكية والكهربائية والنسيج والملابس وقطاع الصناعات الصيدلية والأشغال العامة وخدمات الصحة وقطاع التعليم والتكوين وتكنولوجيات المعلومات.

الشبح المترصد

لكن يخيم شبح ملف الهجرة على هذا الزخم الاقتصادي الملحوظ والنجاحات المحققة ولاحظ عضو مكتب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) منير بن حسين، أنه في "ظل عدم تسجيل مواقف رسمية من قبل الدول التي تعود إليها جنسيات المهاجرين الخاضعين لقرارات الردع المتخذة، فإن التهديدات تظل قائمة".

وأضاف أن التهديدات "تهم الأسواق والاستثمارات التونسية على حد سواء، والتي شهدت نمواً ملحوظاً بعد توقيع تونس اتفاقي "كوميسا" و"زليكاف".

وأشار بن حسين إلى أنه "بالنظر إلى جنسيات المهاجرين التي تعود إلى بلدان أعضاء في هذه التجمعات الاقتصادية التي استفادت تونس من عضويتها فيها تخيم الأخطار، علاوة على عضوية تونس في الاتحاد الأفريقي والذي تظل إمكانية اتجاه منظمات مستقلة بشكاوى في هذا الصدد إلى هذا الكيان قائمة".

وتابع أنه بحكم وظيفة مؤسسات الاتحاد الأساسية وهي تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وتعزيز المواقف في شأن القضايا التي تهم شعوب القارة، حفاظاً على سلامهم وأمنهم. ويرى بن حسين أنه في حال عدم اتخاذ تونس الخطوات اللازمة للضغط على الاحتقان الاجتماعي السائد في تونس بسبب وجود المهاجرين من جنوب الصحراء وتنامي ممارسات العنف ضدهم وتوضيح الموقف الرسمي والنأي به عن الاتهامات العنصرية وتهمة التحريض والطرد تظل المخاوف قائمة، لافتاً إلى أنها "تحوم حول إمكانية حصول مراجعات للاتفاقات الاقتصادية بضغط من منظمة الاتحاد الأفريقية أو البلدان الأعضاء".

وخص بن حسين بالذكر التململ الذي سجل لدى عدد من المنظمات الدولية في السابق وعلى رأسها البنك الدولي الذي علق محادثاته مع تونس وأوقف إطار الشراكة لشهور عدة. امتدت من مارس (آذار) 2023 على خلفية اعتداءات على مهاجرين أفارقة قبل أن يستعيد نشاطه.

من جانبه، اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي أن المواقف الرسمية لجميع الأطراف لم تسجل تطوراً في هذا الاتجاه، على رغم بعض الملاحظات التي ساقها مستثمرون تونسيون، عبروا فيها عن تخوفهم من تغير نظرة الشركاء الأفارقة إلى الطرف التونسي على خلفية ملف الهجرة الشائك.

واستدرك "لكن في المقابل تتزامن التطورات بنسق تصاعدي للمبادلات التجارية وسعي تونسي إلى التمركز بهذه السوق ومنافسة بلدان الجوار وهي الجزائر ومصر والمغرب المتجهة بكل ثقلها إلى وسط وجنوب القارة".

وأشار الرحيلي إلى أن الموقف التونسي الرسمي لم يظهر تطرفاً أو عنصرية إلى الدرجة التي وصفت بها، بل يأتي في إطار مقاربة تنموية أكثر منها أمنية وسياسية، مستبعداً الاتجاه إلى مراجعات تخص الاتفاقات الاقتصادية بحكم أن أسواق "كوميسا" و"زليكاف" تخضع لمصالح مشتركة ومبادلات لسلع حيوية دفعت إليها علاقات ربحية تفاضلية.