ملخص
تمكن الرئيس الأول لروسيا الجديدة بوريس يلتسين أواخر عام 1999 من أن يصبح ولي نعمة بوتين وأن يمنحه إجازة العبور إلى أبراج الكرملين.
حين عين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساعده الحالي وحاكم منطقة تولا السابق أليكسي ديومين أميناً لـ "مجلس الدولة" في الاتحاد الروسي في الـ 29 من مايو (أيار) الماضي، تداولت الأخبار أن هذا الجنرال المخلص لسيد الكرملين سيكون الرئيس المستقبلي لروسيا، خصوصاً بعدما قلده بوتين مناصب مدنية وعسكرية رفيعة المستوى ليصير الخليفة الأوفر حظاً للتربع على عرش الكرملين.
تولي أليكسي ديومين، الحارس الشخصي لبوتين، منصب الرئاسة في روسيا مستقبلاً يظهر بين حين وآخر في الصحافة منذ سبعة أعوام، وفي الواقع كان الصحافي الشهير سيرغي دورينكو أول من توقع هذا الأمر بعد وقت قصير من تعيين بوتين لديومين في منصب حاكم "منطقة السلاح" في روسيا عام 2016.
استرشد دورينكو في طرحه الذي جاء بعنوان "أليكسي ديومين خليفة بوتين"، بسرعة التطور المهني لشخص لم يكن معروفاً وليس من الشخصيات العامة المشهورة في السابق، وهو ما تردد ذكره خلال عامي 2017 و2018، وفي عام 2021 أعيد انتخاب ديومين حاكماً لمنطقة تولا لولاية جديدة، فتأكد المراقبون آنذاك أن المرشح الرئيس للانتخابات الرئاسية عام 2024 هو بوتين وليس خليفته المحتمل، وأن تنصيب ديومين رئيساً على عرش الكرملين لم يحن بعد، وأن الموعد الأكثر معقولية وترجيحاً هو عام 2030.
الانتقال إلى سفوح جبل الرئاسة
في الـ 14 من مايو الماضي وقّع الرئيس بوتين مرسوماً في شأن التعيينات الجديدة في إدارته، وكان اللافت فيه إعفاء بوتين لديومين من منصبه كحاكم لمنطقة تولا وتعيينه مساعداً له، وأفيد أن ديومين سيتولى مهمة الإشراف الرئاسي على المجمع الصناعي العسكري و"مجلس الدولة"، إضافة إلى قضايا الارتقاء في صناعة الرياضة وسط العقوبات المفروضة على الرياضيين الروس الممنوعين من المشاركة في الألعاب الأولمبية والمنافسات الدولية تحت علم بلادهم.
لكن في الـ 29 من مايو الماضي أخرج القيصر مفاجأة جديدة بتعيين مساعده أليكسي ديومين أميناً لـ "مجلس الدولة"، ووقع مرسوماً رئاسياً أعفى بموجبه إيغور ليفيتين من منصبه كسكرتير لـ "مجلس الدولة" ليعين ديومين مكانه.
من هو أليكسي ديومين؟
أليكسي غيناديفيتش ديومين من مواليد الـ 28 من أغسطس (آب) 1972، وهو ضابط سابق عمل في الاستخبارات وجهاز أمن الرئاسة، وشغل منصب نائب وزير وزارة حالات الطوارئ، ومحافظاً لمنطقة تولا الواقعة جنوب شرقي موسكو على بعد 200 كيلومتر منذ عام 2016، وبعد انتخاب بوتين لولاية رئاسية خامسة في مارس (آذار) الماضي عمل في الإدارة الرئاسية.
كان ديومين ولا يزال مقرباً من بوتين منذ عمل تحت قيادته في الاستخبارات أواخر التسعينيات قبل أن يصل الأخير إلى عرش الكرملين، وكثيراً ما وصفته الصحافة بـ "خليفة بوتين"، وعاد الحديث عنه في أعقاب التمرد المسلح الذي قام به مؤسس الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" يفغيني بريغوجين يومي الـ 23 والـ 24 من يونيو (حزيران) 2023.
مسيرة ديومين
بعد تخرج أليكسي ديومين في الكلية العسكرية عام 1994 عمل في القوات الجوية ثم انتقل إلى جهاز الاستخبارات، وكلف بتوفير الاتصالات لكبار المسؤولين في الدولة أثناء رحلاتهم حول روسيا وخارجها، فعمل مع رئيس الوزراء فيكتور تشيرنوميردين ورافق الرئيس الراحل بوريس يلتسين في رحلات العمل مرات عدة، وبعدها انضم إلى قسم الأمن الشخصي.
وفي الـ 10 من أغسطس عام 1999 اتخذت حياة ديومين منعطفاً خطراً بعدما ارتبط بالحرس الشخصي لرئيس الوزراء الجديد آنذاك فلاديمير بوتين، وعن ذلك ذكر ديومين أنه عندما عيّن للمرة الأولى حارساً لبوتين اعتقد قادته أن بوتين لن يبقى طويلاً على رأس الحكومة، لأن الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين كان يغير الحكومات ويقيل رؤساءها مثلما يغير قمصانه، ومع ذلك سارت الأمور بشكل مختلف.
خدم ديومين في الحرس الشخصي لبوتين خلال الرئاستين الأولى (2000 - 2004) والثانية (2004 - 2008)، وكذلك خلال الأعوام التي ترأس فيها فلاديمير بوتين الحكومة (2008 -2012)، وفقط في عام 2007 غادر لتسعة أشهر فقط عندما كلفه بوتين تولي أمن رئيس الوزراء فيكتور زوبكوف، وترقى ديومين إلى أن وصل إلى منصب المساعد الشخصي للرئيس الروسي الذي قلما يثق بسهولة في الأشخاص المحيطين به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق صحيفة "كوميرسانت" فإن أليكسي ديومين ظل يعمل على مدى أعوام في جهاز الأمن الرئاسي وأثبت نفسه كشخص "يمكن الوثوق به في المهمات الصعبة"، وفي عام 2013 تولى ديومين منصب نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية وترأس قيادة قوات العمليات الخاصة، وفي أعقاب انقلاب أوكرانيا عام 2014 شارك في استعادة شبه جزيرة القرم وتولى منصب رئيس الأركان العامة (النائب الأول للقائد الأعلى للقوات البرية الروسية) عام 2015، وبعد بضعة أشهر عين نائباً لوزير الدفاع.
حاكم منطقة تولا
في فبراير (شباط) 2016 استقال حاكم منطقة تولا التي تعتبر عاصمة السلاح الروسي، فلاديمير غروزديف، وفي سبتمبر (أيلول) من العام ذاته عيّن ديومين حاكماً للمنطقة بعد فوزه بالانتخابات التي حصل خلالها على أكثر من 84 في المئة من الأصوات، وفي عام 2021 أعيد انتخابه بعدما حقق طفرة اقتصادية وعمل على تطوير واسع النطاق في القطاعات كافة.
منذ أن تولى أليكسي ديومين مسؤولية منطقة تولا لم تكف الصحافة عن ملاحقته بإشاعات تولي كثير من المناصب، ففي بداية عام 2020 عندما استقالت حكومة ديمتري ميدفيديف نشرت وسائل الإعلام أنه من المتوقع أن يكون له منصب في الحكومة الجديدة، وفي نهاية عام 2021 وبعد إعادة انتخابه رئيساً للمنطقة، ذكرت وسائل الإعلام أنه من المرتقب أن يتولى حقيبة وزارة الطوارئ، وهو ما نفاه إذ لم يدعى من الأساس، وترددت أنباء في يناير عام 2023 حول احتمال تعيينه وزيراً للصناعة والتجارة إضافة إلى منصب محافظ تولا، كما أعلن ترشيحه أيضاً لمنصب نائب رئيس الوزراء ولكن هذا لم يحدث أيضاً.
وخلال مايو الماضي استقال ديومين من منصب حاكم منطقة تولا، وفي الـ14 من الشهر ذاته أصبح من المعروف أنه سيعمل في الإدارة الرئاسية كمساعد لرئيس الدولة على رغم أنه قبل أيام قليلة من ذلك تكاثرت الإشاعات بأنه سيحصل على منصب النائب الأول لوزير الدفاع.
خليفة بوتين
منذ عام 2017 رصد المراقبون قائمة بالخلفاء المحتملين لبوتين الذي لم يكن قد أعلن بعد مشاركته في انتخابات عام 2018، وحل أليكسي ديومين في المركز الثالث بعد رئيس الوزراء آنذاك ونائب رئيس مجلس الأمن الحالي ديمتري ميدفيديف، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين.
وفي عام 2020 توقع زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الرحل فلاديمير جيرينوفسكي أن ديومين يمكن أن يصبح السياسي الذي سيحل محل الرئيس الحالي لروسيا، فيما ألمح بوتين نفسه مراراً وتكراراً إلى أنه يرى خليفته واحداً من خريجي الأكاديمية الروسية التي تخرج فيها ديومين بمرتبة الشرف وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية منها عن أطروحته "الجوانب السياسية للتنظيم العالمي في إطار التعاون بين دول مجموعة الثماني".
ومن المرجح أن يعزز بوتين دور وتأثير "مجلس الدولة" في عهد ديومين، وعلى الأخير أن يبث حياة جديدة في "مجلس الدولة" برعاية وتوجيه من بوتين، إذ يمكن لهذه الهيئة الاستشارية أن تصبح هيئة تنسيق مركزية لعمل كل إدارات الدولة الروسية.
وكمؤسسة جامعة لقادة وحكام ومحافظي المناطق يتم تعزيز "مجلس الدولة"، ولا نعرف بعد الوظيفة الجديدة له، لكن يمكننا أن نتوقع أنه إضافة إلى مناقشة القرارات الناضجة بالفعل داخل أروقة الكرملين فسيكون قادراً على اتخاذ بعض القرارات المستقلة شكلاً لا مضموناً، وفي الوقت الحالي يمكن النظر إلى "مجلس الدولة" باعتباره ثقلاً موازناً للهيئات الحكومية الأخرى، لكن في المجمل فإن تعيين ديومين أميناً لـ "مجلس الدولة" يجب أن يضع حداً للنقاش حول ما إذا كان نقله إلى موسكو يعني البدء بتدريبه على دور الرئيس.
النخبة الروسية متحمسة لتعيين ديومين أميناً لـ "مجلس الدولة"، وهو ما يرجح كفة أن يصير رئيس روسيا المستقبلي باختيار من بوتين، ومثل هذه الإشاعات المستمرة منذ فترة طويلة أصبحت أقرب إلى الواقع،
فديومين الذي سهر على أمن بوتين كضباط استخبارات وخدمات خاصة أظهر نفسه كحاكم جيد لمنطقة تولا، والآن بصفته أميناً لـ "مجلس الدولة" سيشرف على النخبة الرئيسة في روسيا على المستوى الفيدرالي، وبالإمكان أن نعد تكليف أليكسي ديومين أشبه بدور المحول الرئيس للفترة الانتقالية لنقل السلطة وبناء هيكل جديد لحكم الدولة، إذ يصبح بوتين رئيساً لـ "مجلس الدولة" مستقبلاً وبمثابة المستشار السياسي للجمهورية الروسية الفيدرالية، فيما رئيس روسيا أليكسي ديومين بطريقة أو بأخرى.
ووسط الأخطار التي يواجهها الرئيس بوتين وتتزايد يوماً بعد يوم في الخارج والداخل، يعد ديومين درعاً مثالياً يمكنه خلق الأمن حول بوتين في فترة ما بعد الرئاسة عام 2030، وسيقوم بلا شك بدور الرئاسة والإدارة التنفيذية للبلاد ويضمن خضوع القطاع العمودي بأكمله لـ "بوتين الجديد" داخل البلاد، وبعبارة أخرى إطار هيكلي لمجلس دولة قوي ومتجدد الموارد.
يشار إلى أن الرئيس الأول لروسيا الجديدة بوريس يلتسين تمكن أواخر عام 1999 من أن يصبح ولي نعمة بوتين ويمنحه إجازة العبور إلى أبراج الكرملين حتى عندما كانت نسبة تأييد يلتسين لا تتعدى ستة في المئة.
تسويق ديومين
ديومين بالطبع مقرب جداً من الرئيس، وهذا يعني أن الهيئة التنسيقية المسماة "مجلس الدولة" يمكن أن تتوقف عن كونها مجرد هيئة استشارية، ولكنها ستؤثر في مصير محافظي ورؤساء المناطق وعلى السلطة الفعلية في البلاد.
في الحقيقة يمتلك ديومين كثيراً من الخبرات والتجارب التي تؤهله ليكون رئيس روسيا المقبل، فهو حاصل على عشرات الجوائز الرفيعة ومن بينها وساما "الاستحقاق للوطن" من الدرجة الثانية والرابعة و"وسام الشجاعة" ولقب "بطل روسيا"، وبعد ترؤسه مجلس الدولة صار المجلس إلى جانب "مجلس الأمن" في الاتحاد الروسي أهم هيئة دستورية يناقش من خلالها تطوير القرارات الحكومية.
لن يقدم بوتين على اتباع سيناريو التوريث اليلتسني الذي أوصله إلى عرش الكرملين، بل سيبدع سيناريو توريث خاصاً به، فهو لن يستقيل قبل انتهاء ولايته عام 2030، بل سيحكم حتى آخر يوم من ولايته الرئاسية الحالية، وبعد ذلك سيعلن أنه صار في أرذل العمر وأصبح على مشارف الثمانينيات، ولذلك فهو يرشح ديومين للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2030، وسيكون أمامه متسع من الوقت يبلغ ستة أعوام للدعاية والترويج لديومين ولأهمية "مجلس الدولة" الذي سيترأسه.
دستورياً الحكم في روسيا ليس وراثياً، لكن الوعي السياسي في هذه البلاد لا يزال متأثراً في عقله الباطن بتوريث القياصرة لأبنائهم وذريتهم من بعدهم، وبوتين آخر القياصرة ولو كانت صفته الدستورية تختصر شكلياً باسم رئيس روسيا الاتحادية حتى إشعار آخر.