ملخص
أجرت الشركة الوطنية التونسية للسكك الحديد تجربة للقطار الرابط بين تونس وعنّابة الجزائرية لإحياء الخط المتوقف منذ عشرات الأعوام، فهل ينعش هذا الربط العلاقات التجارية بين البلدين المقتصرة حالياً على استيراد تونس للطاقة؟
بعد توقف دام حوالى 28 عاماً (منذ عام 1996)، أجرت الشركة الوطنية للسكك الحديد التونسية السفرة التجريبية الأولى لقطار المسافرين بين تونس والجزائر في الـ6 من يونيو (حزيران) الجاري، مما أعاد الأمل في تنشيط حركة المسافرين بين البلدين وبخاصة أن تونس تُعتبر الوجهة السياحية الأولى للجزائريين، إذ تجاوز عدد الجزائريين الذين يزورون تونس سنوياً 1.5 مليون جزائري.
وتوقّـف القطار عن العمل عام 1995 لأسباب أمنية، ثم استأنف الخدمة في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) عام 2003 إلا أنه توقف مجدداً لأسباب تقنية، كما تم تأجيل رحلاته عام 2017.
ويمتد خط الحديد المخصص لنقل المسافرين بين تونس وعنّابة الجزائرية على مسافة 1200 كيلومتر في رحلة تستغرق ست ساعات، وسيمكّن من نقل أكثر من 600 ألف مسافر ليكون الخط متنفساً للمعابر الحدودية التي تشهد ازدحاماً شديداً في فترات ذروة قدوم الجزائريين إلى تونس.
ويُذكر أنه عام 2016 استأنفت حافلات النقل بين البلدين نشاطها بتأمين ثلاث سفرات أسبوعياً بعد انقطاع دام 25 عاماً، كما تُعزّز شركات الطيران رحلاتها بين تونس والجزائر في فصل الصيف في أوج الموسم السياحي.
سفرات يومية بأسعار مناسبة
وكشف الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للسكك الحديد التونسية وفيق بوفايد، أن "أولى الرحلات الرسمية لقطار تونس-الجزائر ستكون قبل أواخر يوليو المقبل" لافتاً إلى أن "القرار يبقى سياسياً مرتبطاً بالتنسيق الدبلوماسي بين البلدين"، وأضاف أن "تسعيرة الذهاب ستكون بين 40 و50 ديناراً، (13 و16 دولاراً) وستكون السفرات يومياً عنّابة-تونس باليوم الأول واليوم التالي تونس-عنّابة".
وأوضح أن "الاستعدادات جارية بالتنسيق مع السلطات الجزائرية لتسهيل تنقل الجزائريين بالتزامن مع الموسم السياحي"، مضيفاً أن "محطة غار الدماء في محافظة جندوبة (شمال غربي العاصمة التونسية) ستكون محطة عبور دولية وسيتم تجهيزها بمعدات الرقابة الأمنية والديوانية".
أما وزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل التونسية السيدة سارة الزعفراني الزنزري خلال لقائها المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديد الجزائرية عاج بوعوني للتباحث في آفاق التعاون المشترك في مجال النقل الحديدي، فأكدت على "ضرورة استيفاء كل الشروط الفنية ومعايير السلامة لاستكمال المرحلة التجريبية للربط الحديدي بين البلدين، وتوافر الظروف الموائمة لإنجاحها بما يضمن ديمومة نشاط هذا الخط مثمّنةً دوره في تسهيل توافد المسافرين والبضائع بين البلدين الشقيقين".
وتواجه الشركة الوطنية للسكك الحديد التونسية بعد عام 2011 صعوبات مالية بسبب تقلّص مداخيلها المتأتية أساساً من نقل الفوسفات في الحوض المنجمي (محافظة قفصة) من مناطق الاستخراج إلى المغاسل في المجمع الكيماوي بقابس.
آفاق واعدة للمبادلات التجارية
واعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية عبدالمجيد البدوي أن "مردودية الربط الحديدي بين تونس والجزائر يجب أن تشمل البضائع والسلع من أجل إنعاش المبادلات التجارية بين البلدين، وأيضاً لإعادة الروح إلى الشركة الوطنية للسكك الحديد التونسية التي تواجه صعوبات مالية خانقة باتت تهدد وجودها" لافتاً إلى أن "واردات تونس من الجزائر غالبيتها في قطاع الطاقة وتسجل عجزاً في الميزان التجاري مع الجزائر، رغم أنها تصدر إليها الصناعات التحويلية والمواد الميكانيكية والموارد المنجمية والفلاحية". ويضيف البدوي أن "الإرادة السياسية متوفرة لتعزيز المبادلات التجارية بين البلدين من خلال إرساء ديناميكية في التبادل التجاري وتحرير حركة المسافرين وأيضاً من خلال إنشاء مناطق حرة على الحدود المشتركة بين الدولتين، واستيعاب الحركة التجارية الموازية التي تنشط على طول الشريط الحدودي".
ورأى أستاذ الاقتصاد أن "الآفاق واعدة في تطوير التعاون التجاري بين الجارتين في ظل سياق سياسي متشابه في الدولتين، ورغبة من رئيسَي البلدين (قيس سعيد وعبدالمجيد تبون) في النهوض بالمبادلات التجارية" داعياً إلى "استغلال عامل القرب الجغرافي لتشجيع المبادلات التجارية وتعزيز المشاريع المشتركة، بما يعود بالفائدة على الشعبين الشقيقين وبخاصة المناطق الحدودية للبلدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يوليو والمشترك السياسي بين البلدين
ويشار إلى أن العلاقات الاقتصادية بين تونس والجزائر كانت تاريخياً رهينة السياق السياسي في كل بلد، وقد راوحت في مجملها ما بين الفتور والتوتر، بينما يتعاون البلدان بصورة جيدة في مواجهة ظاهرتي الإرهاب والتطرف اللتين تعتبران تهديداً مشتركاً.
ووفق صحيفة "الخبر" الجزائرية فإن السلطات في الجزائر "لم تعلن بعد عن موعد إطلاق رحلات القطار بين البلدين للمسافرين، إلا أن بعض التسريبات تحدثت عن رغبة في أن يكون الإعلان الرسمي بالتزامن مع الاحتفال بعيد الاستقلال في الخامس من يوليو المقبل في حال استُكملت كل الترتيبات اللازمة".
ويتزامن شهر يوليو في تونس أيضاً مع ذكرى "عيد الجمهورية"، وأيضاً اتخاذ الرئيس قيس سعيد، في الـ25 منه إجراءات استثنائية أنهى بمقتضاها منظومة الحكم التي أمسكت البلاد بعد عام 2011.
صعوبات مالية وهيكلية
وبينما يأمل أستاذ الاقتصاد عبدالجليل البدوي إنعاش المبادلات التجارية بين البلدين عبر الربط الحديدي، استبعد الرئيس المدير العام السابق للشركة التونسية للسكك الحديد التونسية مختار الصادق، أن يكون لهذا الربط مردودية كبرى على الشركة نظراً إلى "ضرورة توافر عربات جديدة تتطلب تمويلات كبرى بينما تواجه الشركة صعوبات مالية وهيكلية، علاوةً على عدم قدرة الشركة الجزائرية تأمين السفرات ذهاباً وإياباً بمفردها وعلى توافر المعدات لتأمين تلك السفرات".
ودعا الصادق إلى "الاهتمام بالوضعية المالية للشركة الوطنية للسكك الحديد التونسية التي تُعدّ مرفقاً عاماً مهماً ورافداً للتنمية، وبخاصة في مجال نقل الفوسفات والمسافرين".
وفيما تشهد حركة القطارات عبر الخطوط الدولية نشاطاً مطرداً تظل الخلافات السياسية هي العائق الأساس أمام تنفيذ مشاريع النقل بين بلدان المغرب المغربي، على رغم توقيع رؤساء الدول المغاربية عام 1989، في مناسبة تأسيس اتحاد المغرب العربي، اتفاقاً لإنشاء خط سكك حديد يمتد من تونس إلى المغرب مروراً بالجزائر مع ربطه بالطرق السيارة للبلدان المغاربية الخمسة فإن هذا المشروع لم ير النور بعد.