Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خط عربات الشام" لاعب أساس ما بين السياسة والأمن

تحول مقر رئيس شعبة الاستخبارات السورية في عنجر إلى محجة للطامحين لكرسي وزاري أو نيابي وصولاً لرئاسة الجمهورية

اجتماع الخيمة الشهير بين الرئيسين فؤاد شهاب وجمال عبدالناصر مارس 1959 (مؤسسة فؤاد شهاب)

يعود تاريخ ما يعرف بطريق الشام - بيروت إلى القرن الـ19، وهو خط عربات الشام.

والشام بطبيعة الحال هي كامل سوريا حينها، وعند الوصول إلى نقطة المصنع – جديدة يابوس، أي المعبر الحدودي الشرقي الذي يصل لبنان بسوريا، لا بد أن يلاحظ العابر أن سائقي سيارات الأجرة والحافلات تعتمد كلمة الشام بيروت، فيما لا يزال عدد من جيل الستينيات والخمسينيات ممن تحدثت "اندبندنت عربية" معهم يعدون عاصمة سوريا الشام.

واليوم يأخذنا هذا الطريق من بيروت إلى وسط دمشق خلال ساعتين فقط، مدة قصيرة لناحية الزمن لا شك، إنما يحمل في طياته السياسية والأمنية والتاريخية الكثير من المحطات والشواهد التي كانت مصيرية، أقله في ملفات لبنانية كبرى.

بداية الطريق

وكان ذلك الطريق وقبل أن يصله الأسفلت وعراً جداً باعتباره يشق دربه صعوداً في الجبال، وكان المسافرون يقطعونه على الدواب، لكن الرحلة كانت خطرة وشاقة تستغرق أياماً، وبطبيعة الحال اعترض المسافرين وناقلي البضائع اللصوص وقطاع الطرق.

وفي عام 1857 قررت حكومة السلطنة العثمانية توسعة الطريق وتعبيده ليصبح قابلاً لسلوك عربات الخيل، واستقدمت شركة فرنسية "شركة طريق الشام العثمانية"، التي باشرت أعمالها ابتداءً من عام 1859 حتى عام 1863 وتحت إشراف المهندس الفرنسي ديمان، وبلغ طول الطريق حينها 174 كيلومتراً وعرضه سبعة أمتار. وافتتح خط بيروت – دمشق في الثالث من أغسطس (آب) 1895.

بنيت حينها محطات توقف للعربات لتبديل الأحصنة كي لا تتعب في 17 موقعاً، وهي صعوداً من بيروت، باتجاه بلدات الحدث، بعبدا، الجمهور، عاريا، عالية، بحمدون، صوفر، رأس الجبل، المريجات، الجديدة، المعلقة، البقاع، رياق، وتدخل إلى سوريا عبر الزبداني، الفيجة، دمر، وصولاً إلى دمشق.

مجتمعات مدينة على طول الطريق

ووفقاً لصفحة "التراث اللبناني" على موقع "فيسبوك" أسهم ذلك في إنشاء مجتمعات مدنية حول تلك المحطات لتتحول لاحقاً إلى مدن وبلدات، وشكلت نقطة جديتا - شتورة وهي منطقة سهلية بين جبل لبنان وضهر البيدر أبرز محطة للمسافرين، وما لبثت أن انتشرت المقاهي والاستراحات، بعضها لا يزال يعمل حتى اليوم.

تلك الفورة جذبت الفرنسي بيار بران، وهو المهندس الذي كلفه الجيش الفرنسي بتصميم طريق دمشق ـ بيروت بشكلها الحالي، إلى الإقامة في شتورة قبل أن يبادر لبناء الفندق المعروف حالياً بـ"مسابكي" عام 1920. كذلك أقيم "كازينو حنوش" عام 1948، الذي سيصبح لاحقاً محطة بما أنه يقع عند منتصف طريق دمشق- بيروت، والذي سيشهد على اجتماعات معظمها سرية، لعدد من السياسيين والمسؤولين اللبنانيين مع ضباط وقادة استخبارات إبان حقبة الوصاية السورية، وذلك لمن لم يكمل طريقه إلى عنجر مقر الاستخبارات السورية، إذ عقدت لقاءات واتفاقيات ومفاوضات تحت مرأى ومسمع إميل حنوش الابن الذي عرف بكاتم أسرار تلك المرحلة.

معتقل عنجر

تلك الحقبة "الرومانسية" ستبدأ بالتغيُر بعد إدخال الطريق في وحول السياسة اللبنانية، وبعدما تحولت لوسيلة للتندر حيناً والنكد أحياناً كثيرة، ولإذلال وتخويف اللبنانيين بمعتقل عنجر، وهو مقر ما كان يعرف بـ"حاكم لبنان" رئيس شعبة الاستخبارات السورية في لبنان غازي كنعان، ولاحقاً رستم غزالة.

وعنجر هي مدينة تبعد 10 كيلومترات عن الحدود السورية و50 كيلومتراً عن العاصمة دمشق، والمعتقل مصنع مهجور قُسم الطابق العلوي منه إلى زنازين عزل صغيرة، ويبعد نحو 300 متر عن مقر الاستخبارات السورية.

واستخدمت القوات السورية هذا المعتقل منذ دخولها إلى لبنان عام 1976، وحتى انسحابها أبريل (نيسان) 2005. 

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت أجهزة الاستخبارات السورية تقوم باعتقالات عشوائية معظم الأحيان وبناءً على رغبات شخصية، وبمساعدة حلفاء سوريا في لبنان في تلك المرحلة، فقد كان يكفي اتصال بسيط من أحد المتنفذين لكنعان أو غزالة حتى يعتقل الشخص المطلوب وينقل إلى أحد فروع مراكز الاعتقال ومنها على سبيل المثال لا الحصر مقر استخبارات بيروت في فندق "بوريفاج"، ومركز توقيف طرابلس في المدرسة الأميركية في القبة-طرابلس.

وكان معتقل عنجر المحطة الأخيرة داخل لبنان لمن نجا من استجواب ولم يطلق سراحه، قبل أن ينقل إلى السجون السورية. ووثقت جمعيات عدة من أسر المعتقلين اللبنانيين ومنظمات غير حكومية أكثر من 600 حالة، إضافة إلى شهادات معتقلين سابقين أطلق سراحهم على مدار سنوات من السجون السورية.

رفات بشرية

وكان "المركز اللبناني لحقوق الإنسان" قد أفاد عام 1999، أنه أبلغ رئيس بلدية مجدل عنجر حينها شعبان العجمي السلطات باكتشاف عظام بشرية ورفات. وعلى رغم ذلك، لم تقدم السلطات اللبنانية بالتحقيق في الأمر، وانتظرت حتى الانسحاب السوري عام 2005 لحفر الموقع، وبحسب الشهادات المذكورة، ووفقاً لمنظمة "العفو الدولية" في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، فإن المقبرة الجماعية كان فيها أكثر من 20 جثة. لكن بعد أشهر عدة، أغلق القضاء اللبناني القضية، مشيراً إلى أن الموقع مقبرة تعود إلى العهد العثماني.

لكن بعضاً من أهالي عنجر تحدثوا حينها وقالوا إن المعتقلين الذين كانوا يموتون في سجن الاستخبارات السورية كانوا يدفنون على التلة (مكان المقبرة)، وإن المقبرة كانت معروفة منذ سنين لكن لم يجرؤ أحد على الكشف عنها بسبب الوجود السوري. وعلق في تلك الأثناء مصدر سوري رسمي على قضية المقابر وقال إنها نتيجة للمعارك التي دارت بين "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع وقوات رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، أواخر الحرب الأهلية اللبنانية.

مقر عنجر محجة الطامحين للكراسي

في كتابه "للحقيقة والتاريخ تجارب الحكم ما بين 1998 و2000"، يروي رئيس الحكومة السابق سليم الحص، أنه "... عاد الرئيس الهراوي (إلياس الهراوي) فكلفني تأليف أول حكومة في عهده وكان من باكورة القرارات التي اتخذتها الحكومة الجديدة تعيين العماد إميل لحود قائداً للجيش. وفي زيارة قمت بها إلى دمشق بعد ذلك، فاتحني الرئيس حافظ الأسد تلويحاً بإمكانية تعيين اللواء سامي الخطيب مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. فاعتذرت عن ذلك متمنياً التفهم لموقفي وكان رئيس الوزراء السوري محمود الزعبي حاضراً اللقاء ولدى خروجي، لحق بي الرئيس الزعبي حتى السيارة، ففتح بابها بعد أن أغلقته وقال لي (أتمنى عليك أن تلبي طلب الرئيس الأسد بتعيين اللواء سامي الخطيب، فاعتذرت، شاكراً له اهتمامه...". لكن اللواء سامي الخطيب عين في ما بعد وفي حكومة الرئيس رشيد الصلح وزيراً للداخلية وأشرف على انتخابات عام 1992".

 ويتابع الرئيس الحص في مذكراته "وكنت أقوم بزيارة اللواء غازي كنعان في عنجر، لبنان، في طريق ذهابي إلى دمشق أو إيابي منها"، فيما يقول سامي الخطيب الذي شغل منصب قائد قوات الردع العربية، "ما دام العرف الذي أسهم السياسيون بتكريسه كان يقضي بالوقوف على باب غازي كنعان ورستم غزالة لنيل الرضا وأخذ التوجيهات حيث كنت ألتقي بالسواد الأعظم من السياسيين، وهذا ما أطلق يد الاستخبارات السورية فقد كانوا يطلبون منا متراً فنعطيهم بدل المتر أربعين".

ويتابع الخطيب "بدأ النظام السوري يتدخل في السياسة اللبنانية من أعلى المستويات إلى أصغرها، يتدخلون مع وزير الخارجية وفي الوقت نفسه مع عريف في الدرك. أصبح غازي كنعان الحاكم الفعلي للبنان، انتخبوا إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية ومن ثم إميل لحود، وكان الرجلان مجرد دميتين بيد كنعان"، وأن "زيارة عنجر كانت ممراً إلزامياً لكثيرين لدخول النيابة أو الوزارة أو حتى الرئاسة. وجدران البيت شاهدة على كثير من أسرار وخفايا الحياة السياسية اللبنانية خلال تلك الفترة".

أما المدير العام السابق للأمن العام والنائب الحالي اللواء جميل السيد، فيقول في مقابلة صحافية عام 2010، " فكانت لي ولغيري من المسؤولين لقاءات مع ممثل سوريا في لبنان سواء في زمن اللواء غازي كنعان أم في زمن العميد رستم غزالة، وهذه اللقاءات الدورية هي من طبيعة التنسيق والمهام القائمة بين البلدين... ولم تكن تقتصر على مسؤولي الأمن بل كانت لمعظم أهل السياسة لقاءات مع ممثلي سوريا".

التهريب عبر المعابر البقاعية

وبعد خروج القوات السورية تحولت نقطة المصنع ومن بعد اندلاع الحرب السورية، مركزاً لعمليات تهريب البضائع والمحروقات، كما الدولارات والبشر، وكانت السلطات السورية قد فرضت على العائدين من الخارج تصريف مبلغ 100 دولار في المصرف التجاري السوري على الحدود بالسعر الرسمي السوري كشرط للدخول إلى بلادهم، مما أدى إلى تنشيط خط التهريب بين لبنان وسوريا.

وشهد معبر جبال "الصويري - بركة الرصاص" غير الشرعي المحاذي لمعبر المصنع في البقاع الغربي، نشاطاً متزايداً في حركة التهريب، إذ يسيطر عليها السماسرة الذين ينقلون النازحين السوريين من منطقة المصنع اللبناني لتهريبهم عبر المعابر غير الشرعية المحاذية، تلافياً لقرار منع العودة الدائمة أو لمدة خمسة أعوام للموجودين بطريقة غير شرعية على الأراضي اللبنانية.

وكان مصدر عسكري أمني وفي حديث سابق لـ"اندبندنت عربية" ومنذ عام 2020، ربط ما بين خروج الدولار من لبنان وعمليات التهريب التي تحصل على الحدود اللبنانية السورية، قائلاً إن "الجيش اللبناني ينفذ خطة انتشار لم تكن متبعة من قبل، وأنشأ لذلك أفواج الحدود البرية، ونشر في البقاع ثلاثة أفواج.

ووفقاً للمصدر حينها، فإن المشكلة هي الأزمة السورية، إذ تمتص الأسواق هناك "الدولار اللبناني" بفضل عمليات التهريب. وجهز "حزب الله" عشرات المعابر للانتقال إلى الداخل السوري، والتبديل العسكري الذي يحصل يومياً أو أسبوعياً، إذ تدخل وتخرج المواكب العسكرية والقوافل والعتاد وفي بعض الأحيان العتاد الثقيل. واستغلت هذا الواقع العسكري بعض العشائر والعائلات القريبة من الحزب التي فتحت لنفسها عشرات المعابر وسميت بأسمائها، معابر ناصر الدين وجعفر وزعيتر وغيرها، وبخاصة في مقلب حوش السيد علي والقصر اللبنانية ومزارع مشاريع القاع، ووفقاً للمصدر عينه، عن "أن عمليات تهريب الأفراد لا تهدأ وكذلك البضائع...".

