Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النحاس البطل الصامت خلف كواليس التكنولوجيا الحديثة

يظل الخيار الأول في غياب البدائل المنافسة مما يولد عليه طلباً مستمراً وعجزاً بالعرض

سبب هيمنة النحاس تتجاوز خصائصه الأساسية   (أن سبلاش)

ملخص

درجة السلامة العالية التي يؤمنها النحاس تضمن الموصلية الفائقة للكهرباء وتقلل من خطر الحرائق الكهربائية، إضافة إلى طبيعته القوية التي تمنع تآكل وكسر الأسلاك

ربما من المنطقي في عالم مهووس بالتقنيات الحديثة وأدواتها البراقة، أن يبتعد من الواجهة وحدة بناء هذا النظام التقني، اللاعب الأساس غير المرئي في ميدان الصناعات على اختلافها والبطل المتخفي الذي يجعل كل شيء ممكناً، ففي حين تتكرر بشكل مكثف مصطلحات تعد أساس هذا العالم الرقمي، إلا أن الأسلاك النحاسية التي تشكل العمود الفقري للأنظمة الكهربائية الحديثة، غالباً ما تغيب عن القائمة. ومع ظهور الألياف الضوئية، قد يهيئ للبعض أن النحاس أصبح من الماضي.

لماذا النحاس؟

المعدن الطبيعي الأحمر القابل لإعادة التدوير وصاحب الموصلية الكهربائية الاستثنائية والمساهم الأبرز في الكفاءة الطاقية، هو في الحقيقة العنصر الحاسم في نقل الطاقة، إذ يضمن التدفق السلس للكهرباء التي تزود حياتنا الحديثة بالطاقة، ويمتلك الخصائص الفيزيائية اللازمة لتحويل ونقل الطاقة المستمدة من مصادر مستدامة، مثل الطاقة الكهرومغناطيسية والحركية والحرارية الأرضية، إلى حالتها النهائية المفيدة مثل تحريك السيارات أو تدفئة المنازل.

إضافة لكونه خياراً صديقاً للبيئة في الأنظمة الكهربائية الحديثة التي توفر الاستدامة، كما يستخدم كمادة خام في عدد لا يحصى من المواد، ولأن النحاس في الغالب سلعة ذات دورة طويلة، تترك هذه المهلة الطويلة لغالبية إمداداته السوق في وضع محفوف بالأخطار في ما يتعلق بتأمين العرض اللازم لتلبية الطلب المستقبلي المتوقع، لذا من البديهي أن ترتفع أسعار النحاس اليوم لتحفيز الإمدادات المطلوبة لحل مشكلة العجز المحتمل.

لذا ارتفعت أسعار النحاس في الآونة الأخيرة مدفوعة بتوقعات تضييق الإمدادات العالمية وزيادة الطلب من قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة، بخاصة مع انتقال الاقتصاد العالمي إلى تكنولوجيا الطاقة النظيفة التي تتطلب قدراً أكبر بكثير من النحاس مقارنة بالأنظمة التقليدية.

هيمنة مستحقة

تبدو أهمية الأسلاك النحاسية جلية في الأنظمة الكهربائية الحديثة نظراً لتمتع المعدن الأحمر بخاصية التوصيل الحراري والكهربائي، وقدرته الاستثنائية على السماح للإلكترونات بالتدفق بحرية تقلل من المقاومة مما يضمن نقل الطاقة بكفاءة، ليجعله هذا التفوق عنصراً أساساً ومادة خام مهمة في الآلات الصناعية وصناعة البناء والأنظمة الكهربائية.

وكذلك يتمتع النحاس بمرونة عالية تمكن من استخلاصه إلى أسلاك رفيعة من دون خسارة المتانة، وهذا يجعله خياراً مثالياً في التكوينات الكهربائية المعقدة داخل المباني.

وإذا ما علمنا أن الحرارة هي عدو أي نظام كهربائي، سنجد أن درجة الانصهار المرتفعة وخصائص تبديد الحرارة الممتازة التي يتمتع بها النحاس تمنع ارتفاع درجة الحرارة، إضافة إلى ديمومته مع الزمن، إذ يمكن لنظام الأسلاك النحاسية المثبت جيداً أن يستمر عقوداً مع أقل قدر من الصيانة، الأمر الذي يترجم إلى راحة بال وتوفير في التكاليف على المدى الطويل يقدرها كل من أصحاب المنازل والشركات.

 

لكن الحقيقة أن سبب هيمنة النحاس تتجاوز خصائصه الأساسية، إذ تنضم إلى مجموعة الخصائص السابقة مروحة من الأسباب التي تجعله الخيار المفضل، على رأسها درجة السلامة العالية التي يؤمنها النحاس، إذ تضمن الموصلية الفائقة له الحد الأدنى من فقدان الطاقة مثل الحرارة، الأمر الذي يقلل من خطر الحرائق الكهربائية، إضافة إلى طبيعته القوية التي تمنع تآكل وكسر الأسلاك.

وعلى رغم أن التكلفة الأولية للأسلاك النحاسية قد تكون أعلى قليلاً من بعض البدائل، فإن عمرها الطويل ومتطلبات الصيانة الدنيا والموثوقية الشاملة تجعلها حلاً فعالاً على المدى الطويل، إضافة إلى أن قدرة النحاس على التعامل مع الأحمال المتزايدة تجعله مناسباً تماماً للحاجات المتطورة للأنظمة الكهربائية الحديثة التي تتطلب وجود بنية تحتية قوية وموثوقة. وبذلك تظل الأسلاك النحاسية الخيار الأول، لكن هل من بدائل مناسبة للنحاس؟

بدائل ضعيفة

في الواقع توفر الأسلاك النحاسية أفضل تجربة استخدام مع حد أدنى من العيوب ودرجة عالية من الأمان، وعلى رغم وجود بعض البدائل للنحاس فإنها غالباً ما تأتي مع عيوب كبيرة، فالألومنيوم على سبيل المثال، على رغم أنه يميل ليكون أرخص تكلفة فإنه يتمتع بموصلية أقل تتسبب في فقدان طاقة أكبر، إضافة إلى مشكلات تتعلق في ارتفاع درجة الحرارة، والمخاوف المستمرة من قابليته للتآكل، الأمر الذي يشكل بدوره مخاوف تتعلق بالسلامة.

أما الألياف الضوئية التي تعد بديلاً آخر للنحاس، ففي حين أنها تتفوق في نقل البيانات، إلا أنها غير مناسبة لنقل التيار الكهربائي. إلا أن الأسلاك النحاسية تظل بطل الأنظمة الكهربائية الحديثة بلا منازع والخيار الموثوق والمسؤول الأول الذي لا غنى عنه في العديد من الصناعات لتمتعها بدرجة موصلية لا مثيل لها ومتانة وسلامة وفعالية من حيث التكلفة.

ارتفاع منطقي

وبحسب تقرير منظمة "بلومبيرغ أن أي أف" البحثية لعام 2023، قد تقفز أسعار النحاس بنسبة 20 في المئة بحلول عام 2027 مع ارتفاع العجز في العرض، واليوم نظراً لارتفاع الأسعار الذي بدأ بالفعل، فإن سوق النحاس تدخل فعلياً فترة من العجز المتصاعد، فالزيادة الكبيرة هذا العام تسلط الضوء على الطلب القوي وظروف العرض المحدودة التي تؤثر في السوق، إذ يتصادم العرض المحدود مع الطلب المتزايد الناجم عن زيادة استخدام الكهرباء في البلدان النامية وحاجات البلدان المتقدمة المتزايدة للكهرباء لتغذية التكنولوجيا المختلفة، مثل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي والبطاريات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب بنك غولدمان ساكس، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع الطلب على المعادن المهمة من قبل قطاعات الذكاء الاصطناعي والدفاع إلى وصول أسعار الذهب والنحاس إلى مستويات قياسية هذا العام.

وبحسب تقرير للبنك الاستثماري، فإن مجموعة من العوامل التكنولوجية والجيوسياسية والاقتصادية مهدت الطريق لبدء صعود سوق السلع الأساسية، التي ستشهد ارتفاع أسعار النحاس إلى أعلى مستوياتها عند 12 ألف دولار للطن، وأسعار الذهب إلى 2700 دولار للأونصة بحلول نهاية 2024.

والحقيقة أن عوامل عدة تسهم في هذه الزيادة، منها استثمار الصين الضخم في تعزيز البنية التحتية للبلاد، الذي سيزيد بشكل كبير من الطلب على المعادن الصناعية، بما في ذلك النحاس، فضلاً عن معاناة العديد من المناجم في جميع أنحاء العالم من مشكلات الإنتاج، الأمر الذي ينعكس على السوق ويدفع النحاس إلى مستويات غير مسبوقة، وتسهم المخاوف العالمية بشأن محدودية إمدادات النحاس من المناجم في الضغط التصاعدي على الأسعار.

وكذلك سيزيد التحول إلى الطاقة الخضراء من أهمية النحاس، إذ يلعب دوراً حاسماً في تقنيات الطاقة النظيفة، مثل السيارات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة المتجددة، لذا سيعزز التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء الطلب على النحاس على المدى الطويل، إضافة إلى أن انتعاش نشاط التصنيع في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين بعد فترة من الانكماش أسهم في إحياء الطلب على السلع الصناعية، بما في ذلك النحاس.

اتحاد كل هذه العوامل تدفع أسعار النحاس إلى آفاق جديدة، ومع استمرارها في التأثير في السوق، يبدو أن النحاس سيحافظ بجدارة على دوره الحاسم في التقدم الصناعي والتكنولوجي.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم