ملخص
منذ انطلاق البرلمان الحالي، الذي تم انتخابه بعد إقرار دستور جديد حيث هُمشت صلاحياته بشكل كبير، تلقى مكتبه 14 طلباً لرفع الحصانة عن نواب، وتمت الموافقة على طلب وحيد منهم.
أثار قرار البرلمان في تونس عدم رفع الحصانة عن عدد من النواب جدلاً داخل الأوساط السياسية والدستورية حول هذه الآلية وسط مخاوف من أن تتحول إلى ضمانة تكفل للنواب البرلمانيين الإفلات من المساءلة، ومنذ انطلاق البرلمان الحالي الذي انتخب بعد إقرار دستور جديد إذ هُمشت صلاحياته بصورة كبيرة، تلقى مكتبه 14 طلباً لرفع الحصانة عن نواب وتمت الموافقة على طلب وحيد منهم يتعلق بالنائب سامي عبدالعالي، الذي رُفعت عنه الحصانة في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بسبب شبهة الاستيلاء على المال العام.
وينص الفصل الـ66 من الدستور الجديد في تونس على أنه "لا يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والسب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضاً في حال تعطيله السير العادي لأعمال المجلس".
ليست بدعة
الجدل حول الحصانة البرلمانية في تونس ليس وليد اللحظة إذ أُثير هذا الملف في ولاية البرلمان المحلول، خصوصاً بعد ما شهده من أحداث عنف بين نواب آنذاك لكن المسألة لم يتم الحسم في شأنها".
وأفاد رئيس لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي ياسر قوراري بأن "الحصانة البرلمانية ليست بدعة جاء بها مجلس النواب الحالي في تونس أو الدستور الجديد، إذ تعد هذه الآلية في مختلف دساتير العالم ضمانة للعمل البرلماني، وتمكن النائب من الاشتغال في ظروف يقدم خلالها واجبه بصورة جيدة".
وأوضح قوراري لـ"اندبندنت عربية"، "في تقديرنا أن جل القضايا المرفوعة ضد النواب البرلمانيين تتعلق بالعملية الانتخابية أي إنها تتمثل في جرائم انتخابية، وارتبطت بطبيعة القانون الانتخابي الذي تشوبه إشكالات عدة، ومعظم القضايا اتخذت فيها قرارات لمصلحة النواب المعنيين، لذلك لا يمكن أن يشتغل النائب تحت طائلة الضغط".
وشدد على أن "هناك حال تهويل ممنهجة القصد منها تشويه صورة البرلمان الحالي وإرباك عمله، خصوصاً أنه حتى في الدستور السابق كان هناك تأكيد على الحصانة البرلمانية التي هي حق للنائب لذلك نستغرب إثارة هذا الملف في هذه المرحلة".
وأبرز قوراري أن "النواب يحترمون القانون والدستور لكن القانون الانتخابي ينطوي على جملة من المشكلات، لذلك نجد عدداً من النواب يواجهون قضايا أنصفوا في غالبيتها، لذلك أعتقد أن الجدل يستهدف فقط تشويه البرلمان الحالي".
مسألة معقدة
وكان لافتاً بعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021، التاريخ الذي شهدت فيه تونس زلزالاً سياسياً أطاح النخبة السياسية التي أفرزتها انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، مسارعة الرئيس قيس سعيد إلى رفع الحصانة عن النواب بعد تعليقه عمل البرلمان.
ويتألف البرلمان الجديد في تونس من 154 نائباً بدل 217 كانوا موجودين في سلفه، وبات هؤلاء في مرمى الانتقادات أخيراً بسبب مسألة الحصانة التي تسود خشية من سوء استغلالها للإفلات من المحاسبة أو تفشي الفساد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الباحث السياسي نزار الجليدي، "مثل كل برلمانات العالم، مجلس النواب في تونس ليس استثناء، إذ وضع الدستور حدود انطلاق الحصانة ونهايتها، والقضايا التي من شأنها أن تتسبب في رفع هذه الضمانة عن النواب أو الإبقاء عليها".
وأردف الجليدي أن "رفع الحصانة أو الإبقاء عليها تبقى مسألة معقدة في تونس شأنها شأن دول أخرى، وبعض استغل الحصانة البرلمانية خلال الأعوام الماضية لدخول عالم الفساد المالي والسياحة الحزبية والتجارة بالمناصب، لذلك اليوم من المجدي إعادة النظر في هذا الأمر وخصوصاً إعادة صياغة قوانين يتم فيها تفسير دور النائب والوضعيات التي يتمتع فيها بالحصانة".
سوء استغلال
من جانبه، اعتبر الباحث السياسي التونسي محمد صالح العبيدي، أن "الحصانة البرلمانية في تونس كثيراً ما شكلت محور سجالات عنيفة حتى قبل تركيز مجلس النواب الحالي، خصوصاً أن بعض النواب أساؤوا استغلال هذه الضمانة للإفلات من الملاحقات القانونية والمحاسبة، وهو أمر يضرب في مقتل قضية العدل والمساواة بين المواطنين كافة".
وأكد العبيدي أن "التجاوزات التي حصلت في البرلمانات السابقة مع الأسف أصبحت مطية اليوم للدفاع عن الحصانة النيابية، لكنني أعتقد أن الأسلم للبرلمان التعامل مع هذه القضية الحساسة بصورة تضمن له مصداقيته أمام الرأي العام، لا سيما أنه سبق وتعهد أعضاؤه بالقطع مع الممارسات السابقة".
ورأى أن "التعهد بالقطع مع الممارسات التي كانت سائدة في البرلمانات السابقة يجب أن يترجم على أرض الواقع، وإلا فإن صورة البرلمان ستكون على المحك".