ملخص
إسرائيل التي تنتقد كريم خان الآن فتحت له أبوابها في نوفمبر 2023 حين ارتبطت زيارته بلقاء أسر المتضررين من هجمات السابع من أكتوبر 2023، لكنها منعته من دخول قطاع غزة خلال الأسابيع الأولى للحرب مما اضطره إلى الاكتفاء ببيان صحافي من الجانب المصري لمعبر رفح.
العمل "بشرف وأمانة وحياد ووفقاً لما يمليه الضمير"، كان ذلك هو العهد الذي قطعه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان على نفسه، وفق القسم الذي أداه حين تولى منصبه عام 2021، لكنه لم يكن يتصور أن مجرد عزمه الالتزام بذلك القسم قد يجر عليه تهديدات ووعيداً بالحساب وانتقادات مختلف الأطراف.
المحامي البريطاني ذو الأصول الباكستانية أصبح حديث العالم بطلبه إصدار مذكرات اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهمة "ارتكاب جرائم حرب في غزة"، إضافة إلى طلب إصدار مذكرات اعتقال لثلاثة من قادة حركة "حماس" هم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وقائد الحركة في غزة يحيى السنوار، وقائد "كتائب القسام" الجناح العسكري للحركة محمد الضيف لاتهامهم بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" في الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
الضحية والجلاد
طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وضع للمرة الأولى قادة كل من إسرائيل و"حماس" في الجانب نفسه، بينما اعتاد العالم أن يكونوا على طرفي نقيض، وهو ما جر على خان والمحكمة انتقادات لاذعة من أطراف كانت دائماً مختلفة، لكنها اتفقت على مهاجمة خان.
المساواة بين الجاني والضحية كان القاسم المشترك بين أحاديث المعلقين على طلب خان، لكن من الجاني ومن الضحية؟ هذا ما اختلفوا عليه، فالرئيس الأميركي جو بايدن وصف الطلب بـ"المشين" لأنه يساوي بين إسرائيل و"حماس"، وكذلك رفض نتنياهو مقارنة دولته "الديمقراطية"، بحسب تعبيره بمن وصفهم بـ"القتلة الجماعيين" في حركة "حماس"، وهو ما عده وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس "أمراً فاضحاً".
رواية "الدولة الديمقراطية" وجدت صدى في أوروبا، إذ رفض وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني مساواة حكومة منتخبة في "بلد ديمقراطي" مع "منظمة إرهابية"، ووصف رئيس وزراء التشيك بيتر فيالا ذلك بأنه "أمر مروع".
كريم خان الذي بدا منبوذاً غربياً لم يعجب قراره "حماس" أيضاً، فالحركة الفلسطينية نددت بطلب إصدار أوامر اعتقال ثلاثة من قادتها، واعتبر القيادي في الحركة سامي أبو زهري أن قرار المحكمة "مساواة بين الضحية والجلاد"، وأن قرار المحكمة يشجع إسرائيل على الاستمرار في "حرب الإبادة"، وتعجب بعض المعلقين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي من أن يطلب خان، المسلم الذي استشهد مرات عدة بالقرآن الكريم في خطاباته، اعتقال قادة "حركة مقاومة".
لكن الخبر الجيد لمدعي المحكمة الجنائية الدولية أن بعضهم دافع عن استقلاله وصلاحياته، وأبرزهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي دعا جميع الدول التي صادقت على النظام الأساس للمحكمة الالتزام بتنفيذ قراراتها، كما أعلنت الخارجية الفرنسية دعمها استقلالية عمل المحكمة، وكذلك اعتبرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" طلب خان خطوة لمحاسبة المسؤولين عن "الأعمال الوحشية" خلال الأشهر الأخيرة بحق الضحايا في إسرائيل وفلسطين.
تهديدات
وقبل إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدا خان أمام شقي رحا، إما أن يستكمل تحقيقاته عن الجرائم في غزة ويصدر مذكرات إدانة واعتقال بحق بنيامين نتنياهو وغيره من المسئولين الإسرائيليين، وبالتالي يخاطر بإغضاب الولايات المتحدة، أو أن يضحي بسمعة وصدقية المحكمة التي لم تكمل بعد ربع قرن، وتنظر إليها دول العالم بعين الأمل في تحقيق عدالة غائبة، بخاصة أكثر من 120 دولة موقعة على "نظام روما" الأساس الذي أنشئت بموجبه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ تسرب دخان ما يبدو أنه أكبر حريق قانوني لسمعة نتنياهو دولياً، توالت التقارير الإعلامية عن خشية إسرائيل من تحرك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وأن قادتها لجأوا إلى واشنطن بهدف الضغط على المحكمة لعدم إصدار قرار ضد قادة إسرائيل، وبالفعل لم تتأخر الولايات المتحدة عن نجدة حليفتها، فعلى الصعيد المعلن من الضغوط بعث أعضاء في الكونغرس رسالة شديدة اللهجة إلى خان تحذره من أن إيذاء إسرائيل جزاؤه قطع أي دعم أميركي للمحكمة، بل وفرض عقوبات على موظفيها.
وختم النواب خطابهم الموجه إلى خان بأنه "قد أعذر من أنذر"، وأعقب ذلك تحركات في الكونغرس لسن تشريع يعاقب موظفي المحكمة الجنائية الدولية في حال إدانتها لإسرائيل.
تحديات وتحذيرات
أما الجانب غير المعلن من التحذيرات فقد أشار إليه كريم خان في مقابلة أجراها مع شبكة "سي أن أن"، إذ قال إن بعض الساسة تحدثوا معه بصراحة وقالوا "هذه المحكمة بنيت من أجل أفريقيا والسفاحين مثل الرئيس الروسي بوتين"، لكنه أكد رفضه تلك النظرة وعزمة عدم الانصياع للتهديدات و"الإخلاص للعدالة"، على رغم إقراره أن بعض التهديدات "قد لا يكون عاماً"، في إشارة لما يمكن أن يتعرض له شخصياً.
إسرائيل التي تنتقد خان الآن فتحت له أبوابها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حين ارتبطت زيارته بلقاء أسر المتضررين من هجمات السابع من أكتوبر 2023، لكنها منعته من دخول قطاع غزة خلال الأسابيع الأولى للحرب، مما اضطره إلى الاكتفاء ببيان صحافي من الجانب المصري لمعبر رفح.
وبعد ثلاثة أعوام من ولايته التي تمتد لتسعة أعوام، ربما يواجه خان التحدي الأصعب في مسيرته القانونية التي تقارب 30 عاماً، تباين فيها موقعه بين الادعاء والدفاع، وكان أبرزها المحاكمات في شأن جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة ومذابح رواندا والمحكمة الخاصة بلبنان والقتل في كينيا، إضافة إلى الدفاع عن سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2016.