ملخص
الحديث عن مواجهة مع تايوان في 2027 لا يسمح ربما للطرفين باستنهاض الجهود لتغيير أوضاع القوات الجوية على العكس من القوات البحرية والصاروخية، بل والسيبرانية المقبلة، من هنا يمكن القطع بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة للقوات الجوية، تعد واحدة من الركائز المهمة للغاية لأميركا في طريق تأكيد هيمنتها الأسطورية على الأجواء العالمية، وبصورة خاصة قبل الموعد القريب خلال ثلاثة أعوام.
خلال القمة التي عقدت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) قرب سان فرانسيسكو بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ، كان الموضوع الرئيس الذي تمحورت من حوله المناقشات هو رؤية الصين لتايوان كجزء من أراضيها التاريخية، والتجهيزات الصينية لإعادة تايوان بكل السبل السلمية أول الأمر.
غير أن آخر الطريق، وحال رفض حكومة تايوان الانضواء تحت علم جمهورية الصين الشعبية، تبقى الحرب هي الوسيلة الوحيدة المؤكدة، وهو ما يعتقد فيه الأميركيون اعتقاداً جازما وحاسماً.
وحين باشر بايدن جينبينغ بالسؤال المباشر، أنكر الرجل الأمر برمته "لا توجد مثل هذه الخطط. لم يتحدث معي أحد عن هذا".
فهل ترى الأمر انطلى على "العم سام" وأركان إدارة بايدن؟
بالقطع لم ولن يحدث ذلك، فوفقاً للاستخبارات الأميركية، فإن الرئيس الصيني أبلغ الجيش الصيني بأنه يجب أن يكون مستعداً لغزو تايوان بحلول عام 2027.
يقول ديفيد فينكلشتاين، الذي يدرس الجيش الصيني في مركز التحليلات البحرية، إن الصين لن تتخلى عن استخدام القوة كاحتمال "حول تايوان" لذا فإن الخيار العسكري معلق فوق مضيق تايوان مثل "سيف ديموقليس".
فهل المسؤولون الأميركيون مهووسون بقصة الغزو الصيني العسكري لتايوان عن حق أم أن الأمر ليس سوى ذريعة من المجمع الصناعي العسكري لتأكيد وجوده ومن ثم تعظيم أرباحه؟
الاستراتيجية الدفاعية
مهما يكن من أمر الجواب، فإن بعض التطورات الأخيرة في الاستراتيجية الدفاعية والهجومية الأميركية، تقطع بأن واشنطن بالفعل باتت ترسم خطوطها وتنسج خيوطها، على أساس أن المعركة مع الصين قادمة لا محالة، وهو ما أطلق عليه عالم السياسة الأميركي الشهير غراهام تي أليسون، "فخ ثيوسيديدس"، ذلك الذي قاد أسبرطة للدخول في صراع مع أثينا قبل الميلاد، أي المواجهة الحتمية بين القوة القطبية القائمة، ونظيرتها القادمة، من واشنطن إلى بكين والعكس.
ما أبعاد الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة التي يتحدث عنها الإعلام الأميركي أخيراً؟ ولماذا وضعت القوات الجوية والبحرية الأميركية خططاً سرية لمواجهة تحضيرات الغزو الصيني لتايوان؟
عن قصة استراتيجيتين للصين
في تقرير مطول لـ"ديفنس نيوز" الأميركية، نجد قراءات مطولة عن للاستعدادات التي تقوم بها كل من القوات الجوية والبحرية الأميركية لخوض معكرة محتملة في المحيط الهادئ ضد الصين.
وتقول القوات الجوية الأميركية إنها في حين أنها تتصارع مع حدود الإنفاق بموجب قانون المسؤولية المالية، فإنها تميل نحو البحث والتطوير أكثر من المشتريات لضمان بقاء القدرات المستقبلية على المسار الصحيح، وفي المقابل، تؤكد البحرية أنه إذا كان عليها أن تردع الصين أو تقاتلها في هذا "العقد من القلق"، فإنها ستفعل ذلك بأسطولها الحالي وليس بالأسطول الذي تأمل في تطويره في العقود المقبلة.
