Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيرة الحياة اليومية كما ترويها مدونات منصور الهبر

رسوم على الورق تنقل مشاهد من المقهى والرصيف وحركة الناس والعشاق

كل موضوع لديه عشرات الاحتمالات: القهوة والأصدقاء والحب والمرأة والجامعة ورسوم الطلاب وموضوعات أخرى (الخدمة الإعلامية)

ملخص

يسعى الرسام منصور الهبر في معرضه "أشغال على ورق" إلى أرشفة الحياة اليومية في رسوم تتعدد مشهدياً وفنياً وفي المواد المعتمدة. مشاهد مرسومة بعفوية وقوة تحتفل بلحظة إبداعها.

سلسلة أعمال ورقية (75 عملاً) مشغولة في الفترة الممتدة بين 2016 و2023 يطالعنا بها الفنان اللبناني منصور الهبر في معرضه الحالي "أشغال على ورق"، وبمجموعة ضخمة من السكتشات تعرضها غاليري آرت أون 56-الجميزة في ما يشبه المغامرة الفريدة.

وأمام فكرة المعرض تتبادر إلى ذهن المتلقي فوراً أسئلة واستدراكات حول إمكان إقامة معرض فردي لفنان يضم فقط أعماله الورقية، ربما لأن المشاهد قد تعود على رؤية مثل هذا النوع من التجارب في معارض جماعية.

القهوة والأصدقاء والحب

وتردنا فكرة المعرض إلى نوع من الأرشيف، فالأعمال التي اختيرت بعد البحث في أرشيف الفنان حين وجد كمية مهولة من الرسوم فقام بانتقاء الرسوم وفق موضوعاتها، وكل موضوع لديه عشرات الاحتمالات... القهوة والأصدقاء والحب والمرأة والجامعة ورسوم الطلاب وموضوعات أخرى.

وفي حوار مع "اندبندنت عربية" يوضح الهبر "تم اختيار هذه الأعمال بناء على الموضوع أولاً، أما العامل الثاني الذي يأتي بعد الموضوع تلقائياً فيتمثل في المواد التي أنجز بواسطتها بحيث يكون المشاهد أمام الرسم، ومادة الرسم باستيل فحم وقلم رصاص أو حبر، ومن هنا تبدأ القصة بطرح أسئلة أمام المشاهد كيف أرسم وما هي المواد التي تعينني على ذلك".

 

 

وتعول رسوم الهبر في معرضه الحالي على حضور الخلفية التي تبدو كتأسيس للسياق اللوني، ولكنها في أحيان أخرى تبدو كأنها نهايته، وفي بعض الأحيان تبدو هذه الخلفية كبعد يبتلع الحركة ويوقفها عن التمدد وكأن الفنان يقول للناظر والعين إن النظر عمل صعب. والمادة المكون منها العمل ليست مستقلة عن الموضوع بل العكس، الموضوع هو منصة لرؤية تفاصيل هذه المادة وماذا يمكن أن تعني امرأة عارية أو جلسة أصحاب، كلها موضوعات مطروقة، والمشكلة تكمن في طريقة المعالجة.

وأمام هذه الأعمال يخال الناظر أنه أمام رسوم تقريرية أو محاولة توصيف لوني مباشر لما يحدث أمامه في اليوميات، لكن التمحيص فيها قليلاً يردنا إلى اكتشاف أنها تحمل بعداً غير عابر. فهي أشبه بمدونات ومحاولات لأرشفة اليومي بقوالب فنية مع طرح أسئلة لاختلاف المواد وتأثيراتها وأثر تداخلها مع بعضها بعضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحوي الأعمال الورقية نوعاً من التخريب الذي يترافق مع الأسلبة، ومحاولات حثيثة لإدخال عناصر إضافية إلى السكتش وإفراغه من بعضه الآخر، وما ينسب إليها هو القدرة اللونية التي تترافق مع التشخيص.

وللهبر مقدرة لونية مهمة تدفعنا إلى التساؤل عن الموضوع، أين ذهب وكيف أخرج السكتشات من مقاييسها المنطقية إلى منطقة شبه حرة. السكتش كما نراه موضوع في إطار فني ولكنه ليس بقيد، هي رحلة للعمل بوصفه ممارسة فنية ومحاولة سؤال.

 

 

وفي تصريحها لـ"اندبندنت عربية" تؤكد مديرة الغاليري نها محرم "منذ البداية لدي علاقة بالورق ومتحمسة لمغامرة العرض المخصص لأعمال ورقية فحسب، فالورقي هو اختبار للفنان. فأنت حين تقتني عملاً ورقياً تشعر وكأنك دخلت في علاقة معه مختلفة عن أي عمل ومكون آخر". وتضيف لدى سؤالنا عن رؤيتها لما يحصل اليوم في الساحة التشكيلية البيروتية "من دون أدنى شك نشجع كل المشاريع الفنية ونحن حتى النهاية مع التجارب الجديدة، ومع التضامن في هذا الوقت العصيب. ولكن ما نصبو إليه هو الجودة والنوع. ماذا نعرض؟ وكيف؟ وما الهدف؟ كلها أسئلة يجب أن نجيب عنها قبل القيام بأي عمل فني، لأن العمل يكمن في النهاية في المحصلة وفي الأثر الذي يتركه في النفس وفي مدى بقائه عبر الزمن. المهم هو الذي يبقى".

عري الحقيقة وحشمتها

وأمام بعض مجموعات الهبر الورقية يشعر الناظر وكأنه أمام محاولات مكتملة أو مكتظة وأحياناً فارغة سوى من شخص وحيد جالس أو امرأة ممددة، وهذه الأعمال التي تمتد على مسار سبعة أعوام تظهر وكأنها تسير في مسار واحد، فارق الأعوام السبعة لا يجعلنا نشعر بأن هناك اختلافاً بينها، فهي في قالبها وفي إطارها العام واحدة، لا قدرة لها سوى أن تسلم الواحدة للأخرى. والتشخيصات المتتالية والسكتشات المنقولة في مدار الصالة لا يمكن أن ينسب إليها شيء سوى توصيف الحالة والمشهد، ولا تحتمل أكثر من ذلك وربما ذلك فوق طاقتها وفي خلفيتها.

وتتشكل المساحات اللونية شيئاً فشيئاً من تزاحم الوجوه وتكرارها لدرجة أن في بعض المجموعات يمكن للمشاهد أن يرى امرأة ذات وجه واحد، تتوزع أو تنتقل من سكتش إلى آخر. المرأة هي ذاتها لكن في وضعيات مختلفة وفي نظرات هي واحدة وشبه جارحة ومسترسلة.

 

 

نسأل ونحن ننظر إلى الأعمال عن حيثيتها فنجد أنها تنطلق من التشخيص، ونرى أيضاً التجريد المختبئ في بواطن العمل وفي أساسه ما يبدو تصويراً يغدو بالأسلبة تجريدياً، ليس رسماً بل هو بقايا التصوير واصلاً تخوم التجريد، وكأن محاولات الهبر قوامها في تحريفها عن هذا المسار أو ضعضعتها المقصودة والمفتعلة تحريف للتصويرية بمعنى إعادة بنائها من خلال إفراغها.

وتتداخل البقع أيضاً والرسوم مشكلة تباينات من الاحتدام والصفاء، فنرى شخصاً واحداً أو احتشاداً للأشخاص، فضاء صامتاً أو عراء لونياً ينحو به الفنان إلى التخلص من الأشكال بطريقة غدت طبيعية وبعيدة من التكلف والبهرجة، وكأن الهبر هنا لا يرسم بل يغني وسيبقى على هذه الحال لحين استنفاد كل طاقته في هذا النموذج الذي نراه.

وفي أعمال منصور الهبر نبصر العري الذي هو عري الحقيقة، الجسد في محاولاته للحشمة وللاختفاء. انحناءات هذا الجسد واضحة ولكنها ليست عرياً. خطوط وأجساد مرسومة ومرمية بخطوط.

ويمكن أن تتألف أعمال منصور الهبر من كرسي وكتاب ووردة وعناصر أخرى تتضافر كلها لتصنع مشهداً أو قصة قصيرة من أحداث متسارعة، لكنها في إطارها العام تردنا إلى مكان مشتت عبر الوجوه والأجسام المجتمعة خارج وحدتها، وتظهر محاولات الهبر كبقايا لا تؤلف جمعاً ولا تسعى حتى إلى ذلك وكأن الزمن العام الذي يربطها هو مجموعة أعطاب.

المزيد من ثقافة