Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشكالات الحب بين ماري القبطية وشاب مسلم يدعى "هو"

"هذا الغضب ليس موجها إليك" رواية تواجه أمراض العصر ومنها الاكتئاب

لوحة للرسام بهرام حاجو (فحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

قصة حب يعيشها شاب مصري مسلم لا اسم له وفتاة قبطية تدعى ماري في رواية "هذا الغضب ليس موجهاً إليك"، للكاتب المصري أحمد فؤاد الدين. تقع ماري في حالة من الاكتئاب وتحمل من حبيبها فتتعقد العلاقة مثلما هي الحياة العصرية معقدة.

تنتمي رواية "هذا الغضب ليس موجهاً إليك"، للكاتب المصري أحمد فؤاد الدين (دار المرايا 2024)، إلى نوع الرواية النفسية، التي تتميز بقدرتها على تصوير الصراعات الداخلية والتوترات النفسية، التي يواجهها الأبطال، بالتوازي مع استكشاف العواطف والأفكار الباطنية المؤثرة، بدلاً من التركيز على الحبكة الخارجية أو الأحداث الكبرى. ويعتمد هذا النوع من الروايات على تحليل سلوك الشخصيات بدقة، مع الغوص في تعقيدات النفس الإنسانية، بهدف إدراك دوافع الذات في أفعالها وسلوكها.

في روايته "هذا الغضب ليس موجهاً إليك"، المفعمة بالمشاعر والتوترات النفسية، يصف الكاتب أحمد فؤاد الدين معاناة بطله، الذي يسميه (هو) على مدار النص، وهو يعيش تجربة حب مؤلمة. اختار الكاتب أن يبدأ السرد بأكثر الأحداث توتراً في العلاقة بين الحبيبين، حين يتلقى البطل اتصالاً من الحبيبة الغائبة تطالبه فيه بالحضور فوراً، لأنها حامل، وسوف تخضع لعملية إجهاض. فيغوص النص عميقاً في التداعيات النفسية للبطلين حول هذا الحدث، بحيث تتجاوز ذروة الأزمة في النص قيام علاقة حب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، كي تتمحور المعاناة حول وجود وحش خفي، يتوارى بعيداً في غرفة ماري الداخلية. فكيف من الممكن ترويض الوحش؟

يجد البطل نفسه في دوامة من التقلبات المزاجية الحادة، التي تجتاح حياة حبيبته ماري، مما يتركه على مدار النص حائراً وممزقاً بين الأمل واليأس، الارتفاع والهبوط، الذروة والحضيض. وخلال حالات الاكتئاب التي تنتابها، يشعر بعجزه عن تخفيف آلامها، وهي تغرق في الغضب والحزن والفراغ، وتصبح معزولة وغائبة عن الحياة اليومية. تعصف بها موجات الهوس التي تعيشها، مما يصيبه بالحيرة وهو يراها تتحول إلى شخص مختلف تماماً، مليء بالطاقة والاندفاع، لكن بطريقة متهورة وغير متزنة، ثم تتفاقم معاناته بين رغبته العميقة في مساعدتها وحبه لها، وبين إحساسه بالعجز أمام تقلباتها المرضية، مما يجعل علاقتهما تمضي بين مد وجزر، في رحلة صعبة مليئة بالتحديات والمشاعر المتناقضة.

قسم الكاتب روايته، إلى ستة فصول، يتبادل فيها البطلان البوح، وكل منهما يروي الأحداث من وجهة نظره. وتركز أسلوب السرد في الرواية، على استخدام تقنيات تتواءم مع الكشف والتداعي، مثل السرد الذاتي والمونولوغ الداخلي، والحوار، بحيث يتمكن القارئ من التسلل إلى بواطن الشخصيتين، والتعرف إلى أفكارهما ومشاعرهما المتوارية، والمخزونة في عمق الذاكرة؛ مما يسمح بفهم أعمق للموضوعات النفسية مثل الهوية، الوعي الذاتي، والأزمات الوجودية، لكل منهما.

ماري القلقة

هناك زاويتان مختلفتان للرؤية، يقدمها الكاتب بحيادية تامة؛ وقد اختار أن يبدأ الفصل الأول مع عنوان "النهاية"، وأن يحمل الفصل الأخير عنوان "البدايات"، وبينهما "الابتعاد"، "الهروب"، "الاعترافات"، "الليالي الحلوة"؛ وكما لو أنه عبر هذا التقسيم يتمكن من تفكيك تشكل العلاقة، وتطورها، وصولاً إلى انتهائها.

تعاني بطلة الرواية ماري من الاكتئاب الثنائي القطب، المعروف أيضاً بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وهو اضطراب نفسي تتأرجح فيه مشاعر المرأة بين قمة الهوس الحادة، ووديان الاكتئاب العميقة. المسببة لتغيرات مزاجية تترك أثراً مؤذياً على حياتها اليومية.

في فترات الاكتئاب، يغمر ماري شعور قاتم بالحزن واليأس، يتلاشى فيه بريق الأنشطة التي كانت تمنحها السعادة، ويصبح العالم من حولها باهتاً وفارغاً. تفقد الشهية للطعام، أو تتناوله بشكل مفرط، وتراودها صعوبات في النوم، أحياناً لا تجد راحتها في أي مكان، وأحياناً تغط في نوم طويل من دون شبع. يتسلل التعب إلى كل زاوية من جسدها، وتشعر بالدونية الذاتية، فهي محاصرة بمشاعر الذنب التي لا تعرف لها سبباً. التفكير يصبح ثقيلاً، والأفكار تترنح في ذهنها ببطء، حتى اتخاذ القرارات البسيطة يصبح كابوساً؛ وفي أكثر اللحظات ظلمة، تراودها أفكار الموت، وتتمنى لو ينتهي كل شيء، ثم في إحدى اللحظات تخوض تجربة الانتحار، وتخرج منها.

مع تصاعد حدة الاكتئاب في حياة ماري، يجد البطل نفسه أمام لحظات قاسية حين تصده وتطرده من حياتها. يشعر بوجع عميق، وهو يراها تتحول من الحبيبة الدافئة إلى شخص غريب وقاسٍ. يتساءل إن كان حبهما العميق غير كافٍ لمحاربة شياطين مرضها. يتردد صدى كلماتها الجارحة في عقله، بينما يحاول فهم تلك الفجوة الكبيرة التي ابتلعت حبهما. لكنه على رغم ذلك، يظل يحمل أملاً خافتاً بعودتها يوماً كما كانت، يقول: "مع اقتراب الفجر استيقظت، دخلت غرفتها، وجدتها مستغرقة في النوم، وجهها ملائكي، وددت لو ظلت هكذا للأبد، لا يتلاعب بعقلها الدواء والمرض".

أما ماري فإنها تشعر بثقل العالم يسحقها، تغرق في الحزن والعزلة والاضطراب والحيرة المستمرة، غير قادرة على التواصل مع من تحب. تتسارع الأفكار في عقلها مثل كرات مطاطية في غرفة زجاجية مغلقة، مع رغبات جامحة بالشراء والجنس. تتساءل باستمرار عن هويتها الحقيقية، وعن الاستقرار الذي يبدو بعيد المنال. تبحث عن طريق للخروج من هذا السجن النفسي، لكن الأبواب تبدو موصدة في وجهها.

هي تدرك أثر تصرفاتها على من تحب، لكنها تجد نفسها غير قادرة على التحكم في مشاعرها وتصرفاتها، مما يضيف عبئاً إضافياً إلى روحها المتعبة. تعتقد بأن بقاءه معها سيجلب له الأذى فقط، فتجد نفسها تدفعه بعيداً، قائلة: "في الاكتئاب، أشعر بأن حياتي لا قيمة لها على الإطلاق، وكل من حولي لا يحبني، وأن أحداً لن يتمكن من التعامل مع مرضي، ولا مع شخصيتي المختلفة، وأن النتيجة الوحيدة للحياة هي الموت وحيدة، غير متحققة".

جذور المعاناة

يتجذر جزء من معاناة ماري في صدمة فقدان والدتها، وهي طفلة في السابعة من عمرها، ثم علاقتها المتوترة مع والدها، لتجد نفسها مضطرة للتعامل مع أبٍ يُظهر خنوعاً مستمراً أمام المجتمع الأكبر. كانت ترى في خنوعه ضعفاً ينعكس على حياتها، إذ كان يرفض مواجهة الظلم، ويتنازل عن حقه تحت ستار التسامح. هذا التناقض بين حاجتها للدعم والقوة، وبين ضعف والدها وصمته المؤلم جعلها تشعر بالغضب والارتباك. تعمقت أزمتها النفسية حين بدأت تتساءل عن هويتها ومكانتها، وعما إذا كان الخنوع هو قدرها أيضاً. كانت تحاول عبثاً أن تفهم كيف يمكن لوالدها أن يبرر ضعفه، مما جعلها تعيش في صراع دائم بين حبها له، ورفضها لما يمثله من خنوع أمام الآخرين، بينما يعاملها بقسوة، لنقرأ: "في أحد الأيام، طلبت منه مالاً لشراء حذاء جديد، خرج وتركني ثم عاد لي بحذائي القديم يرفعه ويقول لي إنه ما زال سليماً، وعندما اعترضت أطاح بالحذاء، أصاب رأسي. لم أكلمه بعدها لعشرة أيام، حتى عندما ترك لي أموالاً لم أقبلها، كنت سعيدة بأن يشعر بالمرارة كما أشعر بها. لكني لا أصدق أنه أبداً قد شعر بما دار في عقلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقدم الرواية صوراً لعلاقة البطلين بالفنون، حيث يلتقيان للمرة الأولى في ورشة لتعليم فن الكولاج، وتحضر الموسيقى منذ بداية الرواية مع معزوفة "قطرة المطر" لشوبان، ونجد حضوراً لعدة أعمال أدبية، لأن الأدب الجيد يساعد على الابتسام كما يرى البطل، أما ماري فهي ملتصقة أيضاً بالفن، مولعة بالقراءة، وتحب الموسيقى والأفلام.

مع الفصل الأخير "البدايات"، تتضح تفاصيل العلاقة أكثر مع المونولوغ الداخلي لكليهما، الذي يخلق حالة كاشفة من البوح، فيشعر كل منهما بالانقسام بين عالمين مختلفين. تصطدم رغبتهما في البقاء معاً بصعوبات الحياة الواقعية والاختلافات النفسية، مما يجعل كل خطوة إلى الأمام مليئة بالتحديات والأفكار المتضاربة. هذا الصراع الداخلي المستمر يضيف طبقة من التعقيد إلى علاقتهما.

يركز النص تأملاته حول الأزمة الوجودية للأنا الساردة، فتبدو التداخلات بين الذات والعالم، متوترة جداً، من جانب اعتبار الاكتئاب، من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في العصر الحديث، ومن جانب اختيار الكاتب لزمن السرد، ما بعد مرحلة وباء كورونا، والعزلة التي لجمت المجتمعات عن الحركة، وكان من نتاج ذلك تغيرات نفسية واجتماعية ومهنية ومادية كثيرة، تركت انعكاساتها على البشر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة