Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جنود صغار" وقود لرغبات "الكبار" في السيطرة

تقول الأمم المتحدة إن توظيف من هم دون الـ15 من العمر في العمليات العسكرية أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني

تعرف "اليونيسيف" الأطفال الذين يتم تجنيدهم واستخدامهم في الحروب في جميع أنحاء العالم بأنهم "الجنود الأطفال" (اندبندنت عربية)

ملخص

تكثر الأسباب التي تدفع الأطفال للانخراط في الحروب منها الفرار من الفقر أو من أجل حماية مجتمعاتهم أو انطلاقاً من شعور برغبة الانتقام، لكن تبقى النتيجة واحدة: انتهاك خطر لحقوق الطفل وآثار جسدية ونفسية هائلة، هذا إن نجوا من الموت.

تكثر الحروب العربية وكأنها لعنة ترفض أن تترك دول المنطقة وأبناءها، وتحديداً في العقود الماضية، التي شهدت أحداثاً وحروباً ومعارك دامية، بعضها انتهى، فيما البعض الآخر لا يزال مستمراً، من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن والسودان وليبيا، وغيرها.

فاتورة الحروب عادة ما تشمل الجانب البشري من ضحايا ومصابين، وأيضاً الفاتورة المالية للأضرار الكبيرة، والتي قد تصل إلى مليارات الدولار في أشهر أو سنوات، لكن الجانب الذي قد لا يتحدث عنه كثر أو يتم تسليط الضوء عليه هو أثر هذه الحروب على من يبقى حياً وتحديداً الأطفال، وهو أثر قد يصل أحياناً إلى حد انخراطهم بصورة مباشرة في الميدان العسكري حيث يتم تجنيدهم.

تقول الأمم المتحدة إن تجنيد واستخدام من هم دون الـ15 من العمر للعمل بوصفهم جنوداً أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وفضلاً عن ذلك يعلن قانون حقوق الإنسان سن 18 بوصفه الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد وللدخول في الأعمال الحربية.

وتعرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" الأطفال الذين يتم تجنيدهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم بأنهم "الجنود الأطفال"، وتكشف في تقرير لها أنه تم تجنيد أكثر من 93 ألف طفل في العالم بين عامي 2005 و2020.

فيما تكثر الأسباب التي تدفعهم للانخراط في الحروب منها الفرار من الفقر أو من أجل حماية مجتمعاتهم أو انطلاقاً من شعور برغبة الانتقام، لكن تبقى النتيجة واحدة: انتهاك خطر لحقوق الطفل وآثار جسدية ونفسية هائلة، هذا إن نجوا من الموت.

الكفوف الصغيرة تنغمس في أهوال الحرب السودانية

على رغم الجهود المحلية والدولية لمكافحة استخدام الجنود الأطفال في الحرب السودانية، إلا أن الممارسة مستمرة منذ بداية الحرب بين قوات الجيش وقوات "الدعم السريع"، ومع إنكار طرفي النزاع مسؤولياتهم ودعوة كل طرف المنظمات الإقليمية والدولية الناشطة في حماية الأطفال، إلى إدانة الطرف الآخر، لكن الانتشار الحالي للأطفال في القتال يؤكد استخدامهم في الحرب.

ودعت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة في مارس (آذار) الماضي طرفي النزاع إلى التوقف عن تجنيد الأطفال، وطالبت "بإجراء تحقيقات سريعة وشاملة في كل مزاعم الانتهاكات والتجاوزات"، وذكرت أنه إضافة إلى الجيش و"الدعم السريع"، فإن الحركات المسلحة أيضاً متهمة بتجنيد الأطفال.

نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للسودان طوبي هارود كان أكد أنهم تلقوا تقارير عن تجنيد واسع النطاق لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 11 و17 سنة في صفوف الأطراف المتحاربة والجماعات المسلحة في الفاشر.

تورط في الانتهاكات

بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فإن أطرافاً سودانية عدة متورطة في انتهاكات ضد الأطفال، بما في ذلك عمليات التجنيد القسري والطوعي، وكشفت عن تلقيها تقارير حول تجنيدهم واستخدامهم في الحرب، ومن ضمنها ما كشفته صحف عن تجنيد نحو 8 آلاف طفل في الحرب الحالية.

من جانبه، قال الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان عبدالقادر عبدالله إن "نحو 200 طفل كانوا يقاتلون ضمن قوات ’الدعم السريع‘ في معارك منطقة بليلة في ولاية غرب كردفان، وأن أكثر من 4 آلاف طفل قاتلوا مع هذه القوات في معارك الخرطوم ودارفور"، وأفاد بتقديم السودان شكوى بذلك إلى الأمم المتحدة.

دور حاسم

تشرح عالمة الأنثروبولوجيا كارول بيرغر في كتابها "الجنود الأطفال في الجيش الأحمر الأفريقي"، تفاصيل صعود جناح الأطفال في الجيش الشعبي التابع لـ"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق دي مابيور الذي قام بدور حاسم في التمرد الذي استمر لخمسة عقود.

بعد توقيع "اتفاقية السلام الشامل" (نيفاشا) في 2005، وقبيل إجراء الاستفتاء لانفصال جنوب السودان، شكل جيش جنوب السودان لجنة خاصة لإنهاء تجنيد الأطفال بحلول نهاية 2010، وأوضحت بيرغر أنه "كان قد تم تسريح أكثر من 22 ألف طفل خدموا كمقاتلين في الجيش الشعبي خلال عقد وعادوا للحياة المدنية، لكن مئات منهم عادوا مرة أخرى للحياة العسكرية لأن ليس لديهم أقارب يساعدونهم أو لأنهم نشأوا في ثكنات عسكرية".

وبعد انفصال جنوب السودان عام 2011، أبدت مجموعة من المنظمات السودانية العاملة في حقوق ورعاية الطفل قلقها من ازدياد حالات التبليغ عن اختطاف وتجنيد للأطفال بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتين تشهدان تمرداً ضد الحكومة بقيادة "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال".

 في الاتجاه الآخر، أفرزت حرب جنوب السودان توجه النظام في عهد الرئيس السابق عمر البشير إلى تجنيد قوات "الدفاع الشعبي" وهي من شباب الإسلاميين من الجنسين، واتهم النظام بإجبار أطفال المدارس على الدخول في تدريب عسكري في تسعينيات القرن الماضي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سلسلة إجراءات

لم تكن الحرب في جنوب السودان الوحيدة التي تحمل ملامح تجنيد الأطفال، فهناك الحرب في دارفور أيضاً المستمرة منذ 2003، وتواصل تجنيد الأطفال فيها من قبل الحركات المسلحة، وظهر الأطفال في وسائل الإعلام عندما نفذوا الهجوم على الخرطوم (غزوة أم درمان) في 2008 ضمن قوات حركة "العدل والمساواة".

وضغطت الأمم المتحدة على حكومة البشير حتى وقع معها عام 2016 "خطة العمل القُطرية للأمم المتحدة للرصد وتقديم التقارير" وتشمل سلسلة من الإجراءات التي تعزز الحماية الشاملة للأطفال المتأثرين بالنزاعات بما في ذلك وقف ومكافحة تجنيدهم.

وشملت المعالم الرئيسة في التنفيذ إطلاق الحكومة لنحو 21 طفلاً كانوا مرتبطين بالجماعات المسلحة وحصولهم على العفو الرئاسي، وإضافة إلى ذلك سنت الحكومة قوانين وسياسات لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم في قواتها، وسهلت للأمم المتحدة إمكان الرصد والتحقق.

وعام 2016، وقعت "الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال" أيضاً على خطة عمل لوقف تجنيد واستخدام الأطفال، كما أبدت حركة "العدل والمساواة" و"جيش تحرير السودان - جناح مني أركو مناوي" التزام التعاون مع الأمم المتحدة لمعالجة أي قضايا خاصة بتجنيد واستخدام الأطفال بين منسوبيهم.

وسيلة البقاء

مسؤولة برامج الرصد والتوثيق في المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام شارون إيشا أوجيما قالت بدورها "على رغم أن السودان شهد عقوداً طويلة من الانتهاكات ضد الأطفال المرتبطة بالنزاع، لكن الوضع اتجه نحو مزيد من التدهور مع اندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة وقوات ’الدعم السريع‘ شبه العسكرية، وتورط كلا الطرفين المتحاربين في ارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم".

وأوضحت أنه "بغض النظر عن كيفية تجنيد الأطفال وأدوارهم، فإن الجنود الأطفال هم ضحايا، وعادة ما يتعرض الأطفال للإساءة وتقع أمام أعينهم أحداث الموت والقتل والعنف الجنسي، وقد يُجبر كثر منهم على ارتكاب أعمال عنف ضد أطفال ومدنيين آخرين، ومن ثم يقعون فريسة لمعاناة نفسية طويلة الأمد".

وأضافت أوجيما أن "عدد الأطفال الذين يُجندون في الصراع أمر مثير للقلق، وتبقى المناطق المهمشة في إقليمي دارفور وكردفان هي الأكثر تأثراً بالظاهرة".

وترى أن "هناك كثيراً من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات الإنسانية التي يمكن بموجبها محاسبة السودان على هذه الجريمة، إذ تحظر البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف التي يعدّ السودان جزءاً منها، تجنيد الأطفال دون سن الـ15 أو استخدامهم في الأعمال العدائية".

ضحايا الحملات

ويرى حقوقيون وناشطون أن معظم الأطفال المجندين وقعوا ضحية لحملات أطلقتها مجموعات داعمة للحرب من الطرفين، وتقول المحامية وصال عبدالله إن "الأطفال المجندين هم ضحية للطرفين، فقد أطلق ناشطون وزعماء الإدارات الأهلية مبادرة المقاومة الشعبية للقتال إلى جانب الجيش"، موضحة أنه "إضافة إلى المجندين من الأطفال الذين يقاتلون مع قوات ’الدعم السريع‘ منذ بداية الحرب، دعت قياداتها القبائل المتحالفة معها في غرب السودان إلى أن تمدها بمقاتلين على أساس قبلي إثني، بينهم عشرات الأطفال".

وشرحت أن "المادة 136 من القانون الدولي الإنساني وعدداً من المواد والقواعد الواردة في المعاهدات والبروتوكولات الدولية المشابهة، تحظر تجنيد واستخدام الأطفال في القتال وتعدّه جريمة حرب تستدعي المحاسبة كما صنفها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

أهداف سهلة

يعاني أطفال السودان الآثار المدمرة للحرب ومن ضمنها توقف الدراسة على مدى عام من القتال، دُمرت خلالها آلاف المدارس في المدن التي طاولتها الحرب، واتُخذت في المدن الآمنة التي تعثرت فيها العملية التعليمية مراكز للإيواء.

وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالاتجار بالبشر سيوبهان مولالي إن "الوضع الإنساني المتدهور وعدم إمكان الحصول على الغذاء والخدمات الأساسية الأخرى يجعلان الأطفال، بخاصة غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم في الشوارع، أهدافاً سهلة للتجنيد".

بدورها، رأت الاختصاصية النفسية في مستشفى التيجاني الماحي نجلاء سيد أحمد أن "جيلاً من الأطفال المجندين سيعانون بسبب تعرضهم لصدمات نفسية عميقة، مما تترتب عليه عواقب اجتماعية مستمرة"، وأضافت أن "التعرض للصدمات في سن مبكرة يزيد من فرص إصابة الشخص بضعف الصحة العقلية والنفسية وقد تكون طويلة الأمد، وربما شديدة، إذ تنطوي على تعرضهم لاضطراب ما بعد الصدمة". 

اليمن على رأس قائمة الدول في تجنيد الصغار

لعل الملاحظ في الصراع اليمني ذلك التحشيد المعنوي الذي يستهدف الصغار على نحو خاص، كتجهيز تعبوي يسبق عملية الزج بهم في أتون صراع لا يعرفون عنه إلا ما يدفعهم بلا وعي إلى القفز لمحارق الموت.

وفيما يذهب أقرانهم في العالم إلى المدارس يغادر صغار اليمن إلى المتارس، ولهذا تقع البلد على رأس قائمة الدول في تجنيد الصغار، بعد أن ضاعفت الحرب عوامل اتساع رقعة الظاهرة وحازت النصيب الأوفر مقارنة بنظيراتها، في ظل استمرار الصراع للعام العاشر على التوالي.

وشكلت جماعة الحوثي أكثر من 77 في المئة من حالات تجنيد واستخدام الأطفال الموثقة في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن الأطفال ومناطق النزاع، الذين وضعهم التقرير على لائحة الكيانات المتهمة بالضلوع بالانتهاكات خلال الفترة المشمولة بالتقرير الصادر في 2021 وقدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن، معبراً معه عن "القلق البالغ" جراء "الزيادة المستمرة في عدد الانتهاكات الجسيمة".

في حين بلغت الحالات الموثقة للتجنيد في القوات الحكومية ما نسبته 16 في المئة، وخمسة في المئة من قبل قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي.

ويؤكد رئيس منظمة ميون لحقوق الإنسان، عبده الحذيفي، أن جماعة الحوثي تعتبر الأطفال ركيزة أساسية في تزويد جبهاتها بالمقاتلين، ويشير إلى أن المنظمة رصدت منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية 2023 مقتل 7020 طفلاً مجنداً.

ويقول إن تجنيد الأطفال يتنامى مع كل صراع أو استحداث بؤر صراع، ويخبو في وضع الاستقرار الأمني والاقتصادي.

استقطاب أعداد كبيرة من الأطفال

عن الوسائل التي تعتمد للحصول على هذا الكم الكبير من الصغار، أوضح رئيس المنظمة الحقوقية أن الجماعات المسلحة لها أساليب وطرق وأدوات تمكنها من استقطاب الأطفال إلى معسكرات التجنيد كإغرائهم بقطع السلاح والمال إلى ابتزاز عائلاتهم بالمعونات الغذائية وترهيب الوجاهات الاجتماعية لإجبار كل شيخ قبيلة على دفع عدد من الأطفال إلى القتال.

ويضيف الحذيفي أنه من بين الوسائل استغلال المدارس الحكومية وتغيير المناهج الدراسية وإقامة الدورات وتوجيه الرأي العام عبر ضخ إعلامي واستغلال الموروث الشعبي غير المادي مثل الزوامل (أهازيج وأغان شعبية وتراثية) ذات الشعر الشعبي الحماسي، كل هذا وغيره تستخدمه وفق استراتيجية فكرية وإعلامية واستخباراتية واقتصادية مجتمعية طويلة الأمد لتجنيد الأطفال.

كما يتطرق إلى واحدة من الوسائل التي قال إنها تكررت كثيراً وهي حث الآباء على إلحاق أبنائهم بما يسمى "المراكز الصيفية" التي تنتشر بصورة كبيرة بعد انتهاء المدرسة.

ويتابع الحذيفي "في الظاهر أن هذه المراكز لتعليم العلوم الدينية والأنشطة الرياضية التي تشد إعجاب واهتمام الفتيان، ولكن كثيراً من الأسر تكتشف التغير في سلوك ومفاهيم وقناعات الابن وصولاً إلى طلبهم الملح بالالتحاق بجبهات القتال".

الفتيان... تطويع مبكر

وتحبذ الجماعات المسلحة فئة الأطفال ذات المرحلة العمرية بين 13 و16 سنة، وفقاً لرئيس منظمة "ميون"، إدراكاً منها لسهولة تشكيل عقولهم وتطويعهم وتنفيذهم الأوامر والتوجيهات بحماس واندفاع تام، كما تستغل العاطفة الدينية لدى الأطفال وأهاليهم لتجنيدهم.

يستدل بما جرى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في قطاع غزة "بادعاء منحهم فرصة لمناصرة أبناء فلسطين وتحرير القدس من الإسرائيليين، ولهذا تمكنت الجماعة الحوثية من تجنيد عشرات آلاف الأطفال كجنود في صفوفها عقب تخريجهم في ما تسميها (دورات مفتوحة)".

وأشار الحذيفي إلى أن عدداً من المنظمات الحقوقية أصدرت بيانات تحذيرية حينها واعتبرنا ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوق الأطفال في اليمن ومرحلة جديدة وخطرة من الانتهاكات التي تقوض جميع الجهود الدولية على مدى السنوات الماضية الهادفة لوقف تجنيد الأطفال.

مراكز صيفية للتجنيد 

وفي الـ18 من أبريل (نيسان) الجاري حذرت الحكومة اليمنية من "أخطار إقدام ميليشيات الحوثي" على فتح معسكرات في مناطق خاضعة لسيطرتها لاستدراج وتجنيد الأطفال بالقوة تحت غطاء "المراكز الصيفية".

وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن ومنظمات حقوق الإنسان وحماية الطفولة للقيام بمسؤولياتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية، والتحرك لوقف التجنيد الجماعي للأطفال والشروع الفوري في تصنيف الميليشيات الحوثية منظمة إرهابية، وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية.

وفي وقت سابق أطلقت منظمة "سام" للحقوق والحريات والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، تحذيراً كشفا خلاله عن تجنيد ميليشيات الحوثي نحو 10300 طفل، على نحو إجباري في البلاد منذ 2014، محذرين من عواقب خطرة في حال استمرار الفشل الأممي بالتصدي لهذه الظاهرة.

وكشف التقرير عن أن عمليات التجنيد أسفرت عن مقتل وإصابة المئات من الأطفال المجندين، ووثق التقرير أسماء 111 طفلاً قتلوا أثناء المعارك بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2020 فقط.

مجندات أيضاً

ولم يتوقف الحال عند الأطفال الذكور، بل تعداه إلى الإناث كتعبير عن مستوى الصراع الذي بلغ مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

إذ أكد تقرير منظمة "سام" أن عمليات التجنيد لم تتوقف "عند الأطفال الذكور، ولكن الحوثيين جندوا 34 فتاة تراوح أعمارهن بين 13 و17 سنة، وذلك خلال الفترة من يونيو (حزيران) 2015 إلى الشهر نفسه في 2020، لاستخدامهن كمخبرات، ومجندات، وحارسات ومسعفات. 

أطفال العراق وقود "داعش" وميليشيات مسلحة

في العراق، ألقت الحروب وجولات الاقتتال الداخلي بآثارها النفسية على الأطفال وجعلتهم يعيشون في مناخ من الخطر والخوف، فانعدام الأمن هو التهديد الرئيس لحياتهم إلى جانب ما قد يتعرضون له من القتل أو الاعتقال والسجن.

وثقت منظمات معنية بحقوق الإنسان احتجاز السلطات العراقية في عام 2021 أكثر من ألف طفل بتهم تتعلق بالأمن القومي، كالاشتباه في صلاتهم بتنظيم "داعش".

وغالباً ما ينفصل الأطفال في ظروف الحرب عن ذويهم بسبب التهجير أو النزوح أو موت أفراد عائلاتهم فيكونون عرضة لاستغلال الجماعات المتطرفة التي تجندهم في أعمال قتالية فيتعرضون للموت أو الإصابات الخطرة التي تسبب لهم عاهات دائمة، وبسب صغر أعمارهم وقدراتهم النفسية المحدودة يسهل استخدامهم في جرائم جنائية.

فكرة البطولة

يربط المتخصص النفسي هاشم العطاس تجنيد الأطفال بفكرة تحقيق البطولة، إذ يرى أن هناك كثيراً ممن هم في سن المراهقة يحلمون بأن يكونوا أبطالاً، وكونهم جنوداً يحقق هذا المعنى بالنسبة لهم، ناهيك عن دخول الأصدقاء في سلك التجنيد، بالتالي يتشجع المراهق برفاقه، إضافة إلى كل ما سبق هناك مشاعر من الانطلاق والتحرر من الاعتماد على الوالدين إلى الاستقلالية، وكيف إن كان هناك دخل مالي وإن كان قليلاً.

ويقول العطاس إن الأطفال أشد تأثراً بالصدمات النفسية من الكبار، وخصوصاً القتل، إذ "يتعرض الجنود منهم لموت أصدقائهم من الجنود، كما يتعرضون للقصف ومواجهة الموت، مما يجعلهم معرضين للاضطرابات النفسية".

ويضيف العطاس أن "المشكلة لا تقف عند الصدمات النفسية القوية، وإنما تكون هذه السن هي سن لتشكيل شخصية الفرد، فالحرب تعود الشخص على القتل والدماء، فإذا شخصيته بنيت على ذلك فقد يؤدي إلى خلق شخصية عنيفة".

أساليب متعددة والنتيجة واحدة

مخاوف عديدة أثارها ملف تجنيد الأطفال في العراق من قبل الميليشيات وكذلك تنظيم "داعش"، فضلاً عن حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في شمال البلاد.

وتعتمد الجماعات المسلحة على عوامل لجذب الأطفال تستند في الغالب على أيديولوجية أصولية مثلما فعل "داعش" بتجنيد "أشبال الخلافة" كما وصفهم، أو عقائدية ترتبط بحسب اعتقادهم بحماية المذهب، كما فعلت ميليشيات عدة جندت الأطفال بحجة حماية المراقد الدينية داخل البلاد وخارجها وتحديداً في سوريا.

الطرفان "داعش والميليشيات" يقدمان محاضرات ودروساً دينية للأطفال لإقناعهم بالقتال، وهو ما تسبب بتجنيد المئات منهم، وقتل المئات خلال معارك مسلحة شهدها العراق خلال السنوات الماضية، وغالباً ما تستغل هذه الجماعات عوامل التهميش والحرمان والظلم الذي تعانيه أسر الأطفال لجذبهم في أعمال قتالية.

وحتى مع توقف طبول الحرب ستبقى آثار التجنيد تلازم الأطفال نفسياً، فغالباً ما يعاني الأطفال المجندون من انفصال عن البيئة العائلية وصدمات نفسية ناتجة عما عايشوه خلال تجربتهم، فضلاً عن نبذ المجتمع لهم.

وهناك تجارب لبعض العشائر العراقية في المناطق التي عاشت تجربة "داعش" طبقت ما يعرف "الجلوة العشائرية" على كل عائلة تأوي طفلاً لأب متورط في الانتماء للتنظيم أو طفلاً شارك في القتال معه حتى وإن كان مجبراً وتم تجنيده بفعل التهديد، مما يجعل الأطفال يعيشون في حالة عزلة اجتماعية.

التقارير الأممية

حذرت التقارير الأممية منذ دخول "داعش" للعراق من ظاهرة تجنيد الأطفال، فقد أضيف العراق في سبتمبر (أيلول) 2017 لقائمة الدول التي تستخدم الأطفال في التجنيد، ووثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تجنيد الحشد الشعبي أطفالاً دون (11 سنة) لقتال التنظيم.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أصدر في فبراير (شباط) 2020 تقريراً حول الأطفال في النزاع المسلح داخل العراق، تضمن معلومات عن انتهاكات جسيمة ارتكبت بحقهم بين عامي 2015 و2019، ورصد التقرير عدداً من الأطراف المشاركة في النزاع المسلح طوال هذه الفترة وبينهم "داعش" والحشد الشعبي والبيشمركة الكردية.

الأطفال: فئة هشة للتجنيد

يشير مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب عمر الفرحان إلى أن الأطفال هم أكثر الفئات التي يسهل تجنيدها واستخدامها في أوقات النزاعات وبمختلف الأشكال.

وأكد الفرحان أن المركز وثق كثيراً من حالات تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات المسلحة، التي تقوم بتدريبهم على حمل السلاح واستخدامه، كما أنها تستغل منشآت مدنية وحكومية مثل المدارس والملاعب الرياضية لتجنيدهم.

ويوضح أن عملية التجنيد تتم من خلال الترغيب من خلال إعطائهم مبالغ مالية أو الضرب على الوتر الديني وحثهم على مسؤوليتهم الدينية، فضلاً عن أساليب الترهيب التي تمارس بحق العائلات لإجبار الأطفال على الانخراط عسكرياً.

ظهور أجيال متطرفة

يرى الكاتب والصحافي زياد السنجري أن الجماعات المسلحة غالباً ما تستغل الفتيان العاطلين من العمل الذين يعانون ظروفاً اقتصادية قاهرة لتجنيدهم وإغرائهم بمنحهم مكافآت أو حوافز أو رواتب تصرف من الدولة، وغالباً ما يستغل هؤلاء في حروب إقليمية ويكونون جزءاً من مشاريع في المنطقة.

ويقول السنجري إن غياب المعالجات الاجتماعية من قبل الحكومة سيؤدي إلى ظهور أجيال متطرفة، فضلاً عن عسكرة المجتمع ووجود السلاح المنفلت، مضيفاً أن الحل هو بوجود مراكز فكرية تبعد الأطفال عن المظاهر المسلحة والاستفادة من طاقاتهم لكي لا تهدر بفعل حمل السلاح.

الأطفال في حرب سوريا: التجنيد لا يزال مستمراً

بلغت سياسة تجنيد الأطفال في سوريا ذروتها خلال عقد من الزمن حيث اشتد الصراع منذ 2013 مع اندلاع المواجهات المسلحة واحتدام نزاع أهلي واسع النطاق أحال البلاد إلى كومة من ركام وانخفاض عدد المقاتلين بسبب الحرب الطويلة ولسبب هجرة واسعة للشبان، ما أسفر عن استغلال الأطفال من قبل المجموعات المنخرطة بالنزاع من دون ضوابط وقواعد تراعي عمر المقاتل، ناهيك عن إنشاء معسكرات تدريبية خاصة.

يكشف تقرير للأمم المتحدة عن قتل وتشويه الأطفال وتجنيدهم واستخدامهم في سوريا، ويرصد أكثر الانتهاكات الجسيمة التي جرى التحقق منها حيث ناهز عدد الأطفال الذين شوهوا وقتلوا 2700 طفل بين 2018 إلى 2020 بسبب القصف ومخلفات الحرب والمتفجرات، وتجنيد أكثر من 1400 طفل من قبل 25 طرفاً على الأقل من أطراف النزاع.

ويشير التقرير إلى خطورة تجنيد الأطفال من قبل فصائل المعارضة المسلحة، وما يثير القلق أكثر أنه بعد تجنيد الأطفال وتدربهم في سوريا كانت تعمل جهات على تهريبهم إلى ليبيا للمشاركة في الحرب هناك.

تجنيد الأطفال في السنوات الأخيرة

وتكشف الأمم المتحدة توثيق 813 طفلاً في عام 2020 وارتفاع العدد إلى 1296 في 2021، أما في 2022 سجل 1696 طفلاً، فيما نصف الحالات أي 637 حالة في 2022 تعود إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرقي سوريا، بحسب الأمم المتحدة.

من جهة أخرى، رصد التقرير الأممي 611 حالة تجنيد من قبل ما يسمى الجيش الوطني السوري المعارض، كما وثقت 383 حالة في شمال غربي سوريا لدى هيئة تحرير الشام (النصرة) سابقاً، و25 حالة تجنيد أطفال من قبل فصائل الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري.

بين الترهيب والترغيب

في غضون ذلك، تختلف طرق التجنيد بالترهيب وتارة بالترغيب إذ ترتفع معدلات احتجاز الأطفال، وإجبارهم على حمل السلاح واتباعهم معسكرات قتالية وتدريبية مع ارتفاع حدة الصراع، وانخراط الأطراف بالمعارك.

ويطالب المتخصص الأكاديمي في الإرشاد النفسي، جوان عيسى في حديث لـ "اندبندنت عربية" بضرورة فرض فك احتجاز الأطفال المنخرطين بمعسكرات القتال واخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل، حيث يعاني هؤلاء الأطفال بعد تجنيدهم من انتهاكات إنسانية.

ويرى عيسى أنه على رغم أن التجنيد القسري شائع في كثير من مناطق النفوذ والسيطرة بمختلف أشكالها لكن أساليب الترغيب التي تستخدم لها دور، فالقوة وامتلاك السلاح واللباس العسكري و(الهيبة) التي تصل إلى الطفل تحفزه للتطوع أو الانخراط بالفصيل المسلح.

وأضاف متخصص الإرشاد النفسي "هذا ما يؤثر نفسياً بتمسكه بالعقيدة القتالية التي نشأ عليها، حيث تعكف الجهات المسلحة التي تنظم تجنيد الأطفال على توفير معلومات وعقيدة قتالية ليكون لدى الأطفال فرصة لاستيعابها وتنفيذها أكثر من الكبار حتى وإن كانت على خطأ، ومثال ذلك ما أحدثه تنظيم (داعش) لما يسمى (أشبال الخلافة) حيث سعى التنظيم وقتها لغرس أساليب الترهيب والقتل بأساليب جزّ الرؤوس، والعديد من الأعمال العدائية".

عوامل فكرية وأيديولوجية

ويعتقد الباحث أن الواقع الاقتصادي له أسباب في تجنيد الأطفال حيث اتبع الكثير من القاصرين بالعمل مع فصائل مسلحة كمقاتلين بغية الحصول على رواتب مالية لمساعدة عائلاتهم بعد فقدان العمل في مناطقهم، ولعل الأمر في بعض الحالات وهي قليلة بأن دفع الأهالي الأكثر عوزاً بأطفالهم للعمل ضمن مجموعات مسلحة بغية الحصول على رواتب ثابتة تعينهم على أحوال حياتهم التعيسة، علاوة عن دوافع لتجنيد الأطفال التي تدفع الآباء بالموافقة على ذلك ومنها عوامل فكرية وأيديولوجية أو المواقف حيال الصراع والانحياز إلى جانب الفريق الذي يقاتل حتى ولو كان على حساب الأطفال.

وعلى رغم انخفاض حدة التوتر في العديد من مناطق النفوذ وهدوء خطوط التماس في العامين الأخيرين فإن تجنيد الأطفال في بعض المناطق السورية ما زال مستمراً، على رغم كل التحذيرات الأممية ومطالبة المنظمات الدولية بوقف تجنيد الأطفال والانتهاء من سلسلة الانتهاكات التي تتوقف بحقهم.

الأطفال المجندون... الوصمة الأسوأ في جبين الميليشيات الليبية

مع تراجع حدة النزاعات المسلحة في ليبيا، العام الحالي والذي سبقه، ابتعدت عن الأضواء قليلاً قضية تجنيد الأطفال في الحروب التي كشفتها ونددت بها تقارير حقوقية دولية ومحلية كثيرة على مدى العقد الماضي المأسوي، إذ عرفت البلاد حروباً دامية لم يسلم أحد من أضرارها، وكان الأطفال على رأس قائمة الضحايا فيه، وجرت أقدام كثير منهم إلى قلب أتونها المستعرة.

ضحايا في عمر الزهور

وكانت قضية تجنيد الأطفال حاضرة بقوة في كل فصول الصدامات المسلحة التي عرفتها ليبيا، آخرها في المعارك الكبيرة التي دارت، الصيف الماضي، بعاصمتها طرابلس، حين أثار مقتل طفل قاصر فيها غضباً شعبياً كبيراً، والعجب أنه كان تابعاً لوزارة العدل الحكومية، وليس لكتيبة غير نظامية، مما أدخل المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية في قفص الاتهام مع قائمة المتهمين بالمشاركة في هذه الجريمة المدانة بكل القوانين المحلية والدولية.

وفتح مقتل هذا الطفل المجند من جديد ملف جريمة تجنيد الأطفال أثناء النزاعات المسلحة والحروب في ليبيا، خصوصاً أنه تم تداول صور أخرى لطفل بزي عسكري على متن سيارة مسلحة، خلال تلك الاشتباكات المسلحة التي شهدتها مدينة طرابلس.

رصد دول وغياب أرقام رسمية

وكانت الأمم المتحدة قد سلطت الضوء مراراً وتكراراً على تزايد معدلات تجنيد الأطفال في ليبيا، في السنوات الماضية، ضمن جماعات مسلحة واستخدامهم في القتال، وذكر تقرير بعثة تقصي الحقائق، العام الماضي، أن "ليبيا انتهكت باستمرار التزاماتها بموجب الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، واتفاقية حقوق الطفل في شأن اشتراك وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في ليبيا لا يقتصر إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة على المواطنين الليبيين فقط، بل تطاول هذه الجريمة الأطفال المهاجرين واللاجئين في ليبيا أيضاً".

وما يعقد عملية ملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أن جهود التحقيق في قضية تجنيد الأطفال ومحاكمة المسؤولين عنها تواجه صعوبات كبيرة، بسبب نقص المعلومات الموثقة نتيجة القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية وموظفي الرصد في ليبيا، بحسب تقرير سابق لمنظمة السلام العالمي، مما يفسر غياب أرقام رسمية وموثوقة عن عدد الأطفال الذين جندوا في حروب الفصائل الليبية المسلحة خلال السنوات الماضية، ونسبتهم من بين الضحايا الذين سقطوا فيها.

تجنيد بالمنظمات الإجرامية

أطفال ليبيا لم تتسبب الظروف الأمنية والاقتصادية في جعلهم فريسة سهلة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة في البلاد فقط، بل كشفت جريمة أعلنت السلطات الأمنية في مدينة بنغازي عن فك ملابساتها، الخميس الماضي الـ 18 من أبريل (نيسان)، أنهم باتوا يستغلون أيضاً للتجنيد من قبل عصابات الجريمة المنظمة إما بالترغيب أو الترهيب. وحدث هذا الأمر حين ضبطت الأجهزة الأمنية في المدينة عصابة قامت بتجنيد أطفال واستخدامهم في تنفيذ عمليات السرقة.

وأوضح مكتب الإعلام الأمني بوزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب أن "قسم التحريات بالإدارة العامة للعمليات الأمنية قام بتتبع عمليات السرقة التي وقعت في المدينة، وتمكن من تحديد هوية المتورطين في هذه الجرائم من خلال مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة التي أظهرت أطفالاً يسرقون سيارات"، فيما بدأت "عملية القبض على العصابة بعد تمكن أفراد التحريات من القبض على طفلين شقيقين سرقا سيارة بوسط المدينة، واعترفا خلال التحقيقات بعضويتهما في عصابة تقوم بتجنيد الأطفال في عمليات السرقة بعد توريطهم في تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية وتصويرهم في مقاطع فيديو مسيئة وابتزازهم بها".

خطورة تجنيد الأطفال على مستقبلهم

المتخصص النفسي هيثم العبيدي حدد خطورة تجنيد الأطفال على مستقبلهم ومستقبل البلاد بقوله "مشاركة الأطفال في الحروب في مرحلة من أهم وأصعب مراحل التكوين النفسي وبناء الشخصية، التي تتم عادة في فترة المراهقة، ستخلق جيلاً مشوهاً بعقول ملوثة بمشاهد القتل والأشلاء والدماء، وبحساب تأثير الحروب في الأطفال في ليبيا من هذه الناحية، نجدهم يتحملون الجزء الأكبر من المأساة، على رغم أنه لا علاقة لهم على الإطلاق بهذا الصراع، وأنا أخشى على السلامة النفسية لجيل كامل لم يعرف شيئاً سوى الحرب"، وأضاف "إذا كانت التقارير الحقوقية الدولية تؤكد أن أكثر الانتهاكات التي يواجهها الأطفال في الحروب بعد تجنيدهم هي القتل والتشويه والإصابة والعنف البدني والنفسي، فلنا أن نتخيل طفلاً عانى هذه الويلات المرعبة كيف سيكون مستقبله وصحته النفسية والعقلية".

استغلال الأطفال في النزاعات اللبنانية: أداة للتعبئة والتجنيد

تبرز قضية استغلال الأطفال في الأزمات والحروب اللبنانية بشكل ملحوظ، إذ تلعب المجموعات والأحزاب المسلحة دوراً بارزاً، حيث تستغل الظروف الصعبة لتعبئة الأطفال وتجنيدهم في أنشطتها المسلحة والذي يعتبر غالباً أكثر من مجرد تكتيك عسكري، إنما يمثل أيضاً تجسيداً لأيديولوجيا معينة.

تأثير الحروب والأحداث اللبنانية على حياة الأطفال وعائلاتهم عميق ومتعدد الأوجه. في هذا الإطار، يكشف تقییم سریع أجرته منظمة الـ"یونیسف" عام 2023، عن تدهور متزايد في معظم جوانب حیاة الأطفال، خصوصاً أن الأزمة تستمر في التوسع منذ أعوام.

وتشير إحصائيات المنظمة إلى أن "نحو 38 في المئة من الأسر تبلغ عن تعرض أطفالها للقلق، و24 في المئة منها تتحدث عن معاناة الأطفال من الاكتئاب يومياً".

تروي ريما، التي عاشت أحداث الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات، تجربتها وتقول، "كنت شاهدة على العنف والقتل والدمار والخسارة حيث تعرض حيناً للقنص والقصف، مما أدى إلى خطف وتشريد وقتل عديد من الأشخاص. أثر الصراع المطول على صحتنا النفسية والعاطفية، مما جعلنا نشعر بالقلق والخوف والصدمة. وعلى الرغم انتهاء الحرب ظلت ندوبها تطاردنا".

أما الأطفال اللاجئون الفلسطينيون، فتشير الـ"یونیسف" إلى أن نصفهم يعاني تقريباً من القلق و30 في المئة منهم يشعرون بالاكتئاب. ويعود ذلك إلى الظروف القاسية في المخيمات، والاشتباكات بين الفصائل والغموض حول المستقبل.