"حزب الله" ينقل أسلحته وذخائره على طريق دمشق بيروت

في أغسطس (آب) 2023 وفيما كانت شاحنة نقل كبيرة متجهة من البقاع إلى بيروت عبر الطريق الدولية، انزلقت على منعطف بلدة الكحالة، وهو من أخطر المنعطفات على تلك الطريق، وغالباً ما يسجل حوادث سير وانقلاب لشاحنات في تلك النقطة، وبعدما فتح الجيش اللبناني تحقيقاً بالحادثة قال إن الشاحنة كانت محملة بالذخيرة، إذ أعلن "حزب الله" أن الشاحنة تابعة له وأن شباناً كانوا يرافقونها وإن لم يكشف عن نوع حمولتها، وتواردت المعلومات حينها شاحنة "الحزب" انطلقت من البقاع وكانت وجهتها مخيم عين الحلوة جنوب صيدا. تلك الحادثة التي سقط فيها قتيلان استنفرت النفوس وتبادل الفريقان مناصرو "الحزب" وأهالي البلدة ومعارضون لهيمنة الحزب على البلد، الاتهامات والتهديدات، معيدين شبح الحرب الأهلية إلى الذاكرة.  

 

وكانت تلك الطريق قد تحولت بعد اندلاع حرب غزة وإدخال لبنان فيها عبر الحزب إياه، كجبهة إسناد، ومع تواصل التصعيد وتسجيل لعمليات اغتيال تنفذها إسرائيل ضد عناصر وقياديين من "الحزب" وحركة "حماس"، باتت طريق دمشق - بيروت هدفاً للقصف الإسرائيلي إذ سجل في مايو (أيار) الماضي محاولتا اغتيال خلال أقل من24 ساعة، نجا في إحداها قيادي في الحزب بينما قتل القيادي في "كتائب القسام" شرحبيل علي السيد، في بلدة مجدل عنجر على بعد خمسة كيلومترات من الحدود مع سوريا، ويشكل هذا الطريق معبراً أساساً لقياديي "حزب الله" وخط إمداد ينقل عبره شاحنات الأسلحة والذخائر. وخلال حرب يوليو (تموز) 2006، قصف الطيران الإسرائيلي ثلاثة جسور على هذه الطريق، الأول على طريق بيروت- دمشق القديمة قرب صوفر، والثاني المسمى جسر النملية الذي يربط شتورة بضهر البيدر وجسر المديرج بين صوفر وتلال حمانا التي تشرف على بيروت. 

لقاءات دبلوماسية  

إلى ذلك تشهد نقطة المصنع جديدة يابوس اجتماعات سياسية وأمنية تنسيقية بين السلطات اللبنانية ونظيرتها السورية، وبخاصة من بعد الحرب في سوريا، منها اجتماعات الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري، ولوزراء من البلدين.

وإن عدنا بالتاريخ أكثر وتحديدا إلى منتصف القرن الماضي تقريباً، يروي وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس في كتابه "المذكرات"، "على مستوى السياسة الخارجية، انتهج الرئيس فؤاد شهاب سياسة عربية، قامت على التفاهم مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبدالناصر على قاعدة تناغم لبنان مع سياسة مصر العربية مقابل عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وقد كرست هذه القاعدة القمة الوحيدة التي عقدها الرئيسان اللبناني والمصري في اجتماع الخيمة الشهير على الحدود اللبنانية – السورية (منطقة باب وادي الحرير) في الـ25 من مارس (آذار) 1959، علمت في ما بعد أن الرئيس شهاب هو صاحب فكرة الاجتماع.

يومذاك، وصل الرئيس اللبناني إلى منطقة الحدود قبل نظيره المصري، وكان في استقباله رئيس الاستخبارات السورية عبدالحميد السراج، بعد نحو 10 دقائق، حطت الطوافة التي تقل الرئيس عبدالناصر على بعد 40 أو 50 متراً داخل الأراضي السورية، فنظر السراج إلى الرئيس شهاب وقال له: لقد وصل سيادة الرئيس عبدالناصر، ألا تود أن تستقبله يا فخامة الرئيس؟ فأجابه شهاب: لقد حطت طوافة الرئيس عبدالناصر على أرضه، كيف لي أن أستقبله في بلده؟ ثم لا تنس أن سيادة الرئيس، قبل وصوله إلى السلطة، كان عقيداً أما أنا فلواء، وهكذا كان الاستقبال على الحدود بين البلدين، والاجتماع في خيمة نصفها في لبنان ونصفها في الجمهورية العربية المتحدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير