ملخص
تشير الإحصاءات إلى إصابة حوالى 21 ألف سوداني سنوياً بمرض السرطان 8 في المئة منهم أطفال.
مع طول أمد الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" تتعمق كل يوم مأساة وجراح أطفال السودان وتفتح أبواب جحيم آخر يعيشه الناجون من القتال، وبخاصة المرضى الذين يعانون فقدان الأدوية المنقذة للحياة إلى ارتفاع الفاتورة الاستشفائية والفحوص الطبية، وكذلك صعوبة التنقل، إذ تعرض كثيرون منهم لأخطار كادوا بسببها يفقدون حياتهم أثناء بحثهم للوصول إلى مستشفى أو مركز صحي. وتعيش شريحة الأطفال مرضى السرطان واقعاً مؤلماً وحالة من اليأس والقلق على الوضع الصحي نتيجة النقص الحاد في العلاج الكيماوي والارتفاع الكبير في أسعار الجرعات، فضلاً عن توقف المراكز الخاصة لعلاج الأورام في العاصمة الخرطوم ومدينة ود مدني بولاية الجزيرة.
وضع كارثي
إلى ذلك، دقت منظمة "السودان لسرطان الأطفال" ناقوس الخطر بعد انقطاع الأدوية الخاصة بعلاج الصغار، وأشارت إلى أن "حياتهم باتت في خطر بسبب نفاد المخزون الدوائي، ودعت وزارة الصحة الاتحادية إلى التدخل السريع".
وأعلنت المنظمة عن حاجتها وبأسرع ما يمكن إلى أكثر من 55 ألف دولار لسد النقص الحاد، وأكدت مواصلة عملها بشكل مكثف مع المركز القومي للسرطان "لتوفير الأدوية لأكثر من 200 طفل مصاب موجودين داخل استراحة الأطفال بمدينة مروى في الولاية الشمالية".
وكانت المنظمة تشرف على أطفال مرضى السرطان داخل استراحة بالخرطوم ورحلوا بعد اندلاع الحرب إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة ومنها إلى مدينة مروى.
شلل كبير
وتشير الإحصاءات إلى إصابة نحو 21 ألف سوداني سنوياً بهذا المرض، ثمانية في المئة منهم أطفال.
وقال وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم إن "هناك صعوبات في العلاج الإشعاعي للأورام، إذ لا يوجد إلا مركزان أحدهما في مدينة مروى الطبية والآخر في مدينة شندي يعمل بصورة جزئية". وأضاف أن "خروج مستشفيي الخرطوم وود مدني للأورام أحدث شللاً كبيراً في خدمات هذا التخصص داخل البلاد، وبخاصة العلاج الإشعاعي، بينما توجد سبعة مراكز تقدم العلاج الكيماوي موزعة على عدد من الولايات".
معاناة وأزمات
وتواجه أسرة الطفلة السودانية نوال محمد الرضي صعوبات في الحصول على الجرعات العلاجية الكافية لابنتهم المصابة بسرطان الدم "اللوكيميا"، إذ يقول والدها إنهم "نزحوا من الخرطوم إلى مدينة سنار بعد تصاعد القتال في العاصمة، وتلقت نوال العلاج في مركز الأورام بود مدني لثلاثة أشهر، لكن الأطباء أخبروهم أنها تحتاج إلى جرعات لفترات طويلة".
وأضاف الرضى أن "المعاناة تفاقمت بعد اجتياح قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة، وبدأت رحلة البحث عن مستشفيات جديدة لإكمال مراحل العلاج، وخلال هذه الفترة تدهورت حالة الطفلة الصحية وفقدت شهيتها للأكل وكادت تلقى حتفها بسبب انعدام الأدوية". وتابع "عانينا الأمرين حتى وصلنا مدينة مروى التي يوجد فيها المركز الوحيد للعلاج الإشعاعي في السودان وكذلك جرعات الكيماوي، وبعد تلقي الجرعة تحسنت حالة ابنتي إلى الأفضل مقارنة بالوضع قبل الوصول إلى المستشفى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح والد الطفلة السودانية أن "ارتفاع أسعار الجرعات يهدد حياة مئات الأطفال مرضى السرطان نظراً لنفاد المدخرات المالية لأسرهم، فضلاً عن توقف عمل المنظمات الخيرية والمتطوعين عن تقديم خدمات الرعاية الصحية بسبب تمدد رقعة الصراع المسلح وهجرة الكوادر الطبية".
ارتفاع الأسعار
ويواجه أكثر من 200 طفل موجودين داخل استراحة الأطفال بمدينة مروى أزمة توفر الأدوية منذ فترة نتيجة شح التبرعات والارتفاع الكبير في الأسعار. وتسبب انقطاع جرعات العلاج الكيماوي بولاية الجزيرة في وفاة أربعة أطفال من مصابي السرطان، وتعاني مؤسسات خيرية ترعاهم وتقدم لهم الدعم عدم توفر الجرعات اللازمة.
وتأمل الناشطة الطوعية سناء قمر أن تنجح المساعي في إنقاذ حياة الصغار الذين يعيشون وضعاً مأساوياً في هذه الظروف لأن انقطاع العلاج يهددهم بالموت أو تراجع حالتهم الصحية، "وبالتالي فإن الاحتياج يتمثل في توفير جرعات كافية للأشهر المقبلة، لاسيما في ظل استمرار الحرب وعدم وجود مؤشرات لتوقفها". وأشارت إلى أن "الأطباء نصحوهم بضرورة العمل على إنقاذ الموقف بشكل عاجل لأن انقطاع الجرعات يشكل خطراً على الأطفال ويجعل العلاج غير فعال، ويجبر الأسر على بدء البروتوكول من جديد حال تفويت جرعة واحدة".
واقع مؤلم
واضطر محمد عبدالرحمن إلى السفر للقاهرة لإكمال علاج ابنه بعد توقف مراكز الأورام في البلاد وانعدام جرعات الكيماوي، إذ يقول إنه "واجه صعوبة كبيرة داخل السودان خصوصاً عقب خروج مستشفيات الخرطوم ومدينة ود مدني عن الخدمة، إلى جانب الضغط الكثيف على مركز مروى في الولاية الشمالية، وهو أمر مرهق مادياً ومعنوياً بالنسبة له، وباتت قدرته على مواصلة طفله العلاج معدومة".
واعتبر عبدالرحمن أن "أسعار الجرعات خيالية، والمواطن لا يستطيع تحمل كل هذه المصروفات، إذ يبلغ ثمن علبة الدواء الواحدة ما يعادل 300 دولار أميركي، بينما يتراوح ثمن جرعة العلاج الكيماوي التي تحتوي على ملليغرام واحد وتستخدم للحقن، ما بين 200 و400 دولار أميركي في السوق السوداء". ولفت إلى أن "هذه الأدوية مكلفة للغاية وتشكل عبئاً ثقيلاً على أسر المرضى الذين باتوا متروكين لمصيرهم القاتم بغياب أي حلول استراتيجية تقدم للحد من معاناتهم، ومن يعجز عن تأمين العلاج فإن مصير طفله سيكون الموت لا محالة".
أزمة علاجية
وقال المتخصص في مجال الأورام بابكر سلام إن "كثيراً من الأطفال لم يتمكنوا من تلقي العلاج خلال فترة الحرب بسبب انهيار النظام الصحي وإغلاق مراكز الأورام في العاصمة الخرطوم ومدينة ودمدني بولاية الجزيرة التي تشهد معارك مستمرة بين الجيش السوداني وقوات" الدعم السريع"، مما أدى لإعاقة الوصول إلى مخزن الأدوية الرئيس لعلاج السرطان في البلاد". ونوه سلام إلى أن "الجرعات تتفاوت من مريض لآخر، وهناك أطفال يحتاجون للجرعة مرة كل ثلاثة أسابيع، وفي ظل الندرة الحالية للعلاج الإشعاعي باتت الأوضاع معقدة للغاية وتهدد حياة المئات منهم، في وقت تعمل فيه ماكينة علاج واحدة بمدينة مروى شمال البلاد تحت ضغط كبير بعد توقف خمس أخرى موزعة بين الخرطوم وود مدني". وتابع المتخصص في مجال الأورام "عدد كبير من الأطفال يعانون من سرطان الدم الذي لا يحتمل انقطاع العلاج، بالتالي فإن تنقلهم من ولاية إلى أخرى يسهم في تدهور حالتهم الصحية بسبب الرحلات الشاقة في طرق وعرة وغير آمنة".