ملخص
في كتاب "نهضة الرواية الأفريقية: طرائق اللغة والهوية والنفوذ"، يسعى الكاتب موكوما وانغوغي إلى افتراض أن اكتمال النهضة الحقيقية للأدب الأفريقي ينبغي أن يقوم على العودة إلى ما قبل ارتباطه بلغات المستعمر، أي عندما كان يكتب باللغات المحلية.
يستهل الكاتب الأفريقي موكوما وا نغوغي مقدمة كتابه "نهضة الرواية The Rise of the African Novel: politics of Language Identity and ownershib بعبارة تشينوا أتشيبي: "إذا كنت أكتب باللغة الإنجليزية في بلد لا يزال يعتبرها لغة أجنبية تتحدث بها أقلية، فما فائدة كتابتي؟". وينطلق وانغوغي في هذا الكتاب الذي صدر بالإنجليزية عن قسم النشر في جامعة ميتشغان عام 2018، من قناعته - المختلفة جذرياً مع أتشيبي - بأن النهضة الحقيقية للأدب الأفريقي لكي تكتمل ينبغي أن تقوم على العودة لما قبل ارتباطه بلغات المستعمر، أي عندما كان يكتب باللغات المحلية. ويقول في هذا السياق: "إن روايات العبيد المبكرة ومخطوطات تمبكتو القديمة (معظمها باللغة العربية) والكتابة الأمهرية المبكرة لا تزال محفوظة، ويمكنها التأثير في حاضرنا". ويرى وانغوغي كذلك أن "مهمتنا باعتبارنا نقاداً أدبيين، هي تعميق التقاليد الأدبية الأفريقية من خلال إضافة الكتابات الأفريقية المبكرة لها. ولتوسيع آماد وآفاق التقاليد الأفريقية، يجب قراءة آداب الشتات الأفريقي والأشكال الأخرى التي يكتبها الأدباء الأفارقة في المهجر، مثل روايات الخيال العلمي وروايات الجريمة والروايات الرومانسية". ولكن يلاحظ أن وانغوغي يؤمن بأن مصطلح "الأدب الأفريقي"، سيظل في حد ذاته سؤالاً، يحتار المرء في إيجاد إجابة عليه، خصوصاً في ظل هيمنة "إمبراطورية اللغة الإنجليزية الميتافيزيقية العابرة للحدود والقوميات"، على غالبية ما يصنف تحته، إبداعاً ونقداً.
يشكل هذا الكتاب الذي صدرت ترجمته إلى العربية ضمن سلسلة "عالم المعرفة" (الكويت)، اختراقاً جديداً في مجال النقد الأدبي العالمي، إذ تناول الرواية الأفريقية من منظور جديد، كما أنه يعد، بحسب مقدمة مترجمه صديق محمد جوهر، إضافة كبيرة وإثراء علمياً وأكاديمياً للمكتبة العربية. ومؤلف الكتاب هو ابن الروائي نغوغي واثيونغو، صاحب روايتي "أشياء تتداعى" و"شيطان على الصليب". ولد في الولايات المتحدة الأميركية عام 1971، وقضى طفولته في مسقط رأس والده (كينيا) ثم انتقل مجدداً إلى حيث ولد، على نحو دائم. حصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة ويسكونسن، ويعمل حالياً أستاذاً في جامعة كورنيل. له روايات عدة، منها "قيظ نيروبي" و"نجمة نيروبي السوداء" و"السيدة شو". وهو أيضاً شاعر وكاتب مسرحي، ينصب اهتمامه الأكاديمي على الترجمة والأدب الأفريقي، والأدب المقارن والنظريات النقدية الحديثة، وأدب ما بعد الاستعمار. ويعتبر كتاب "نهضة الرواية الأفريقية"، من أهم أعماله النقدية.
الأديب والباحث
ويقول وانغوغي: "لن يكون من المبالغة أن نجادل بأن فلسفة إمبراطورية اللغة الإنجليزية الميتافيزيقية العابرة للحدود (أي اللغة الفوقية التي تختلف عن اللغة المنتشرة في المستعمرات)، طغت على أفكار الجيل الأصغر من الكتاب الأفارقة". ويضيف: "لقد وصل بهم الحال إلى درجة أنهم لا يستطيعون الفكاك من الأوهام والمغالطات الكامنة في محاولات الدفاع عن الكتابات الأفريقية باستخدام اللغة الفلمنكية أو الإيطالية، بينما كانوا يجادلون ضد الكتابة باللغات الأفريقية الأصلية". ودفاعاً عن طرحه يؤكد المؤلف أنه بالنسبة إلى الأديب فإن التعامل مع الكتابات الأفريقية المبكرة هو جزء من تنمية خياله، وبالنسبة إلى الباحث، فهو عمل ضمن تقليد أدبي أفريقي أكثر صدقاً وأوسع نطاقاً. وهذا بدوره سيسمح لنا بالنظر إلى كتابات الشتات في الماضي والحاضر ضمن تقليد أدبي أفريقي رصين. بعبارة أخرى كان النقد الأدبي للرواية الأفريقية المكتوبة بالإنجليزية يستند إلى مقياس غير متوازن أو إلى مقعد ذي قدمين. في الفصل الأول ركز المؤلف اهتمامه على الطرق المختلفة التي أجاب بها الكتاب الأفارقة خلال مؤتمر ماكريري عام 1962، وما بعده عن قضية اللغة في الكتابات الأفريقية. وفي هذا السياق تفحص كتابات أدباء مثل تشينوا أتشيبي وكين سارو ويوا - اللذين جادلا بأن اللغة الإنجليزية هي أفضل لغة للأدب القومي والأفريقي - ثم ألقى نظرة على أعمال نغوغي واثيونغو ودانيال كونين، وهما الكاتبان اللذان ربطا إنهاء الاستعمار بكتابة الأدب الأفريقي باللغات الأفريقية. ثم اختتم هذا الفصل من خلال النظر في الكيفية التي أجاب بها أدباء ما بعد مؤتمر ماكيريري، بمن فيهم الروائية تشيماماندا أديتشي، على قضية الخلاف حول الكتابة باللغات الأوروبية واللغات الأفريقية والدور الذي مارسته الترجمة، ويمكن أن تمارسه في تطور الأدب الأفريقي.
إنجليزية ركيكة
في الفصل الثاني يتطرق المؤلف إلى كيف ولماذا استخدم المحررون الذين قدموا أعمال عاموس توتولا للقراء، لغته الإنجليزية المتداعية والركيكة برهاناً على مدى ارتباطه بجذوره العرقية، ومن ثم زيادة جاذبية رواياته. وفي هذا الصدد أشار وانغوغي إلى القيمة والفضاءات الجمالية الناجمة عن عدم تدخل هؤلاء المحررين في تعديل رواية توتولا "سكير نبيذ النخيل"، ثم ألقى نظرة على الطريقة التي أكد بها النقاد الأوائل قدراته اللغوية الضعيفة، وعلى ما قالوه عن سيرته الذاتية باعتباره "قروياً مستعمراً"، واستخدم ذلك معياراً يمكن من خلاله تحليل محتوى وجماليات كتاباته. الفصل الثالث عنوانه "تاريخ أفريقيا المفقود: من أرشيبالد كامبل غوردان المحاصر بين عالمين، إلى نوفايوليت بولاوايو العالقة بين عوالم متعددة وممزقة". وفيه ألقى المؤلف نظرة فاحصة على التحولات الجمالية والسياسية داخل أروقة ودهاليز التقاليد الأدبية الأفريقية، بدءاً من الكتابات الجنوب أفريقية الباكرة. وتفحص رواية غوردان "غضب الأسلاف"، ورواية تشينوا أتشيبي "ليس مطمئناً"، ورواية نوفايوليت بولاوايو "نحتاج إلى أسماء جديدة"، مع التركيز على كيفية معالجة هذه الروايات للمواضيع المتعلقة باللون (أبيض - أسود) والهوية الجندرية والجنس والمواطنة على المستوى المحلي والدولي، علاوة على رصد هذه الروايات للقضايا ذات الصلة بالإمبريالية وإنهاء الاستعمار ومسألة العولمة المتنازع عليها. ثم خلص إلى ما يفضي إلى إمكان قراءة الأدب الجنوب أفريقي المبكر ضمن التقاليد الأدبية الأفريقية، مع التشديد على أن النقد الأدبي الأفريقي المعاصر لا يمكن أن يكتمل من دونه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحمل الفصل الرابع عنوان "تأسيس التقاليد الأدبية الأفريقية: التبعات والفرص"، وتناول فيه المؤلف كيفية تكاتف الكتاب الأفارقة وناشريهم الغربيين والنقد الأدبيين معاً لإنشاء الرواية السياسية الأفريقية وتقنينها. وفي الفصل الخامس والأخير طرح المؤلف عدداً من التساؤلات: ما الأدوات والمفاهيم النقدية التي يجب أن نستخدمها عند مقاربة الأدب الأفريقي المعاصر في ما يتعلق بتقاليده وأعرافه ومعاييره؟ هل يمكن أن نضطلع بذلك من خلال دراسة الكتابات عبر الوطنية أو الكتابات الكونية أو الأفروبوليتانية؟ (الذي ينتقل بين أرجاء العالم لكن له جذوراً ثقافية في أفريقيا)، أو كتابات الشتات أو كتابات المحيط الأطلسي الأسود، أو الكتابات ذات الصلة بالعولمة ومساوئها وكتابات الساخطين عليها.
التقاليد والحداثة
يرصد المؤلف في سياق أدبي محكم وبناء لغوي رصين - بحسب مقدمة المترجم - تاريخ الرواية الأفريقية، الذي يجمع بين التقاليد والحداثة، ويضم تيارات مختلفة وأجيالاً متعددة من الروائيين. ويستطلع الكتاب، على نحو تفصيلي وفي إطار منهجية نقدية محددة، وفي ظل سياقات تاريخية وجيوسياسية متشابكة أعمال عدد كبير من الروائيين من القارة الأفريقية، علاوة على مناقشة روايات عديدة لأبناء الشتات الأفريقي في جميع أنحاء العالم. وعلى ضوء مقاربات اشتبك من خلالها المؤلف مع قضايا التعددية اللغوية والعرق والجنس والهوية ثم الدخول في مناوشات نقدية ومشاكسات أيديولوجية ومقاربات فلسفية مع الآداب الأوروبية وآداب ما بعد الاستعمار، علاوة على سبر أغوار القضايا المتجذرة في الأدب الأفريقي العابر للقوميات والحدود، وغيرها من المسائل الجدلية المطروحة على طاولة البحث العلمي في أرقى المجتمعات الأكاديمية الأورو - أميركية، إبان القرن الـ21. وانتهى المؤلف إلى اعتبار الأدب الأفريقي أدباً عالمياً مصغراً، لأنه يجمع كتابات وإنتاج مئات الكتاب والكاتبات، سواء من يستقرون في أفريقيا ويكتبون باللغات الاستعمارية (الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية)، أم من كتبوا الروايات باللغات المحلية ثم ترجمت إلى لغات الاستعمار، إضافة إلى الأدباء الذين يتحدرون من أصول أفريقية ويتنقلون بين الوطن الأم (أفريقيا) والأوطان البديلة في المهجر، أو الأدباء الخلاسيين المهجنين الذين ولدوا وترعرعوا في المنافي، ولكنهم ظلوا مرتبطين عاطفياً بالقارة السمراء.
ويرى المؤلف أنه لو قرأنا الأدب الأفريقي على نحو منعزل، سيصبح فئة أقل أهمية، لذلك يستحسن تحرير الرواية الأفريقية لتتناول من وجهة نظر عالمية ذات صلة بالآداب الأخرى، علاوة على القراءة المحلية. ويضيف: "بهذه الطريقة لن يتحول الأدب العالمي إلى جزر منعزلة أو سرديات بلا نقاط نهاية أو نصوص تكشف عن قضايا وأطروحات عالمية كأنها لم تتشكل من التاريخ المادي والثقافات المحلية الموجودة بالفعل. ولكن في ظل هذه القراءة يصبح الأدب العالمي مرتبطاً بالواقع المحلي. أي يشكل الأدب العالمي نقطة التقاء للآداب من مختلف الثقافات ومن جميع أرجاء العالم من دون تفضيل أو تسلسل هرمي. وبعبارة أخرى وعلى غرار ما يقوله الفيزيائيون عن الطبيعة، فإن الأدب في ظل هذه القراءة يتحول إلى مجال لا نهائي، مركزه في كل مكان ومحيطه في أي مكان" (ص192).