لماذا يتخلى البريطانيون عن السياحة الداخلية؟

تظهر الأبحاث الصادرة هذا الشهر عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS)، أن البريطانيين أمضوا 55.5 مليون إجازة في الخارج العام الماضي، ارتفاعاً من 45.6 مليون في عام 2022. وكشف استطلاع حديث لاتجاهات هيئة السياحة البريطانية أنه على رغم أزمة المعيشة المستمرة، يخطط 60 في المئة من المشاركين للسياحة إلى الخارج هذا العام، ارتفاعاً من 57 في المئة في العام الماضي.

وتقول صحيفة "تليغراف"، بعد أن تبنى البريطانيون السفر الداخلي خلال السنوات القليلة الماضية، عاد مجدداً للسفر للخارج بسبب ارتفاع كلفة السياحة الداخلية.

وتضيف الصحيفة، "من يستطيع أن يلومهم؟ حتى لو وضعنا مسألة الطقس جانباً في الوقت الحالي، فمن الصعب عدم التوصل إلى استنتاج مفاده أن العطلات في بريطانيا لا تقدم ببساطة قيمة مقابل المال، وهو مصدر قلق رئيس وسط ارتفاع معدلات الرهن العقاري وكلفة الغذاء وفواتير الخدمات".

وتابعت "قد تفكر بالبحث عن عطلة صيفية لعائلتك، وتريد قضاء أيام على الشاطئ، والمشي على الساحل، وتناول وجبات ممتعة بالخارج ولكنك قلق في شأن الأسعار، لذلك قد تفترض أن الجواب هو البقاء في بريطانيا وزيارة كورنوال، وليس كورفو اليونانية منطقة البحيرة، وتوسكانا الإيطالية. لكنك ستكون مخطئاً".

أسعار العطلات

وقفت الصحيفة على أسعار العطلات داخل بريطانيا، قائلة إنه لقضاء عطلة في كوخ مكون من غرفتي نوم في كورنوال في أغسطس (آب) المقبل، وجدت أن أرخص إقامة مدة أسبوع اعتباراً من الخامس من أغسطس المقبل، على أحد المواقع المعروفة هو "هوليداي كوتيج دوت كوم دوت يو كي" تكلف حالياً 890 جنيهاً استرلينياً (1137 دولاراً)، وهذا لشقة ذات مظهر غير ساحر بالتأكيد، كما يمكن للزائر بسهولة إنفاق أكثر من ضعف هذا المبلغ على بعض الأماكن المرغوبة المكونة من غرفتي نوم، وبالنسبة لفيلا تتسع لثمانية أفراد، على سبيل المثال، فإن السعر يرتفع إلى 3500 جنيه استرليني (4471 دولاراً) إلى خمسة آلاف جنيه استرليني (6338 دولاراً).

مع ذلك، تبدو القصة مختلفة تماماً، ففي بحث مماثل على موقع سياحي، تظهر مجموعة كبيرة من المنازل الريفية في المنطقة بجزء صغير من الكلفة في كورنوال، ولا تزال هناك العشرات منها متاحة بأقل من 300 جنيه استرليني (383.2 دولار) في الأسبوع، وهذا ثلث سعر أرخص مكان في كورنوال.

تقول الصحيفة "في الوقت نفسه، إذا كنت تبحث عن مزيد من أشعة الشمس المضمونة، فيمكن لمجموعة مكونة من ثمانية أفراد حجز فيلا مكونة من أربع غرف نوم مع مسبح خاص على الساحل شمال لشبونة مقابل 1500 جنيه استرليني (1916 دولاراً).

ووفقاً لشركة التحليلات "إييردي أند دي"، ارتفع متوسط سعر الإيجار في بريطانيا فقط لليلة واحدة في عام 2024 بنسبة 12 في المئة منذ عام 2023، ليصل إلى 153 جنيهاً (195.4 دولار)، وفي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، يبلغ متوسط الأسعار 107 جنيهات استرلينية (136.7 دولار) و124 جنيهاً استرلينياً (158.4 دولار) و121 جنيهاً استرلينياً (154.6 دولار) على التوالي.

وبالبحث عبر موقع "إير بي أن بي" عن عقار مكون من غرفتي نوم في منطقة ساوثوولد العصرية، مرة أخرى خلال الفترة من الخامس إلى 12 أغسطس المقبل، ستجد أن الخيار الأرخص، وهو منزل ريفي لطيف، يكلف 1548 جنيهاً استرلينياً (1977 دولاراً) ولكن بإمكانك اختيار بينيسكولا الرائعة بالقدر نفسه في شرق إسبانيا، وستجد شقة لائقة بنصف هذا السعر، ولكن سيتعين عليك الأخذ بالاعتبار كلفة السفر، ولكن حتى مع ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، لا يزال بإمكانك العثور على رحلات طيران في موسم الذروة إلى أوروبا مقابل نحو 50 جنيهاً استرلينياً (63.8 دولار) في كل اتجاه، أو رحلات النفق الأوروبي (نفق المانش) مقابل 200 جنيه استرليني (255.5 دولار).

وقالت سوزي لوف، وهي أم لطفلين تقيم في وينشستر، للصحيفة، "أخذنا عطلة في إيست ويترينغ بعد كوفيد مباشرة، وكان الأمر فظيعاً، ولن نفعل ذلك مرة أخرى أبداً... تكلف المنزل الذي حجزناه 1800 جنيه استرليني (2300 دولار) من الإثنين إلى الجمعة، وكانت الإقامة فيه متعبة وكان المنزل متواضعاً، ولم يكن هناك كثير من الخيارات لتناول الطعام بالخارج ولم تنعكس الأسعار المرتفعة على جودة الطعام أو الخدمة، أضف إلى ذلك أن الطقس متقلب".

تناول الطعام في الخارج

تتصدر إسبانيا القائمة عندما يتعلق الأمر بالوجهات المفضلة للبريطانيين، وفقاً لما يقوله مكتب الإحصاءات الوطنية، إذ مثلوا 21 في المئة من جميع الزيارات الخارجية في عام 2023، تليها فرنسا (11 في المئة)، وإيطاليا (ستة في المئة) واليونان (خمسة في المئة)، وعندما تنظر إلى كلفة الأكل والشرب في هذه البلدان، فلن تحتاج إلى كثير من الحيرة لمعرفة السبب، فهي منخفضة مقارنة ببريطانيا.

وتشير التقديرات إلى أن شراء القهوة في منطقة الغارف جنوب أوروبا يكلف 88 بنساً، كما يبلغ متوسط السعر في كوستا ديل سول في جنوب إسبانيا 1.58 جنيه استرليني (2.37 دولار)، وللحصول على وجبة مكونة من ثلاثة أطباق لشخصين، بما في ذلك زجاجة من النبيذ، يمكنك أن تتوقع دفع 40 جنيهاً استرلينياً (51.15 دولار) أو 60 جنيهاً استرلينياً (76.73 دولار) في المنطقتين المشمستين، على التوالي.

تضيف الصحيفة "قارن ذلك ببريطانيا، إذ يراوح سعر القهوة من ثلاثة جنيهات استرلينية (3.8 دولار) إلى أربعة جنيهات استرلينية (5.1 دولار)، وتبلغ كلفة الوجبة المتوسطة المكونة من ثلاثة أطباق لشخصين (بما في ذلك النبيذ) ما يقارب 70 جنيهاً استرلينياً (89.5 دولار) أو 80 جنيهاً استرلينياً (102.3 دولار).

كلفة السفر المرتفعة

وتعد الكلفة المرتفعة للسفر بالقطار داخل بريطانيا قضية شائكة أخرى، فتقول الصحيفة "فلنفترض أنك تريد الوصول إلى شقتك لقضاء العطلة في الكورنيش بالقطار، فستجد أن أرخص رحلة عودة خارج أوقات الذروة من لندن إلى بينزانس بتاريخ الخامس من أغسطس تبلغ حالياً 143 جنيهاً استرلينياً (182.7 دولار) أي ما يقارب 600 جنيه استرليني (766.88 دولار) لعائلة مكونة من أربعة أفراد، وتستغرق الرحلة أقل من خمس ساعات، فإذا كنت مسافراً من مانشستر، تبلغ الفاتورة 236 جنيهاً استرلينياً (301.6 دولار) للشخص الواحد وتستغرق الرحلة أكثر من سبع ساعات، وذلك قبل إضافة كلفة سيارة الأجرة من وإلى مقر إقامتك". وللمقارنة، تبلغ كلفة رحلة العودة عالية السرعة لمدة ثلاث ساعات من مدريد إلى ملقة، في نفس التاريخ، 55 جنيهاً استرلينياً (70.3 دولار) للشخص الواحد.

مقدمو العطلات وتحسين العروض

ومع هجر السياحة الداخلية في بريطانيا بسبب ارتفاع الأسعار، أصبح يدرك مقدمو العطلات في بريطانيا، أن أيام مجد "كوفيد" انتهت، حين ازدهرت السياحة الداخلية بعد إغلاق دول العالم لحدودها منعاً من تفشي الوباء، لذا أصبحوا يبحثون عن طرق لتحسين عروضهم. ونشرت صفحة السفر في "تليغراف" تقريراً عن كيفية رفع الشركات مستوى لعبتها من أجل البقاء، مع إضافة كل شيء مع تخفيض أسعار الإقامة في الوجهات الداخلية في البلاد.

ويؤكد مدير شركة العطلات المستقلة "تود هول كوتيغيز"، جيمس نورتون، أن السوق أصيبت "بالجنون" خلال سنوات الوباء، لكنه يقول إن الأسعار تعود الآن إلى المستويات التي ينبغي أن تكون عليها.

ويضيف "التسعير الديناميكي، تحدده خوارزميات آلية، إذ يضبط السعر بناءً على الطلب وعدد الزيارات التي تحصل عليها الصفحة وما إلى ذلك، وهناك الآن خصومات بنسبة 50 في المئة على بعض الوجهات، ولكن هذا مضلل بعض الشيء، ويجرى تصحيح الأسعار بعد سنوات قليلة متضخمة، حين كانت كلفة بعض العقارات التي استئجرت قبل "كوفيد" 1200 جنيه استرليني (1533 دولاراً)، والتي تراوح اليوم ما بين 3 آلاف جنيه استرليني (3.8 آلاف دولار) و4 آلاف جنيه استرليني (5.1 ألف دولار).

ولكن حتى الخصومات لن تقنع كثيراً من المقيمين في بريطانيا بالبقاء في البلاد هذا الصيف، إذ أشار البحث الذي أجرته هيئة السياحة البريطانية إلى رغبة المصطافين أيضاً في تجربة ثقافات جديدة.