Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعاة وفنانون... جدل "المقدس والجميل" وبينهما الـ"ترند"

ثنائيات النجوم والمشايخ سيناريوهات متكررة منذ عقود والـ"سوشيال ميديا" تفضح طرفي "الفائدة المزدوجة"

المؤكد أن الدعاة يتابعون الفن حتى لو كانوا يمقتون أهله (اندبندنت عربية)

ملخص

ما سر انجذاب الدعاة إلى عالم المشاهير؟ وهل يبحث النجوم أيضاً عن الدعاة ويسعون لصداقتهم فتتعقد الأمور وتتحول إلى أزمة حينما تخرج حكاياهم للعلن؟

من يسعى إلى من؟ هل مشاهير الفن هم من يحاولون التقرب من الدعاة فيحدث هذا التشابك المجتمعي، أم أن بعض المشايخ في مصر هم من يحبون الحديث بصورة دائمة عن الفن مرة بالهجوم العاصف الذي يصل إلى حد الإهانة، ومرة بهدف النقد بالتي هي أحسن انطلاقاً من وازع إصلاحي، وتدريجاً تصبح دائرتهم واحدة، فيستمد المشايخ نجوميتهم من شهرة أهل الفن، الذين بدورهم يحظون بالمتابعة بنشر هذا الجانب من حياتهم؟

وعلى رغم أن الاتصال مع رجال الدين بالنسبة إلى المؤمنين في أي مجال أمر معتاد وطبيعي، فإن الأمر يأخذ أبعاداً أخرى حين يكون طرفاه على هذا القدر من الشهرة، فثنائية الفنانين ودعاة الدين في مصر علاقة قائمة منذ عقود، وأسفرت عن منعطفات كثيرة في حياة كليهما، ولكن الأمر في عصر الـ"سوشيال ميديا" يتحول إلى استقطاب ويسبب إحراجاً لأكثر من طرف، خصوصاً حين يقعون تحت مقصلة الـ"ترند".

ميراث الشيخ كشك

المؤكد أن الدعاة يتابعون الفن حتى لو كانوا يمقتون أهله، فالشيخ كشك الذي انتشرت شرائطه بين الأوساط الشعبية منذ سبعينيات القرن الماضي، كان في سخريته وتحريضه على المطربين والممثلين يسرد تفاصيل وكلمات من أغنياتهم وأعمالهم، مما ينم عن متابعة حثيثة، فهو من جهة يبدي عداوته لهم، ومن جهة ثانية يتابع كل جديدهم ويتندر عليه، وقبل أعوام قليلة إبان حكم "الإخوان" في مصر عاد بعض الشيوخ إلى تلك النغمة وتركوا كل شيء وركزوا في السخرية من الأعمال الفنية، ووصل الأمر إلى السب، فكان نصيبهم مجموعة من الدعاوى القضائية التي قادها النجوم وأبرزهم إلهام شاهين.

 

 

حرمان الشيخ كشك ومن بعده زملاء آخرون على خطاه من المنابر الرسمية جعل غيره يفكر أكثر من مرة قبل تبني الخطاب الهجومي والعدائي المعلن، واتخذوا من النبرة المعتدلة وسيلة لهم في الوصول إلى القنوات الرسمية فتحققت لهم الشهرة والنجومية بالدعم والإلحاح والاجتهاد والاستحقاق في بعض الأوقات، لكن ظلت العلاقة بعالم الفن قائمة، وكأنها متلازمة مصرية دائمة تربط بين العالمين، على رغم الادعاء بأن التناقض هو ما يجمع الطرفين.

صداقة بعد العداء

الشعراوي وعمرو خالد ومصطفى حسني ومعز مسعود وخالد الجندي، من أسماء الدعاة الذين ارتبطوا بصورة أو بأخرى بعالم الفن والمشاهير في مصر. وتتضمن برامجهم الإيمانية تيترات موسيقية وبعضها غنائي بأصوات مشاهير مثل تامر حسني ومحمود العسيلي، على رغم أن هناك عدداً من المدارس الدينية تعد هذا النهج بمثابة مزمار الشيطان، إضافة إلى أن برامج الأجيال الأحدث منهم تحوي مشاهد تمثيلية لنجوم ونجمات، وأبرز من ظهروا بها ياسمين صبري وندى موسى ومحمد عادل.

وكشف كثير من النجوم على مدى تاريخ الفن عن علاقات صداقة جمعتهم بالدعاة، كذلك أن بعضهم اتخذ قراره بالاعتزال بناءً على نصائح أحدهم. ولكن الأمر في عصر الـ"سوشيال ميديا" يبدو مربكاً جداً، ومن أحدث فصوله ما حصل مع الداعية فدوى مواهب، وهي مخرجة سابقة احترفت الدروس الدينية وارتبطت بصداقات وطيدة مع النجوم وأبنائهم، وقد دخلت في سجال مع المترصدين لها، فما سر انجذاب الدعاة إلى عالم المشاهير؟ أم أن المشاهير هم من يبحثون عن الدعاة ويسعون لصداقتهم فتتعقد الأمور وتتحول إلى أزمة حينما تخرج الحكايات للعلن؟

الدعوة من منازلهم

وحاول كثير مناقشة الإجابة خلال الأسابيع الماضية، وبينهم الكاتب خالد منتصر الذي أبدى استغرابه في تدوينات عدة من أسلوب مواهب وغيرها، مؤكداً أنها تعتمد طريقة أداء تمثيلية مبالغاً فيها، منتقداً المشاهير الذين يستعينون بمعلمين مثلها لتعليم أطفالهم أصول الدين، إذ يرى أن الأهل على الأرجح يريدون الحصول على ختم الصلاحية الإيماني بتلك الطريقة.

ويشير إلى هذا التفسير بصورة أو بأخرى، ما قاله أحد من يعملون في إدارة منظومة أعمال المشاهير، والذي كان يبحث لعدد منهم عن معلمين للدين يذهبون لتعليم الأطفال بالمنازل، أو في مجموعات مع أصدقاء لهم، لافتاً إلى أنهم ليسوا وحدهم من يلجأون إلى هذا السلوك، بل إن كثيراً ممن ينتمون إلى الطبقات العليا، سواء رجال أعمال أو أصحاب وظائف مرموقة، يشعرون بالتقصير الشديد تجاه أطفالهم في هذا الاتجاه، نظراً لأنهم مشغولون بمتطلبات مهنتهم، ويرون أنفسهم يشتتون صغارهم في تفاصيل كثيرة تحيط بهم في هذا المجال، وبما أنهم يدفعون مبالغ ضخمة لهؤلاء المعلمين فأصبحت هذه المهنة رائجة ويبحث عنها عدد من دارسي الفقه وحفظة القرآن الكريم، وهم أنفسهم من يسعون للتقرب إلى تلك الدائرة لأنهم في رأيهم يسهمون بشيء جيد هو تعليم القيم والتسامح وأيضاً الحصول على أجر مجز، ومن ثم لا يجدون غضاضة في أن يعرفوا بدعاة الساحل الشمالي، حيث تكثر دروسهم الصيفية في أفخم القرى المطلة على الشاطئ المقترن بدوره بفئة من نجوم الفن وكرة القدم في الأعوام الأخيرة.

 

 

وبعيداً من الخدمة المقدمة إلى الصغار، فالآباء المشاهير أنفسهم لديهم دوماً رغبة في ربط صورتهم الذهنية بأسماء شيوخ "لامعين"، وهنا تحاول عميدة المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق سهير صالح تفنيد أسباب انتشار ثنائية الفنان والداعية التي تتكرر في سيناريوهات متعددة، بالتشديد على أن الفائدة تعم على طرفي هذه العلاقة، فهناك كثير من المشاهير، سواء فنانين أو لاعبي كرة أو رجال أعمال، يحاولون تقوية الجانب الروحاني لديهم بالتقرب من بعض الشيوخ بصورة ملحوظة، كذلك أنهم يريدون تقديم هذه العلاقة في الإعلام كنوع من الدعاية لهم على أنهم ملتزمون في حياتهم الخاصة.

وتضيف "الحقيقة أن بعضهم أيضاً يؤمن بما يسمى البركة، أي يتباركون بوجود رجل دين معين في حياتهم، ويرغبون في الحصول على النصح في بعض القرارت خوفاً من أن يفقدوا ثروتهم أو ما حققوه من نجاح، فلديهم خوف مبالغ فيه من فقد أملاكهم ومصدر رزقهم، ويعتقدون أن وجود رجل الدين الصديق سيساعدهم في التعامل الأمثل للحفاظ على ما لديهم، فالنفس البشرية تحاول دوماً البحث عن الأمان والاطمئنان وطرد شعور التقصير والقلق من المجهول".

فتش عن البيزنس

وبالمقابل فإن الطرف الآخر، وفق ما تقول صالح، يستفيد كذلك باختصار كثير من الخطوات في الطريق والوصول بجماهيريته إلى القمة في وقت قياسي، والدخول كذلك إلى مجتمع الصفوة وتحقيق كثير من الامتيازات بينها الربح المادي بزيادة المشاهدات، لأن القصة كما تؤكد أستاذ الإعلام التربوي "عبارة عن بيزنس في النهاية، والبيزنس بحاجة إلى التسويق بمختلف الوسائل وتواصل، ومن ثم يستغل بعض الدعاة علاقاتهم بالمشاهير في دعم صورتهم وتقوية منصاتهم، وتحقيق الصدقية بالظهور مع علية القوم الذين لديهم جمهور عريض، إذ يصبح جزء منهم ضمن جمهور الداعية بسهولة، لأنه دائم الظهور في حياة هؤلاء ومشارك في أفراحهم وأحزانهم ومناسباتهم الاجتماعية المختلفة".

وفي ما يتعلق بمعلمي تحفيظ القرآن وتعليم الواجبات الدينية الأساسية في البيوت المصرية، فالأمر لم يعد حكراً على طبقة بعينها يكون فيها الآباء مشغولين ولديهم شعور بالتقصير تجاه أبنائهم في هذه الناحية، أو يعانون هم أنفسهم من أزمة في المعارف والمعلومات الدينية، لكن أيضاً بين طبقات أقل من عامة الشعب، خصوصاً في المدارس الحكومية التي تشهد تغيباً كبيراً للتلاميذ لتتحول الدروس إلى وسيلة التعليم الأولى، ومن ثم فالاستعانة بالمعلمين الدينيين أمر لا يقتصر على فئة مخملية كما يتخيل بعض.

 

 

ولكن بحسب المعروف، فالأمر في الفئة الأكثر ثراءً يكون مختلفاً بعض الشيء، كذلك في أوقات كثيرة يتحول إلى "ترند" حين يتم الاعتماد على معلمين بهدف تعليم الأمور الحياتية المرتبطة بتعاليم الدين، وليس تلك المتعلقة بالمنهج الدراسي فقط، وهنا تختلف المواصفات المطلوبة، وعلى الداعية أن يقدم نفسه بصورة تضمن له أن يحظى بالقبول، فكثير منهم يجب أن يتقنوا الإنجليزية أولاً، إضافة إلى العربية، كي يتمكنوا من التواصل مع أطفال هذا المجتمع، لأن غالبيتهم من خريجي المدارس الدولية التي تعتمد على لغات أجنبية فيما العربية تحظى باهتمام أقل، وأن يبدو قريباً في مظهره منهم، تلك الشروط ليست سلبية بل على العكس، لكنها تستخدم من قبل المعلقين كذريعة على أن مؤهلات الفوز بالوظيفة تبعدها عن مسارها، وأن الأهم هو إيجاد مدخل للإقناع وأسلوب تجاري، وليس شرطاً أن يكون الشخص مؤهلاً علمياً لأداء المهمة.

وتتفق أستاذة علم الاجتماع إيمان عبدالله مع كثير مما قالته سهير صالح أستاذ الإعلام، بخاصة في ما يتعلق بطريقة صناعة نجوم الدعوة الجدد، لكنها تنوه إلى أن العلاقة بينهم والمشاهير على رغم أنها تحقق لكل منهم خدمة يطمح إليها، لكنها تسبب شعوراً بعدم الارتياح لدى عموم الجمهور بصورة عامة، مما يخلق الجدل والتعليقات السلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لافتة إلى أنه استقر في الأذهان أن الشهرة المرتبطة بمجالات دنيوية مثل الفن وغيره تشكل مفاهيم لا تتوافق في أوقات كثيرة مع الروحانيات المعروف بها عالم الدعوة. وبسؤالها عن بعض الأسماء التي حققت جماهيرية كبيرة على رغم ارتباطها بصورة أو بأخرى بأسماء فنانين بعينهم مثل الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، فسرت الأمر بأنه "حقق نجوميته كعالم أولاً، ولم تكن عن عمد بل جاءت في إطار منهجه الذي حرص على نشره".

بحثاً عن الصدقية

وترى أستاذة الإعلام التربوي سهير صالح، أن الـ"سوشيال ميديا" تسهم بصورة أساسية في انتشار ظاهرة بعض الدعاة الذين يسعون إلى ربط أسمائهم بأسماء رجال الأعمال أو أبطال الرياضة أو مشاهير الفن، مشيرة إلى أن كثيراً من هؤلاء يبحثون عن تلميع أسمائهم فقط، وقد لا يكونوا مؤهلين للتثقيف الديني في الأساس، كذلك أبدت صالح دهشتها من وجود عشرات الأسماء وربما مئات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لرجال ونساء يقدمون أنفسهم على أنهم متخصصون في الدين ولديهم مريدون يقبلون على حلقاتهم الدينية مقابل أموال، سواء "أون لاين" أو وجهاً لوجه، في حين أن بعض آرائهم لا تمت لحقيقة الدين بصلة، ومع ذلك نجحوا في تقديم أنفسهم لبعض الشخصيات العامة التي لديها قاعدة جماهيرية ليكتسبوا من وراءها فضيلة الصدقية، على رغم أن علومهم قد تكون مستقاة من بعض القراءات أو الدورات القصيرة، وليس من الدراسة الأكاديمية العميقة والمتخصصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بفيديوهات فدوى مواهب المتداولة على نطاق واسع، وبينها فيديو حول تحريم ارتداء الفتيات الملابس القصيرة أمام الأم، فهي دوماً تفتح باب "الترند" وتكون مدخلاً للجدل، حتى إن أحد علماء الأزهر وهو الشيخ عبدالعزيز النجار أوضح في تصريحات تلفزيونية بعد هذه الأزمة، أن الحكم الشرعي لملابس الفتيات في المنزل لا يتضمن ما قالته مواهب، فالملابس القصيرة أو الخفيفة لا تعد مخالفة للشريعة بين الأم وابنتها.

ومن جهتها، ردت الأنفلونسر التي افتتحت علامة تجارية خاصة بها للملابس المحتشمة، ولقبت نفسها في وقت سابق بأصغر مخرجة في مصر، وتعرب دوماً عن سعادتها بعلاقتها مع نجوم الفن والإعلام، بأن الحملة التي خرجت ضدها تتضمن قصفاً للمحصنات وتشهيراً بها وببناتها، واصفة نفسها بأنها تجتهد ولم تعد نفسها أماً للمؤمنين، ومن ثم فهي مقصرة وتحاول جاهدة الوصول إلى الالتزام، فيما تواجه الداعية الشابة على جانب آخر بلاغاً إلى النائب العام، قيد الفحص حالياً، تقدمت به المحامية نهاد أبو القمصان تتهمها فيه بالتعصب وانتحال صفة داعية ونشر الكراهية من خلال خطب تحرض على العنف والعنصرية.

في وجه العاصفة

ويجد الفنانون ومن هم في دائرتهم من دعاة وغيرهم أنفسهم في وجه العاصفة دوماً لأنهم الأكثر شهرة، حتى لو كان ما يفعلونه أمراً عادياً تشترك فيه عائلات وأطياف كثيرة، وذلك بحكم طبيعة مهنتهم التي تضعهم تحت بؤرة الضوء، وبحكم أن متلازمة "الداعية والفنان" لها فصول كثيرة للغاية بمصر، إذ ارتبط بعض الشيوخ على مدى أعوام كثيرة بحجاب واعتزال الفنانات و"هداية" الفنانين، ونشأت صداقات وطيدة بين الطرفين، فهذا الطرف يريد الاستزادة من المعارف الدينية ومغازلة الجمهور، والآخر، بحسب المعطيات، يحقق فائدة أخرى أهمها الانتشار، وأن يصبح مطلوباً للمنابر الإعلامية، وأن يصل إلى عدد أكبر من الجماهير، وقد يكون أكثر تلك العلاقات شهرة علاقة الفنان حسين صدقي بالشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر في ستينيات القرن الماضي، حينما أعانه الأخير على اتخاذ قرار الاعتزال في عز شهرته.

وبعدها جاء ارتباط اسم الشيخ محمد متولي الشعراوي بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي باعتزال عدد كبير جداً من النجوم، بينهم شمس البارودي وزوجها الفنان حسن يوسف وشادية وسهير البابلي وسهير رمزي وشهيرة وهناء ثروت وزوجها محمد العربي وياسمين الخيام، وغيرهم كثير من الفنانات اللاتي ارتدين الحجاب وقررن ترك الفن بناء على نصائحه، إذ كان كثير من المشاهير مقربين منه ويطلبون منه النصيحة ويحضرون دروسه الدينية.

 

 

وأصبح الأمر أقل حدة مع موجة الداعية عمرو خالد مطلع الألفية الثالثة، ومع أسماء أخرى ولكن كان هو أبرزهم، وجميعهم كانوا يتميزون بأنهم لا يستهدفون شريحة العامة فقط، وإنما كان تركيزهم منصباً على عالم المشاهير، ففي عام 2004 علق الكاتب الصحافي المتخصص في شؤون حركات الإسلام السياسي نبيل شرف الدين على تلك الظاهرة في مقال مطول قائلاً "أبرز ملامح هذا الفصيل الجديد من الشيوخ أنهم يتحدرون من أصول اجتماعية وطبقية عالية، وقلما يهتمون بالمظهر التقليدي للدعاة، فبعضهم يرتدي ملابس عصرية فاخرة ويتحدث بلغة الشباب (الروش طحن)، ويتخذ هيئة (مودرن) مغايرة للشيوخ التقليديين، ويتحدث بفصحى مخلوطة بالعامية، ويوجد عادة في أوساط اجتماعية متميزة".

موجات الاعتزال

، وبات أساسياً في دروس حصرية للصفوة يحضرها أهل الفن، وكان دوماً يعتبر المثال على تقديم المعلومة بطريقة سهلة تؤثر في الشباب الذين يعلمهم أصول الدين، وكأنهم يكتشفون أحكام الشريعة معه، إذ نجح في استقطابهم بطريقة لينة. ومن بين الأسماء التي تأثرت به خلال تلك الفترة الفنان أحمد الفيشاوي الذي كان على وشك الاعتزال وانسحب من الوسط وأصبح ضيفاً على المحتويات الدينية في الفضائيات.

