Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميناء عيذاب... النقطة القديمة لحجاج مصر قبل بلوغ مكة

يمثل أهمية كبرى في طريق الحج القديم الذي ينادي بعض المتخصصين بالسعي إلى إدراجه على قوائم التراث العالمي

مقام أبو الحسن الشاذلي بقرية حميثرة الذي توفي في رحلته للحج قبل أن يصل إلى ميناء عيذاب (مواقع التواصل)

ملخص

لا يرتبط الموقع بالتاريخ الإسلامي فقط ولكنه شهد قيام عدة موانئ تعود للعصر البطلمي قبل إنشاء ميناء عيذاب وبالفعل وجدت فيها آثار تعود إلى عصر البطالمة مثل تماثيل صغيرة عليها كتابات يونانية.

سفن وبضائع وصخب وأفواج من الناس قادمين من بلدان شتى، هكذا كانت الحال في "عيذاب"، النقطة الأخيرة في مصر على ساحل البحر الأحمر التي تتجمع فيها قوافل الحجاج قبل ركوب البحر للوصول إلى الشاطئ الآخر عند ميناء جدة، لاستكمال الرحلة الشاقة إلى مكة وتأدية فريضة الحج.

وكان ميناء عيذاب قديماً واحداً من أهم الموانئ المصرية على مدار زمن طويل واكتسب جزءاً كبيراً من شهرته من ارتباطه بطريق الحج القديم، الذي كانت تسلكه قوافل الحجيج المنطلقة من مصر التي كانت تجتمع فيها قوافل المصريين مع قوافل الحج من شمال أفريقيا، التي كانت تنطلق بمحاذاة البحر المتوسط لتصل إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة لتلتقي بالقوافل المصرية المتوجهة إلى الحج، لتنطلق جميعها إلى قوص (جنوب مصر) عبر المراكب النيلية ويستكمل الحجاج الرحلة شرقاً باتجاه البحر الأحمر عبر صحراء عيذاب، وصولاً إلى الميناء الشهير الذي كان النقطة الأخيرة في مصر قبل الانطلاق بالمراكب إلى الشاطئ الآخر في الحجاز.

واستمر هذا الطريق لما يقارب أربعة قرون حتى عهد الظاهر بيبرس الذي فتح طريقاً آخر عبر سيناء، فقل الاهتمام بهذا الطريق حتى تلاشى واندثر الميناء مع الزمن.

ولا يرتبط هذا الموقع بالتاريخ الإسلامي فقط ولكنه شهد قيام عدة موانئ تعود للعصر البطلمي قبل إنشاء ميناء عيذاب، وبالفعل وجدت فيها آثار تعود لعصر البطالمة مثل تماثيل صغيرة عليها كتابات يونانية.

وعن تاريخ وأهمية ميناء عيذاب يقول عضو المجلس الأعلى للثقافة ولجنة التاريخ والآثار المصرية عبدالرحيم ريحان "إن لمنطقة عيذاب والميناء الواقع فيها دوراً تاريخياً كبيراً في تاريخ طرق الحج، فيقابلها من الجانب الآخر بلدة رابغ شمال جدة وعلى بعد 130 كيلومتراً منها، وكانت هي الميناء الوحيد الذي يوصل إلى الحجاز على الجانب الآخر من البحر الأحمر بالنسبة إلى سكان مصر وأفريقيا الراغبين في أداء فريضة الحج، وكان يسكن عيذاب قبائل تعرف بقبائل البجة يبنون بيوتاً وعششاً لخدمة الحجاج واستضافتهم خلال موسم الحج، فهي المرسى الوحيد لكل من أراد الحج من أهل أفريقيا، وتحولت عيذاب إلى مركز لبناء وصناعة السفن من الخشب الذي كان يستورد لذلك الغرض".

حج وتجارة

ويضيف "لم يرتبط ميناء عيذاب فقط بالحج وإنما بالتجارة، فكان له دور في التجارة العالمية العابرة بين الشرق والغرب في العصر الإسلامي، وكانت السفن القادمة من الشرق الأقصى تنتهي إلى عيذاب لتفرغ بضائعها التي يتم حملها براً عبر الصحراء إلى قوص باتجاه الغرب، ومنها تحمل على سفن نيلية لتبحر شمالاً باتجاه القاهرة ومدن الشمال. وظلت عيذاب مرفأ رئيساً للحجاج حتى استخدم طريق آخر عبر طور سيناء، ومن بعدها ضعفت الحركة سواء على مستوى التجارة أو الحج حتى تلاشت وأصبح الميناء جزءاً من التاريخ".

 

 

ويستكمل "ساعد على ازدهار ميناء عيذاب نشاط الصليبيين في بلاد الشام مما هدد طرق القوافل عبر سيناء فتحولت إلى عيذاب، وتوقف درب الحاج المصري زمن الحروب الصليبية فترة لا تقل عن قرنين، وأيضاً أدت أيام الشدة في عهد المستنصر بالله إلى تدهور في دلتا مصر فتحول طريق القوافل الواردة من الغرب إلى عيذاب، وقصد عيذاب الرحالة الأندلسي ابن جبير وقال عنها إنها أحفل مراسي الدنيا بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها وتقلع منها، إضافة إلى مراكب الحجاج الصادرة والواردة. وأشار إلى كثافة الحركة التجارية وبخاصة القوافل المحملة بسلع الهند الواصلة إلى اليمن ومنها إلى عيذاب، وكان أكثر ما شاهد من البضائع التوابل مثل الفلفل الأسود حتى خيل إليه من كثرته أنه يوازى التراب قيمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع مرور الزمن وإنشاء طرق وموانئ أخرى للحجيج والتجارة بدأ يقل الاعتماد على ميناء عيذاب تدريجاً، حتى انتهي وأصبح جزءاً من التاريخ كأشهر ميناء استخدم لنقل الحجيج إلى مكة، وحلت محله موانئ أخرى فيما يتعلق بالحج أو التجارة وأخذت أهمية عيذاب في الانحدار إذ بدأ كل من ميناءي الطور والسويس يحلان محلها، وأصبحت السفن تتجه من عدن إلى الطور أو السويس ثم تنقل بضائعها عبر قوافل برية إلى القاهرة.

في حميثرة سترى

ومن بين جموع المسلمين التي خرجت أفواجاً للحج عبر ميناء عيذاب كان أبو الحسن الشاذلي أحد أقطاب الصوفية وشيخ الطريقة الشاذلية، الذي خرج مع رفقة من أتباعه بينهم أبو العباس المرسي صاحب المقام الشهير في الإسكندرية، وأوصي أبو الحسن الشاذلي تلميذه قبل الانطلاق في رحلة الحج بأن يصطحب خلال الرحلة فأساً وحنوطاً، وعندما سأله التلميذ عن السبب أجابه بالعبارة الشهيرة "في حميثرة سترى".

وخلال رحلة الحج الطويلة والشاقة وفي أثناء المرور على قرية حميثرة الواقعة بالصحراء الشرقية في مصر وافت الشاذلي المنية قبل الوصول إلى مكة، فحفر له تلاميذه قبراً في منطقة حميثرة صار علامة من علامات المكان ومقاماً شهيراً للولي الذي رحل قبل بلوغ ميناء عيذاب والوصول إلى مكة، فعلى مسار الحجاج في طريق الحج القديم وجدت شواهد عدة ارتبطت بهذه الجموع المتوافدة على مدار قرون والتي تركت أثراً في مواضع مختلفة، يدل على أنهم مروا من هنا.

وعن منطقة حميثرة يقول نقيب المرشدين السياحيين في البحر الأحمر بشار أبو طالب "حميثرة قرية صغيرة تقع قرب مرسى علم، ويميزها وجود مقام القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي الذي يزخر بكثير من الاهتمام والتقدير من سكان القرية والمناطق المحيطة بها، ويقام له مولد كبير يتوافد عليه الآلاف من سكان الصعيد والمناطق المجاورة ويكون احتفالية كبرى تشهدها القرية الهادئة كل عام وتعد الحدث الأبرز فيها. فالمصريون في كل أنحاء البلاد لديهم كثير من الاهتمام والتقدير لمقامات الأولياء المنتشرة في أنحاء البلاد كافة، ومن بينهم أبو الحسن الشاذلي الذي قدم من المغرب وعاش في الإسكندرية وتلقى أهلها العلم عنه وكانت له مكانة كبيرة في قلوبهم وكان له كثير من التلاميذ والمريدين".

 ويضيف "هذا الموقع يمكن استغلاله سياحياً بربطه ببعض المناطق السياحية المحيطة ليحصل السائح على تجربة متنوعة، فيمكنه زيارة حميثرة ومحمية وادي الجمال والإقامة لفترة بمنطقة مرسى علم الغنية بالشواطئ الفريدة، ولكن منطقة حميثرة تحتاج إلى بعض الاهتمام وفي المقام الأول إنشاء طريق جيد يربطها بما حولها".

 

 

ويستكمل "طريق الحج القديم على امتداده به شواهد وآثار تعود لعصور مختلفة، من بينها آبار كان يستخدمها الحجاج مثل آبار السيالة والبيضا والفواخير وكان هناك اهتمام كبير من قبل الحكام في مصر بهذا الطريق، حتي أنه كانت توضع أبراج للمراقبة أعلى الجبال وتشعل عليها النار لتضيء للحجاج ليلاً وكان الطريق عامراً بالخدمات، وفي العصر الحديث لا يوجد اهتمام كبير بهذه المنطقة على رغم أنه يمكن إحياؤها والعمل على وضعها على خريطة السياحة الدينية، فطريق الحج القديم يمثل قيمة دينية وروحانية كبيرة إضافة إلى القيمة التاريخية".

الإدراج على قوائم التراث العالمي

وفي إطار الاهتمام بالتراث والثقافة الدينية في مصر طالب بعض المتخصصين بأن تسعى مصر إلى العمل على إدراج طريق الحج القديم على قوائم التراث العالمي لليونيسكو، فهذا المسار كان الطريق الوحيد لكل المسلمين الراغبين في الحج من مصر ودول شمال أفريقيا وارتبط بقوافل واحتفالات كان من بينها خروج محمل كسوة الكعبة الذي كان حدثاً عظيماً في مصر.

ويقول عضو المجلس الأعلى للثقافة عبدالرحيم ريحان "هذا التراث الديني والثقافي ينبغي أن يتم الاهتمام به والعمل على إحيائه، ومن بين الجهود التي ينبغي القيام بها إعداد ملف لتسجيل طريق الحج القديم في مصر كتراث عالمي ثقافي باليونيسكو، فمحطاته باقية بآثارها سواء طريق قوص - عيذاب أو طريق الحج الممتد عبر سيناء، وكذلك العمل على ترميم الآثار الواقعة على هذا الطريق مثل قلعة عجرود وقلعة نخل والآبار والمحطات الرئيسة للحجاج وربطها بخط زيارة واحدة كمسار تاريخي روحاني، يوضع على خريطة السياحة المحلية والإقليمية والدولية".

ويضيف ريحان "هذا المسار يمكن أن يكون عامل جذب للسياحة العربية ولبعض السياح القادمين من جنوب شرقي آسيا وبخاصة مع وجود حال من الاهتمام بالسياحة الدينية في مصر من خلال مشروعات مثل شارع الأشراف وترميم مساجد آل البيت وغيرها من المشروعات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير