ملخص
أصبح السفر عبر السيارات التابعة للتطبيقات الإلكترونية في الجزائر خلال الأعوام الأخيرة عنوانا للخطر، بعد سلسلة الاعتداءات العنيفة التي تعرض لها سائقون وانتهى معظمها بجرائم قتل أودت بحياة أشخاص من مختلف الأعمار، استهدفتهم عصابات إجرامية للاستيلاء على مركباتهم، في المقابل يتعرض الزبائن أيضاً لخطر الاعتداء عليهم من قبل هؤلاء السائقين.
لم يكُن صعباً علينا إيجاد سائق سيارة تابع لأحد التطبيقات، فبمجرد تحميل التطبيق وتسجيل البيانات الشخصية، تمكنا من تحديد الوجهة التي لم تكُن سوى مدينة الرويبة التي تبعد من الجزائر العاصمة نحو 30 كيلومتراً، وما هي إلا لحظات حتى ردّ أحد السائقين واتصل بنا على رقم الهاتف ليبدأ سلسلة أسئلة وكأننا في تحقيق أمني، فبعد التحية سأل إن كان الزبون شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص، وعن لون الملابس التي نرتديها والوجهة التي نقصدها تحديداً وإن كان المكان داخل المدينة أو في أحياء معينة.
بعد الإجابة عن أسئلته، ومن ثم تأكده أننا لا نشكل خطراً، طلب منا السائق الانتظار في مكان عام، وما هي إلا دقائق حتى توقف أمامنا بسيارته، لنركبها ونتجه رأساً نحو وجهتنا، ونبادره بتحقيق مضاد حول نوعية الأسئلة التي تلقيناها.
يقول سائقنا مراد ب بعد اعتذاره من مساءلتنا، إن نشاط نقل الأشخاص عبر التطبيقات الإلكترونية محفوف بالأخطار، لكنه لم يجد بديلاً عنه وهدفه توفير بعض المال لإعالة عائلته، بخاصة أن مهنته الأصلية كعون أمن بالكاد تسد حاجاته الضرورية، على رغم ارتفاع كلف البنزين وصيانة السيارة والنسبة التي يقتطعها التطبيق عن كل رحلة والتي قد تصل إلى 25 في المئة.
وروى لنا محدثنا قصصاً لزملاء يعرفهم وقعوا ضحايا عصابات إجرامية سلبتهم سياراتهم، بعد استدراجهم وقتلهم في أماكن مهجورة، خصوصاً أثناء المواسم والأعياد الدينية، عندما يكثر الطلب على الخدمات التي توفرها الشركات المالكة لتطبيقات نقل الأشخاص.
ويضيف مراد أنه "أصبح لزاماً علينا طلب معلومات عن الزبون حتى نتفادى كل مفاجأة لا تُحمد عقباها، خصوصاً أن إدارة التطبيقات لا توفر لنا حماية ولا مساعدة قانونية".
ويستدرك أن السائقين مرتبطون بعقود عمل مع التطبيقات، إلا أن هذه العقود مجرد أوراق لا قيمة قانونية لها، إذ وقع كثير من زملائه في قبضة الشرطة التي تعتبرهم ينشطون خارج القانون لأن هذه الشركات لا تمتلك اعتمادات قانونية من وزارة النقل.
جرائم مروعة
في الثاني من يونيو (حزيران) الجاري، عرضت الغرفة الجزائية السادسة في مجلس قضاء الجزائر قضية لسائق سيارة تابع لتطبيق إلكتروني، نجا من اعتداء مسلح عليه نفذه شاب من ذوي السوابق القضائية يقطن في حي باب الوادي الشعبي بالعاصمة.
وفي الـ10 من أبريل (نيسان) الماضي عشية عيد الفطر اهتزت مدينة سيدي بلعباس (غرب الجزائر) على وقع جريمة شنيعة راح ضحيتها ثلاثة سائقين لسيارات أحد التطبيقات، فعثر على جثثهم مدفونة في مزرعة بضواحي المدينة.
وروى النائب العام لمجلس قضاء سيدي بلعباس تفاصيل الجريمة بناءً على تحريات الشرطة، إذ إن مكالمات هاتفية رُصدت بين أحد الضحايا ومشتبه فيه، وعلى أساسها اكتشفت عناصر الشرطة مكان دفن بقية الجثث وتوقيف بقية المشتبه فيهم السبعة الذين تورطوا في الجرائم بهدف سرقة سيارات الضحايا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في بيان النيابة العامة أن "عناصر قوات مكافحة الجرائم الكبرى في أمن ولاية سيدي بلعباس تمكنت من توقيف ستة أشخاص يشتبه في ضلوعهم بجرائم القتل المروعة التي راح ضحيتها ثلاثة سائقين كان قد عُثر على جثثهم مدفونة وسط إحدى المزارع بمدخل بلدية مصطفى بن إبراهيم 30 كيلومتراً شرق عاصمة الولاية سيدي بلعباس".
وبحسب البيان، فإن "مصالح الأمن الولائي لسيدي بلعباس تلقت بلاغاً بتاريخ 31 مارس (آذار) الماضي يشير إلى اختفاء المدعو "ب ج" قبل أن تتلقى المصالح نفسها إشعاراً آخر في السادس من أبريل يؤكد اختفاء شخص آخر يدعى "م ز ع" بعدما سبق للضحيتين أن غادرا منزليهما العائلي على متن مركبتيهما"، مما تبعه صدور أمر عن وكيل الجمهورية لدى محكمة سفيزف يقضي بفتح تحقيق ابتدائي، قبل توقيف ستة من المشتبه في ضلوعهم باستدراج الضحيتين إلى مزرعة هي ملك لعم أحد المشتبه فيهم قبل قتلهما ودفنهما بغرض الاستيلاء على مركبتيهما وبيعهما".
وأضاف أن "تنقّل وكيل الجمهورية بمعية أفراد الأمن الولائي وعناصر الحماية المدنية والطبيب الشرعي إلى المزرعة كان كفيلاً باكتشاف جثة ثالثة تعود للمدعو ’ع م ش‘ الذي سبق أن أعلن مفقوداً بتاريخ الثامن من أبريل على مستوى مصالح الأمن الولائي لتلمسان باعتباره منحدراً من المنطقة".
وأصيب الجزائريون وسكان المنطقة بصدمة كبيرة لدى سماع الخبر الذي نزل عليهم كالصاعقة، خصوصاً أن اكتشاف الجريمة كان قبل يوم من عيد الفطر.
وعلى رغم أن شركات تقديم خدمات نقل الأشخاص عبر التطبيقات، تشترط في السائقين المتعاقدين معها، حسن السلوك، إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث تجاوزات ارتكبها بعضهم، على غرار ما كشفت عنه مصالح فرقة حماية الأشخاص الهشة بالمقاطعة الأولى للشرطة القضائية، حول اعتداء أحد السائقين على عملائه من النساء.
وكشفت الفرقة أن سيدة تواصلت مع تطبيق للنقل وفور صعودها إلى السيارة، أغلق السائق الأبواب وأخذها إلى منطقة معزولة حيث اعتدى عليها.
وبحسب المصدر، فإن الضحية طلبت من السائق أن يعيدها إلى منزلها وفي طريق العودة أوقف الجاني عند حاجز أمني فاعتُقل وحوّل إلى العدالة.
خدمات ومتاعب
ولقيت تطبيقات نقل الأشخاص في الجزائر خلال الأعوام الأخيرة رواجاً من قبل المواطنين، إذ أصبح المسافرون يستخدمونها بصورة يومية في تنقلاتهم، سواء تعلق الأمر بالرحلات القصيرة أو الطويلة، فيما توفر مؤسسات أخرى خدمات نقل السلع أو المشتريات أو توصيل المأكولات.
ولم تمنح السلطات تراخيص رسمية لعمل تلك المؤسسات، البالغ عددها حالياً 17 مؤسسة، فكان والي الجزائر العاصمة الأسبق عبدالقادر زوخ أعطى بعض المؤسسات ترخيصاً فقط، مما يضع تلك المؤسسات وجهاً لوجه مع مصالح الأمن في الطرقات، والتعامل معهم على أساس أنهم سائقون غير قانونيين، وفي حال اكتشف أمرهم تسحب رخص القيادة الخاصة بهم، وتحجز مركباتهم مع إيقاع غرامات مالية عليهم.
ولا تتوقف متاعب شركات النقل عبر التطبيقات عند هذا الحد، إذ وجهت النقابة الوطنية للناقلين بسيارات الأجرة في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، طلبين للتوضيح والتدخل المستعجل، الأول لوزير التجارة وترقية الصادرات والثاني لوزير النقل بخصوص تطبيقات النقل الإلكترونية، واعتبرت "ظاهرة النقل الموازي عن طريق تطبيقات غير شرعية".
وطلبت نقابة سائقي سيارات الأجرة التدخل بموجب سلطة الرقابة ضد ما سموه "كياناً يمارس مهنة تتشابه وتتطابق مع سيارات الأجرة".
فراغ قانوني
وتقول المحامية فريدة عبري إن كل تطبيقات النقل في الجزائر تنشط خارج القانون، ولا تمتلك التراخيص اللازمة من سلطات قطاع النقل، إنما تحوز سجلات تجارية فقط.
وأوضحت عبري لـ"اندبندنت عربية" أن هذه التطبيقات التي لاقت رواجاً لدى المواطنين خلال الأعوام الأخيرة تفتقر إلى الضبط القانوني لأن المشرع الجزائري لم يحدد الإطار القانوني الذي تمارس نشاطها وفقه.
وأضافت أن "مؤسسات النقل عبر التطبيقات الإلكترونية وغيرها على غرار التطبيقات المتعلقة بالطبخ والإقامة والإيواء استغلت الفراغ القانوني لتقديم خدمات جديدة للمواطن كانت تقدمها حصراً المرافق العمومية"، مشيرة إلى أن "الإشكال ليس في طبيعة الخدمات لأنها تحت رقابة الدولة، بل في عدم وجود ضوابط قانونية تحكم هذه التطبيقات بالنظر إلى سرعة الولوج إليها وسهولة إنشائها من جانب التجار والمواطنين بصفة عامة ولجهة ما تقدمه من توفير للوقت والمال على عكس النماذج التقليدية التي تعتمد التعاملات التجارية والخدماتية فيها على مؤسسات قائمة بذاتها وعمال وموظفين".
وقالت عبري إن هذا التطور والسرعة في تقديم الخدمات إلى المواطن، لا بد من أن يرافقه إسراع في سن قوانين لتنظيم هذه التعاملات حتى لا تخرج عن السيطرة وحفظ حقوق العاملين فيها، وأيضاً حفظ حقوق المواطنين في حال تعرضهم للنصب من طرف أصحاب هذه التطبيقات.