 

 

وكذلك من بين الفنانات اللاتي ارتدين الحجاب واعتزلن خلال تلك الفترة غادة عادل وحلا شيحة وعبير صبري وموناليزا وميرنا المهندس ومايا شيحة، وفي مرحلة تالية حنان ترك، وعلى رغم أن غالبيتهن تراجعن وعدن مرة أخرى إلى الفن، فإن عمرو خالد ظلت لديه مكانة كبيرة لدى تلك الدائرة. وفي ما بعد لم يعد الخطاب في شأن ترك الفن حاداً أو صريحاً بهذه الصورة، بل أصبح هناك توافق بين الدعاة من طرف، والمشاهير من طرف آخر، إذ تغير نجوم المجال وبرزت أجيال جديدة لديها أيضاً جلسات حصرية تقدم إلى مجتمع ما وبدعوات خاصة، كذلك أن بعضهم توطدت علاقته بصورة كبيرة بالوسط الفني، مثل معز مسعود باعتباره الأكثر جدلاً، إذ ارتبطت مسيرته كمقدم برامج دينية أولاً بفنانين يظهرون في مشاهد تمثيلية في حلقاته لتخدم المحتوى، ثم كشف عن ميوله كعازف ومنتج فني قدم بعض الأعمال الدرامية، وفي ما بعد ارتبط بأكثر من فنانة شهيرة، انتهت علاقته بهن بعد وقت قصير، لكن كل هذه الأسماء على أية حال حققت شهرتها واسمها قبل الانتشار الواسع لمنصات الـ"سوشيال ميديا"، التي أفرزت بدورها نوعيات مختلفة حققت شهرة أسرع بكثير، وأثارت الشكوك حول مؤهلاتها العلمية، وأن الشيخ الشعراوي على رغم كل شيء كان يمتلك ناصية اللغة ولديه أسلوب جاذب في إطلاق خواطره المتعلقة بالتفاسير الدينية بطريقة حققت شعبية، نظراً إلى قربها للجمهور وبساطته، لكن تلك البساطة تقف عند حد معين، إذ ظل محافظاً على مستوى في السرد لا يهبط عنه، وفي النهاية كانت لديه دراية ودرس، وكان مؤهلاً تماماً للدعوة.

الجمهور مرتبك

فهل الدعاة في الأجيال الجديدة لديهم درس وإجازة، أم يعتمدون على بعض القشور العلمية، وتتعلق البقية بكيفية استقطابهم فئة معينة تبحث عن طوق نجاة من دون تعقيد؟ مبدئياً تعترف "ن. ع" إحدى المطلعات على تلك الدروس أنها "تفيد كثيراً من الأشخاص الذين لديهم ضعف في المعارف الدينية، وتأخذ بيدهم بأسلوب سهل وسلس، ولا تغلق الأبواب أو تنفرهم أياً كان التقصير، كذلك أن أسلوب الحكي والقصص والمؤثرات اللفظية يأتي بنتيجة فعالة، إضافة إلى أن الحضور يكون كبيراً ومنهم شباب الفنانين في مجالات مختلفة، ويتم توجيه خطاب سلس ورحيم لهم من دون تنفير وتحريم أو تجريم، وهو أمر نبحث عنه جميعاً".

ومع ذلك، تظل العلاقة بين النجوم والفنانين محل ارتباط، حتى للمتعصبين الذين يعلنون تارة عن كراهيتهم للفن بكل ألوانه باعتباره شراً ونقيضاً كاملاً للقيم الدينية، ويدعون شيوخهم إلى تكفير صناعه، وتارة يثنون على صداقة الدعاة لكبار نجوم الطرب والتمثيل أملاً في هدايتهم إلى طريق الفن الهادف برأيهم. وهذا التداخل في الآراء سببه في رأي الباحثة بمجال علم الاجتماع إيمان عبدالله أن "محددات عالم الشيوخ مختلفة تماماً عن عالم الشهرة المرتبط بصور و’لايكات‘ ونزهات وحفلات ونوعية ملابس معينة"، معتبرة أن الجمهور من الطبيعي أن يشعر بأن هناك ازدواجية غير مقنعة، ومؤكدة أن بعض من يحسبون أنفسهم على مجال الدعوة ويتباهون بصداقتهم لنجوم بعينهم يبتكرون في أوقات كثيرة فتاوى ليس لها محل من الإعراب، بهدف إثارة الجدل وسرقة الـ"ترند" لأطول فترة ممكنة.

المزيد من تحقيقات ومطولات