لم يكن جديدا الطرح الذي كشف عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني حول "تحالف الأمل" أو "مبادرة السلام في هرمز" لتوفير الأمن في مضيق هرمز وبحر العرب، والذي من المفترض أن يعلن عن آلياته في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن اللافت فيه أن إعلان روحاني جاء خلال حفل عسكري استعرض فيه أحدث الصواريخ الإيرانية، حتى تلك الجديدة التي يصل مداها إلى ألفي كيلومتر، وتحدث فيه عن "اليد الممدودة" والكرم الإيراني في "مسامحة المخطئين" مع إيران من دول الجوار، من أجل "التعاون" على حفظ الأمن والاستقرار وإقامة منظومة أمنية إقليمية مشتركة.
ويبدو أن مبادرة روحاني التي ينوي طرحها أمام المجتمع الدولي، في خطوطها العريضة، تقوم في الأساس على بلورة الفكرة التي روّج لها منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 2013، والتي تقوم على أساس بناء "منطقة قوية" بديلا عن المشاريع الأخرى التي تقوم على مبدأ الدولة الإقليمية القوية، وتنسجم مع المشروع الاستراتيجي للنظام الإيراني الذي يعمل للحصول على اعتراف دولي بإقامة نظام أمني إقليمي بمحورية إيرانية وتتولى فيه الدور الأساس، وأن يضمّ كل دول المنطقة، بخاصة الدول الخليجية.
المشروع الذي يحمله روحاني، يحاول فيه تجاوز كل الأحداث التي لعب النظام الإيراني دورا سلبيا فيها خلال العقود الماضية في الإقليم بخاصة وغرب آسيا عامة، من خلال العودة إلى تبني الخطاب الإيجابي تجاه هذه الدول بالدعوة إلى المحبة والتسامح والتعاون من أجل بناء منطقة قوية، في محاولة للقفز على كل التدخلات التي قام بها النظام في طهران في دول المنطقة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى تهديد الاستقرار في الدول الأخرى، ليكون هو بمفرده صاحب الدور المحوري، حتى وإن كان ثمن ذلك جرّ المنطقة إلى مواجهات مدمرة، مستهدفا بالدرجة الأولى الدور التاريخي والمحوري الذي تلعبه السعودية في العالمين العربي والإسلامي.
المساعي الإيرانية الحثيثة من أجل الترويج لحلول سياسية للأزمة المتصاعدة التي تشهدها المنطقة بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر بالتزامن مع تصاعد الخلافات الداخلية حول آلية التعامل مع هذه الأزمة، بين الجناحين الدبلوماسيّ، الذي يمثله روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والعسكريّ الذي كان واضحا في مساعيه لعرقلة الجهود السياسية من خلال اعتماد التصعيد العسكري مع واشنطن ودول المنطقة وإيصال الأمور إلى حافة الانفجار والمواجهة المباشرة، وقد برز ذلك بوضوح من خلال تزامن أول عملية استهداف لناقلات نفط عالمية في ميناء الفجيرة مع الجولة التي قام بها ظريف إلى بعض العواصم الخليجية، والمشروع الذي أطلقه من العاصمة العراقية بغداد بالتوقيع على "معاهدة عدم اعتداء" بين بلاده ودول الخليج، لتكون هذه الدعوة أول مؤلفات الرؤية التي يقوم عليها مشروع روحاني للمنطقة.
المرحلة الثانية من مشروع روحاني تزامنت أيضا مع الجهود الدبلوماسية التي كان قد بدأها ظريف باتجاه دول شرق آسيا، وتحديدا اليابان، التي استفادت من الضوء الأخضر الأميركي لبذل جهود سياسية ودبلوماسية لإقناع النظام الإيراني بفتح باب الحوار مع واشنطن، من خلال الدعوة إلى تشكيل "منتدى للأمن الإقليمي"، وذلك في الفترة التي شهدت أزمة ناقلتي النفط، الإيرانية في مضيق جبل طارق، والبريطانية في مضيق هرمز، وإسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة على مداخل مياه بحر العرب، بما يحمل على الاعتقاد بجديّة الصراع بين جناح عسكري يسعى للتصعيد، وجناح سياسي يرى خطورة ما آلت إليه الأمور وحجم التهديدات التي تفرضها العقوبات الاقتصادية على استمرارية النظام وقدراته على المواجهة والاستمرار، خصوصا وأن المواجهة والتصعيد بين واشنطن وطهران وصلا إلى مرحلة متقدمة تنذر بانفجارها المدمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن مشروع روحاني للمنطقة يقوم في البعد الأول له على مبدأ أن دول المنطقة قادرة على توفير الأمن في الخليج وبحر العرب من خلال تعاون هذه الدول مع بعضها البعض، فإنه في الحقيقة ينطلق، خصوصا في الموضوع الأمني، من المخاوف الإيرانية المتزايدة والمتصاعدة نتيجة الجهود الأميركية المبذولة من أجل تشكيل تحالف دولي للحفاظ على أمن الممرات المائية في المنطقة وسلامة إمدادات الطاقة عبرها، وهي جهود ارتفعت وتيرتها بعد الاستفزازات التي قامت بها طهران والتي استهدفت أمن هذه الإمدادات وتوقيف ناقلات النفط، ما استدعى استنفارا دوليا ورفع مستوى الوجود العسكري الدولي، وتحديدا الأميركي في مياه الخليج وبحر العرب، والذي شكل تهديدا مباشرا لأمن النظام في طهران وإمكانية سحب ورقة أمن مضيق هرمز من خلال طرح "تدويل" إدارته والإشراف عليه، ما يعني تجريد إيران من إحدى أوراق القوى التي تمتلكها في مواجهة الدول العربية. ما يعني أن طهران دخلت في سباق مع الجهود الأميركية المدعومة دوليا وإقليميا لتشكيل تحالف بحري لأمن الممرات، وأيضا استباقا لما قد يطرحه الشريك الروسي من مبادرة في هذا الإطار، والمخاوف من أن تستطيع موسكو تمريرها والحصول على دعم دولي، ما يعني فرض نفسها شريكا على النظام الإيراني في منطقة يرى أو يعتقد أنها المجال الحيوي لنفوذه ولا يريد لأي حليف أو شريك أو خصم مشاركته فيها.
والخوف الأبرز الذي يدفع الرئيس الإيراني للذهاب إلى تبني هذا المشروع أو الطرح، هو انهيار الجهود التي بذلتها إيران على مدى العقود الماضية، خصوصا ما بعد عام 2005، من أجل إبعاد الوجود الأميركي المباشر عن مياه الخليج، وما يشكل ذلك من تهديد كامن لها في حال حصول مواجهة عسكرية، وبالتالي أن لا يشكل هذا الوجود الأرضية التي قد تؤسس لانتقال النفوذ إلى قوات "حلف الناتو"، ما يعني انتقال مهمة محاصرة إيران من أميركية محضة إلى دولية موسعة. وبالتالي تكون مجبرة على تقديم الكثير من التنازلات. وهو ما لم يستطع روحاني إخفاءه في حديثه عن بعض ملامح هذا المشروع، وأن وجود القوات الأجنبية في الممرات المائية يسبّب الكثير من المشاكل والأزمات، متهماً هذا الوجود بأنه يسعى إلى إشعال الحرب من خلال الحشد العسكري الذي أرسله إلى المنطقة وحوّلها إلى مخزن للأسلحة بما يتعارض مع شعار أمن المنطقة.
ومن غير المستبعد أن يذهب روحاني إلى مستوى متقدم في مشروعه بالدعوة إلى إعادة تشكيل "مجلس التعاون الخليجي" على أسس جديدة تنسجم مع دعوة سبق أن قدمها رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم، في القمة الخليجية التي عقدت في الكويت 2013، من خلال تبني تركيبة "7+1"، والتي تعني أن تتوسع دائرة الدول المشاركة في هذا المجلس، لتضمّ إلى جانب الدول الخليجية الست، دولة عربية جديدة هي العراق، بالإضافة إلى إيران، على أن يتم لاحقا دراسة إمكانية ضم دولة اليمن بعد التوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة فيها.
طموح يقوم على شرعنة النفوذ الإيراني في الإقليم على حساب مصالح الدول العربية، إلا أنه في كل مفرداته، القابلة للتحقق أو العصيّة على ذلك، يأتي مدفوعا من إحساس إيراني بأن الأمور قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التهديد الوجودي الذي تواجهه، إن كان بسبب العقوبات الاقتصادية أو بسبب تصاعد احتمالات المواجهة العسكرية، التي بدأت تقترب في ظل استمرار إيران في اختبار التحمّل الدولي لما تقوم به من أعمال استفزازية تهدد استقرار دول المنطقة وأمن الطاقة.