الدعاية السياسية والتلاعب الأيديولوجي  

الدعاية السياسية في لبنان متعددة الأوجه وتأتي من خلال وسائل مختلفة تشمل الخطب، الإعلام، الإعلانات، وحتى الأحداث والفعاليات العامة وتؤثر هذه الأساليب بشكل كبير على جميع شرائح المجتمع، بمن في ذلك الأطفال. 

في لبنان، يستخدم الخطاب البطولي لتمجيد القتلى، بخاصة في الإعلام المرتبط بالأحزاب فيؤثر على الأطفال بشكل خاص، ويشكل تصوراتهم حول المعنى والقيمة المرتبطة بالتضحية والقتال، مما قد يؤدي إلى تبني أفكار مثالية غير واقعية عن النزاعات.

ويتم أيضاً استخدام الاحتفالات والذكريات السنوية لترسيخ الأيديولوجيات السياسية في أذهان الشباب والأطفال من خلال الاحتفالات الكبيرة التي تشمل الأغاني الوطنية والأناشيد التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعية والخطابات التحفيزية.

التعليم والمدارس والإعلام

من جهة أخرى، ترتبط مدارس في لبنان ارتباطاً وثيقاً بأحزاب سياسية وتؤثر في المناهج التعليمية لتعزيز أيديولوجيات معينة، هذا الأسلوب يغرس في الأطفال قيماً ومعتقدات محددة منذ سن مبكرة.

ويتعرض الأطفال أيضاً للدعاية عبر البرامج الإخبارية والوسائل الإعلامية التي تظهر الأحداث السياسية بطريقة محددة تتماشى مع أجندات سياسية، كما يتم تقديم الأخبار حول النزاعات، الحروب أو الأحداث السياسية بشكل يثير المشاعر ويعزز التعاطف مع جهات معينة. 

أساليب الجماعات المسلحة

وعن الأساليب التي تستخدمها الجماعات المسلحة للتأثير على عقول الأطفال وتجنيدهم في النزاعات المسلحة، تكشف الدكتورة ليلى شمس الدين الباحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام وأستاذة جامعية، أن "الجماعات المسلحة تستخدم أساليب مختلفة منها من يستغل نقاط ضعف الأطفال ويتلاعب بتصوراتهم وعواطفهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ومنها من يلجأ إلى أساليب مغايرة، منها التلقين والدعاية، بحيث تستخدم الجماعات المسلحة تقنيات التلقين لغرس أيديولوجيتها ومعتقداتها في عقول الأطفال، من خلال تصويرهم كأبطال يقاتلون من أجل قضية ما. ثانياً، التنشئة الاجتماعية والتمثل بالأقران، إذ يمكن الاستفادة من ضغط الأقران والشبكات الاجتماعية لجذب الأطفال. ويؤدي اليأس الاقتصادي ونقص فرص كسب العيش إلى جعل الأطفال أكثر عرضة للتجنيد، بخاصة في المناطق المتضررة من النزاع حيث يسود الفقر وعدم الاستقرار. ثالثاً، الاستحواذ على نقاط الضعف لدى الأطفال، بما في ذلك الصدمة أو الخسارة أو الشعور بالعجز، للتأثير على مشاعرهم وتصوراتهم. بذلك".

خطاب يمجد الموت

تنتقد الدكتورة دانييل بيشون المتخصصة في علم نفس الأطفال "خطاب القادة السياسيين في لبنان الذي يمجد الموت ويغرس هذه الفكرة في أذهان الأطفال من دون وعي منهم بالتبعات الحقيقية للموت وكيف أنه ينهي حياة الإنسان بشكل كامل".

وتشير بيشون إلى أن "الأطفال الذين يعيشون في مجتمعات تمارس غسيل الدماغ لإقناعهم بأن القتال والتضحية بالنفس أمور مقدسة، يفقدون القدرة على التفريق بين الحرب والموت ومفهوم التحرير. على سبيل المثال، الأطفال الذين يطلب منهم في الخطابات أو الدعاية السياسية "تحرير فلسطين" قد لا يفهمون ماهية فلسطين أو العواقب الحقيقية للحرب.

وعما إذا كانت هناك محاولة لحث الأطفال على المشاركة بالحرب سواء الأهلية (1975-1990) إلى يومنا هذا، قالت، "في الحرب الأهلية، لم يكن هناك أطفال مشاركون بالحرب بشكل واضح وكبير، بل رغم الفوضى بقي الأطفال يذهبون إلى المدارس إلى حد ما".

الحلول عبر تدخلات شاملة

وتتطلب معالجة احتياجات الصحة النفسية والتعليمية للأطفال في لبنان المتأثرين بالأزمات والحروب تدخلات شاملة تركز على تعزيز قدرتهم على الصمود ورفاهيتهم.

وفقاً للدكتورة شمس الدين، "تشمل الحلول المقترحة الوصول إلى الخدمات الصحية العقلية، أولاً من خلال توفير خدمات الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال وأهاليهم لمعالجة الصدمات الناتجة عن الحروب والأزمات. ثانياً، ضمان تواصل العملية التعليمية من خلال بدائل مثل برامج التعلم عن بعد ومبادرات التعليم المجتمعي، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي داخل المدارس. ثالثاً، تطوير بيئات آمنة للأطفال تشمل تدابير لمنع ومواجهة العنف، الإساءة، والاستغلال".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات