Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخرج إيراني يفتح أبواب مهرجان "كان" أمام ترمب

 الرئيس ورجل الأعمال الملتبس يحضر سينمائيا في فيلم موضوعي لعلي عباسي

دونالد ترمب ومحاميه روي كوهن في فيلم "المتدرب" (ملف الفيلم)

ملخص

إحدى مفاجآت "مهرجان كان" في دورته الحالية فيلم بعنوان "المتدرب" يتناول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كرجل سياسة وأعمال، وصاحب خطط وألاعيب وخيانات. والمفاجئ أيضاً أن مخرج الفيلم هو علي عباسي الإيراني الدنماركي.

من كان يتوقع أن يحضر دونالد ترمب إلى مهرجان "كان"، ليس بلحمه ودمه وتسريحته المميزة، بل من خلال "المتدرب"، الفيلم المشارك في مسابقة الدورة السابعة حول رحلة صعوده إلى عالم المال والأعمال والنجاح في المفهوم الأميركي. وفي حين يواجه الرئيس الأميركي السابق المثير للجدال العدالة في بلاده، تبعاً لقضيتين لا تزالان عالقتين في المحاكم، شهد المهرجان الفرنسي أمس صعوداً من نوع آخر: صعود أفراد فريق الفيلم السجادة الحمراء لعرضه على الجمهور، يتقدمهم الممثل سيباستيان ستان، الذي يلعب دور "أبو إيفانكا" شاباً، على نحو هادئ لا يشبه ما رأيناه منه خلال سنوات عهده الرئاسي. ويمكن القول، على سبيل الدعابة، إنه في أدائه المتقن هذا، يتجاوز الأصل، حضوراً وصوتاً وكاريزما.  

الفيلم من إخراج علي عباسي الذي تألق اسمه بداية مع "حدود" (2018)، قبل أن يدخل المسابقة مع "عنكبوت مقدس" (2022)، عائداً به لإيران. هذا أول فيلم له ناطق باللغة الإنكليزية ومصور في أميركا. أما لماذا يختار مخرج دنماركي مقيم في السويد ومن أصل إيراني، تصوير فيلم عن ترمب، فهذا لغر من الألغاز، لكن أهمية السؤال تتبدد بعد المشاهدة، خصوصاً أن الفيلم يعد واحدة من مفاجآت المسابقة، وهو يضمن للمشاهد ساعتين من المتعة والتأمل في الوقت نفسه. 

نتابع حكاية ترمب مذ كان يستثمر في العقارات إلى المرحلة التي بدأ يذاع فيها صيته كرجل أعمال ناجح، مروراً بزواجه من إيفانا (تلعب دورها ماريا باكالوفا) عقب قصة حب. جزء كبير من الفيلم يدور على الكيفية التي حصل فيها على فندق متهالك اسمه "كومودور"، فرممه ليحوله إلى فندق خمس نجوم، وكيف استطاع الحصول على امتيازات تعفيه من الضرائب بحجة النهوض بنيويورك، التي كانت تعيش انتكاسة في وسط السبعينيات. 

هذا كله ليس فقط "قصة نجاح" على الطريقة الأميركية، إنما قصة طموح. فالطموح هو في قلب تجربة ترمب، يعيش منها ولها، بينما الصفقات هي الرئة التي يتنفس بها. يحاول الفيلم أن يفهم، فالفهم هو الطريقة الوحيدة لصنع فن، أية إدانة لترمب انطلاقاً من مواقف إيديولوجية واصطفافات سياسية. لا ينتصر الفيلم لترمب، بل ينظر إليه بموضوعية كظاهرة لا يمكن فصلها عن المجتمع والسياسة والاقتصاد. وهذه الطريقة الصحيحة للنظر إلى الأشياء. ويمكن التأكيد أن هذا واحد من أكثر الأفلام التي تنصف الشخصية التي تتناولها. صحيح أنه يرينا انتهازية ترمب، كـ"رجل لا يخجل من شيء"، كما تقول عنه زوجته، وعدم تردده في اللجوء إلى أساليب غير نزيهة لتحقيق أهدافه، لكن هذا كله يبقى في إطار المعقول والمنطق. لا أحد على مقدار من السذاجة، ليعتقد أن مسيرة أي رجل مال وسلطة خالية من التجاوزات للقانون والأخلاق. 

صعود ترمب

يصعب الحديث عن صعود ترمب، من دون ذكر المحامي المحافظ روي كوهن (أداء مدهش لجيريمي سترونغ)، الذي كان خلفه ودعمه طوال حياته قبل رحيله عن 59 عاماً في أواسط السنوات الـ80 بعد إصابته بالسيدا. في مقابلة، قال عنه ترمب: "إذا كنت في حاجة إلى شخص يستشرس ضد أعدائك، فعليك بروي". وهذا ما نراه في الفيلم: المحامي ذو الأساليب المشبوهة التي لا تخلو من البلطجة، الذي كان ذاع صيته في عهد السيناتور ماك كارثي (يقال إنه كان عقله المدبر)، استطاع أن يربح قضية التمييز العنصري التي كانت رفعتها الدولة الأميركية ضد والد ترمب، حين كان الأب والابن يعملان معاً في تأجير المساكن. وجلب لترمب امتيازات خاصة أسهمت في فتح أبواب النجاح أمامه، من خلال اللجوء إلى الابتزاز والرشاوى في بعض الأحيان. وعلى رغم أن ترمب لم يخطئ معه، لكنه أهداه مجوهرات مزيفة، في آخر حفلة ميلاد له قبل وفاته. هذا في واحدة من اللحظات التي نراها في الفيلم وتكشف شيئاً من عدم وفاء نزيل البيت الأبيض السابق، تجاه من أوصلوه. روي كوهن شخصية مهمة لفهم ترمب. كان تأثيره كبيراً فيه ومنه تعلم الخزعبلات، وفهم أن كل شيء للبيع والشراء، بل مده بعقيدة احتقار المؤسسات وعدم قيام أي اعتبار للحقيقة. وهذا الفكر مصيبة، إن بقي في مجال الأعمال، فكيف إذا انتقل إلى السياسة. 

هذا فيلم عن الأعمدة التي تسند أميركا. يتجاوز ترمب ليحكي عن علاقة المال بالسلطة والطموح. فلترمب ثلاثة مبادئ استوحاها من روي كوهن: الهجوم، والإنكار، والتظاهر بالانتصار حتى عند الخسارة. هذه المبادئ طبقها في سياسته، في تداخل صريح بين المال والسلطة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صحيح أن الفيلم لا يأتي في إطار شن حملة على ترمب، لكن هذا لا يمنع أنه ساخر. السخرية المبطنة واللئيمة هما ما ينطوي عليهما النص، بدءاً من عنوان الفيلم، "المتدرب"، الذي استعاره من برنامج "ذا أبرنتيس" الذي قدمه ترمب في مطلع القرن الحالي ولسنوات طويلة، وفيه كان المرشحون يتسابقون لإثبات قدراتهم على أن يكونوا رجال أعمال ناجحين. لا يأتي الفيلم بشيء من تأليفه، بل يعيد صياغة عالم ترمب وكل ما يتناسل من هذا العالم، ليوظفه عكس مصلحته. في عالم ترمب كل شيء استعراض باستعراض، وكل شيء قابل لتحويله إلى استثمار. أما تجربته فيراها تستحق أن تنقل إلى مواطنيه كنموذج يحتذى به. وهذا ليس تفصيلاً، إذ يختم عباسي فيلمه بلقاء بين صحافي وترمب، يستدعيه ليطلب إليه تأليف كتاب يتضمن وصفات جاهزة للنجاح من وحي تجربته.

الفيلم بديع على المستوى الفني، وليس مجرد سيرة لشخصية معروفة. يعود بنا حرفياً للفترة التي تجري فيها الأحداث، أي منذ منتصف الـ70 إلى الـ80. ولإعادة تشكيل هذه الحقبة استعاد عباسي خامة الأفلام التي كانت تنتج في تلك الحقبة. هذا الخيار الجمالي عطفاً على تمثيل سيباستيان ستان، يمدان الفيلم بواقعية رهيبة، تسهم في أن نصدق ما نراه، خلافاً لعديد من الأفلام عن شخصيات حاضرة في يومياتنا، فنبقى على مسافة منها، لشدة ما تأتي مزيفة وكاريكاتورية.  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما