Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فؤاد دحدوح يسترجع الفرح السوري المفقود في لوحاته

المرأة تحضر في معرضه الجديد محاطة بأبعادها البيئية

لوحة للرسام فؤاد دحدوح في معرضه الدمشقي (اندبندنت عربية)

ملخص

فاجأ النحات والرسام السوري فؤاد دحدوح جمهوره في معرضه الجديد (المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق) بجدارية ضخمة تتوسط صالة المعرض إلى جانب ثمانية من أعماله ذات الحجوم المختلفة. وفي اللوحات التسع هذه بدت حرفة الفنان السوري وخبرته في إخضاع قيم لونية متنوعة لتجاور يعكس سطوعات مختلفة على سطح اللوحة، ويحقق إضاءات متفاوتة من درجات الأصفر والأخضر والتركواز والرماديات.

رحلة الفنان السوري فؤاد دحدوح امتدت عقوداً من التجريب على مزاوجة التصوير مع النحت، والعمل على توليف هذين الفنين في معارضه داخل بلاده وخارجها، وذلك منذ نيله شهادة الدكتوراه في مجال تصميم الميدالية من المدرسة الوطنية العليا من بولونيا عام 1993. وهو يكمل مشروعه التشكيلي الذي بدأه منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة في دمشق (قسم النحت) عام 1981، ومن ثم نيله دبلوم المدرسة الوطنية العليا في فرنسا (ليون) عام 1984. منذ ذلك الحين جاهر دحدوح بمقولة أن النحات الجيد هو في الأصل رسام جيد، فطغت المسحة التعبيرية على جل أعماله، سواء في الرسم أو النحت، واستقى معظم اشتغالاته من الرموز والمفردات في الحضارات السورية القديمة، وسعى جاهداً لتطويع هذه الرموز في تجليات لونية ذات أبعاد لم تخلُ من التجريد والتجسيم عبر تقنية الرولييف.

وفي العودة إلى أعماله التسعة في معرضه الدمشقي الأخير، استعان الرسام بسطوة الحجوم الكبيرة على المتلقي، لا سيما في جداريته الرئيسة التي احتلت فضاء الصالة الكبرى في المركز، وظهر في هذا العمل تجسيده غوطة دمشق ولطقس "السيران"، وهو الاسم الشعبي المتداول لنزهات الدمشقيين أيام زمان، قرب نهر بردى وبين أشجار المشمش والدراق والمشمش في فصل الربيع، وما يكتنف هذه النزهات الشيقة من أجواء تسودها العفوية والمرح والرقص على أنغام أهازيج شعبية تحتفل بالطبيعة وتبارك خيراتها المتجددة.

خبرة دحدوح في السيطرة على مساحة لوحة "السيران" أنجزها على خمس مراحل، وأبرزت قدرته على إظهار توشيحات لونية مزجها من الحار والبارد، وقدمها كملحمة من شفافيات الظلال والنور، وعبر اللعب على موجات متصاعدة من الإضاءة المرحة، لا سيما في إبراز الموضوع الأثير إلى قلب هذا الفنان، ألا وهو المرأة السورية. نلاحظ تسيد شخصيات نسائية على كامل مساحة اللوحة، جنباً إلى جنب مع عناصر أخرى من طيور وورود وأشجار غوطة دمشق. هنا سلك دحدوح مسلك المجدد في تقديم العادات والطقوس والمناظر الشعبية بعيداً من أسلوب التسجيلية الواقعية التي انتهجها عديد من رسامي جيل الرواد السوريين من مثل ناظم الجعفري وسعيد تحسين وميشيل كرشة.

وإلى جانب تركيز الفنان على مشاهد من ذاكرة الدمشقيين وولعهم بالحب والحياة قبل سنوات الحرب، يستعيد دحدوح بريشته ما يشبه مقطوعات بصرية من تلك الأيام الخوالي، فيرحل نحو الماضي القريب في نزهة المشتاق إلى بلده قبل الحرب، وذلك عبر تكوينات جسدت طقوساً من الفرح والخروج إلى أحضان الطبيعة، وما كان يكتنف تلك الطقوس من كرنفالات أشبه بأعياد الربيع السورية القديمة. وهذا ما يمكن ملامسته من تصويره ألوان أزهار الغوطة وبساطها الأخضر. 

وتنهل سيطرة الشخصيات النسائية على مجمل ما قدمه هذا الفنان، من معين البيئة التي أتى منها، لا سيما أجواء البيت الدمشقي ومفرداته كفردوس مخبوء من نباتات ونساء وطيور، داخل متاهة الحارة الشامية، إذ نلاحظ في أعماله جمهرة من نسوة في وضعيات راقصة يغبن ويظهرن خفراً تبعاً لتموجات من اللون، ووفقاً لطريقة معالجة هذا اللون والتأسيس له بسماكات متباينة. وتبدو رغبة دحدوح في تظهير مناخات أقرب إلى "ألف ليلة وليلة"، وما يكتنف هذه المناخات من أجواء حالمة تجسدها لطخات فرشاة بخطوط لينة وممهدة، وذات طبيعة طفولية فرحة، وبعيدة من الأجواء الكابوسية التي طبعت معظم أعمال المحترف التشكيلي الوطني في سنوات الحرب السورية.

وتبدو النساء اللاتي يرسمهن دحدوح في مجمل لوحاته تصويراً لأساطير شعبية مغيبة، وتجسيداً للبعد السحري المشطوب من الثقافة السورية. فتظهر المرأة في أعماله وكأنها خارجة من طقوس حمام العرس، أو من جلسات تحضير الجن. وهذا ما جعل تصاوير دحدوح ترفل بغنائية لونية وإيقاعات بصرية تتغذى من ثنائية الرطوبة واليبوسة، تبعاً لتوزيع نسب الضوء واللعب على درجاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تباعد وتداخل وتمويه مشهدي، وأجواء من التفاؤل اللوني. كل ذلك وهب لوحة دحدوح أبعاداً درامية هادئة لا صراخ فيها بصرياً، بل تركيز على تجسيد وجوه نسائية غائمة تطفو في فضاء العمل التشكيلي، وتحررها من مبالغات تجريدية فائضة، مما جعل أسلوبية الفنان تنحو إلى تجسيد مناظر مختلطة من الخوف والخجل عند المرأة الشرقية، وما يكتنف ذلك من عناقات مسروقة في حيز تطغى عليه طقوس السرية والكتمان والتخفي. يتضح ذلك من طبيعة رسم الجسد النسائي، ومن تلك الوقفات والانكسارات المرتعشة لنسوة شبه عاريات أمام مراياهن وفي خلواتهن السرية.

تصور لوحة دحدوح عوالم داخلية عميقة للجسد الإنساني من دون التعويل على بنية تشريحية واضحة له، بل عبر تداخلات تمزج بين مفردات الذكورة والأنوثة في حيز أقرب لمرايا متعاكسة، وفي بيئة لونية لحشود من وجوه غائمة وأحادية المنظور.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة