Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما حدث بعد 5 أشهر من زراعة شريحة إلكترونية بالدماغ

بعد مرور خمسة أشهر على الجراحة، يقول نولاند أربو البالغ من العمر 30 سنة والمصاب بشلل رباعي إن في مستطاعه أن يلعب الشطرنج ويرسل رسائل نصية وتعلم اللغة اليابانية

"نيورالينك" وهي من شركات إيلون ماسك أجرت جراحة ثورية (اندبندنت)

ملخص

نولاند أربو البالغ من العمر 30 سنة والمصاب بشلل رباعي الذي وصف دوره بفأر تجارب بغية مساعدة الآخرين في الاستفادة من هذه التكنولوجيا، خضع لزراعة الشريحة من شركة "نيورالينك" في دماغه كي تسمح له بتشغيل الأجهزة باستخدام عقله فحسب ولكن حتى الآن لا فكرة لديه عما يفعله هذا الجهاز بعقله

كان وجهه إلى أسفل ويطفو على سطح الماء عندما أدرك نولاند أربو أنه لم يعُد قادراً على الإتيان بأي حركة. حتى تلك اللحظة، كان يمضي نهاراً جميلاً. كان وأصدقاؤه وصلوا قبل ساعات إلى البحيرة، المحاطة بتلال خضراء في شمال شرقي ولاية بنسلفانيا الأميركية، ويحضرون للسباحة في يوم إجازة من العمل في مخيم صيفي للأطفال.

وكان الشاب البالغ من العمر 22 سنة آنذاك نزل إلى الماء مرة واحدة، ولكنه عاد ونزل مجدداً للمرة الثانية مع اثنين من أصدقائه. عند ارتفاع منخفض، اندفع وغاص في الماء إلى جانب رفيقيه، بيد أنه خلافاً لهما لم يصعد إلى السطح. وعندما استعاد وعيه، كان يغرق فعلاً. شعر أربو بأنه أصيب بالشلل، قال: "فكرت في نفسي، هل في وسعي أن أقوم بأي شيء؟ لا، إذاً ماذا سيحل بي الآن؟ حبست أنفاسي لأطول فترة ممكنة، ربما لخمس أو عشر ثوانٍ. ثم دخلت إلى جوفي كمية كبيرة من الماء، وحدث ما حدث. فقدت الوعي".

وكان يترنح بين حضور وغياب عن الوعي حتى وصلت طائرة إسعاف إلى أن استيقظ تماماً في مستشفى قريب حيث أدخل لإجراء جراحة طارئة. أصيب الشاب بخلع في فقرتين من العنق، وعندما اتصلت إحدى الممرضات بوالدته عبر الهاتف أوصاها ألا تخبرها بما حل به. يقول مستذكراً: "لم أعتقد بأن حالتي الصحية كانت تستدعي إثارة أي قلق لديها في شأني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحكي قصة أربو تجربة شخصية معبرة، وبدا لطيفاً ومعطاء ومتواضعاً بينما كان يتحدث عبر مكالمة فيديو من منزله الكائن في أريزونا، إنه "سايبورغ شهير" مخلص لهذه التكنولوجيا [سايبورغ كائن خيالي تتخطى قدراته الجسدية الحدود البشرية العادية نتيجة دمج عناصر إلكترونية وروبوتية وسيبرانية في جسمه]. وبعد مرور ثمانية أعوام على وقوع الحادثة التي تركته أسير شلل رباعي، تحديداً في يناير (كانون الثاني) الماضي من العام الحالي، صار الشاب البالغ من العمر 30 سنة أول إنسان يحمل في رأسه شريحة دماغية من إنتاج الشركة المتخصصة في التكنولوجيا العصبية "نيورالينك" Neuralink لصاحبها رجل الأعمال والملياردير الشهير إيلون ماسك، وذلك كجزء من تجربة سريرية باسم "تلباثي" أو "التخاطر" Telepathy. إذا كُتب النجاح لهذه الرقاقة الإلكترونية، سيتمكن الأشخاص الذين يحملونها من التحكم في الأجهزة الإلكترونية متوسلين أفكارهم فقط عن طريق فك شيفرة إشارات الحركة في الدماغ وترجمتها إلى أوامر.

والجهاز، علماً أنه "واجهة دماغ وحاسوب"Brain-Computer Interface  كما تسمى [تعبر عن نظام تواصل مباشر بين الدماغ وجهاز الحاسب الآلي وتمنح هذه القناة إمكان نقل المعلومات من الدماغ وإليه على شكل إشارات كهربائية]، أو كما صارت تعرف اختصاراً "بي سي آي" BCI قابلة للزرع، عبارة عن شريحة إلكترونية بحجم عملة معدنية توضع جراحياً أسفل الجمجمة، بحيث تتلقى التغذية المطلوبة بالمعلومات من 64 سلسلة عصبية متصلة بمنطقة "القشرة الحركية" motor cortex لدى أربو [المنطقة التي تشارك في التخطيط والتحكم من القشرة الدماغية وتنفذ الحركات الطوعية المنقولة إلى الدماغ]. يشرح أربو قائلاً: في الأساس، تتعلم الغرسة "هدف الخلايا العصبية الثائرة قرب السلاسل العصبية". وفي غضون أيام من تركيبها، تمكن الشاب من التحكم في مؤشر الفأرة الواضح على شاشة الكمبيوتر باستخدام أفكاره فحسب. وتصدر النجاح الأولي لهذه الجراحة الذي يمثل سابقة من نوعه، عناوين الأخبار في مختلف أنحاء العالم، وبعد خمسة أشهر شعر بأنه قادر على مشاركة قصته كاملة.

منذ يناير الماضي، منحت هذه الغرسة أربو استقلالية كان محالاً تحقيقها، وهو كان سعى إليها بإصرار حتى خلال الأيام والأسابيع الأولى بعد مكوثه في المستشفى طوال أربعة أشهر. في الحقيقة، واظب الطالب الذكي الذي يتابع دراسته في اختصاص الدراسات الدولية والذي كان يحرز أهدافاً ونجاحات كثيرة في الألعاب الرياضية وعزف آلة الساكسفون قبل وقوع الحادثة، على استكشاف كل فرصة تساعد في تعافيه.

وبعد الحادثة، عاد أربو للعيش مع أمه وأبيه، ولكن الخطوة كانت صعبة. يقول: "ليس من السهل أن يُنظر إليك على أنك مصاب بالشلل الرباعي، بعدما كنت تعج بالحياة ومحط انتباه الجميع في كل المناسبات الاجتماعية. لقد أزعجني كثيراً أن يروني ضعيفاً أو هشاً. مهمات بسيطة مثل تناول الطعام كانت تتركني رهينة نوبات من الهلع، وكان القلق من الاختناق يقض مضجعي لأنني كنت عاجزاً عن مساعدة نفسي بأي طريقة ممكنة.

لحسن الحظ، أحيط أربو بشبكة دعم قوية من عائلته ومجموعة واسعة من الأصدقاء، "إذ نظموا أعمالهم ويومياتهم على نحو يسمح دائماً بوجود شخص ما إلى جواري. لقد نشأت مع أكبر مجموعة من الأصدقاء"، يقول الشاب. في سبتمبر (أيلول) من عام 2023، اتصل به أحد هؤلاء وبدا عليه أنه أفرط في شرب الكحول، كي يخبره عن تجربة شركة "نيورالينك". يضحك أربو. "أعطاني موجزاً من خمس دقائق حول ماهية الشريحة والتجربة، ثم ساعدني في التقدم بطلب مباشرة عبر الهاتف. لم أتوقع أي رد أو أن تعود عليّ هذه الخطوة بأي نفع".

لقد أعادت الشريحة في دماغي تواصلي مع العالم الخارجي. عائلتي وأصدقائي يقولون إنني أبتسم أكثر. إنهم يحبون التغيير الحاصل في حياتي

ولكن في غضون يومين، تلقى أربو رسالة على بريده الإلكتروني من فريق "نيورالينك"، وفي اليوم التالي قابل الخبراء. بعد أربعة أشهر، تحديداً في الـ28 من يناير الساعة الخامسة صباحاً، قابل إيلون ماسك عبر الفيديو من المستشفى. كان من المفترض أن يلتقي رجل الأعمال الشهير قبل الجراحة، ولكن قيل إن مشكلات واجهته في طائرته الخاصة، ووصل في وقت كان الشاب يخضع للعملية التي استغرقت ساعتين من الوقت.

كان أربو، علماً أنه أحد معجبي ماسك، مغموراً بالسعادة، وحتى الآن لم يفارقه بعض من شعور صادم اجتاحه عندما عرف أن الاختيار وقع عليه. يقول إنه لا يملك أي فكرة عن السبب، على رغم إقراره بأنه وجد نفسه يحاول أن يكون "متميزاً قدر الإمكان" أثناء عملية الاختيار، إذ راح يطلق الدعابات ويبدي حماسة كبيرة تجاه هذه التجربة. بيد أن الأخطار كانت جلية. "لما كنت مصاباً بالشلل الرباعي، كان دماغي كل ما تبقى لي. النعمة الوحيدة التي شكرت الله عليها كل يوم منذ الحادثة أنه ترك لي قدرتي على التفكير، وأنني لم أفقد شخصيتي".

"لذا كان الخضوع لجراحة في الدماغ خطوة تستدعي كثيراً من التفكير. تقبلت المجازفة وأي أخطار ربما تنشأ وكنت جاهزاً لجميع الاحتمالات. أخبرت أمي وأبي بأني إذا خرجت مصاباً بأي نوع من الإعاقة العقلية، لا أريدهما أن يعتنيا بي. كشفت لهما عن رغبتي في الذهاب إلى دار رعاية إذا حدث ما لا نتمناه لأنني لا أريد أن أزيد العبء الثقيل الملقى على عاتقهما. لن أضع عائلتي في موقف كهذا أبداً"، أضاف أربو.

وكان أربو على بينة أيضاً أنه سيحمل النسخة الأولى على الإطلاق من شريحة "نيورالينك، بل "أسوأ نسخة يحصل عليها أي إنسان". غير أنه أراد أن يعبد الطريق أمام الآخرين كي يخوضوا التجربة، ويعتقد بأن حقيقة أنه المتلقي الأول لهذا الجهاز شكلت المغزى المطلق لحياته.

يقول: "أدركت منذ اليوم الأول أن فحوى التجربة أبعد من مجرد نجاحها أو إخفاقها".

بطبيعة الحال، لم تكُن النسخة التي زرعها أربو خالية من المشكلات. ومع مرور أسابيع على الجراحة، انفصل 85 في المئة تقريباً من أسلاك الجهاز عن دماغه، وكان لا بد من إعادة تجهيزه كي يستعيد السيطرة على مؤشر فأرة الحاسوب.

شكك بعض الخبراء في سلامة الجهاز، علماً أنه لا يسعنا إصدار أي حكم في شأنه إلا بعد تكشف آثاره الطويلة الأجل، مما أثار مخاوف حول بحوث "نيورالينك" التي تشمل القرود والتي يقولون إنها تسببت في "التهابات مزمنة وشلل وآثار جانبية نفسية حادة" لهذه الحيوانات. حتى إن الشركة نفسها تخضع لتحقيق فيدرالي بسبب انتهاكات محتملة لقوانين الرفق بالحيوان. ولكن عموماً، قليلة جداً المعلومات المتوافرة حول شكل التأثيرات النفسية التي يطرحها الجهاز، أو أي آثار طويلة المدى يخلفها في دماغ أربو لأن التكنولوجيا ما زالت في مراحل تجريبية مبكرة.

ولكن ها نحن ذا. وفي غضون خمسة أشهر فقط، يقول أربو إن جراحة الزرع أحدثت ثورة في حياته. قبلها، كان يستخدم عصا للفم كي ينقر على جهازه "الآيباد" من أجل القراءة أو التواصل مع الأصدقاء. يشرح قائلاً: "كان الجلوس لفترة طويلة من الزمن يشكل ضغطاً كبيراً على جسدي، كذلك يضغط مطولاً على عنقي لأني مضطر إلى تحريكها باستمرار". الاستعانة بالعصا ليوم واحد، كانت تترك أربو عرضة لخطر الإصابة بتقرحات جلدية وتشنجات في العضلات من شأنها أن تتسبب في سقوطه أرضاً.

بعد تعافيه من زرع الشريحة الإلكتروينة، بدأ أربو بـ"تدريب" الخلايا العصبية على الاستجابة لأفكاره، متسائلاً عما إذا كانت ممارسته ستؤتي ثمارها. ولدهشته، بعد مرور بضعة أيام فقط، رأى مؤشر فأرة الحاسوب يتحرك على واجهة الشاشة للمرة الأولى.

يقول في هذا الشأن: "جل ما علي أن أفكر فيه النقطة التي أريد أن يتجه إليها مؤشر الفأرة، فيتجه إليها". وفي الأشهر المقبلة، يحدوه أمل في أن يمتد التحكم في المؤشر إلى الكتابة على الشاشة، إذ يتعلم حالياً استخدام "لوحة مفاتيح افتراضية صغيرة" يمكنه أن يملي الكلمات عليها، علماً أنها إضافة مهمة "أفضل بـ10 مرات" مقارنة باستخدام ميزة [المساعد الصوتي الشهير من "أبل"] "سيري" Siri، التي ربما لا تفهم إملاءاته بين 70 و80 في المئة من المرات.

وبحلول مارس (آذار) الماضي، كان أربو يلعب الشطرنج عبر الإنترنت مستخدماً عقله للتحكم في الكمبيوتر. والآن يتعلم اللغة اليابانية. يقول إن أهم إضافة اكتسبها من التجربة قدرة ربما يعتبرها كثيرون منا أمراً مفروغاً منه، إنها المقدرة على الكتابة بسرعة مثل أصدقائه الأصحاء، مما جعل المحادثة ممكنة. "لقد كنت نشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وأنا قادر على مواصلة هذه الجهود. تعذر علي ذلك سابقاً".

ويضيف: "لقد أعادت الشريحة اتصالي بالعالم الخارجي". ووفق كلام أصدقائه وعائلته في الأقل، إنه ببساطة أكثر سعادة. "بصورة أساسية، يقولون إنني أبتسم أكثر. تجدهم سعداء بهذا التغيير الحاصل في حياتي".

الحدود التي ربما تبلغها هذه التكنولوجيا مفتوحة الآن على الاحتمالات كافة. وسبق أن توقع لها ماسك أن تمنح في النهاية المصابين بالشلل القدرة على المشي واستخدام أذرعهم مرة أخرى. وتعكف مجموعة صغيرة من المختبرات الأخرى في الوقت الراهن على إدخال تحسينات مهمة على "واجهات الدماغ والحاسوب"، في شكل من سباق "التسلح" في عالم "السايبورغ"، بغية جني أكبر الثمار من هذه التكنولوجيا التي في يدها أن تترك تأثيرات إيجابية بعيدة المدى.

في حين صبت تكنولوجيا "واجهة الدماغ والحاسوب" تركيزها في المقام الأول حتى الآن على مساعدة المصابين بالشلل في التحكم بالأجهزة المساعدة مستخدمين أفكارهم، فمن المؤكد أنها لا تقتصر على هذا المجال. ففي 2020، وضعت مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" توقعات حول استخدام واجهات التواصل بين الدماغ والحاسوب "بي سي آي" في أمكنة العمل عند إطلاقها بكميات أكبر في السوق، وتنبأت بسيناريوهات تقوم فيها الأجهزة بقياس نسبة تركيزك والتفاعل معه بصورة فورياً.

يبدو هذا التطور مخيفاً؟، نعم. ولكن أربو يشارك ماسك الآن طموحاته في دفع هذه التكنولوجيا إلى أبعد الحدود. ويتواصل راهناً مع شركة "نيورالينك" حول محاولة إيجاد طريقة تمكنه من تعلم الرسم، ويريد متابعة حلمه بكتابة كتاب يحكي عما بلغته رحلته حتى الآن، أو حتى نشر رواية. الشاب الذي كان منغمساً في الكلام عن تجربته وواضحاً طوال محادثتنا، كانت عيناه تتحركان صوب الشاشة قليلاً، إذ إنه يقوم فعلاً بمهمات متعددة باستمرار. يقول أربو: "أطمح إلى كثير من الإنجازات". يبقى أن الزمن كفيل بأن يكشف عما إذا كان إيلون ماسك سيكون "إله" التكنولوجيا القادر على خروج تلك الطموحات إلى النور.

© The Independent

المزيد من علوم