وبينما تحدد الخدمات أساليبها، يدرس المشرعون ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة الصين في الوقت المناسب.
أما النائب روب ويتمان الجمهوري عن ولاية فرجينيا، وفي مؤتمر عقد في شهر مارس (آذار) الماضي، فقد أشار إلى أن الصين قد تحاول الاستيلاء على تايوان بالقوة في وقت مبكر من عام 2027، مشيراً إلى أن نشر القدرات الميدانية في مطلع العقد المقبل سيكون متأخراً للغاية.
ويتمان أكد، في حديثه لوكالات أنباء أميركية، أن "أي شخص يستخدم إطاراً زمنياً ويقول: "سننجز هذه الأشياء بحلول عام 2030، يقدم إجابة خاطئة، 2027 يجب أن يكون المقياس، وبهذه الطريقة وحدها ستتاح لنا فرصة ردع الصين". من هنا، يبد واضحاً أن القوات الجوية والقوات البحرية الأميركية، تعملان على تحديث حضورهما، وإن بأساليب مختلفة.
وبصورة عامة، اتخذت البحرية الأميركية طريقاً أكثر استراتيجية ومنهجية لتحقيق أهدافها في تحديث طائراتها، وأحجمت عن شراء طائرات الجيل التالي حتى تنضج التكنولوجيا وتنخفض الأسعار، والعهدة على تود هاريسون، وهو زميل بارز في معهد "أميركان إنتربرايز" للأبحاث الذي يركز على موازنات الدفاع.
ولا تقف القوات الجوية الأميركية، بدورها، مكتوفة الأيدي، بل تحاول شراء ثلاثة أجيال مختلفة من المقاتلات في الوقت نفسه، ويبدو أنها غير متأكدة من المكان الذي تريد وضع رهاناتها فيه، وهذا نهج غير مستدام، ويبدو أنها لا تملك الموارد اللازمة لمواصلة شراء ثلاثة خطوط مختلفة من ثلاثة أجيال مغايرة من المقاتلات في وقت واحد.
ويمكن لنا قبل الدخول في عمق هذه القراءة التساؤل "هل تايوان وحدها هي التي تستدعي ردعاً استراتيجياً أميركياً؟ أم أن هناك نقاطاً أخرى موزعة جغرافياً تتطلب حضوراً أميركياً مركزاً لقطع الطريق على قطبية الصين المقبلة؟
تايوان هي برلين الجديدة لأميركا
في العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، تطالعنا قراءة عميقة وخطرة في الوقت ذاته، جاءت تحت عنوان "تايوان هي برلين الجديدة... دروس من الحرب الباردة في منافسة أميركا مع الصين"، وكاتب المقال ديمتري ألبيروفيتش رئيس شركة "سيلفرادو بوليسي للأبحاث الجيوسياسة، ويأخذنا المقال المطول، في البداية، إلى جدار برلين باعتباره الرمز الأسوأ للشيوعية التي فرقت وقسمت أوروبا إلى شطرين، بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كانت برلين أكثر نقطة اشتعال في الحرب الباردة بين حلفي (وارسو) والأطلسي".
وتبدو تايوان اليوم في نظر السيد ألبيروفيتش المكافئ الموضوعي لبرلين قبل أن يسقط جدارها في عام 1989.
تايوان، مثلها في ذلك كمثال برلين الغربية، دولة صغيرة الحجم، لكنها المكان الوحيد في العالم حيث تهدد المنافسة الدائرة هناك بإشعال صراع ساخن، بل إنها المكان الوحيد، حيث يستعد كل من البلدين بنشاط للحرب.
والقراءة التي نحن بصددها ترى أن هناك فرصة حقيقية ضئيلة لأن تلتزم الولايات المتحدة أو الصين بالمخاطرة بحرب نووية بسبب الشعاب المرجانية الصغيرة في بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي. كذلك تتمتع تايوان، مثل برلين أيضاً، بقيمة رمزية قوية، باعتبارها قوة جوية استراتيجية في تصنيع أشباه الموصلات، وبصورة أكثر عمومية، كمثال للصين الديمقراطية والحرة، وهي أيضاً مكان بالغ الأهمية من الناحية الجيوسياسية، أطلق عليها الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر في الخمسينيات من القرن الماضي، اسم "حاملة الطائرات غير القابلة للغرق".
هل سيتشابه الموقف الأميركي من تايوان من نظيره السابق أي الشطر الغربي من برلين؟
المؤكد أن الولايات المتحدة متورطة مرة أخرى في منافسة بين القوى العظمى، والتي تتجمع تعقيداتها غير العادية في صراع محتدم حول مستقبل منطقة لا تكاد تزيد مساحتها على مساحة ولاية ماريلاند الأميركية. وأظهرت أزمة برلين مدى خطورة مثل هذه النقاط الساخنة في المنافسة العالمية بين قوتين نوويتين كبيرتين.
وخلال الخمسينيات تساءل القادة السوفيات عن مدى اهتمام الولايات المتحدة حقاً ببرلين، وبحثوا عن طرق لاختبار العزم الأميركي.
على نحو مماثل، يتساءل كثر اليوم عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع حقاً عن تايوان ضد الغزو الصيني أم لا؟
الحقيقة المؤكدة هي أن الولايات المتحدة لا تستطيع التراجع عن صراع تايوان، بقدر ما لم تستطع التخلي من قبل عن برلين الغربية، وإذا سمح للصين بغزو تايوان من دون أن تهب الولايات المتحدة لمساعدة الجزيرة، فسيكون ذلك كارثة بالنسبة للشعب التايواني.
وهل الصين عازمة بالفعل على إعادة تايوان لأراضيها مما يرجح الاستعدادات الأميركية للحرب المقبلة مع الصين عام 2027؟
في صيف عام 2022، أعلن سفير الصين لدى فرنسا لو شاي أن الصين تعتزم إعادة تثقيف سكان تايوان للقضاء على الفكر الانفصالي والنظرية الانفصالية.
من جهة ثانية، يترك "الكتاب الأبيض" حول السياسة المتعلقة بتايوان، والذي أصدرته الحكومة الصينية، الباب مفتوحاً أمام احتمال احتلال عسكري موسع للجزيرة.
اليوم يتساءل كثر عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان ضد الغزو الصيني وعلى نطاق واسع أم لا؟ وهو أمر يمكن استنتاجه من خلال معرفة الاستراتيجيات العسكرية الأميركية البحرية والجوية على حد سواء، أما الأهم فموصول بنيات الصين تجاه منطقة تايوان أول الأمر، ثم المجال الأوسع المتعلق بمنطقتي المحيطين الهندي والهادئ. ماذا عن ذلك؟
الصين وإغراق الحاملات الأميركية
من الواضح للغاية أن الاستراتيجية العسكرية الأميركية في مواجهتها الصين، إنما تعتمد بصورة أساس على الصراع البحري، وهذا لا يمنع من أن هناك ثلاثة أفرع في القوات المسلحة الأميركية تعمل بسلاسة من أجل المواجهة المرتقبة، البحرية الأميركية، وقوات مشاة البحرية الأميركية، والقوات الجوية الأميركية، هذه الأفرع الثلاثة ستكون بمثابة رأس الرمح في أي صراع مع الصين.
وبصورة عسكرية أكثر دقة، فإن حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأميركية، هي الأصول الأكثر احتمالاً التي سيتم نشرها في المقدمة، والتي ستكلف بكسر أي قوات صينية يتم تحشيدها ضد الجيش الأميركي.
هل من مشكلة جوهرية ستقابل القوات الأميركية البحرية؟
المشكلة الوحيدة هي أن الجيش الصيني يدرك تفضيل أميركا، وربما هوسها الحقيقي، بحاملات الطائرات الكبيرة والرائعة، وقد صمموا استراتيجيتهم على أساس منع استخدام أميركا حاملات الطائرات على وجه التحديد في أي صراع محتمل مع الصين.
وبالنسبة للجيش الأميركي في منطقة المحيط الهادئ والهندي، فإن حاملة الطائرات هي مركز الثقل، أما بالنسبة للجيش الصيني، فهو ترسانته الصاروخية الضخمة والمتنامية، بما في ذلك الأسلحة التي تفوق سرعتها الصوت، والتي تعد وسيلة لاعتبار حاملات الطائرات الأميركية رهائن لديها.
هنا يبدو من الغريب جداً أن المخططين العسكريين الأميركيين يعرفون هذه الاستراتيجيات الصينية منذ أكثر من عقد من الزمن، ومع ذلك فإنهم يصرون على إسناد استراتيجياتهم إلى نظام حاملات الطائرات الذي يستطيع الصينيون التغلب عليه، وفي حالة خسارة حاملة طائرات أميركية واحدة في الصراع مع الصين، فإن ذلك من شأنه أن يخلق فجوة كبيرة في القدرات الدفاعية الأميركية، ومن المرجح أن تجبر الولايات المتحدة على سحب قواتها الأخرى.
من جانبها لن تتردد بكين في إغراق إحدى حاملات الطائرات الأميركية لأن القادة الصينيين يدركون مدى قوة التأثير النفسي الذي قد يخلفه فقدان وأحدة من أرقى منصات الأسلحة الأميركية على الشعب الأميركي.
علاوة على ذلك، فإن الجيش الأميركي يعتمد على الاسطح المصطنعة لاستعراض القوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعليه فإن خسارة حاملة طائرات واحدة أمر سيكون له التأثير المقصود المتمثل في إدخال الجيش الأميركي في المنطقة في حالة من الفوضى، ومن المرجح أن يجبر واشنطن على البقاء بعيداً حين تتحرك القوات الصينية ناحية تايوان، وبهدف ضمها بالقوة الأراضي الصينية.
فهل يستدعى هذا المشهد الصدامي مقاربة ما بين القوات البحرية الأميركية من جهة ونظيرتها الصينية من جانب آخر؟
القوات البحرية الأميركية أقوى ولكن
أحد الذين أثاروا قصة المقاربة بين القوتين البحريتين الصينية والأميركية، البروفيسور غريغ أوستن الأستاذ المساعد في معهد العلاقات الأسترالية - الصينية بجامعة "سيتي" للتكنولوجيا.
وتدور رؤية أوستن حول القوة البحرية الأميركية التي تعد الأقوى حول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والمسؤولة عن الحفاظ على استقرار وأمن المشاعات البحرية العالمية لمصلحة الاقتصاد والسياسة والاستراتيجية في فترة ما بعد الحرب، وعلى رغم ذلك، فمنذ نهاية الحرب الباردة تحول المركز العالمي للقوة الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية بعيداً من عالم تهيمن عليه أميركا الشمالية والقارة الأوروبية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تتمحور حول المحيط، وقد نشأت قوة جديدة لتحدي العالم، أي نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ولقد استفادت طموحات الرئيس الصيني للمملكة الوسطى القديمة "الصين"، من عقود من النمو الاقتصادي الفلكي الحقيقي على خلفية النظام العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة وتحافظ عليه، للشروع في أكبر عملية تحديث وبناء للقدرات العسكرية في وقت السلم منذ الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى تحول جذري في ملامح ومعالم جيش التحرير الشعبي، والذي بات من أبرز القوات العسكرية في العالم.
السؤال المهم في هذا الإطار: "كيف يمكننا تقييم توازن القوى البحرية بين الصين والولايات المتحدة؟
الطريقة التقليدية لتقييم توازن القوة البحرية هي حساب ومقارنة عدد السفن الحربية التي تديرها كل دولة، وحتى وفقاً لهذا المقياس، فإن الولايات المتحدة لا تتفوق على الصين بناءً على البيانات الأخيرة، وكثيراً ما توصف الصين بأنها أكبر قوة بحرية في العالم، لكن الولايات المتحدة تمتلك أكثر وأهم أنواع السفن الحربية الكبرى، تلك التي تصلح للحرب البحرية، ويتحول العد لمصلحة الصين فقط بالنسبة للسفن الأخف وزناً والأقل تسليحاً، مثل الفرقاطات وسفن الدوريات الساحلية. وهنا قد تكون الميزة التي تتمتع بها الصين في الفئات الأخف من السفن الحربية ذات أهمية خاصة في صراع محصور، إلى حد كبير، داخل مضيق تايوان والمناطق الساحلية الأخرى القريبة من الصين، ومن ناحية أخرى، وعلى رغم أن الولايات المتحدة لا تنشر عادة كل قوتها البحرية في غرب المحيط الهادئ، فإنها قادرة على توفير قوة بحرية ساحقة في المنطقة في غالب الظروف إذا كانت الحرب وشيكة، على أن الأمر المهم للغاية في هذه الجزئية، وما يعطي الولايات المتحدة ميزة كبرى في أي مواجهة عسكرية بحرية قادمة مع الصين، هي أننا في عالم اليوم، أصبحت قدرة أي دولة على تنفيذ ضربات صاروخية اعتباراً أكثر أهمية بكثير من مجرد عدد السفن الحربية، وهنا تستطيع الولايات المتحدة أن تعوض بسهولة التفوق العددي الذي تتمتع به الصين في أعداد السفن الحربية الخفيفة بصواريخ "موجهة"، والتي يمكن إطلاقها من مسافات طويلة قد تصل إلى أكثر من 1500 كيلومتر.
ماذا في حال اشتعال المشهد التايواني؟
يحتاج الحديث عن مشهد الصراع الصيني - الأميركي، حال قررت بكين غزو تايوان قراءة مفصلة بذاتها، غير أن مشهد المواجهة البحرية بنوع خاص، سيكون له حكماً النصيب الوافر من الأمر، لا سيما أنه في الحرب الحديثة، يعد عدد منصات الأسلحة (أي هيكل نشر الأسلحة بما في ذلك السفن)، أقل أهمية بكثير من عدد الصواريخ التي يمكن إطلاقها من مجموعة متنوعة من المنصات ضد أهداف العدو.
وقدر أحد مراكز الأبحاث الأميركية أنه في حال قيام الصين بشن حرب مع تايوان، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تطلق أكثر من 5000 صاروخ مضاد للسفن خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الأولى. وفي حرب بين واشنطن وبكين، يمكننا توقع أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للقيام بضربات صاروخية معوقة على قواعد بحرية وأهداف أخرى داخل الصين، وحتى في حالة الإنذار القصير، تستطيع البحرية الأميركية، على سبيل المثال، إطلاق أكثر من ألف صاروخ "كروز" ضد البر الرئيس الصيني في اشتباك أولي على مدى أيام عدة إذا اختارت القيام بذلك.
ووفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس الأميركي، تمتلك البحرية الأميركية 9000 أنبوب إطلاق عمودي للصواريخ لإطلاق صواريخ "كروز" بعيدة المدى مقارنة بـ1000 في الصين.
فهل من ميزة أخرى تتوافر للقوات البحرية الأميركية ترجح كفتها في مواجهة مقدرات بكين البحرية؟
المؤكد أن البحرية الأميركية لديها قدرات سيبرانية متفوقة مقارنة بالبحرية الصينية، وتتركز موارد واشنطن السيبرانية في "الأسطول العاشر"، الذي يضم أكثر من 19 ألف فرد عامل واحتياط، ولديهم 26 قيادة نشطة، و40 وحدة قوة مهام إلكترونية، و29 قيادة احتياطاً حول العالم، والتي يمكن أن تكون متاحة لضرب الصين في حالة الحرب، ومن المرجح أن تهدف مثل هذه المهام إلى تعطيل أو تدمير القيادة والسيطرة والفعالية القتالية للبحرية الصينية.
على سبيل المثال، كان أفراد البحرية الأميركية السيبرانية، إلى جانب نظرائهم الأوكرانيين، هم الذين نجحوا في منع ما كان يمكن أن تكون هجمات سيبرانية معيقة من قبل روسيا قبل غزوها في أوائل عام 2022، وفي المقابل، لا يبدو أن الصين لديها قيادة إلكترونية بحرية متخصصة، أو قوات مقابلة، أو مثل هذه البصمة العالمية الكبرى.
وقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجي IISS أن الصين تتخلف عن الولايات المتحدة بـ10 سنوات في الأقل في وقتها السيبرانية. ويستند هذا الحكم على التفوق الصناعي والتكنولوجي للولايات المتحدة وتاريخها الأطول كثيراً في دمج العمليات السيبرانية في التخطيط العسكري.
وفي حربها مع الصين، تستطيع الولايات المتحدة أن تعتمد على الدعم النشط من حلفائها الرئيسين، مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، من خلال الهجمات العسكرية السيبرانية من بعد ضد الصين.
ويعزز اتفاق "أوكوس" قوة هذا التحالف السيبراني، لا سيما أن امتلاك أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية، مثل فرجينيا، ويمكنها حمل أسلحة نووية، تطاول كبريات الحواضن الصينية، من الحضور البحري العسكري الأميركي.
هنا سيكون العامل السيبراني البحري، عاملاً حاسماً وحازماً، لا سيما حال الأخذ بالاعتبار أن القدرات السيبرانية للحلفاء مجتمعة تفوق بكثير قدرات الصين، ولا يوجد لدى الصين حلفاء أقوياء في مجال الإنترنت، كما أن دفاعاتها السيبرانية ضعيفة مقارنة بالولايات المتحدة.
بين بكين وواشنطن
هل يعني المشهد أن القارعة قادمة من دون شك بين بكين وواشنطن؟ وهل من خلاصة للمشهد المحتقن بين القطب القائم والقطب القادم؟
خلال جلسة استماع استراتيجية للجنة القوات المسلحة الأميركية بمجلس النواب الأميركي، في الـ28 من سبتمبر (أيلول) الماضي، وجه وزير القوات الجوية الأميركية فرانك كيندال تحذيراً صريحاً في شأن الجهود التي تبذلها الصين منذ 20 عاماً لبناء جيش قادر على ردع الولايات المتحدة وهزيمتها، وأشار الوزير الأميركي إلى الحاجة الملحة لإعادة تنظيم وزارة القوات الجوية استجابة للقدرات العسكرية المتنامية للصين، وتكليف شركة "ماكينزي أند كومباني" إعداد خطة لتحسين أوضاع القوات الجوية الأميركية. فما الذي تحتويه هذه الخطوة؟
بداية هناك 24 مبادرة تهدف إلى تحسين القوة الجوية لمنافسة الأقطاب الدولية، لا سيما بكين وموسكو، لكن على رغم الخطة الطموح، فإن المخاوف في شأن حالة الاستعداد الحالية للقوات الجوية الأميركية تلوح في الأفق، إذ يشير الانخفاض في معايير التدريب وعمليات الترقية والقدرات التشغيلية إلى وجود عجز كبير في الاستعداد، وتسعى إعادة التنظيم إلى معالجة الاستعداد وتنمية القدرات وإدارة شؤون الموظفين.
هل يرتبط حديث القوات الجوية الأميركية باستراتيجية أميركا الفضائية لردع الصين؟ وهل بالفعل تبدو القوات الجوية الصينية هي القوة العالمية المقبلة عما قريب، ويمكنها أن تحل محل القوات الجوية الأميركية كرقم واحد حول العالم؟
الأسئلة معقدة ومتشابكة، لا سيما أن الحديث عن مواجهة مع تايوان في 2027، لا يسمح ربما للطرفين باستنهاض الجهود لتغيير أوضاع القوات الجوية، على العكس من القوات البحرية والصاروخية بل والسيبرانية المقبلة، من هنا يمكن القطع بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة للقوات الجوية، تعد واحدة من الركائز المهمة للغاية لأميركا في طريق تأكيد هيمنتها الأسطورية على الأجواء العالمية، وبصورة خاصة قبل الموعد القريب خلال ثلاثة أعوام.