فاجأ القضاة الرأي العام الجزائري والنظام المؤقت، بعد تهديدهم بالتصعيد في حال عدم الاستجابة لمطالبهم، وأولها استقلالية القضاء.
القضاة يهددون
وفي وقت جند "النظام المؤقت" كل إمكاناته لتوفير الظروف الملائمة لإنجاح الانتخابات الرئاسية، خرج القضاة بتهديدات خلطت الحسابات واستدعت إعادة النظر في عدد من الملفات المرتبطة باستحقاقات 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وقالوا في بيان لاجتماع مجلس نقابتهم، إنهم "سيتخذون نهج التصعيد كوسيلة وحيدة لتحقيق موجبات الاستقلالية بشقيها القانوني والمادي"، وأنهم "سيتصدون لأي مساس بالسلطة القضائية ومنتسبيها مهما كان نوعه أو مصدره، منددين بـ"التماطل غير المبرر في الإفراج عن الحركة السنوية للقضاة ومساومتهم بها، فضلاً عن تطاول جهات عدة على سمعة القضاة والقضاء".
وأشار بيان القضاة، إلى أن الإطار القانوني لعمل السلطة القضائية طالما كان ولا يزال يحول دون إرساء دولة القانون التي تعد مطلباً شعبياً ونخبوياً وملحاً، خلافاً لما يتم التسويق له لدى الرأي العام، معتبراً أن النصوص الحالية تكرس هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، ما يستوجب التعديل الفوري للإطار القانوني، كما دعا إلى التكفل الفوري بالوضعية الاجتماعية والمادية للقضاة ووضعهم في ظروف مناسبة تكفل كرامتهم بما يتلاءم مع المهام الحساسة المنوطة بهم، والالتزامات المفروضة عليهم، والتضحيات الجسام التي يقدمونها.
محاربة الفساد... تشكيك؟
في السياق ذاته، حذر رئيس نقابة القضاة، يسعد مبروك، من السقوط والانزلاق في مهالك التشفي والانتقام خلال مكافحة الفساد، موضحاً أنه على الرغم من محاربة الظاهرة بحزم، إلا أنه لا يجب أن يكون ذلك في إطار حملات ظرفية أو سياق صراع مصالح.
وقال إن "ظاهرة مكافحة الفساد تحقق أهدافها بصورة ملموسة بمعالجة أسبابه أولاً"، مبرزاً أن التوظيف السياسي للقضاء أفرز عدالة الليل، وأساء لقيم العدالة التي ينشدها الجميع.
وأوضح أن إصدار الأحكام القضائية باسم الشعب يستوجب أن تكون الشرعية القانونية والدستورية مطابقة للشرعية الشعبية، طالما أن الشعب مصدر كل سلطة، وفقاً للمادة 7 من الدستور، مؤكداً أن الشرعية الشعبية تكرس عن طريق الانتخابات النزيهة.
مطالب اجتماعية في ظرف استثنائي
في المقابل، يعتبر الخبير في القانون الدولي، إسماعيل خلف الله في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن مطالبة نقابة القضاة باستقلالية القضاء هو مطلب عام يدخل ضمن مطالب الحراك.
ويقول إنه "كنا نطالب به كرجال قانون، على اعتبار أن القضاء الجزائري غير مستقل، وأن السلطة التنفيذية هي المهيمنة، وعليه فالمطلب شرعي".
ويرى أن "المطالب الاجتماعية للقضاة فئوية، ليست مناسبة في وقت تعيش البلاد ظروفاً استثنائية"، موضحاً أنه كان يفترض أن تسهم هذه الفئة التي تعتبر نخبة، في حلحلة الأزمة، وأن تؤجل هذه المطالب الاجتماعية إلى ما بعد الرئاسيات إذا ما تمت، أي بعد تحقيق المطالب الكبرى، وأن يواصلوا التخندق مع الحراك.
وزارة العدل تقطع الطريق
ويشير خلف الله إلى "أننا نعيب على النقابات العمالية التي ترفع مطالب مهنية، فكيف لنا أن لا نعيب على هذه النقابة التي تعتبر أحد أعمدة دولة القانون"، مضيفاً أنه "ليست لدي معلومات توحي بأن هناك جهة تدفع بهذه النقابة للضغط على وزير العدل، بخاصة في هذا الظرف والورشة الكبيرة المفتوحة لمحاربة الفساد وتقديم الرؤوس الكبيرة أمام القضاء والتحقيق معها".
ولمنع أي تشويش أو استغلال سياسي لمشاكل القضاة، وتوفير ظروف ملائمة لإجراء الانتخابات الرئاسية، ومواصلة حملة محاربة الفساد والفاسدين، سارعت وزارة العدل إلى التكفل بجملة انشغالات القضاة، من بينها مخلفات مالية ومنحة الإيجار التي لم يتلقاها القضاة منذ أشهر، كما اختير فريق عمل لمراجعة أجور القضاة على مستوى وزارة العدل، إضافة إلى التزام وزير القطاع بإجراء حركة في سلك القضاة، التي تأخرت عن موعدها، بعد الانتهاء من المراجعة السنوية للقوائم الانتخابية وانتهاء فترة الطعون.
وقال الوزير بلقاسم زغماتي، إنها ستكون منصفة لجميع القضاة وفي مستوى تطلعاتهم.