ملخص
يتكرر الجمع بين التصوير والنحت هذا الموسم في أكثر من معرض قاهري، وهو سلوك تقدم عليه الغاليريهات التي تمتلك فضاءً لاستضافة معرضين أو ثلاثة معارض في الوقت نفسه. وفي هذا السياق يستضيف غاليري بيكاسو للفنون في القاهرة معرضين مهمين للتصوير والنحت، الأول لأعمال الفنان أسامة فريد والآخر لأعمال سيد واكد.
في معرض أسامة فريد المقام تحت عنوان "آفاق ذهبية"، يواصل الفنان اكتشاف عالمه اللوني بعرض مجموعة من اللوحات التي أنجزها حديثاً. وفي هذه اللوحات نجد اللون محور البناء البصري للتكوين، أياً كانت العناصر التي تتشكل أمامنا على مساحة الرسم. وأسامة فريد من الفنانين المولعين باللون والتجريب والتنوع، إذ تراوح بين المشهد الطبيعي والتكوينات المعمارية، إلى معالجاته المختزلة للعناصر والأشكال، ومن الرسم المباشر للبيوت إلى رسومه الأخرى للمشاهد الطبيعية التي تلامس حدود التجريد اللوني.
وتخرج الفنان أسامة فريد في كلية الزراعة عام 1977، وعمل بعد تخرجه في إحدى الشركات المتخصصة في المواد الكيماوية. وكان لعمل الفنان في مجال الكيمياء أثر في انشغاله بطبيعة الخامات اللونية وخصائصها، إذ أضاف هذا الاهتمام بعداً آخر إلى تجاربه تلك. وتجمع اللوحة الواحدة من لوحات أسامة فريد بين طبقات عدة من الخامات، بدءاً من الأكاسيد والأصباغ إلى الألوان الزيتية والمائية، هذا إلى جانب توظيفه اللافت للدرجات الذهبية.
ويواصل الفنان أسامة فريد في هذه الأعمال توظيف اللون الذهبي في لوحاته، غير أن حضور اللون الذهبي يتمتع هذه المرة بكثافة غير معتادة، إذ نراه احتل جانباً كبيراً من مساحة اللوحة. وترمز الدرجات الذهبية هنا، كما يقول الفنان، إلى ضوء الشمس الذي يشرق على الجميع، فلا يفرق بين مدينة وقرية، أو بين بيوت الفقراء وناطحات السحاب.
لا شك أن التعامل مع مثل هذه الدرجات اللونية القوية يتطلب كثيراً من الحرص، ويحتاج إلى قريحة متمرسة على هذا المزيج اللوني المتباين. هي مغامرة بالطبع، لكنها على أية حال تبدو مغامرة محسوبة، وتعكس حرص الفنان، كما قلنا، على التجريب والاكتشاف.
واستفاد الفنان أسامة فريد من تجاربه السابقة، كما استفاد أكثر من خبرته في التعامل مع المواد الكيماوية. وفي كثير من أعماله يفاجئنا الفنان بالجمع بين خامات متنافرة من دون أن يشعر المتلقي بوطأة هذا التنافر، بل يوظف ذلك التباين بين الخامات لمصلحة العمل في كثير من الأحيان. ومن بين السمات المهمة التي تميز أعمال أسامة فريد أنه يبرز الانضباط الواضح في تشكيل حدود المشهد وابتداع أساليب مختلفة لتحقيق التوازن، إلى جانب توظيفه المتقن للإضاءة. وربما لهذا السبب اكتسبت أعماله هذه الطبيعة اللونية الغنية والمفعمة بالبهجة.
ويقام المعرض الآخر للفنان سيد واكد تحت عنوان "لعبتي". ويطالعنا فيه بمجموعة من التشكيلات النحتية المصنوعة من الزجاج. وتخالف الخامة هنا ما عهدناه عن الممارسة النحتية في اعتمادها على خامات صلبة ومعتمة كثيراً. وتبنى الفنان سيد واكد خامة الزجاج لتشكيل أعماله في تجاربه الأولى، واستمر مخلصاً لهذه الخامة حتى أصبح متمرساً على التشكيل بها وتوظيفها على نحو قد لا يضاهيه فنان آخر من معاصريه في قدرته على التعبير بها.
وينشئ الفنان هذه التشكيلات اعتماداً على وحدة مكررة من المكعبات الزجاجية المتشابهة، والتي يعيد تشكيلها وتهيئتها في كل مرة ليخرج بقوام جديد للصرح الزجاجي الذي يشكله. نحن هنا أمام حال أشبه باللعب، وهو ما يشير إليه الفنان في عنوان المعرض وكلمته المصاحبة للعرض. ويعيد الفنان سيد واكد تشكيل هذه المكعبات كمن يستغرق في لعبة طفولية، وهو يشعر بالسعادة كما يقول حين ينجح في تحقيق الشكل المرسوم في مخيلته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح الفنان أنه يسعى دائماً إلى استكشاف مصادر الطاقة التي يمكن أن تنتج من التقاء هذه الأشكال، وعلى نحو خاص ما يتميز به الزجاج من صفات، كالشفافية والانعكاس والقدرة على التبلور. وتفرض هذه الخامة أحياناً على صاحبها وقت التنفيذ صياغات معينة للشكل، وهو ما يضيف مزيداً من التحدي والاكتشاف والمتعة.
ويقول الفنان إن أكثر ما يجذبه في الزجاج هو طبيعته الشفافة كالماء، مما يشعره، كما يقول، بأنه يعيد تشكيل الفراغ نفسه. كما أن طبيعة الخامة تخالف طبيعة الخامات الأخرى الشائعة في الممارسة النحتية، فعليك هنا أن تحول الخامة أولاً من حالها الصلبة إلى حال الليونة بتعريضها للحرارة، حتى يتسنى لك العمل عليها، ثم إعادتها مرة أخرى إلى حال الصلابة. هذه الطبيعة الخاصة التي يتمتع بها الزجاج تتطلب كثيراً من الخبرة والفهم لمقوماتها، كما يقول الفنان، هذا إلى جانب المرونة في التفكير والتمرس على تجاوز العقبات التي تطرأ أثناء العمل.